ظافر العابدين لـ"العرب": أفضل الإنتاج وأحب العمل على أفلام اجتماعية إنسانية حكاياتها تشبهنا
"صوفيا" أحدث أفلام الفنان التونسي يرى النور بعد 12 عاما على كتابته.
السبت 2024/09/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
من المؤتمر الصحفي للإعلان عن فيلم {صوفيا}
عرف الجمهور ظافر العابدين ممثلا، ثم سرعان ما خاض تجربة الإخراج والإنتاج، وهو اليوم بصدد تحويل أول سيناريو كتبه إلى فيلم، يعبر من خلاله عن أفكاره ورؤيته لبعض المسائل المهمة التي قد يعيشها أفراد المجتمعين التونسي والعربي، عبر حكاية إنسانية اجتماعية تؤكد موهبته كفنان شامل، لا يقتصر حضوره على الوسامة الجسدية، وإنما “الوسامة” الفكرية أيضا.
قبل نحو 12 عاما، حلم الممثل التونسي ظافر العابدين بخوض تجربة كتابة السيناريو، فكتب سيناريو فيلم “صوفيا” الذي استوحى الفكرة العامة له من تجربته الشخصية، لكنه ركنه جانبا وانشغل بإثبات نفسه ممثلا تونسيا ثم عربيا ومن ثمة مخرجا ومنتجا سينمائيا، فقد كان حينها يصعد درجاته الأولى في سلم الشهرة.
هذا العام، يعود الممثل إلى حلم الشباب، ليبث فيه الروح من جديد، ويقرر تصويره بعد نضوج تجربته الفنية ومراكمته خبرات وتجارب وعلاقات، تجعل هذا الوقت هو المناسب لكي ترى حكاية “صوفيا” النور.
تجربة أكثر نضجا
فيلم يركز على تحديات الهوية والانتماء والترابط الأسري من خلال قصة زواج أب تونسي مهاجر غير نظامي بأم إنجليزية
يقول ظافر لـ”العرب” إن “العقبات الإنتاجية حالت دون خروج الفيلم إلى النور طوال هذه السنوات، فهو في السابق لم يكن قادرا على إقناع المنتجين بظافر المخرج أو السيناريست لعدم امتلاكه التكوين المختص أو التجربة الكافية لذلك، لكنه اليوم، وبعد أن لعب العديد من الأدوار في مسلسلات تونسية وعربية، وبعد أن أخرج لنفسه فيلمين سابقين، وخاض مغامرة الإنتاج، تحول أول سيناريو سينمائي حلم بتصويره إلى واقع يمكن تنفيذه”، كل ذلك كما يصفه “بفضل إصراره وعزيمته على خوض التجربة بأكملها”.
“لم أتوقف يوما عن التفكير في هذا المشروع، كان حلما يراودني لسنوات، والآن شعرت بأن الوقت مناسب لتحقيقه خاصة بعد تطور تجربتي في الإخراج”، هكذا وصف المخرج تجربته في فيلمه السينمائي الثالث خلال مؤتمر صحفي.
وأعلن الفنان عن أحدث أفلامه يومين قبل البدء في تصويره، الذي سينطلق في الرابع عشر من سبتمبر، وذلك بعد ستة أسابيع من التحضير المكثف، اختار فيها صحبة فريق العمل مواقع التصوير المناسبة ووزع فيها الأدوار على الممثلين الذين اختارهم ليخوضوا معه هذه التجربة.
يركز “صوفيا”، وفق العابدين، على تحديات الهوية والانتماء والترابط الأسري، من خلال قصّة زواج أب تونسي مهاجر غير نظامي بأمّ إنجليزية أنجبا فتاة تُسمى صوفيا، تعيش العائلة تحديات اجتماعية كبيرة حتى يتّم ترحيل الأب إلى تونس ولا يستطيع العودة إلى بريطانيا. بعد خمس سنوات تلتحق به الزوجة والابنة للبحث عنه، وهناك تتخذ الحكاية مسارا جديدا.
وقال الفنان إنه سيشارك في هذا الفيلم الروائي الطويل مجموعة من الممثلين لعل أبرزهم التونسية – الإسبانية هبة عبوك والتونسي – الألماني قيس السبتي والممثلين البريطانيين جيسيكا براون فندلي، وأليكس ماكوين، إلى جانب الفتاة الصغيرة التي تلعب دور بطلة الفيلم صوفيا والتي رفض الفنان الإفصاح عن هويتها قائلا إنها “اكتشاف مهم يترك للجمهور فرصة التعرف عليه عند عرض الفيلم”.
