"ناس الغيوان" ثورة فنية في المشهد السوسيو - ثقافي المغربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "ناس الغيوان" ثورة فنية في المشهد السوسيو - ثقافي المغربي

    "ناس الغيوان" ثورة فنية في المشهد السوسيو - ثقافي المغربي


    "الإرث الغنائي للغيوان لا يزال مستمرا حتى اليوم، فالمجموعة لم تترك بصمة قوية في الحقل الموسيقى المغربي فحسب، بل ألهمت أيضا العديد من الفنانين المعاصرين".
    السبت 2024/09/14
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    حركة ثقافية عبرت عن هموم الأجيال بالموسيقى

    الدار البيضاء (المغرب) - تعد مجموعة “ناس الغيوان” الموسيقية، التي تأسست في سبعينات القرن الماضي بالحي المحمدي بالدارالبيضاء، إحدى المجموعات الموسيقية الرائدة في الحقل الفني المغربي المعاصر، والتي شكلت بدايات “الزمن الجميل” لما أصبح يعرف بظاهرة المجموعات، حيث لم تعمل هذه الفرقة على إعادة إحياء الموسيقى بالمغرب فحسب، بل اضطلعت أيضا بدور حاسم في تأثيث المشهد الثقافي الشعبي.

    وبحسب أستاذ الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق حسن حبيبي، فإن مجموعة “ناس الغيوان” تتميز بنهجها الفني المبتكر الذي أثر بشكل عميق في الثقافة الشعبية والأنماط الموسيقية التقليدية، إلى حد أن هذا التأثير تجاوز الحدود وحافظ على توهجه خلال مسيرة طويلة واستثنائية.

    وأضاف أن “نجاح هذه المجموعة لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تقاسم وتبادل الأفكار بين العديد من الفنانين الشباب خلال تلك الفترة (موسيقيين، فكاهيين وفاعلين في المجال الفني) الذين اضطلعوا بدور حاسم في دعم وتكوين هذا المشروع الفني الجريء.


    حسن حبيبي:"ناس الغيوان" رحلة مدروسة متجذرة بعمق في التراث المغربي


    لقد تشكلت المجموعة في سياق اجتماعي وثقافي معقد، في وقت كانت فيه الضرورة تفرض توفير وإعطاء صوت لتطلعات المغاربة وواقعهم. وهكذا، استطاعت فرقة “ناس الغيوان” تجاوز السطحية التجارية من خلال ابتكار نمط موسيقي يحتفي بالقيم الجماعية ويقف ضد النرجسية والشهرة المفرطة.

    وأضاف حبيبي أن موسيقى “الغيوان” لم تكن مجرد تعبير فني منفصل عن الواقع، بل كانت رحلة فكرية مدروسة ومتجذرة بعمق في التراث الشعبي المغربي، مشيرا إلى أن المجموعة ومن خلال التقاط اللحظات المشرقة والسخاء العاطفي لهذا التراث، تمكنت من الكشف عن الطاقات الكامنة وتحريرها.

    إن قوة تجربة “ناس الغيوان” نابعة من الأوساط التي ترعرع فيها أعضاؤها المنحدرون من الطبقات الشعبية بمدينة الدار البيضاء، وخاصة الحي المحمدي الأسطوري، حيث يحمل كل فرد من المجموعة خلفية ثقافية خاصة به.

    وقال حسن إن الحمولة الفنية لـ”ناس الغيوان” جسدت مقاربة صادقة وجريئة، كما كرست إحداث ثورة في الثقافة المغربية مع الحفاظ على الوفاء للواقع الاجتماعي المغربي، الشيء الذي جعل من موسيقاهم فنا ذا تأثير قوي لدى عشاق هذا اللون الغنائي المتميز.

    في البداية، كان لحماس وإصرار أعضاء المجموعة مثل بوجميع والعربي بطمة دور حاسم، حيث إن تشبثهم بالحفاظ على التراث والحكايات الشعبية و”العيطة” يجسد تمسكهم بالأرض وتراث أجدادهم. وهي اختيارات أكسبت فرقة “ناس الغيوان” شعبية سريالية ستبقى موشومة إلى الأبد.

    وفي هذا السياق، وجب تأكيد المساهمة الفعالة للفنان عبدالعزيز الطاهري في ترسيخ خصوصية المجموعة من خلال إدخال فن الملحون على أغاني ناس الغيوان، مما أضاف سحرا وروعة إلى مزيج فني لم يجرؤ عليه أحد من قبل.

