بيسان عدوان .. لست معنية بمدارس اللغة والأدب والنقد والبحث عن مكانة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بيسان عدوان .. لست معنية بمدارس اللغة والأدب والنقد والبحث عن مكانة

    بيسان عدوان لـ"العرب": لست معنية بمدارس اللغة والأدب والنقد والبحث عن مكانة


    كاتبة فلسطينية تتمرد على القوالب الأدبية لتقدم صورة حميمية لبلدها وشعبها.
    الخميس 2024/09/12

    التاريخ والفلسفة هما آباء العلوم الإنسانية

    يعيش الكتاب الفلسطينيون حالة استثنائية بسبب الاحتلال وما يواجهه شعبهم، فهم في المفترق بين ذواتهم وشعبهم، كما أنهم في المفترق بين المنافي وبلدان الشتات وعدم القدرة على العودة. كل هذا يخلق وضعيات فريدة مؤلمة تنتج بالضرورة أدبا مغايرا، على غرار ما تكتبه الفلسطينية بيسان عدوان. في هذا الحوار مع “العرب” تكشف عدوان عوالم نصوصها، وما تحمله من رؤى.

    تعد الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان جزءا لا يتجزأ من المشهد الثقافي المصري، وهذا المشهد الذي عايشت رؤاه وأفكاره وقضاياه الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية، وأسست داخله دار ابن رشد للنشر، التي قدمت عددا من الكتب الإشكالية التي واجهت التطرف والتشدد الديني، جنبا إلى جنب مع الإبداعات الروائية والشعرية والنقدية، لكن ظروفا استثنائية حالت دون استمرارها في مصر لتمضي إلى تركيا ومنها إلى بيروت، وتقدم كتابها الأول “رسائل الشتات” وفيه تجعل الغربة تحتضن النص، لنرى نصوصها جميعها تستلقي بين ذراعي الحنين. في الوهلة الأولى يظن المرء أن الفلسطيني اعتاد الغربة، ولكن هنا نجدها، كفلسطينية، وكأنها تواجه الغربة لأول مرة.

    عدوان تابعت الكتابة لتصدر كتابها الجديد “فوكوياما يسقط في غزة.. مرويات الحرب” عن دار صفصافة، وتحمل نصوصه الكثير من الحميمية، وجميعها موجهة لشخص ما، شخص مهم، وكأنها رسائل من بعيد كتبت له، ليقرأها، وفي نفس الوقت نجدها مناجاة للذات مع الذات. ونتساءل: هل وظفت الحبيب، هذا الحقيقي أو الخيالي، ليكون شاهدا على معاناة تشترك فيها مع أهل فلسطين؟
    فهم تاريخ الفلسطينيين



    ◙ في "رسائل الشتات" الغربة لا تصوّر كحالة من التشتت الثابت بل حالة مستمرة تتجدد في كل لحظة


    تقول عدوان "في ‘رسائل الشتات‘، الغربة لا تصوّر كحالة من التشتت الثابت، بل حالة مستمرة تتجدد في كل لحظة أعيشها، وقد انعكس ذلك على النصوص التي كتبت، فهي تجارب متنوعة من الانفصال والفقد كل مرة تبدو كأول مرة، مما يعني أنها لا تنتهي بانتهاء حالة الغربة لدى الفلسطيني، حيث ينقلب الحنين إلى الماضي، إلى جرح مفتوح كلما نظر إليه. فالنصوص تظهر كيف يمكن للغربة أن تصبح أكثر حدة وتعقيدا مع مرور الزمن، وكأن لسان حالي يخبرنا مهما كانت خبرات الفلسطيني السابقة، يواجهها من جديد كل مرة”.

    وتضيف “هذه الغربة، التي يفترض أنها مألوفة، تصبح تجربة جديدة ومؤلمة، الذي يشكل عمقا آخر متجذرا مهما حفرت داخله ستجد طبقات أخرى من الاغتراب لم تكتشف بعد، ويجعل كل نص سواء في الكتاب أو في أعمال أخرى أكثر إيلاما وصدقا. ففعل الاغتراب ليس أمرا عرضيا في حياة الفلسطيني في الشتات هو فعل متجذر حيث يكون في مكان يحمل همه وقضاياه. لا يمكنه العودة ولا خيار له، فإرادته مسلوبة بالكامل لا يمكنه الاندماج الكلي ولا الرحيل عن شتاته ولا العودة إلى جذوره، فيبقي هامشيا طول الوقت مهووسا بحنين العودة ومكبلا على هامش المدن أو الأماكن الموجود بها حتى وإن بدا أنه مندمج بشكل أو بآخر مع مدن لجوئه”.