الفيلم سيصور بين مواقع متعددة تشمل العاصمة تونس وضواحيها، إضافة إلى العاصمة البريطانية لندن، مما يضفي عليه بعدا دوليا.
فنان يسترق النظر إلى واقعه
ويقول العابدين إن ذلك تطلب منه البحث عن ممثلين يجيدون اللغة الإنجليزية، خاصة من الممثلين التونسيين، حيث يتنقل فريق الفيلم بين تونس وبريطانيا ويصور نموذجا من الحياة قد يعترض أي مهاجر تونسي غير شرعي، ولم لا مهاجرين عرب آخرين؟
واعتماد الفيلم بنسبة كبيرة على اللغة الإنجليزية، يمنحه بعدا عالميا ويضفي على قصته الإنسانية المحلية طابعا أكثر شمولية، لكنه يضفي أيضا بعدا جديدا على تجربة ظافر العابدين منتجا ومخرجا، بعد أفلام خاطب فيها الجمهور التونسي والسعودي ومنهما الجمهور العربي، وعن ذلك يقول “الفيلم يمثل لي تحديا شخصيا، ليس فقط لأنه أول عمل أكتبه، بل لأنه يجمع بين ثقافتين ويخاطب جمهورا متعدد اللغات والثقافات”.
هذا الفيلم يعد تجربة ظافر العابدين الثالثة حيث سبق أن أخرج فيلما تونسيا بعنوان “غدوة (غدا)” ثم فيلما سعوديا بعنوان “إلى ابني” بعد أن عمل كمساعد مخرج لمدة سنة ونصف السنة.
ويقول الفنان في تصريح لـ”العرب”، “أسير بخطوات ثابتة، وأنا مستمتع بتجربة كل التخصصات، وبالعمل على أفلام اجتماعية إنسانية حكاياتها تشبهنا. واليوم أنا بصدد العمل على فيلمي الثالث، ولا أشعر أن الجمع بين التمثيل والكتابة والإخراج والإنتاج قد يضر مهمة على حساب أخرى، أو يتسبب في إضعاف عنصر من عناصر الفيلم على حساب تقوية عنصر آخر، فأنا أعمل وفق فريق متكامل دونه لا يمكنني القيام بكل هذه المهام مجمعة”.
لكنه يؤكد أن “أكثر ما أفضله الآن هو العمل على الإنتاج، فهو يمنحني مساحة أكبر من الحرية في العمل، لكن التمثيل والإخراج هما أكثر ما أحب في هذه الصناعة”.
ومثلما يتنقل بين التمثيل والإخراج والإنتاج، والآن كتابة السيناريو، تجد ظافر العابدين يتنقل أيضا بين تجارب متنوعة الهوية والمواضيع، فهو تارة بطل في مسلسل أو فيلم تونسي، وطورا نجم في مسلسل مصري أو عربي، تجده أحيانا في الدراما التلفزيونية كما في الفن السابع، لا يهاب خوض التجارب المتنوعة، ولا يصم أذنيه عن النقد والأفكار المضادة. استطاع أن يثبت خلال عقد ونصف أن وسامته وإن كانت قد منحته تذكرة لدخول عالم التمثيل وحجزت له مكانا في قلوب المعجبين إلا أن الإصرار ومراكمة التجارب هما ما ضمن له النجاح وخاصة إصراره على أن يقدم أعمالا فنية تشبه أفكاره وتقدم صورا من المجتمعات التي ينتمي إليها.
"جنتلمان" الشاشة
تجارب مشجعة
كثيرة هي أعمال العابدين الفنية خارج المنطقة العربية، فقد شارك في العديد من المسلسلات والأفلام منذ تخرجه من كلية برمنغهام للخطابة والدراما عام 2002، لكن شهرته في تونس كانت مع مشاركته في مسلسل “مكتوب” عام 2008، بشخصية “محمد علي” (دالي)، شخصية منحته رواجا وجذبت له المعجبين خاصة من النساء.
وكانت أول أبوابه نحو الشهرة العربية مسلسل “فرتيجو” عام 2012، عن قصة أحمد مراد ومن بطولة هند صبري ونضال الشافعي ومن إخراج عثمان أبواللبن.
وفي موسم رمضان 2013 شارك في مسلسل “نيران صديقة” مع منة شلبي وعمرو يوسف ومجموعة من الفنانين الشباب ومن إخراج خالد مرعي. ثم شارك في مسلسل “فرق توقيت” وهو من تأليف محمد سليمان وإخراج إسلام خيري ومن إنتاج رايت ماركتينغ وبطولة ثامر حسني.