    ويرى أستاذ الصحافة المغربي أنه رغم أن بوجميع استمر مع ناس الغيوان لمدة ثلاث سنوات فقط، إلا أن عمق وتأثير مساهمته كانا كبيرين، حيث كان بمثابة القلب النابض للمجموعة. عندما أسس ناس الغيوان، فعل ذلك برؤية واضحة: خلق موسيقى لا تسلي فحسب، بل تجسد التطلعات والحقائق الاجتماعية الصعبة.

    ويضيف أن بوجميع جلب معه تقليدا شفهيا غنيا طوره بفضل قربه من والدته التي كانت مصدر إلهامه الرئيسي. واستطاع الاعتماد على هذه الجذور لصياغة لغة فنية جديدة، حيث تحمل الإيقاعات والكلمات رسائل عميقة، ففي كل نغمة عزفها وكل كلمة قالها، كان بوجميع يدافع من خلالها عن قضية اجتماعية.

    أدت وفاة بوجميع عن عمر يناهز 30 عاما، إلى تغيير مسار مشروع إعادة الابتكار الموسيقي، مما ترك فراغا كبيرا داخل الفرقة. ومع ذلك، كان تأثيره قويا جدا إلى درجة أن المجموعة ظلت تحمل بصمات عبقريته حتى بعد رحيله، فقد أثرى خزانة الغيوان بالعناصر التقليدية التي تحتاج إلى حياة جديدة.

    "ناس الغيوان" تظل أيقونة خالدة، تاركة إرثا دائما لا يزال يتردد صداه في المجتمع المغربي المعاصر

    ويقول حسن حبيبي “لذلك من الضروري الحديث عن فترتين متميزتين في تاريخ ناس الغيوان: فترة عهد بوجميع وتلك التي بدأت بعد وفاته. ولا بد من القول إن المجموعة في عهده كانت مدفوعة بشعلة إبداعية شديدة تغذيها لهجة أكثر انتقادا”.

    من جهتهما، ركز عمر السيد وعلال يعلى جهودهما على استكشاف الإيقاعات والأغاني التقليدية المهددة بالانقراض. فهذا التنوع في المواهب والاهتمامات داخل المجموعة أتاح لهم المجال لتطوير بديل فني جمالي.

    وبالنسبة لمحمد بلحاج، المدير السابق لفرقة “ناس الغيوان”، فإن الفرقة، ومن خلال تقديم شكل جديد من الموسيقى الشعبية، تمكنت من إحداث ديناميكية ثقافية جديدة ميزت المشهد الموسيقي في المغرب وبلدان أخرى. وقال بلحاج إن هذه المجموعة لها أيضا تأثير قوي على المستويين السياسي والاجتماعي، فأغانيها النقدية كانت صوتا للانشغالات الشعبية وعاملا في تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي في المغرب.

    وأكد أن “الإرث الغنائي للغيوان لا يزال مستمرا حتى اليوم، فالمجموعة لم تترك بصمة قوية في الحقل الموسيقى المغربي فحسب، بل ألهمت أيضا العديد من الفنانين المعاصرين”. ويتواصل تأثير المجموعة في الموسيقى الشعبية المغربية الحديثة، حيث ينكب الفنانون الشباب على استكشاف هذا التراث الموسيقي والاستلهام من معانيه.

    وتابع بلحاج أن كلمات أغانيهم حساسة وتلامس انتظار الطبقات الاجتماعية المحرومة، ومليئة بالاستعارات والإشارات إلى الواقع اليومي، مضيفا أن “الحفلات الموسيقية الاعتيادية والألبومات المجمعة، والتكريم الذي حظيت به المجموعة يشهد على الاعتراف الأبدي بعمل هذه الفرقة الموسيقية ذات الصيت العالي في عالم الفن والموسيقى”.

    وخلص المدير السابق للمجموعة إلى أن “ناس الغيوان” تظل أيقونة خالدة، تاركة إرثا دائما لا يزال يتردد صداه في المجتمع المغربي المعاصر. كما أن رحلتهم تبين كيف يمكن للموسيقى أن تكون بمثابة وسيلة قوية للتعبير الثقافي والتغيير الاجتماعي.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X