نواجي (محمد حسن)
Al-Nawaji (Mohammad ibn Hassan-) - Al-Nawaji (Mohammad ibn Hassan-)
النّواجي (محمد بن حسن ـ)
(788 ـ 859 هـ/1386 ـ 1455م)
شمس الدين محمد بن حسن النَّواجي نسبة إلى بلدة نَواج، وهي قرية من قرى مديرية الغربية في مصر، ولد في القاهرة، ونشأ في زاوية الأنباسي، فحفظ القرآن وأتقنه رسماً وتجويداً، كما حفظ مجموعة من كبريات كتب الثقافة المشهورة آنذاك ككتاب العمدة «عمدة الدين في الفقه الشافعي» للشاشي و«التنبيه» للشيرازي، و«الشاطبية في القراءات» للشاطبي الأندلسي، وتعلم الفقه والعربية والحديث، وتعلم الخط «المنسوب» على ابن الصائغ، وأمعن النظر في علوم الأدب حتى فاق أهل عصره، فحاز فيه قصب السبق إلى أعلى الرتب، فكتب كتاباً سماه «تأهيل الغريب» يشتمل على قصائد مطولات كلها غزل، وتقصى مذاهب الأدباء من العصر الجاهلي حتى زمنه.
فهو - كما يبدو من مصادر ثقافته - متعدد جوانب المعرفة، له باع طويل في شتى أنواع العلوم السائدة في عصره. تتلمذ على أكبر شيوخ ذلك العصر؛ أمثال شمس الدين العراقي والبيجوري وابن هشام العجيمي والعلاء بن المغلي، ولكنه كان عاقّاً لبعضهم ونشأت بينه وبينهم خصومات وعداوات، وتصدّر للتدريس في عدة علوم ولاسيما الحديث والفقه، ومدح الأكابر حتى أغدقوا عليه، فتمول وأصبح ثريّاً، ولعل بخله أسهم في ثرائه.
وكانت حصيلة عمره ما يزيد على عشرين كتاباً أغلبها في الأدب، وخاصة الأدب المكشوف، ككتابي «مراتع الغزلان في الحسان من الغلمان»، و«خلع العذار». وأكثر من التأليف في وصف الخمرة ككتاب «الصبوح»، ودفعه ولعه بها إلى أن يجمع ما استطاع جمعه من أشعار وأخبار وطرائف كثيرة في الخمرة، فكان كتابه «حلبة الكميت» وكان اسمه عند تأليفه له في المرة الأولى «الحبور والسرور في وصف الخمور» فضمّنه كل ما يتصل بالخمرة من اسمها وأصلها ومنافعها وخواصها ورأي الحكماء والندمان فيها، ومجالس الشراب وآدابها والأزهار والجنائن، وغير ذلك، وكان صريحاً جداً في عرض آرائه؛ مما ألّب عليه خصومه فاتهموه بالخلاعة والمجون، وخاصة في كتاب «حلبة الكميت» الذي جلب له محنة أقلقته، فحاول أن يمتص غضبة خصومه فرحل إلى الحج مرتين، وحاول أن يعدّل سلوكه فراح يؤلف في موضوعات جادة رصينة مثل كتابه «الغيث المنهمر فيما يفعله الحاج والمعتمر»، وقصيدته في مدح الرسولr ومنها:
يا مَنْ حديثُ غرامِي في محبّتهم
مسلسلٌ وفؤادِي مِنه مَعْلُولُ
رَوَت جُفُونَكم أنِّى قُتلت بها
فيا لَهُ خَبَراً يَرْويه مَكْحولُ
ولكن مثل هذا السلوك لم يشفع له في التكفير عن التهم التي ألحقت به.
وكانت له عناية في التأليف في فن البديع؛ إذ ألف كتباً في الجناس والاكتفاء وغيرهما، ودفعته منافسته لعلماء عصره أن يعارضهم في بعض ما ألّفوه، فألّف كتاب »تأهيل الغريب« معارضة لابن حجة الحموي في كتابيه «تأهيل الغريب الشعري» و«تأهيل الغريب النثري»، ولما انتقد ابن حجة صنيعه هذا ألف فيه كتاباً سمّاه «الحجة في سرقات ابن حجة»، وهو يجنح فيه إلى نوع من النقد، فإذا أضيف إليه كتابه الذي سماه «مقدمة في صناعة النظم والنثر» و«عقود اللآل في الموشحات والأزجال» تبيّن أن النواجي حاول أن يقدم شيئاً يضيفه إلى مسيرة النقد العربي، ولكن ما قدمه لا يعدو أن يكون - ككل نتاج عصره - جمعاً وتصنيفاً يكاد يكون خالياً من الابتكار.
ويظل النواجي يصنف في شعراء العصر المملوكي، فقد خلَّف ديوان شعر كان مادة لأطروحة دكتوراه في جامعة الإسكندرية.