وتتالت أعماله في الدراما المصرية والتي كان أكثرها شهرة وتحقيقا لمتابعة جماهيرية “حلاوة الدنيا” الذي جمعه بالنجمة التونسية هند صبري، وتطرقا خلاله إلى مرض السرطان وثبت من خلاله ظافر اسمه كأحد أهم الممثلين الشباب في الدراما العربية. ثم جاء مسلسل “ليالي أوجيني” ليؤكد ذلك، حيث وقف بطلا أمام أمينة خليل، إنجي المقدم، كارمن بصيبص، وأسماء أبواليزيد وآخرين. وتلا ذلك أيضا مسلسل “تحت السيطرة” الذي جمعه بالنجمة المصرية نيللي كريم، ولعب فيه دور الزوج الذي يحاول انتشال زوجته من إدمان المخدرات.
ثم شارك البطولة في المسلسل اللبناني “كاراميل” إلى جانب الممثلة ماغي بوغصن والذي تحول لاحقا إلى فيلم بعنوان “حبة كاراميل”، ويحكي قصة حياة مايا (ماغي بوغصن) التي تنقلب رأسا على عقب بعد تناولها الكراميل الذي يعطيها القدرة على سماع أفكار الرجال، ويصبح رجا (ظافر العابدين) الشاب الثري الذي عاد من أوروبا مؤخرا هو هدفها الجديد.
بعد ذلك انتقل الفنان نحو مجال إبداعي أكثر اتساعا عبر الدراما التركية المعربة، حيث لعب دور البطولة في أول مسلسل تركي معرب، وهو “عروس بيروت” النسخة العربية لـ”عروس إسطنبول” إلى جانب ممثلين لبنانيين وسوريين من أشهرهم تقلا شمعون ورفيق علي أحمد ومحمد الأحمد وكارمن بصيبص وغيرهم.
مهما تنوعت الشخصيات التي تقمصها فقد أظهر ظافر العابدين أداء هادئا لا يعتمد المبالغة في الانفعالات
هذا المسلسل الرومنسي كانت نتيجة مشاركته فيه أن منحه الجمهور لقب “جنتلمان الشاشة”، وزاد من شعبيته لدى جمهور الدراما في المنطقة العربية.
ومن المنتظر أن يعود الفنان إلى الدراما المصرية بعد غياب نحو ست سنوات، عبر مسلسل بعنوان “سكة السلامة” من المقرر أن يبث في رمضان 2025.
كما يشارك في الجزء الثالث من المسلسل المصري “البحث عن عُلا” من بطولة هند صبري والذي سيُعرض قريبا على منصة “نتفليكس”.
هذه الخطوة جاءت بعد أن جسد دور البطولة في فيلم “أنف وثلاثة عيون” الذي قدم معالجة سينمائية معاصرة لرواية إحسان عبدالقدوس تحمل العنوان ذاته للفيلم. وتدور أحداثه حول الدكتور هشام جراح (ظافر) الذي تجاوز عمره الأربعين دون أن يستطيع الالتزام بعلاقة عاطفية واحدة، ويخوض ثلاث تجارب عاطفية مؤثرة في حياته، آخرها مع فتاة تصغره بخمس وعشرين عاما.
كثيرة هي مشاركات الفنان التونسي عربيا، ولا يمكن المرور عليها جميعا، لكن سواء في الدراما المصرية أم المعربة، تمكن ظافر العابدين من الإقناع بموهبته وبقدرته على إجادة اللهجتين المصرية واللبنانية، ومهما تنوعت الشخصيات التي تقمصها، فقد أظهر نطقا سليما وأداء هادئا لا يعتمد المبالغة في الانفعالات سواء بحركاته أو تعبيرات وجهه الذي يعد مفتاحه الأول لإقناع المشاهدين.
رغم ذلك، رأى البعض أن هيئة الممثل تتشابه في أغلب الأدوار التي شارك فيها، وحتى حين لعب دور مصاص دماء (فامباير) في فيلم مصاصي الدماء الشهير “خط دم” الذي كان بطلا فيه إلى جانب نيللي كريم، فقد ظهر بشكل أقرب إلى شكله في أغلب الأدوار التي لعبها سابقا، فكان ذلك الشاب الأنيق الهادئ الذي يمثل ببساطة ودون تصنع.
