لكتابة بالضوء
رانية عقلة حداد
في السينما اتجاهات وقضايا

(الكتابة بالضوء) عنوان الكتاب السينمائي الذي صدر مؤخرا للناقد البحريني أمين صالح وهو من اصدارات مسابقة أفلام السعودية2008، سابقا عندما تم اختراع التصوير الفتوغرافي أطلق عليه الرسم بالضوء لأن الكاميرا كانت بمثابة ريشة يرسم فيها الفنان ويسجل ما يطبعه الضوء على الفيلم الحساس كلقطة، لاحقا انتقل هذا التعبير إلى السينما، ولأن الفيلم يتكون من مجموعة لقطات مولفة بحيث تطرح رؤية المخرج كما لو أنه كاتب يسجل أفكاره بالضوء على الشريط الحساس، كان تعبير الكتابة بالضوء هو الأقرب إلى عدد من السينمائين؛ مخرجين ومصورين ومنهم المصور الإيطالي فيتوريو ستورارو، الذي بالنسبة له الضوء يكشف المظاهر والأوجه اللاواعية في الفيلم، ويسبر غور الالتباس واللا يقين
هكذا يخصص أمين صالح حيزا ليعرفنا بأحد أهم المصورين السينمائيين في العالم، ويقدم لنا تجربته المتنوعة كأحد الشخصيات الثمانية التي يتناولها الفصل الأول من كتابه، تحت عنوان "شخصيات سينمائية"، وإذ تتنوع الشخصيات في جنسياتها وفي الحقبة الزمنية التي عاشت فيها، الأ أن لكل منها اهميته الخاصة في عالم السينما، وينتقل من شخصيات تم تناولها سابقا بشكل موسع في عالمنا العربي كالمخرج الروسي تاركوفسكي الذي يتصدر هذا الفصل - سبق للناقد أن ترجم له كتاب "النحت في الزمن" – والامريكي شارلي شابلن، إلى شخصيات لم يتم تسليط الضوء عليها عربيا كما ينبغي مثل؛ المخرج الأسباني فيكتور ايرثيه، والممثل والمخرج الأمريكي الكوميدي باستر كيتون، ونلمس أسلوب يوحد تقديم هذه الشخصيات – باستثناء المقابلة مع المخرج الإيراني عباس كياروستامي- حيث نتعرف على تاريخ ومكان الولادة والخلفية التاريخية والواقع السياسي الذي عاشت في ظلها هذه الشخصيات وتأثرت به، وكذلك استعراض أعمالهم، وتحديد مواضع القوة في مشروع واسلوب كل منهم، ومقابل قراءة الناقد هذه لكل شخصية يعمد في نهاية كل مقال إلى ترجمة بعض أقوال الشخصيات أو أجزاء من حوارات أجريت معها، حيث الشخصيات تقدم نفسها بنفسها وتلقي الضوء على زاوية جديدة فيها.
بعض تلك الشخصيات لم تنجز عددا كبيرا من الأعمال؛ ف تاركوفسكي أنجز فقط سبعة أفلام، وفيكتور ايثيه ثلاثة أفلام، وهذا يؤكد أن عدد الأفلام ليس معيارا للتميز والابداع، إنما أهمية ما يقدم شكلا ومضمونا ولو كان فيلما واحدا.
اتجاهات وقضايا
يجدر الإشارة أن الكتاب هو عبارة عن مجموعة من المقالات التي سبق وأن نشرت في الصحف، ثم جمعت في هذا الكتاب وفق فصول حمل ثانيها عنوان "اتجاهات وقضايا"... وضمت ست مقالات منها ما تناول سينما بلدان كـ "قراءة في السينما الهندية"، و"انطباعات عن السينما المصرية"، وآخرها تناول العلاقة بين المنتَج (الفيلم) وبين المتلقي (الجمهور)، وبما أن السينما هي فن تركيبي يجمعها علاقة مع باقي الفنون فتم تناولها في ثلاث مقالات؛ "بين الرواية والفيلم"، "الفيلم والفن التشكيلي"، "الموسيقى والفيلم"، ومن خلال أول مقالاتين تم التعرض لخصائص كل وسيط (السينما، الادب، الفن التشكيلي) والمقارنة بينهم نقاط الالتقاء والاختلاف، وكيف أثر كل منهم في الاخر، أما الموسيقى والتي تمنح التجسيم للصورة أو المعنى الثالث يترجم الناقد اجوبة مجموعة من المخرجين حول كيف يمكن للموسيقى أن تثري وتعزز الفيلم على نحو افضل.
أفلام
إذا كان أمين صالح قدم لنا في أول أبواب الكتاب ملامح شخصيات سينمائية متنوعة الجنسيات، ففي ثالث الأبواب وآخرها يعود ليطوف بنا في قارات مختلفة (أسيا، أوروبا، الأمريكيتين)، ليقدم هذه المرة بعض أهم أفلامها المعاصرة في قراءة نقدية يثري بها معرفتنا، ونتعرف من خلالها على تجارب متباينة في مضامينها وأساليبها، منها الفيلم الكوري " الربيع، الصيف، الخريف، والشتاء، ثم الربيع"، الهندي "مياه"، الإيراني "عشرة"، الفلسطيني "يد الهية"، الدنماركي "دوغفيل"، الإيطالي "غرفة الابن