معماري كردي يوثق السليمانية القديمة رقميا حفاظا على تراثها من الاندثار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معماري كردي يوثق السليمانية القديمة رقميا حفاظا على تراثها من الاندثار

    معماري كردي يوثق السليمانية القديمة رقميا حفاظا على تراثها من الاندثار


    أمجد القره داغي: لا عذر للحكومات في عدم توثيق ما تبقى من المعمار التراثي.
    السبت 2024/09/14
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    تراث معماري مهدد بالاندثار

    يواجه التراث المعماري في مدينة السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق خطر الاندثار، جراء الانهيار والتجديد والاستغلال الخاطئ، وهو ما يحاول المعماري العراقي البروفيسور أمجد القره داغي التحذير منه، محاولا التدخل من جانبه بتوثيق معالم المدينة رقميا، داعيا كل السلطات والجهات المعنية إلى التدخل السريع.

    غرست أسرته العريقة في قلبه حب العلم والتراث منذ الصغر، فجسد ذلك في مسيرته التي تكللت بالحصول على أرفع لقب أكاديمي، وتنفيذ مشروع طالما حلم به للمحافظة على الأبنية التراثية في مدينة السليمانية، كجزء من الهوية التاريخية والوطنية، والحث على ضرورة ترميمها وإعادة استخدامها بنحو يتناسب مع وظيفتها وقيمتها الاعتبارية، لما لذلك من فوائد اقتصادية وثقافية واجتماعية وتنشيط للحركة السياحية في آن معا.

    إنه المهندس المعماري د. أمجد محمد علي القره داغي، البروفيسور في كلية الهندسة جامعة السليمانية، الذي قاد مشروعا رائدا للمحافظة على التراث المعماري في مدينته، وكلل جهده بإعداد خرائط رقمية تفصيلية للمدينة القديمة، وإصدار كتاب موسوعي أنيق عنها باللغتين الكردية والإنجليزية.
    تراث معماري غني



    معمار يواجه خطر الاندثار


    قال البروفيسور أمجد القره داغي إن السليمانية “تتمتع بتراث معماري غني وجميل برغم عمرها القصير نسبيا مقارنة بباقي المدن العراقية كالعاصمة بغداد أو الكردستانية كعاصمة الإقليم أربيل إذ لا يتجاوز عمرها 240 عاما (تأسست عام 1784)، لكن ذلك التراث يفتقر إلى توثيقه والمحافظة عليه من الاندثار والضياع والتغول العمراني”، ويشير إلى أنه قاد وخطط ونفذ مع مجموعة من المهندسين المخلصين من أبناء مدينة السليمانية مشروعا رائدا وكبيرا لتوثيق ذلك التراث وفق أسس علمية رصينة وكان ذلك المشروع حلم صباه من أيام دراسته في البكالوريوس.

    ويضيف أن التراث المعماري لمدينة السليمانية القديمة بات “مهددا بالضياع لأسباب متعددة، لذلك اقترحت فكرة توثيق التراث المعماري في المركز التاريخي للمدينة على كل من المهندس عادل المولوي مؤسس مؤسسة ستي لاب ومديرتها د. جرو حيدر لاسيما أن المؤسسة كانت شراكة علمية بين جامعة السليمانية وشركة فيو بايونير التي يرأسها المهندس عادل المولوي، وذلك بعد أن لمست استعدادهما للإسهام بتقديم عمل مفيد للمدينة”.

    ويبيّن “لقد فوجئت عند بدء العمل بالمشروع عام 2016 بعدم وجود خرائط تفصيلية للمدينة القديمة فتمت الاستعانة بالصور الجوية التي حصلنا عليها من البلدية وشكلت مع المؤسسة المذكورة آنفا فريقا من المهندسين المتطوعين لإجراء المسح الأولي اللازم لنحو ستة آلاف ملك يتراوح بين بيوت أو جوامع أو حمامات أو مدارس أو أبنية تجارية أو مقاه وغيرها”.