شهرة عربية
مستمتع بالتجربة ولا أشعر أن الجمع بين التمثيل والكتابة والإخراج والإنتاج قد يضر مهمة على حساب أخرى
خارج تونس، حققت العديد من الممثلات نجاحا كبيرا وضمن لأنفسهن مواقعا مهمة ضمن نجوم الصف الأول منهن هند صبري ودرة وعائشة بن أحمد، لكن أسماء الممثلين من الرجال قليلة جدا إن لم تكن بالفعل تنحصر في الممثل فتحي الهداوي. هذا لا يعني أن الكثير من الممثلين التونسيين أمثال محمد علي بن جمعة وغانم الزرلي وغيرهما، لم تكن لهم بصمة في الدراما العربية، بل كانت لهم مشاركات مهمة في أعمال عربية وخاصة المصنفة ضمن الدراما التاريخية، إلا أنها مشاركات لم تمنحهم الشهرة العربية التي يستحقونها.
ويبدو أن ظافر العابدين قد كسر هذه القاعدة السائدة منذ سنوات، وصار واحدا من أهم رموز الفن التونسي خارج تونس، رغم أنه لم يخض بعد تجربة الاشتغال على مسلسلات تتحداه بأن يلبس أثوابا تخرجه من صورة “الرجل الوسيم” و”الحبيب الرومنسي” وترمي به ربما في أتون الحروب التاريخية أو تلبسه عباءة الفكر والفلسفة أو الطب والكرة وغيرها بملامح مختلفة تكسر نمطية الصورة القريبة من شكله الحقيقي.
وما يثبت أن ظافر العابدين اليوم هو واحد من أهم الأسماء الشابة في تونس، اشتغاله على تنويع مشاركاته وموارد إنتاج أعماله، فهو أحيانا ينتجها بشكل مستقل وأحيان أخرى يلقى دعما كبيرا من جهات متنوعة منها المملكة العربية السعودية التي دعمت فيلمه “إلى ابني” الذي كان تذكرته نحو السينما السعودية الناشئة والتي تعيش زخما كبيرا، حيث قدّم شخصية رجل سعوديّ عائد من غربته البريطانية إلى مدينته أبها للتصالح مع ماضيه وأبيه.
ظافر العابدين يعود إلى حلم الشباب ويقرر تصوير فيلم "صوفيا" بعد نضوج تجربته الفنية ومراكمته للخبرات والتجارب
كما يشارك في فيلم فلسطيني جديد بعنوان “كل ما قبلك” من إخراج آن ماري جاسر. وجرى تصوير الفيلم في الأردن تحت إدارة المخرجة الفلسطينية، وبمشاركة الممثل البريطاني العالمي جيريمي أيرونز. أما القصة فتعود إلى عام 1936، تلك الحقبة التي قاد خلالها المزارعون الفلسطينيون ثورة ضد الاستعمار البريطاني.
عن هذا الفيلم بالذات، قال الفنان إنه فيلم “يجب أن يصل إلى كل العالم فهو فرصة لرواية حكاية غير معروفة ومنسية”، مشددا على أن “كل ما قبلك” فيلم “لا يقتصر على سرد الأحداث التاريخية، بل يسلط الضوء بشكل أكبر على تفاصيل الحياة اليومية للمزارعين الفلسطينيين خلال فترة الاستعمار البريطاني ومقاومتهم وتحدياتهم للاحتلال في تلك الحقبة الزمنية الحرجة”.
خاض ظافر العابدين تجربة التمثيل بلغات عديدة وبلهجات عديدة أيضا، منها اللهجة المصرية واللبنانية والآن الفلسطينية، كما مثل كثيرا بلهجته التونسية، لكن ذلك اقتصر على أفلامه ذات الهوية التونسية، وفي إجابة عن سؤال متى نرى ظافر العابدين يلعب أدوارا بلهجته التونسية في أعمال عربية، يجيب “الأمر متروك للصدفة وللزمن.. قد يحدث مستقبلا، وأرغب جدا في أن يحدث ذلك وأكون من أول الممثلين التونسيين الذين يلعبون أدوارا بلهجتنا وينقلون خصوصيتها للجمهور العربي”، لكنه شدد على أن “المسألة تتعلق بعملية الإنتاج كليا، أنا لست من الممثلين الذين يفرضون شروطهم على صناع الدراما، ولا أحب التدخل في الحكاية وإعادة صياغتها من أجل أن تلاءم اللهجة، فكما هو معلوم، من أجل الإقناع بإدخال اللهجة التونسية على الدور تجب إعادة صياغته بالكامل وإعادة خلق لملامح الشخصية وموقعها من الحكاية والأحداث وغيرها”.
هذه المسألة وإن كانت ممكنة في زمن أصبحت فيه الكتابة الدرامية تخط على قياس النجوم ووفق رغباتهم، وظافر نجم وله معجبون وتراهن عليه شركات الإنتاج، إلا أنه يرفض أن تكون الأدوار على “قياسه وضوابطه”، ويعتبر أن التعريف به “ممثلا تونسيا” يكفي ليكون واحدا من رموز الفن في بلاده.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حنان مبروك
صحافية تونسية
"صوفيا" أحدث أفلام الفنان التونسي يرى النور بعد 12 عاما على كتابته.