    وترى أنه في “فوكوياما يسقط في غزة.. مرويات الحرب”، الحبيب ليس مجرد شخصية أتحدث إليها، بل هو تجسيد للشخص الذي يحمل كل أحلامه وألمه. هذا الشخص يمكن أن يكون شاهدا على معاناة الفلسطينيين بشكل غير مباشر، حيث تعكس النصوص صرخات وحنين الفلسطيني التي تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية. الحبيب يمثل نقطة الاتصال بين الذات والفلسطينيين الأوسع، بين الألم الفردي والآلام الجماعية. إنها نصوص تشبه اعترافات أو مناجاة حيث تتضافر مشاعر الحزن والأمل، وهنا يمثل الحبيب ذلك الحائط الذي تلصق عليه هذه الرسائل العاطفية في زمن الحرب المستمرة التي لا تتوقف في حياة الفلسطيني. من خلال هذا الحبيب، عبرت عن المشاعر الداخلية العميقة التي لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها بالكامل، ولكنه يوفر وسيلة لإيصال هذه المشاعر إلى القارئ بطريقة أكثر شخصية وحميمية.


    ◙ "فوكوياما يسقط في غزة.. مرويات الحرب" تحمل نصوصه الكثير من الحميمية وجميعها موجهة لشخص ما، شخص مهم


    يلفت النظر في كتاب في “فوكوياما يسقط في غزة..مرويات الحرب”، أنه يبدأ بالسنة الأولى للحرب، ثم العاشرة ثم العشرين والثلاثين والأربعين، ثم الخامسة والأربعين ثم السنة القبل الخمسين، وبعدها العقد السادس وخمسة وسبعون عاما من الحرب.. فهل كان المزج بين عمر النكبة وعمر “عدوان” هو المقصود لمزج العام بالخاص في هذا الكتاب؟

    تقول عدوان “أنا مهووسة بالتاريخ بحكم دراستي له، وبحكم أن التاريخ والفلسفة في نظري هما آباء العلوم الإنسانية، وللتاريخ حكايات وعوالم وثقافة متجذرة لدى الفلسطيني فحياته توقفت فعليا عند 1948، وكل ما يحدث له ناجم عند ذلك التاريخ الذي يشكل دوما وعيا جماعيا فلسطينيا لا يمكنه الفكاك منه أو الخروج عنه أو تجاوزه، ففي هذا العمل الهيكل الزمني ليس مجرد ترتيب تواريخ، بل هو تعبير عن العلاقة العميقة بين تجربة النكبة وتجربتي الفردية”.

    وتضيف “كل مرحلة زمنية تشير إلى مرحلة معينة في التاريخ الفلسطيني، مما يتيح للقارئ فهم كيفية تأثير النكبة على حياة الأجيال المتعاقبة، من خلال تقديم السنوات بالتسلسل، يبنى جسر بين الأحداث التاريخية وتجربتي الشخصية، مما يعزز من تجربة القارئ في التفاعل مع هذه التجارب المتراكمة عبر الزمن. المزج بين عمر النكبة وعمري يبرز كيف أن التاريخ الشخصي والفلسطيني يشكلان وحدة متكاملة، حيث يتداخل الألم الجماعي مع التجربة الفردية”.

    وتبين أنها بدأت بطرح السنوات الأولى من النكبة، ثم انتقلت بين مراحل مختلفة من الزمن حتى وصلت إلى فترة الحالية وما يحث في حرب إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، تلك الحرب التي بدأت ولم تنته، وهي تجسيد لكيفية استمرار هذه الأحداث في تشكيل حياتنا حتى اللحظة التي يشاهدها القارئ على التلفاز، هذا الأسلوب يتيح له أن يرى كيف أن النكبة لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل هي تجربة مستمرة تؤثر على الأفراد على مدى الزمن، مما يجعل كل سنة من السنوات المذكورة تعكس تجربة فلسطينية محددة، ولكنها متشابكة بشكل عميق مع التجربة الشخصية. هذا الأسلوب في التنظيم الزمني ليس مجرد تقنية سردية، بل هو وسيلة لتعميق فهم العلاقة بين الأحداث التاريخية وتجارب حياة الفلسطيني مما يبرز كيف أن الألم الناتج عن النكبة لا يتوقف عند نقطة معينة، بل يتواصل ويستمر في التأثير علينا حتى يومنا هذا.