    ويوضح القره داغي أنهم “تمكنوا من إعداد خرائط تفصيلية ملونة للمنطقة القديمة من مدينة السليمانية التي تقارب مساحتها 2 كلم مربع، وفقا لعوامل عدة لاسيما استعمال الأراضي وعمر الأبنية والقيمة التاريخية وبذلك أنجزنا الخطوة الأولى”، ويلفت إلى أن الخطوة الثانية لهم “تمثلت بالتوثيق الفعلي للأبنية المستهدفة البالغ عددها نحو 115 بناية منها أكثر من 90 دارا وعدة جوامع وأسواق وحمامات ومدارس وغيرها وإعداد خرائط ومقاطع معمارية تفصيلية ودقيقة لكل واحدة منها وتدقيقها لمرات عديدة حيث استمر ذلك نحو خمسة أعوام”.

    ويذكر أنهم “قرروا نشر ما توصلوا إليه من معطيات في كتاب يسهم في توثيق التراث المعماري للسليمانية ويكون مرجعا للباحثين والمهتمين بالعمارة الكردية بعامة والهندسة المعمارية لمدينة السليمانية بخاصة وقد تم ذلك عام 2022 بمجلدين كبيرين”، ويلفت إلى أن المشروع برغم “تعرضه لصعوبات بل ومضايقات غير متوقعة إلا أنه وفضلا عن الجهود الكبيرة لمؤسسة ستي لاب ومؤسسها ومديرتها فإنه حظي بدعم كبير من جامعة السليمانية ورئيسها السابق البروفيسور د. رضا حسن حسين وعميد كلية الهندسة البروفيسور د. سيروان الزهاوي، فضلا عن جهود جهات أخرى متعددة ذكرت في الكتاب بالتفصيل فيما تولت شركة آسيا سيل التكاليف المادية لعملية الطباعة النهائية للكتاب”.

    وبشأن أبرز المخرجات التي توصل إليها، يقول البروفيسور أمجد القره داغي، إنها “تتلخص بعدة نقاط أولها سوء إدارة الأبنية والمواقع التراثية في المدينة خلال العقود الماضية ما أدى إلى اندثار الآلاف من الأبنية ذات القيمة التاريخية والتراثية والمعمارية الكبيرة وهي سمة مشتركة تعاني منها غالبية المدن العراقية مع الأسف الشديد”، وينوه بأنه لاحظ “عدم وجود إطار قانوني حقيقي وفعلي وواقعي يحمي الأبنية التراثية ويحافظ عليها بنحو يتيح استخدامها كما ينبغي، فضلا عن عزوف أغلب المعماريين والأكاديميين عن القيام بأعمال التوثيق العلمي الحقيقي والمتوازن للأبنية التراثية سواء في الإقليم أم العراق”.
    نسخة كردية


    الأبنية في السليمانية لا تختلف عن نظيراتها في المدن الإسلامية، إنها نسخة كردية من العمارة الإسلامية

    يتابع أنه لاحظ أيضا “عدم وجود توثيق علمي متكامل وشامل للمراكز التاريخية في المدن العراقية برغم ما تمتلكه تلك المدن ومنها السليمانية من إرث معماري بالغ الأهمية لا يقل أهمية عما تمتلكه باقي الحواضر الإسلامية، جراء إهمال الجهات المعنية وعدم اهتمامها”، ويرى أن ذلك “أدى إلى زيادة اندثار تلك المراكز وفقدانها وتناسيها لاسيما بعد التطور السريع الذي شهده البلد بعد 2003 وزيادة حركة البناء والعمران”.

    وتتميز العمارة التراثية في مدينة السليمانية بخصائص فريدة، بحسب البروفيسور أمجد القرداغي، الذي يقول إن تلك العمارة “تقترب بنحو كبير يصل إلى حد التطابق مع سمات العمارة التراثية لمدن كردستان الشرقية (إيران) لاسيما مدينة سنندج (عاصمة محافظة كردستان الإيرانية) وذلك على عكس العمارة التراثية في مدن غرب كردستان (أربيل ودهوك) التي تعد أكثر قربا لتلك الموجودة في كردستان الشمالية والشرقية (تركيا وسوريا)”، ويواصل أن نسبة المندثر من الأبنية التراثية “يصل إلى أضعاف ما تبقى منها إذ لا تتجاوز نسبة المتبقي من تلك الأبنية الربع في أغلب الحالات”.

