نواس (حسن هاني)
Abu Nawas (Al-Hassan ibn Hani-) - Abu Nawas (Al-Hassan ibn Hani-)
أبو نواس (الحسن بن هانئ)
(139 ـ 190هـ/756 ـ 805 م)
أبو نواس، الحسن بن هانئ الحكمي، من أكبر شعراء العصرالعباسي، ولد في قريةٍ بالأهواز، وكان أبوه عربياً من جند مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وأمه امرأة فارسية تسمى «جلـّبان». نعته خصمه الشاعر الرقاشي بأنه نبطي، ولكن بعض الروايات تقول إن أبا نواس انتسب بالولاء إلى آل الحكم بن الجراح إحدى القبائل العربية اليمنية، فلمّا ترعرع أسلمته أمه إلى الكتّاب، فتعلم بعض مبادئ العربية، وشيئاً من مبادئ الدين والثقافة المعاصرة.
نشأ في البصرة، ولكنه لم يَرُق له المقام فيها مع أنه تتلمذ على المشهورين من علمائها، كما صحب وهو غلام أستاذه والِبة بن الحُبَاب الأسدي، وكان ماجناً فاسقاً، فأُعجب بهذا الفتى الوسيم الذكي وقرّبه إليه، وخرّجه على طريقته الخاصة، فحفلت كتب الأخبار بأخبارهما وطرائفهما، ورحل معه إلى الأهواز ثم إلى الكوفة حيث التقى خلفاً الأحمر[ر] الذي نصحه بأن يرحل إلى البادية ولو لسنة ليعمق ثقافته العربية واللغوية، وكان خلف آنذاك أشعر أهل وقته، فحمل أبو نواس عنه علماً كثيراً وأدباً واسعاً. فتمتـّنت ثقافته في هذه المرحلة، وقيل عنه إنه لم يبدأ قول الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة فما ظنك بالرجال، وكان يحفظ سبعمئة أرجوزة، ولمّا أيفع وكبر وصفه ابن المعتز فقال: «كان أبو نواس آدب الناس وأعرفهم بكل شعر، وكان مطبوعاً لا يستقصي ولا يحلل شعره، ولا يقوم عليه، ويقوله على السكر كثيراً، فشعره متفاوت لذلك، وكان يسحر الناس لظرفه وحلاوته وكثرة مُلحه، وكان شديد التعصب لقحطان على عدنان، وله فيهم أشعار كثيرة، يمدحهم ويهجو أعداءهم». وبعدها قدم إلى بغداد وكانت سنّه قد أربت على الثلاثين، فذكر إسحاق الموصلي نجابته إلى الرشيد، فاستقدمه ومدحه أبو نواس، وتعرّف آنذاك إلى البرامكة، وحاز حُظوة كبيرة عندهم، فلما نكبهم الرشيد سنة 187هـ رحل أبو نواس إلى مصر ليقضي بها بعض الوقت, فمدح واليها الخصيب, ولكنه عاوده الحنين إلى العراق فرجع إلى بغداد بعد وفاة الرشيد، ولقي حظوة قصيرة في زمن الأمين[ر] وإن كان الأمين قد حبسه لخلاعته، غير أنه رثاه عند وفاته، ولكن الله شاء أن يتوفاه بعده بقليل في بغداد، ودُفن في مقابر الشونيزي في تل اليهود.
أبرز ما تتجلى ملكة الشعر عنده في خمرياته، كأستاذيه في ذلك؛ الوليد بن يزيد وعدي بن زيد، حتى عُدّ أشعر شعراء الخمرة والمجون:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخَمْرُ
ولا تسقِني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
وَبُحْ باسمِ مَنْ تَهوى ودعْني من الكُنى
فلا خير في اللّذَّات من دونِها سِتر
ومدائحه أقل وزناً من وجهة نظر النقد من خمرياته؛ إذ يبرز فيها جانب الصنعة والتكلف، على حين يتجلى في مراثيه إحساس عميق ولونٌ حزين صادق التأثير، أما غزلياته فتشتمل على كثير من العاطفة المشبوبة الرقيقة، والمذهب الشعري الصحيح، وهجاؤه حاد مقذع أحياناً، ولكنه يميل إلى الفحش أحياناً أخرى فلذا كان طابع فكاهاته ومجونه، وعتابه ينزع إلى الصدق والجد، والجديد في شعره كثرة أراجيز الصيد والطرف ووصف الحيوان. وورد في آخر ديوانه زهديات، تُعدّ تعبيراً صادقاً عن شعورٍ حقيقي فكأنه سلك في هذا اللون من الشعر - في آخر عمره - طريقة غير طريقته، فأجاد وأحسن.
