تبسيط الشكل واقصاء التفاصيل يخلقان الهدوء البصري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تبسيط الشكل واقصاء التفاصيل يخلقان الهدوء البصري

    تبسيط الشكل واقصاء التفاصيل يخلقان الهدوء البصري –
    قراءة في تجربة الفنان التشكيلي حسن فالح – فاروق سلوم
    كنتُ تأملت طويلا لوحات الفنان حسن فالح – Hassan Falih- التي رسمها مباشرةً في تقريض الطبيعة ،و تأكدت تماما ان ذلك الأشباع اللوني الغزير والممارسة الواقعية للرسم ، والحرفية المكرّسة ، قد ركّزت لديه طاقة التنوّع المميزة في الأشتغال في اكثر من منطقة بصرية ،حيث تتنوع بين يديه الرؤى والتقنيات . وكلما انتقل الى فضاء اخر ابتكر خواص التعبير في اعماله التشكيلية المتنوعة التالية.
    وفي الأعمال التي عرضها في المعارض الخاصة والمشتركة لفتتني الخواص التي تميّز اعماله الأخرى ، وهي غالبا من مزيج التبسيط والأختزال واستعمال الألوان الأحادية ، كتعبيرمتقدم عن فهم جماليات اللوحة وشروط اتجاهها في نوع من "المنيمالزم – Malimism التقليلية او الأختزالية " ، الحركة التي تعتمد "الحد الأنى" من عناصر الرسم والاقل تجريدا والاقرب الى اطلاق الحد الأقصى من المساحة المفتوحة والضوء الباهر الممكن .
    انه في اعماله الأخيرة لايجاري اية تعبيرية محتملة او تجريدات ممكنه او حداثة منتزعة من جدليات الوقت ، انما هو فنان مسترخ ومكتف جراء بلوغه استراحة وعيه بأسلوبية قائمة ، وتوجه رؤيوي لما يريد ان يكثفه ويختصره على سطوح لوحاته المتقشفة في كل شيء.
    انها اعمال انشغلت بالأنسان ، وعلاقته بالمكان و تغريبته التي تستلب حياته اليومية من خلال أستعمال اقل التفاصيل وابسط المكونات والألوان الأحادية واختزال الأشكال او اجتزائها او كشط ملامحها وحذف اجزاء منها .
    لقد شكلت اعماله التي اعرضها هنا "برودة" عالية تعترض على دراميات النص التشكيلي السائد الفاقع اللون ، حيث يرسي الرسام صورة الشجن والأيقاع الأكثر حزنا وتأملا وصمتا دون رمزية معلنة او محتوى عاطفي بيّن او استعارة محتملة او زحمة لونية.
    فهو في لوحاته ، الفنان حين يعترض على فوضى الحياة اليوم مثلما في الفن يعترض على التعبيرية والتجريد والحداثة بأستعمال اقل عناصر الرسم واختصار التفاصيل في اللوحة وعزل انواع التزيين اللوني او الشكلي ، والميل نحو استعمال اقل الألوان "الأسود و الرمادي والأبيض" وربما لمسة لونية هنا او هناك لكسر ذلك التقشف الموحي ايضا ، ذلك ان الابيض الذي يطلق الضوء الداخلي للوحة ، يوفر الأحساس بفسحة بصرية هي الشعور بالمساحة والحرية والأسترخاء التي قصدها الرسام في لوحته بمواد الرسم المختصرة .
    لقد اختزل الفنان حسن فالح العناصر والألوان وقام بأقصاء كل تفصيل معقد بشكل يتجاوز فيه كل فوضى ذهنية محتملة عند المتلقي والدفع بأتجاه خلق الشعور بالهدوء البصري عبر استعمال التفصيل الأهم والحد الأدنى من البساطة .
    في لوحاته اكتفاء بالضروري لتوفير فضاءات رحبة ومظهر بسيط بأتجاه خلق اقصى تأثير ممكن عبر الوان حيادية واشكال فنية مجتزأة وموحيه من خلال اقصاء غير الظروري في بنية مكوّنات اللوحة وعناصرها .
    استعدتُ مقولة المعماري لودفيغ ميس فان ديروه – القليل هو كثير- التي شكلت قاعدة مهمة لكل اؤلئك الذين كرسوا حركة المنمالزم- التقليلية اوالحد الأدنى او التبسيطية - في الفن والعمارة والأعلام والفنون البصرية الأخرى مثل الفنانين سول ليويت ودونالد جود وروبرت مورجي واخرين من اجيال مختلفة . لكني بأزاء اعمال الرسام حسن فالح هنا اجد فهما مختلفا لمعنى التفاصيل القليلة وخلق الرحابة التي توحي بالأتساع واستعمال دقيق للون الأبيض كمعيار ضوئي يتسق مع اللونين الرمادي والأسود ومشتقاتهما في بنية لوحته وانساقها .
    لم يكن الأبتعاد عن التعبيرية التجريدية الا فعلا واعيا من الرسام في تنفيذ عمله التشكيلي المغاير. حيث اكتفى بتجريد بسيط واشكال بشرية او هندسية او مكانية دونما جاذبية جمالية باهرة ، ذلك انه لم يستعر من سيرته او ميله الذاتي للسرد او ليرسم الحال النفسي الراهني ، بل تجنب الأستعارة ايضا ووضع جانبا شهادته التي تستقر في مفردات ذاكرته وتسجيله اليومي لحركة وجودنا وللضوء والظلال في اغتراب الأنسان اليوم حتى ليبدو منفيا خارج ذاته كما في لوحة المقهى مثلا اواللوحات التي يشكل الأنسان المختزل فيها دون جماليات جاذبة ليعكس روح المنفى اليومي الذي تعيشه مخلوقات لوحته في المكان الذي يعيش فيه والزمان المطلق الذي ينشغل فيه لأتمام نصه البصري على سطح مفتوح .
    المقترح الذي تقدمه لوحات الرسام حسن فالح يبدو وكأنه العمل على تحطيم مفاهيم العمل التقليدي والحداثي في الفن في ذات الوقت حيث تجنب الجاذبية الجمالية والتدرج التقليدي والتجريدي معا في الرسم واقصاء السرد في النص البصري بأتجاه تحرير عناصر الرسم من اساسياتها عبر " الأجتزاء والحذف والأختزال" والأقلال من العناصر غير الضرورية بشكل يؤدي الى انعكاسات نفسية في اللوحة . انه يسعى ليخلو العمل من اي نوع من انواع الضغط المادي او النفسي لتقف اللوحة عبرأختزالها في ابسط شكل ممكن بأقل كمية من العناصر والألوان لأكتمال الشكل و المعنى دون تفاصيل معقدة عدا الضوء الدافق والظلال والبياض الخلاّاق.
    هنا تبدو الألوان الحيادية في لوحات الرسام حسن فالح وهي تخلق اقصى تاثير ممكن بألوان متقشفة ، كاللونين الرمادي من جهة و الأبيض من جهة اخرى ومايوحيه من رحابة واتساع يتسقان مع فلسفة الحد الأدنى كأسلوب ابداعي يتناسب ومايريد ان يبلغه الرسام في اختياره النادر واسلوبيته المختزله وعناصره الفنية المكثفة .
    اضاءات تشكيلية – فاروق سلوم
يعمل...
X