    ويوضح أن السمات المعمارية للأبنية التراثية في السليمانية “لا تختلف كثيرا عن نظيراتها في باقي المدن الإسلامية أي أنها نسخة كردية من العمارة الإسلامية إن جاز التعبير”، ويستدرك أن بيوت السليمانية “تعالج أنماط الخصوصية بأسلوب يختلف جزئيا عما هو موجود في أنماط العمارة الإسلامية الأخرى إذ أنها تعد أكثر انفتاحا من مثيلاتها في باقي المدن كونها تكون على الأغلب محاطة من جانبين ولا يوجد أي مثال منها يحاط فيه الفضاء الوسطي (الحوش) من الجهات الأربع بينما يكون ذلك الفضاء في غالبية بيوت المدن الإسلامية الأخرى كبغداد مثلا محاطا من الجهات الأربع ما أدى لأن يضيف المصمم أو البناء الكردي لبيوت السليمانية مجموعة إضافات معمارية للمحافظة على خصوصية الفضاءات الداخلية للمسكن لم نجدها في مثيلاتها في باقي المدن”.

    وبشأن التفاصيل المعمارية الخارجية للأبنية التراثية في السليمانية، يقول البروفيسور القره داغي، إنها “تغلب عليها الأقواس (العقود) العباسية والنصف دائرية ولا تخلو من الأقواس ربع الدائرية فيما تتسم الأزقة والشوارع في المنطقة القديمة بكونها عضوية التشكيل أي أنها تخلو من الشوارع المستقيمة والشطرنجية مع كونها أوسع وأعرض من مثيلاتها في باقي المدن الإسلامية، ربما للسماح بدخول أكبر لأشعة الشمس أيام البرد الشديد”، ويضيف أن مساجد المنطقة القديمة في السليمانية كانت “بسيطة وذات مخططات غير معقدة تشبه البيوت ولكن بمقياس أكبر وتخلو على الأغلب من السمات المعمارية الداخلية والخارجية التي تميز مثيلاتها في باقي المدن الإسلامية”.

    ويوضح أن المدينة القديمة في السليمانية كانت “تضم عددا كبيرا من الحمامات المبنية وفق أسس معمارية ووظيفية جيدة إلا أن أغلبها قد دمر أو تهدم ولم يتبق منها شيء”، ويستطرد أن المدينة القديمة في السليمانية كانت “تضم أيضا عدة خانات وأسواق لم يبق إلا القليل منها التي لا تزال تحتفظ جزئيا بسماتها المعمارية القديمة كقيصرية النقيب والأسواق المجاورة لفندق فرح. أما المدارس القديمة فقد اندثرت بالكامل باستثناء بيت أو اثنين كانا يستخدمان كمدارس ومن أهم المدارس التي هدمت المدرسة الفيصلية التي بنيت في عهد الملك فيصل الثاني عام 1939”.
    خطوة جيدة لم تكتمل




    ويدعو البروفيسور أمجد القره داغي الحكومة المحلية في السليمانية إلى ضرورة “استكمال خطوتها الجيدة بامتلاك الأبنية التراثية وترميمها للمحافظة عليها من الاندثار”، ويلفت إلى أن البلدية “استملكت قرابة 17 دارا تراثيا وأنهت ترميم بعضها إلا أن الأزمة المالية التي يعاني منها الإقليم حالت دون استكمال ذلك العمل”.

    ويذكر أن مدنا مهمة في الإقليم كمدينة حلبجة “لا تزال تضم أبنية تراثية رائعة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب الإهمال والهدم المنظم بحجة التطوير كما أن ما تبقى من قرى كردستان (كقرى هورامان مثلا) هي الأخرى تضم نماذج رائعة ينبغي الالتفات إليها وتوثيق ما تبقى منها سريعا قبل أن تندثر”.

    ويرى البروفيسور ضرورة أن “تلتفت الجهات الحكومية والجامعات والجهات المختصة وبلديات المدن في العراق عموما وفي الإقليم خصوصا إلى القيام بمشاريع توثيق شاملة لما تبقى من التراث المعماري لتلك المدن، رغم قلة ما تبقى منها، فما لا يدرك كله لا يترك جله أو جزؤه، وإذا ما كان للحكومات بعض العذر في عدم التمكن من ترميم تلك الأبنية وتأهيلها بسبب المشاكل الاقتصادية فإنه لا عذر لها في عدم توثيق ما تبقى من النماذج المعمارية التراثية”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    باسل الخطيب
    صحافي عراقي
يعمل...
X