السبت 2024/09/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
من المؤتمر الصحفي للإعلان عن فيلم {صوفيا}
عرف الجمهور ظافر العابدين ممثلا، ثم سرعان ما خاض تجربة الإخراج والإنتاج، وهو اليوم بصدد تحويل أول سيناريو كتبه إلى فيلم، يعبر من خلاله عن أفكاره ورؤيته لبعض المسائل المهمة التي قد يعيشها أفراد المجتمعين التونسي والعربي، عبر حكاية إنسانية اجتماعية تؤكد موهبته كفنان شامل، لا يقتصر حضوره على الوسامة الجسدية، وإنما “الوسامة” الفكرية أيضا.
قبل نحو 12 عاما، حلم الممثل التونسي ظافر العابدين بخوض تجربة كتابة السيناريو، فكتب سيناريو فيلم “صوفيا” الذي استوحى الفكرة العامة له من تجربته الشخصية، لكنه ركنه جانبا وانشغل بإثبات نفسه ممثلا تونسيا ثم عربيا ومن ثمة مخرجا ومنتجا سينمائيا، فقد كان حينها يصعد درجاته الأولى في سلم الشهرة.
هذا العام، يعود الممثل إلى حلم الشباب، ليبث فيه الروح من جديد، ويقرر تصويره بعد نضوج تجربته الفنية ومراكمته خبرات وتجارب وعلاقات، تجعل هذا الوقت هو المناسب لكي ترى حكاية “صوفيا” النور.
تجربة أكثر نضجا
فيلم يركز على تحديات الهوية والانتماء والترابط الأسري من خلال قصة زواج أب تونسي مهاجر غير نظامي بأم إنجليزية
يقول ظافر لـ”العرب” إن “العقبات الإنتاجية حالت دون خروج الفيلم إلى النور طوال هذه السنوات، فهو في السابق لم يكن قادرا على إقناع المنتجين بظافر المخرج أو السيناريست لعدم امتلاكه التكوين المختص أو التجربة الكافية لذلك، لكنه اليوم، وبعد أن لعب العديد من الأدوار في مسلسلات تونسية وعربية، وبعد أن أخرج لنفسه فيلمين سابقين، وخاض مغامرة الإنتاج، تحول أول سيناريو سينمائي حلم بتصويره إلى واقع يمكن تنفيذه”، كل ذلك كما يصفه “بفضل إصراره وعزيمته على خوض التجربة بأكملها”.
“لم أتوقف يوما عن التفكير في هذا المشروع، كان حلما يراودني لسنوات، والآن شعرت بأن الوقت مناسب لتحقيقه خاصة بعد تطور تجربتي في الإخراج”، هكذا وصف المخرج تجربته في فيلمه السينمائي الثالث خلال مؤتمر صحفي.
وأعلن الفنان عن أحدث أفلامه يومين قبل البدء في تصويره، الذي سينطلق في الرابع عشر من سبتمبر، وذلك بعد ستة أسابيع من التحضير المكثف، اختار فيها صحبة فريق العمل مواقع التصوير المناسبة ووزع فيها الأدوار على الممثلين الذين اختارهم ليخوضوا معه هذه التجربة.
يركز “صوفيا”، وفق العابدين، على تحديات الهوية والانتماء والترابط الأسري، من خلال قصّة زواج أب تونسي مهاجر غير نظامي بأمّ إنجليزية أنجبا فتاة تُسمى صوفيا، تعيش العائلة تحديات اجتماعية كبيرة حتى يتّم ترحيل الأب إلى تونس ولا يستطيع العودة إلى بريطانيا. بعد خمس سنوات تلتحق به الزوجة والابنة للبحث عنه، وهناك تتخذ الحكاية مسارا جديدا.
وقال الفنان إنه سيشارك في هذا الفيلم الروائي الطويل مجموعة من الممثلين لعل أبرزهم التونسية – الإسبانية هبة عبوك والتونسي – الألماني قيس السبتي والممثلين البريطانيين جيسيكا براون فندلي، وأليكس ماكوين، إلى جانب الفتاة الصغيرة التي تلعب دور بطلة الفيلم صوفيا والتي رفض الفنان الإفصاح عن هويتها قائلا إنها “اكتشاف مهم يترك للجمهور فرصة التعرف عليه عند عرض الفيلم”.
الفيلم سيصور بين مواقع متعددة تشمل العاصمة تونس وضواحيها، إضافة إلى العاصمة البريطانية لندن، مما يضفي عليه بعدا دوليا.
