عبد الملك بن محمد الثعالبي . أديب ولغوي وشاعر..نهلة الحمصي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الملك بن محمد الثعالبي . أديب ولغوي وشاعر..نهلة الحمصي

    ثعالبي (عبد ملك محمد)

    Al-Tha'alibi (Abdoul Malek ibn Mohammad-) - Al-Tha'alibi (Abdoul Malek ibn Mohammad-)

    الثعالبي (عبد الملك بن محمد ـ)
    (350ـ429هـ/961ـ1038م)

    أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الثعالبي، أديب ولغوي وشاعر، ولد في نيسابور وهي يومئذ مدينة من أشهر المدن التي احتضنت العلم والثقافة.
    لم تتحدث التراجم عن تفاصيل حياته، لكنها تروي نتفاً عنها، منها أنه نشأ في أسرة فقيرة تشتغل بخياطة جلود الثعالب وصنع الثياب من فرائها، فنسب إلى تلك الحرفة، التي مارسها في بدء حياته واتخذها مورداً لرزقه، ومنها أنه درس في صباه في كتّاب، فلما أتمّ تعليمه نشأت في نفسه رغبة عارمة في طلب العلم، فعكف على كتب العلم والمعارف يغرف منها، وتتلمذ لأبي بكر الخوارزمي، وانصرف عن مهنته الأولى وعمل مؤدباً للصبيان، واشتغل باللغة والأدب والتاريخ فنبغ واشتهر حتى وصف بأنه جاحظ نيسابور. وكان إقباله على العلم وحبه للقراءة سبباً في إقامة علاقة وطيدة مع الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي (ت 436هـ)، وأبي نصر سهل بن المرزبان (ت420هـ)، وعن طريق هذين الرجلين عرف عدداً كبيراً من أدباء نيسابور ومن أتى إليها من شتى البلاد. وارتقت منزلته عند خاصة القوم وعامتهم، وأتاح له أبو الفضل الميكالي ولوج مكتبته العامرة فنهل من كتبها وعبّ ما شاء، واطّلع فيها على مصادر العلم والمعرفة مما لم يتح لكثير غيره من الأدباء والمصنفين.
    وفي سنة 382هـ غادر نيسابور إلى بخارى طلباً للمال، ولكن أمله خاب فيها، فعاد إلى نيسابور ليتفرغ للتصنيف والتأليف، وقد بدأ آنذاك تصنيف أضخم كتبه وأشهرها «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر». وقد أُعجب بالثعالبي كثير من الأدباء المعاصرين له، وأقام معهم صلات وثيقة كبديع الزمان الهمذاني (ت 398هـ)، وأبي الفتح علي بن محمد البستي (ت 400هـ)، وأبي النصر محمد بن عبد الجبار العتبي (ت 427هـ) الذي دفع الثعالبي إلى زيارة الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير في جرجان، فكانت سفرة موفقة، أهدى فيها الثعالبي إلى الأمير كتابه «المبهج» ومدحه ببعض القصائد وعاد إلى نيسابور محملاً بالعطايا، وهناك تفرغ ثانية لتأليف بعض الكتب التي أهدى عدداً منها إلى أمير نيسابور أبي المظفر نصر بن ناصر الدين سبكتكين وبعض أعيان المدينة. وعندما حلّ القحط بالمدينة عام 401هـ رحل إلى أسفرايين ومنها إلى جرجان، ثم إلى الجرجانية تلبية لدعوة الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه وأهداه أحد كتبه. ومن الجرجانية رحل إلى غزنة، ولكنه لم يلق ترحيباً في بلاط السلطان محمد الغزنوي، ومع ذلك لبث في المدينة سبع سنوات، وأخيراً عاد إلى نيسابور ليصنف ويؤلف ويهدي الكتب إلى أبي الفضل الميكالي وبعض أعيان الدولة ويؤلف ذيلاً لليتيمة، وبقي في نيسابور حتى وافته المنية.
    كان الثعالبي قوي الحافظة وافر الذكاء، يقرأ بنهم، وقد استطاع أن يستفيد من كل ما قرأ، فألّف وصنف في مختلف ألوان المعرفة والأدب والعلم ما يزيد على مئة كتاب، وأشهر تصانيفه وأهمها: «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» وقد بدأ تأليفه في بداية شبابه، ثم عاد إليه بعد سنوات في كهولته ليتم ما بدأه، وكانت غايته في هذا الكتاب خدمة اللغة العربية لغة القرآن من طريق الشعر الذي هو عمدة الأدب، تناول في الكتاب شعراء عصره ومن سبقهم، ورتبهم بحسب بلدهم أو إقليمهم أو البلاط الذي عاشوا في رحابه، ولم يقتصر الثعالبي في كتابه على الترجمة المحضة بل أورد آراء نقدية ونظرات أدبية تنمّ على ذوق أدبي رفيع كما عمد إلى المقارنة والموازنة بين من ترجم لهم وبين غيرهم من الشعراء في الفن والشعر، وهو يتتبع، إلى ذلك، سرقات الشعراء ويشير إلى المعاني التي اقتبسوها من غيرهم.
    وعلى إعجابه ببعض الشعراء كالمتنبي وتعصبه لشعراء الشام وتقديمهم على باقي شعراء الأقطار، فإنّ هذا لم يمنعه من نقد المتنبي.