ومن شعره، قوله متغزلاً:
إذا شَهِدَت مَحَاسِنه بأني
سَلَوْتُ وذاكَ شَيءٌ لا يَكونُ
أقولُ حديثُ جفنِكِ فيهِ ضَعْفٌ
يُرَدُّ به وعَطْفُكِ فيه لِينُ
محمود الربداوي
Al-Nawaji (Mohammad ibn Hassan-) - Al-Nawaji (Mohammad ibn Hassan-)
النّواجي (محمد بن حسن ـ)
(788 ـ 859 هـ/1386 ـ 1455م)
شمس الدين محمد بن حسن النَّواجي نسبة إلى بلدة نَواج، وهي قرية من قرى مديرية الغربية في مصر، ولد في القاهرة، ونشأ في زاوية الأنباسي، فحفظ القرآن وأتقنه رسماً وتجويداً، كما حفظ مجموعة من كبريات كتب الثقافة المشهورة آنذاك ككتاب العمدة «عمدة الدين في الفقه الشافعي» للشاشي و«التنبيه» للشيرازي، و«الشاطبية في القراءات» للشاطبي الأندلسي، وتعلم الفقه والعربية والحديث، وتعلم الخط «المنسوب» على ابن الصائغ، وأمعن النظر في علوم الأدب حتى فاق أهل عصره، فحاز فيه قصب السبق إلى أعلى الرتب، فكتب كتاباً سماه «تأهيل الغريب» يشتمل على قصائد مطولات كلها غزل، وتقصى مذاهب الأدباء من العصر الجاهلي حتى زمنه.
فهو - كما يبدو من مصادر ثقافته - متعدد جوانب المعرفة، له باع طويل في شتى أنواع العلوم السائدة في عصره. تتلمذ على أكبر شيوخ ذلك العصر؛ أمثال شمس الدين العراقي والبيجوري وابن هشام العجيمي والعلاء بن المغلي، ولكنه كان عاقّاً لبعضهم ونشأت بينه وبينهم خصومات وعداوات، وتصدّر للتدريس في عدة علوم ولاسيما الحديث والفقه، ومدح الأكابر حتى أغدقوا عليه، فتمول وأصبح ثريّاً، ولعل بخله أسهم في ثرائه.
وكانت حصيلة عمره ما يزيد على عشرين كتاباً أغلبها في الأدب، وخاصة الأدب المكشوف، ككتابي «مراتع الغزلان في الحسان من الغلمان»، و«خلع العذار». وأكثر من التأليف في وصف الخمرة ككتاب «الصبوح»، ودفعه ولعه بها إلى أن يجمع ما استطاع جمعه من أشعار وأخبار وطرائف كثيرة في الخمرة، فكان كتابه «حلبة الكميت» وكان اسمه عند تأليفه له في المرة الأولى «الحبور والسرور في وصف الخمور» فضمّنه كل ما يتصل بالخمرة من اسمها وأصلها ومنافعها وخواصها ورأي الحكماء والندمان فيها، ومجالس الشراب وآدابها والأزهار والجنائن، وغير ذلك، وكان صريحاً جداً في عرض آرائه؛ مما ألّب عليه خصومه فاتهموه بالخلاعة والمجون، وخاصة في كتاب «حلبة الكميت» الذي جلب له محنة أقلقته، فحاول أن يمتص غضبة خصومه فرحل إلى الحج مرتين، وحاول أن يعدّل سلوكه فراح يؤلف في موضوعات جادة رصينة مثل كتابه «الغيث المنهمر فيما يفعله الحاج والمعتمر»، وقصيدته في مدح الرسولr ومنها:
يا مَنْ حديثُ غرامِي في محبّتهم
مسلسلٌ وفؤادِي مِنه مَعْلُولُ
رَوَت جُفُونَكم أنِّى قُتلت بها
فيا لَهُ خَبَراً يَرْويه مَكْحولُ
ولكن مثل هذا السلوك لم يشفع له في التكفير عن التهم التي ألحقت به.
وكانت له عناية في التأليف في فن البديع؛ إذ ألف كتباً في الجناس والاكتفاء وغيرهما، ودفعته منافسته لعلماء عصره أن يعارضهم في بعض ما ألّفوه، فألّف كتاب »تأهيل الغريب« معارضة لابن حجة الحموي في كتابيه «تأهيل الغريب الشعري» و«تأهيل الغريب النثري»، ولما انتقد ابن حجة صنيعه هذا ألف فيه كتاباً سمّاه «الحجة في سرقات ابن حجة»، وهو يجنح فيه إلى نوع من النقد، فإذا أضيف إليه كتابه الذي سماه «مقدمة في صناعة النظم والنثر» و«عقود اللآل في الموشحات والأزجال» تبيّن أن النواجي حاول أن يقدم شيئاً يضيفه إلى مسيرة النقد العربي، ولكن ما قدمه لا يعدو أن يكون - ككل نتاج عصره - جمعاً وتصنيفاً يكاد يكون خالياً من الابتكار.
ويظل النواجي يصنف في شعراء العصر المملوكي، فقد خلَّف ديوان شعر كان مادة لأطروحة دكتوراه في جامعة الإسكندرية.
ومن شعره، قوله متغزلاً:
إذا شَهِدَت مَحَاسِنه بأني
سَلَوْتُ وذاكَ شَيءٌ لا يَكونُ
أقولُ حديثُ جفنِكِ فيهِ ضَعْفٌ
يُرَدُّ به وعَطْفُكِ فيه لِينُ
محمود الربداوي