فنان يسترق النظر إلى واقعه
ويقول العابدين إن ذلك تطلب منه البحث عن ممثلين يجيدون اللغة الإنجليزية، خاصة من الممثلين التونسيين، حيث يتنقل فريق الفيلم بين تونس وبريطانيا ويصور نموذجا من الحياة قد يعترض أي مهاجر تونسي غير شرعي، ولم لا مهاجرين عرب آخرين؟
واعتماد الفيلم بنسبة كبيرة على اللغة الإنجليزية، يمنحه بعدا عالميا ويضفي على قصته الإنسانية المحلية طابعا أكثر شمولية، لكنه يضفي أيضا بعدا جديدا على تجربة ظافر العابدين منتجا ومخرجا، بعد أفلام خاطب فيها الجمهور التونسي والسعودي ومنهما الجمهور العربي، وعن ذلك يقول “الفيلم يمثل لي تحديا شخصيا، ليس فقط لأنه أول عمل أكتبه، بل لأنه يجمع بين ثقافتين ويخاطب جمهورا متعدد اللغات والثقافات”.
هذا الفيلم يعد تجربة ظافر العابدين الثالثة حيث سبق أن أخرج فيلما تونسيا بعنوان “غدوة (غدا)” ثم فيلما سعوديا بعنوان “إلى ابني” بعد أن عمل كمساعد مخرج لمدة سنة ونصف السنة.
ويقول الفنان في تصريح لـ”العرب”، “أسير بخطوات ثابتة، وأنا مستمتع بتجربة كل التخصصات، وبالعمل على أفلام اجتماعية إنسانية حكاياتها تشبهنا. واليوم أنا بصدد العمل على فيلمي الثالث، ولا أشعر أن الجمع بين التمثيل والكتابة والإخراج والإنتاج قد يضر مهمة على حساب أخرى، أو يتسبب في إضعاف عنصر من عناصر الفيلم على حساب تقوية عنصر آخر، فأنا أعمل وفق فريق متكامل دونه لا يمكنني القيام بكل هذه المهام مجمعة”.
لكنه يؤكد أن “أكثر ما أفضله الآن هو العمل على الإنتاج، فهو يمنحني مساحة أكبر من الحرية في العمل، لكن التمثيل والإخراج هما أكثر ما أحب في هذه الصناعة”.
ومثلما يتنقل بين التمثيل والإخراج والإنتاج، والآن كتابة السيناريو، تجد ظافر العابدين يتنقل أيضا بين تجارب متنوعة الهوية والمواضيع، فهو تارة بطل في مسلسل أو فيلم تونسي، وطورا نجم في مسلسل مصري أو عربي، تجده أحيانا في الدراما التلفزيونية كما في الفن السابع، لا يهاب خوض التجارب المتنوعة، ولا يصم أذنيه عن النقد والأفكار المضادة. استطاع أن يثبت خلال عقد ونصف أن وسامته وإن كانت قد منحته تذكرة لدخول عالم التمثيل وحجزت له مكانا في قلوب المعجبين إلا أن الإصرار ومراكمة التجارب هما ما ضمن له النجاح وخاصة إصراره على أن يقدم أعمالا فنية تشبه أفكاره وتقدم صورا من المجتمعات التي ينتمي إليها.
"جنتلمان" الشاشة
تجارب مشجعة
كثيرة هي أعمال العابدين الفنية خارج المنطقة العربية، فقد شارك في العديد من المسلسلات والأفلام منذ تخرجه من كلية برمنغهام للخطابة والدراما عام 2002، لكن شهرته في تونس كانت مع مشاركته في مسلسل “مكتوب” عام 2008، بشخصية “محمد علي” (دالي)، شخصية منحته رواجا وجذبت له المعجبين خاصة من النساء.
وكانت أول أبوابه نحو الشهرة العربية مسلسل “فرتيجو” عام 2012، عن قصة أحمد مراد ومن بطولة هند صبري ونضال الشافعي ومن إخراج عثمان أبواللبن.
وفي موسم رمضان 2013 شارك في مسلسل “نيران صديقة” مع منة شلبي وعمرو يوسف ومجموعة من الفنانين الشباب ومن إخراج خالد مرعي. ثم شارك في مسلسل “فرق توقيت” وهو من تأليف محمد سليمان وإخراج إسلام خيري ومن إنتاج رايت ماركتينغ وبطولة ثامر حسني.