    وتلفت عدوان إلى أن نصوص “فوكوياما يسقط في غزة.. مرويات الحرب” كتب على مرحلتين مرحلة ما قبل طوفان الأقصى، وكان في البداية تأملات في الحرب المستمرة على الفلسطيني منذ سنوات طويلة، تلك الحرب التي لا تنتهي، وتلك الهدن الخادعة التي تتوسط الحروب المستمرة على الإنسان الفلسطيني من قبل الاستعمار الاستيطاني الإحلالي فهو ليس استعمارا عاديا كما نقرأ عنه فهو استعمار وجودي ضد الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يوقف حربه ضده إلا بإنهاء الوجود الفعلي للفلسطينيين، أما الجزء الثاني من الكتاب سيطرت عليه المشاعر والوجع والألم والخوف والنضال المستمر والمقاومة أكثر، فكل وصية كتبت تزامنت مع جرائم الإبادة التي ترتكب في غزة، هكذا كان الأمل مرادفا للبقاء أنه ليس مجرد حلم بعيد، بل هو دافع مستمر يحفز الفلسطينيين على النضال والبقاء.

    وتضيف “أنه ليس خيار للفلسطيني أنه سلاحه في مواجهة الفناء والموت، لذا كانت الوصايا تعلن موت الذات الكاتب وشخصيته وتاريخه الشخصي مع الحرب المستمرة في التاريخ العام للشعب الفلسطيني كله، حتى لو كنا في الشتات فموت الفلسطيني في غزة يعني موتنا جميعا وصموده يعني صمودنا جميعا فلا خيار لنا كفلسطينيين اما نحن أو نحن لا مكان للآخر بيننا. هذه المقتلة على مرأى ومسمع الجميع نعلن من خلالها لا مكان لحلول وسطى والوسطاء والساسة والقوى الخارجية وتوازنات المصالح إلخ، أنها حرب البقاء أما أن ننتصر أو نستشهد. لذا كانت الوصايا”.
    القارئ هو الأهم



    ◙ النضال الفلسطيني رحلة لا تنتهي، بل تتجدد مع كل يوم يمر


    لا شك أن نضال الشعب الفلسطيني يعد نضالا فريدا في التاريخ الحديث، فلا النكبة ولا النكسة ولا التطبيع والمعاهدات وحملات التهجير والحروب قللت من عزيمة هذا النضال، رغم أن أدواته اختلفت، خاصة بعد معاهدة أوسلو، الأمر الذي يطرح تساؤلا عن رؤية عدوان لمستقبل هذا النضال، خاصة وأن الفلسطينيين اليوم يواجهون وحدهم قوى عظمى، وهم ليسوا بجيش أو دولة أو ينظمون تحت لواء واحد، تقول الكاتبة “نحن الفلسطينيون نحمل في صدورنا وطنا، حتى لو غيّب عن خرائط العالم. نعيد رسمه بالدم، بالحلم، وبكل مقاومة صامتة أو صاخبة. نحن نعيش لأجل أن نرى ذاك اليوم حقيقة هذا هو خيارنا الوحيد ولا يمكن إجبارنا على عيش شيء آخر. فالهزيمة لن نقبلها ولن تقبلها الأجيال المتعاقبة وليس كلام شعراء إنها صيرورة الحياة الطبيعية”.

    وتضيف “النضال الفلسطيني رحلة لا تنتهي، بل تتجدد مع كل يوم يمر، ومع كل جيل يولد في حضن المعاناة والأمل. النضال الفلسطيني، ليس مجرد معركة سياسية أو عسكرية تخاض على أرض الواقع، بل هو مقاومة نفسية وروحية تتجاوز الحدود المادية. ففي كل قصة أرويها أو أكتبها أو كل نص أو كل رسالة أو كل مقال أكتبه أبرز فكرة أن الفلسطينيين يحملون في أرواحهم بذور النضال، ليس كخيار بل كقدر لا مفر منه”.