    والكتاب بوجه عام مبني على خبرة واسعة واطّلاع عميق ومهارة في تعريف القارئ بما وصل إليه الشعر في عصره عن طريق ترجمته لكثير من شعراء العربية الذين لولاه لظل أكثرهم في عالم المجهول، كما يطلع قارئ الكتاب على الحياة الأدبية والاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة، وقد التزم الثعالبي في كتابه الأسلوب المسجع وسار على غراره من ألفوا بعده.
    ولليتيمة ذيول كثيرة، وقد صنّف الثعالبي أول ذيل لكتابه سمَّاه «تتمة اليتيمة»، ومن أشهر هذه الذيول «دمية القصر وعصرة أهل العصر» لعلي بن الحسن الباخرزي (ت 467هـ)، و«خريدة القصر وجريدة أهل العصر» لعماد الدين الأصفهاني (ت 597هـ)، و«زينة الدهر» لأبي المعالي سعد بن علي الوراق المعروف بدلال الكتب (ت 568هـ)، وهناك مختصرات أيضاً لليتيمة. وتأثر الحسن علي بن بسّام الشنتريني (ت 542هـ) باليتيمة فصنف على غرارها كتاب: «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة».
    وللثعالبي في ميدان الشعر كتاب: «نثر النظم وحل العقد» من مختار الشعر الذي يشتمل عليه الكتاب المترجم «بمؤنس الأدباء»، وقد ألفه تلبية لأبي العباس خوارزم شاه وهو مطبوع.
    ومن مؤلفات الثعالبي الأدبية المطبوعة كتاب «سحر البلاغة وسر البراعة»، وفيه جمع عبارات في موضوعات كثيرة تساعد القارئ على الكتابة والإنشاء، وكتاب «كنز الكتّاب» وهو يجمع خمسمئة وألفين قطعة من الشعر لمئتين وخمسين شاعراً، وكتاب «من غاب عنه المطرب». وله كتب قصد بها إزجاء الفراغ وفيها أخبار شتى وقصص تاريخية منها «غرر أخبار ملوك الفرس»، وقد طبع مع ترجمة فرنسية له، و«سير الملوك» و«لطائف المعارف» و«ما جرى بين المتنبي وسيف الدولة»، وكتاب «الفرائد والقلائد»، وكتاب «التمثيل والمحاضرة في الحكم والمناظرة» وكتاب «لطائف الظرفاء وطبقات الفضلاء»، وكتاب «لطائف المعارف»، وكتاب «مرآة المروءات وأعمال الحسنات»، وكتاب «مؤنس الوحيد ونزهة المستفيد»، وقد نشر فلوغل مختصرات منه مع ترجمة إلى الألمانية، وكتاب «يواقيت المواقيت» وهو كتاب في مدح الأشياء وذمها، وكتاب «العقد النفيس» وهو كتاب في الأمثال والتشبيهات.
    كما ألّف الثعالبي طائفة من الكتب في اللغة وفقهها، وأشهر هذه الكتب كتاب «فقه اللغة وسر العربية»، وقد أهداه لأبي الفضل الميكالي الذي أعاره مكتبته وساعده في اختيار فصول الكتاب وأبوابه، وهو قسمان، قسم في المترادفات وقسم في الحديث عن الأسلوب، وكان موضوعه «مجاري كلام العرب وخصائصها برسومها وما يتعلق بالنحو والإعراب منها والاستشهاد بالقرآن على أكثرها»، والقسم الأول من الكتاب هو المطبوع باسم «فقه اللغة» في جزء واحد ويعترف الثعالبي بأنه في تصنيفه قد انتقى وانتخب من كتب الخليل والأصمعي والكسائي والفرّاء وابن الأعرابي والأزهري والخوارزمي وأبي الحسن الجرجاني. وإن كان الثعالبي قد نقل فيه فصولاً بحذافيرها من كتاب فقه اللغة لأحمد بن فارس (ت395هـ). ويقع كتاب الثعالبي في ثلاثين باباً وما يناهز ستمئة فصل. وراج هذا الكتاب رواجاً عظيماً.
    ونسب للثعالبي في اللغة كتاب «الأشباه والنظائر»، وهو يبحث في الكلمة الواحدة المذكورة في القرآن في مواضع بلفظ واحد وبنية واحدة وأريد منها في كل مكان معنى غير المعنى الذي أريد في موضع آخر، وهذا من دلائل الإعجاز القرآني إذ ترقى الكلمة إلى وجوه شتى.
    وللثعالبي شعر يمثل بيئته وعصره في استخدام الزخارف والمحسنات اللفظية، وقد طرق فيه أبواب الشعر من مديح وغزل ووصف وشكوى. وتتراوح معانيه قوة وضعفاً بحسب الغرض الذي يطرقه، وإن كان شعره في مجمله لا يرتفع في معانيه وأسلوبه عن أوساط شعراء عصره. غير أن ما أورده في ديوانه من تفاصيل الحياة يجعل هذا الشعر وثيقة من وثائق تلك الحقبة، تكشف عن سماتها الاجتماعية والفكرية والفنية.
    أقرّ بعلم الثعالبي وفضله كثيرون، ورأوا أنه «فريد دهره وقريع عصره ونسيج وحده»، وأنَّه «زبدة الأحقاب والدهور لم تر العين مثله ولا أنكرت الأعيان فضله»، ورأى آخرون في العصر الحديث أنه في مصنفاته تناول مؤلفات أسلافه فجمع منها، وأنه كثيراً ما ينقل في إحداها ما قاله في الأخرى.
    نهلة الحمصي

يعمل...
X