وتتالت أعماله في الدراما المصرية والتي كان أكثرها شهرة وتحقيقا لمتابعة جماهيرية “حلاوة الدنيا” الذي جمعه بالنجمة التونسية هند صبري، وتطرقا خلاله إلى مرض السرطان وثبت من خلاله ظافر اسمه كأحد أهم الممثلين الشباب في الدراما العربية. ثم جاء مسلسل “ليالي أوجيني” ليؤكد ذلك، حيث وقف بطلا أمام أمينة خليل، إنجي المقدم، كارمن بصيبص، وأسماء أبواليزيد وآخرين. وتلا ذلك أيضا مسلسل “تحت السيطرة” الذي جمعه بالنجمة المصرية نيللي كريم، ولعب فيه دور الزوج الذي يحاول انتشال زوجته من إدمان المخدرات.
ثم شارك البطولة في المسلسل اللبناني “كاراميل” إلى جانب الممثلة ماغي بوغصن والذي تحول لاحقا إلى فيلم بعنوان “حبة كاراميل”، ويحكي قصة حياة مايا (ماغي بوغصن) التي تنقلب رأسا على عقب بعد تناولها الكراميل الذي يعطيها القدرة على سماع أفكار الرجال، ويصبح رجا (ظافر العابدين) الشاب الثري الذي عاد من أوروبا مؤخرا هو هدفها الجديد.
بعد ذلك انتقل الفنان نحو مجال إبداعي أكثر اتساعا عبر الدراما التركية المعربة، حيث لعب دور البطولة في أول مسلسل تركي معرب، وهو “عروس بيروت” النسخة العربية لـ”عروس إسطنبول” إلى جانب ممثلين لبنانيين وسوريين من أشهرهم تقلا شمعون ورفيق علي أحمد ومحمد الأحمد وكارمن بصيبص وغيرهم.
مهما تنوعت الشخصيات التي تقمصها فقد أظهر ظافر العابدين أداء هادئا لا يعتمد المبالغة في الانفعالات
هذا المسلسل الرومنسي كانت نتيجة مشاركته فيه أن منحه الجمهور لقب “جنتلمان الشاشة”، وزاد من شعبيته لدى جمهور الدراما في المنطقة العربية.
ومن المنتظر أن يعود الفنان إلى الدراما المصرية بعد غياب نحو ست سنوات، عبر مسلسل بعنوان “سكة السلامة” من المقرر أن يبث في رمضان 2025.
كما يشارك في الجزء الثالث من المسلسل المصري “البحث عن عُلا” من بطولة هند صبري والذي سيُعرض قريبا على منصة “نتفليكس”.
هذه الخطوة جاءت بعد أن جسد دور البطولة في فيلم “أنف وثلاثة عيون” الذي قدم معالجة سينمائية معاصرة لرواية إحسان عبدالقدوس تحمل العنوان ذاته للفيلم. وتدور أحداثه حول الدكتور هشام جراح (ظافر) الذي تجاوز عمره الأربعين دون أن يستطيع الالتزام بعلاقة عاطفية واحدة، ويخوض ثلاث تجارب عاطفية مؤثرة في حياته، آخرها مع فتاة تصغره بخمس وعشرين عاما.
كثيرة هي مشاركات الفنان التونسي عربيا، ولا يمكن المرور عليها جميعا، لكن سواء في الدراما المصرية أم المعربة، تمكن ظافر العابدين من الإقناع بموهبته وبقدرته على إجادة اللهجتين المصرية واللبنانية، ومهما تنوعت الشخصيات التي تقمصها، فقد أظهر نطقا سليما وأداء هادئا لا يعتمد المبالغة في الانفعالات سواء بحركاته أو تعبيرات وجهه الذي يعد مفتاحه الأول لإقناع المشاهدين.
رغم ذلك، رأى البعض أن هيئة الممثل تتشابه في أغلب الأدوار التي شارك فيها، وحتى حين لعب دور مصاص دماء (فامباير) في فيلم مصاصي الدماء الشهير “خط دم” الذي كان بطلا فيه إلى جانب نيللي كريم، فقد ظهر بشكل أقرب إلى شكله في أغلب الأدوار التي لعبها سابقا، فكان ذلك الشاب الأنيق الهادئ الذي يمثل ببساطة ودون تصنع.
شهرة عربية
مستمتع بالتجربة ولا أشعر أن الجمع بين التمثيل والكتابة والإخراج والإنتاج قد يضر مهمة على حساب أخرى
خارج تونس، حققت العديد من الممثلات نجاحا كبيرا وضمن لأنفسهن مواقعا مهمة ضمن نجوم الصف الأول منهن هند صبري ودرة وعائشة بن أحمد، لكن أسماء الممثلين من الرجال قليلة جدا إن لم تكن بالفعل تنحصر في الممثل فتحي الهداوي. هذا لا يعني أن الكثير من الممثلين التونسيين أمثال محمد علي بن جمعة وغانم الزرلي وغيرهما، لم تكن لهم بصمة في الدراما العربية، بل كانت لهم مشاركات مهمة في أعمال عربية وخاصة المصنفة ضمن الدراما التاريخية، إلا أنها مشاركات لم تمنحهم الشهرة العربية التي يستحقونها.