كثيرة هي الكتب التي ألفت في أخبار أبي نواس والمختار من شعره، أشهر ما وصل إلينا منها ما كتبه غلامه وراويته الشاعر أبو هفّان، وقد شدّ ديوانه كثيراً من المعجبين بفنه وفكره فجمعت نسخ كثيرة منه، وانتشرت في مكتبات عِدّة، تحدّت كثرتها الزمان فوصل إلينا.
كان أبو نواس شاعراً مطبوعاً يعرف كيف يصوغ أحاسيس الغناء الصادقة، صحيح أنه يسير في موازين العروض على قوالب القدماء مع قليل من التساهل، بيد أنه قلّما يذهب مذاهب القدماء في أساليب الشعر.
وكان مجاهراً بالفسوق, وجرّ على نفسه بذلك كثيراً من عقاب الخلفاء, وكثيراً ما افتخر بارتكاب جميع الموبقات, ويشتمل ديوانه على كثير من الأدب المكشوف، مما جعل رجال زمانه يتهمونه بالزندقة.
ويُعزى إليه أنه ثار على منهج القصيدة العربية القديمة، وكان يتظرف بهذه الثورة، ويلهج بمحاربة «الوقوف على الأطلال»، ويحارب الشاعر العربي الذي طالما وقف عندها، ويدعو إلى الوقوف عند الخمرة إذا كان يريد الواقعية.
فمما قاله في ذلك:
صفةُ الطُّلولِ بلاغةُ القدمِ
فاجعل صفاتِكَ لابنة الكرمِ
فعلامَ تذهل عن مشعشعةٍ
وتهيم في طللٍ وفي رسمِ
تصف الطّلول على السّماع بها
أفذو العِيان كأنت في العلمِ؟!
وإذا وصفت الشّيء متّبعاً
لم تخلُ منْ زللٍ ومن وهمِ
محمود الربداوي
Abu Nawas (Al-Hassan ibn Hani-) - Abu Nawas (Al-Hassan ibn Hani-)
أبو نواس (الحسن بن هانئ)
(139 ـ 190هـ/756 ـ 805 م)
أبو نواس، الحسن بن هانئ الحكمي، من أكبر شعراء العصرالعباسي، ولد في قريةٍ بالأهواز، وكان أبوه عربياً من جند مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وأمه امرأة فارسية تسمى «جلـّبان». نعته خصمه الشاعر الرقاشي بأنه نبطي، ولكن بعض الروايات تقول إن أبا نواس انتسب بالولاء إلى آل الحكم بن الجراح إحدى القبائل العربية اليمنية، فلمّا ترعرع أسلمته أمه إلى الكتّاب، فتعلم بعض مبادئ العربية، وشيئاً من مبادئ الدين والثقافة المعاصرة.
نشأ في البصرة، ولكنه لم يَرُق له المقام فيها مع أنه تتلمذ على المشهورين من علمائها، كما صحب وهو غلام أستاذه والِبة بن الحُبَاب الأسدي، وكان ماجناً فاسقاً، فأُعجب بهذا الفتى الوسيم الذكي وقرّبه إليه، وخرّجه على طريقته الخاصة، فحفلت كتب الأخبار بأخبارهما وطرائفهما، ورحل معه إلى الأهواز ثم إلى الكوفة حيث التقى خلفاً الأحمر[ر] الذي نصحه بأن يرحل إلى البادية ولو لسنة ليعمق ثقافته العربية واللغوية، وكان خلف آنذاك أشعر أهل وقته، فحمل أبو نواس عنه علماً كثيراً وأدباً واسعاً. فتمتـّنت ثقافته في هذه المرحلة، وقيل عنه إنه لم يبدأ قول الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة فما ظنك بالرجال، وكان يحفظ سبعمئة أرجوزة، ولمّا أيفع وكبر وصفه ابن المعتز فقال: «كان أبو نواس آدب الناس وأعرفهم بكل شعر، وكان مطبوعاً لا يستقصي ولا يحلل شعره، ولا يقوم عليه، ويقوله على السكر كثيراً، فشعره متفاوت لذلك، وكان يسحر الناس لظرفه وحلاوته وكثرة مُلحه، وكان شديد التعصب لقحطان على عدنان، وله فيهم أشعار كثيرة، يمدحهم ويهجو أعداءهم». وبعدها قدم إلى بغداد وكانت سنّه قد أربت على الثلاثين، فذكر إسحاق الموصلي نجابته إلى الرشيد، فاستقدمه ومدحه أبو نواس، وتعرّف آنذاك إلى البرامكة، وحاز حُظوة كبيرة عندهم، فلما نكبهم الرشيد سنة 187هـ رحل أبو نواس إلى مصر ليقضي بها بعض الوقت, فمدح واليها الخصيب, ولكنه عاوده الحنين إلى العراق فرجع إلى بغداد بعد وفاة الرشيد، ولقي حظوة قصيرة في زمن الأمين[ر] وإن كان الأمين قد حبسه لخلاعته، غير أنه رثاه عند وفاته، ولكن الله شاء أن يتوفاه بعده بقليل في بغداد، ودُفن في مقابر الشونيزي في تل اليهود.