    وتواصل “حقيقي أن النضال الفلسطيني قد تطور ليصبح أكثر تعقيدا، ليس فقط في أساليبه ولكن أيضا في جوهره. فالفلسطينيون لا يقفون فقط أمام العدو الإسرائيلي، بل يقاومون العزلة، التهميش، والانهيار النفسي الذي يسعى العالم إلى فرضه عليهم، ذلك العالم الذي غالبا ما يغض الطرف عن هذه المعركة الأعمق، معركة الهوية والوجود، معركة البقاء والتمسك بالجذور. المستقبل الفلسطيني يتطلب مرونة وإبداعا في مواجهة التعقيدات الحديثة. العالم قد تغيّر، والقوى الكبرى أصبحت أكثر تجبرا، لكن الفلسطينيين مازالوا يمتلكون شيئا لا يمكن لأي قوة أن تسلبه: الروح النضالية التي تجدد نفسها كل يوم. تلك الروح

    ◙ الكاتبة حاولت أن تشرح للقارئ كيف هو ذلك الحزن العميق وكيف يعيش الفلسطيني أمله وغربته وحالة شتاته

    التي تجد قوتها في التراث، في الحكايات الشعبية، في القصص التي ترويها الأمهات لأبنائهن عن قرى دمرها الاحتلال لكنها مازالت حية في الذاكرة. قد لا يكون النضال اليوم عسكريا كما في الماضي، لكنه يظل صراعا ضد التجاهل العالمي، ضد الانسياق وراء الروايات المشوهة التي تحاول أن تجعل الفلسطينيين مجرد أرقام في قوائم النزوح واللجوء. أن النضال الفلسطيني ليس معركة نخوضها لليوم فقط، بل هو إرث نقدمه للأجيال القادمة، إرث الصمود والعزة”.

    من المعروف أن عدوان ناشرة وصحفية، ولكن لغتها في كتابيها أدبية جميلة. وإن استطعنا المقارنة بين الكتابين، نجد أنها في الأول توجهت برسائلها لمناجاة من تكتب له، وهذا أسلوب مشوق وينم عن حميمية عالية. وكما هو الان في كتابها الجديد، فرغم الاختلاف، نجد الأسلوب متشابها في الكتابين. وهنا تلفت عدوان إلى أن بصمتها في الكتابة الأدبية تحتاج إلى ناقد.

    وتضيف “لست ناقدة أدبية، ولا أتبع مدارس النقد، ولا أكتب وأنا أفكر بكل هذا، فتجربتي بالكتابة الإبداعية قريبة العهد بعد تجربة ترحيلي عن مصر، البلد الذي عشت بها عمري كله، حيث شكلت جزءا كبيرا من ثقافتي ووعيي الإنساني، وتجربة المنفى، أنا كتبت بيسان فقط وتجربتها دون فذلكات أو قصدية، حاولت أن أشرح للقارئ كيف هو ذلك الحزن العميق الذي لا يعتبر وليد حالة محددة بل هو عميق ومتجذر وله دلالاته وتداعياته وربطه بالتاريخ العام والشخصي، ويحدد سماته الشخصية ووعيه أيضا، كنت أريد أن أخلق لغة مشتركة بيني وبين القارئ فاخترت لغة الرسائل في الكتاب الاول لخلق مشترك بين القارئ والنص وبدأت بالحفر في الوعي الجمعي والمعرفة تلك القواسم المشتركة بيني وبين القارئ الفلسطيني والعربي لكي أجعله يستكشف معي التاريخ غير المكتوب أو غير الرسمي لنا جميعا”.

    وتتابع “أما في مرويات الحرب حاولت دمج التاريخ الشخصي للفلسطيني الذي يعيش نكبته المستمرة والتاريخ الجماعي للشعب الفلسطيني محاولة لتفسير للقارئ لماذا نحن مجبلون بالأمل والنضال المستمر. ربما ستظل بصمة الدمج بين التاريخ ودمجه مع التاريخ الشخصي هو ما اتسم به. لكن الأشكال والأنواع الادبية التي أستخدمها مرهونة بالتأكيد بتطوري الإبداعي. انا ختمت في كتاب ‘رسائل الشتات‘ الإجابة عن هذا السؤال، بأنني لست معنية بمدارس اللغة والأدب والنقد ولا مشغولة بكل ذلك أو البحث عن مكانة وسط العالم الثقافي والإبداعي. أنا معنية بالقارئ باختلاف ثقافته ومعرفته باختلاف لونه ودينه وهويته ومكانته الاجتماعية. أنا أكتب بيسان الفلسطينية ومقاومتها للمنفى والظلم واحتلال أرضها لحين العودة”.


    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X