ويبدو أن ظافر العابدين قد كسر هذه القاعدة السائدة منذ سنوات، وصار واحدا من أهم رموز الفن التونسي خارج تونس، رغم أنه لم يخض بعد تجربة الاشتغال على مسلسلات تتحداه بأن يلبس أثوابا تخرجه من صورة “الرجل الوسيم” و”الحبيب الرومنسي” وترمي به ربما في أتون الحروب التاريخية أو تلبسه عباءة الفكر والفلسفة أو الطب والكرة وغيرها بملامح مختلفة تكسر نمطية الصورة القريبة من شكله الحقيقي.
وما يثبت أن ظافر العابدين اليوم هو واحد من أهم الأسماء الشابة في تونس، اشتغاله على تنويع مشاركاته وموارد إنتاج أعماله، فهو أحيانا ينتجها بشكل مستقل وأحيان أخرى يلقى دعما كبيرا من جهات متنوعة منها المملكة العربية السعودية التي دعمت فيلمه “إلى ابني” الذي كان تذكرته نحو السينما السعودية الناشئة والتي تعيش زخما كبيرا، حيث قدّم شخصية رجل سعوديّ عائد من غربته البريطانية إلى مدينته أبها للتصالح مع ماضيه وأبيه.
ظافر العابدين يعود إلى حلم الشباب ويقرر تصوير فيلم "صوفيا" بعد نضوج تجربته الفنية ومراكمته للخبرات والتجارب
كما يشارك في فيلم فلسطيني جديد بعنوان “كل ما قبلك” من إخراج آن ماري جاسر. وجرى تصوير الفيلم في الأردن تحت إدارة المخرجة الفلسطينية، وبمشاركة الممثل البريطاني العالمي جيريمي أيرونز. أما القصة فتعود إلى عام 1936، تلك الحقبة التي قاد خلالها المزارعون الفلسطينيون ثورة ضد الاستعمار البريطاني.
عن هذا الفيلم بالذات، قال الفنان إنه فيلم “يجب أن يصل إلى كل العالم فهو فرصة لرواية حكاية غير معروفة ومنسية”، مشددا على أن “كل ما قبلك” فيلم “لا يقتصر على سرد الأحداث التاريخية، بل يسلط الضوء بشكل أكبر على تفاصيل الحياة اليومية للمزارعين الفلسطينيين خلال فترة الاستعمار البريطاني ومقاومتهم وتحدياتهم للاحتلال في تلك الحقبة الزمنية الحرجة”.
خاض ظافر العابدين تجربة التمثيل بلغات عديدة وبلهجات عديدة أيضا، منها اللهجة المصرية واللبنانية والآن الفلسطينية، كما مثل كثيرا بلهجته التونسية، لكن ذلك اقتصر على أفلامه ذات الهوية التونسية، وفي إجابة عن سؤال متى نرى ظافر العابدين يلعب أدوارا بلهجته التونسية في أعمال عربية، يجيب “الأمر متروك للصدفة وللزمن.. قد يحدث مستقبلا، وأرغب جدا في أن يحدث ذلك وأكون من أول الممثلين التونسيين الذين يلعبون أدوارا بلهجتنا وينقلون خصوصيتها للجمهور العربي”، لكنه شدد على أن “المسألة تتعلق بعملية الإنتاج كليا، أنا لست من الممثلين الذين يفرضون شروطهم على صناع الدراما، ولا أحب التدخل في الحكاية وإعادة صياغتها من أجل أن تلاءم اللهجة، فكما هو معلوم، من أجل الإقناع بإدخال اللهجة التونسية على الدور تجب إعادة صياغته بالكامل وإعادة خلق لملامح الشخصية وموقعها من الحكاية والأحداث وغيرها”.
هذه المسألة وإن كانت ممكنة في زمن أصبحت فيه الكتابة الدرامية تخط على قياس النجوم ووفق رغباتهم، وظافر نجم وله معجبون وتراهن عليه شركات الإنتاج، إلا أنه يرفض أن تكون الأدوار على “قياسه وضوابطه”، ويعتبر أن التعريف به “ممثلا تونسيا” يكفي ليكون واحدا من رموز الفن في بلاده.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حنان مبروك
صحافية تونسية