أبرز ما تتجلى ملكة الشعر عنده في خمرياته، كأستاذيه في ذلك؛ الوليد بن يزيد وعدي بن زيد، حتى عُدّ أشعر شعراء الخمرة والمجون:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخَمْرُ
ولا تسقِني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
وَبُحْ باسمِ مَنْ تَهوى ودعْني من الكُنى
فلا خير في اللّذَّات من دونِها سِتر
ومدائحه أقل وزناً من وجهة نظر النقد من خمرياته؛ إذ يبرز فيها جانب الصنعة والتكلف، على حين يتجلى في مراثيه إحساس عميق ولونٌ حزين صادق التأثير، أما غزلياته فتشتمل على كثير من العاطفة المشبوبة الرقيقة، والمذهب الشعري الصحيح، وهجاؤه حاد مقذع أحياناً، ولكنه يميل إلى الفحش أحياناً أخرى فلذا كان طابع فكاهاته ومجونه، وعتابه ينزع إلى الصدق والجد، والجديد في شعره كثرة أراجيز الصيد والطرف ووصف الحيوان. وورد في آخر ديوانه زهديات، تُعدّ تعبيراً صادقاً عن شعورٍ حقيقي فكأنه سلك في هذا اللون من الشعر - في آخر عمره - طريقة غير طريقته، فأجاد وأحسن.
كثيرة هي الكتب التي ألفت في أخبار أبي نواس والمختار من شعره، أشهر ما وصل إلينا منها ما كتبه غلامه وراويته الشاعر أبو هفّان، وقد شدّ ديوانه كثيراً من المعجبين بفنه وفكره فجمعت نسخ كثيرة منه، وانتشرت في مكتبات عِدّة، تحدّت كثرتها الزمان فوصل إلينا.
كان أبو نواس شاعراً مطبوعاً يعرف كيف يصوغ أحاسيس الغناء الصادقة، صحيح أنه يسير في موازين العروض على قوالب القدماء مع قليل من التساهل، بيد أنه قلّما يذهب مذاهب القدماء في أساليب الشعر.
وكان مجاهراً بالفسوق, وجرّ على نفسه بذلك كثيراً من عقاب الخلفاء, وكثيراً ما افتخر بارتكاب جميع الموبقات, ويشتمل ديوانه على كثير من الأدب المكشوف، مما جعل رجال زمانه يتهمونه بالزندقة.
ويُعزى إليه أنه ثار على منهج القصيدة العربية القديمة، وكان يتظرف بهذه الثورة، ويلهج بمحاربة «الوقوف على الأطلال»، ويحارب الشاعر العربي الذي طالما وقف عندها، ويدعو إلى الوقوف عند الخمرة إذا كان يريد الواقعية.
فمما قاله في ذلك:
صفةُ الطُّلولِ بلاغةُ القدمِ
فاجعل صفاتِكَ لابنة الكرمِ
فعلامَ تذهل عن مشعشعةٍ
وتهيم في طللٍ وفي رسمِ
تصف الطّلول على السّماع بها
أفذو العِيان كأنت في العلمِ؟!
وإذا وصفت الشّيء متّبعاً
لم تخلُ منْ زللٍ ومن وهمِ
محمود الربداوي