(أزمة خطاب التنوير.. سيد القمني نموذجًا)
-----------------
الإعلام وقتل الفكر اليساري..
السيد القمني نموذجًا
د.أبو اليزيد الشرقاوي
-----------------
قدم التيار الماركسي دراسات جيدة حول إعادة قراءة تاريخ الثقافة العربية والإسلامية، فجاءت مغايرة للمنطق التراثي الذي اعتبر التاريخ انعكاس مسيرة غيبية لاهوتية، تحركها إرادة الله، ومن رحم هذا التصور خرجت كل الكتابات التراثية. باستثناء قلة على رأسهم ابن خلدون الذي يفهم مسيرة التاريخ نتاجًا مشتركًا لمشيئة غيبية لاهوتية وجهد بشري يحاول إثبات إرادته بحيث لا تتعارض الإرادتان.
تبدأ خلخلة الفهم التراثي هذا منذ بداية عصر النهضة الحديث بسبب اطلاع البعض على مناهج الأوربيين في دراسة التاريخ، ويمكن البحث عن إرهاصات هذا التحول في كتابات جمال الدين الأفغاني، وكتابات تلميذه الكواكبي ومحمد عبده، وبقليل من المبالغة يمكن الحديث عن "مشاريع" لم تكتمل لتحرير قراءة التاريخ قراءة "علمانية" متجردة من الوقوع في أسر الرؤية الغيبية اللاهوتية، وستجد ذلك في "طبائع الاستبداد" واضحًا، وفي كتابات عديدة للإمام محمد عبده، على رأسها موقفه من كتب السيرة النبوية، وتحفظاته عليها.
بمرور الوقت سيتغلغل التيار الماركسي مع الحرب العالمية الأولى وما تلاها، ويبدو أن الجو الثقافي في العالم العربي (ومصر تحديدًا) كان يدفع إلى ذلك دفعًا، وفي سيرة نعمان عاشور الذاتية (حياتي في المسرح) تفاصيل مدهشة عن التشجيع المبالغ فيه للفكر اليساري من جيوش الحلفاء وبريطانيا وأمريكا ومصر، وكيف ساهم ذلك في خلق جيل مؤمن بالفكر اليساري، وفي نفس السيرة توضيح للكيفية التي انقلبت فيها الدولة ضد الفكر اليساري، ومحاربته بضراوة.
في هذا السياق المشبع بالفكر اليساري ستظهر آثار ثقافية جيدة، في مقدمتها الكتاب الذي ترك أثره واضحًا على أصحاب الفكر اليساري حتى اليوم وهو كتاب (الشخصية المحمدية حل اللغز المقدس)، وفيه دراسة عقلانية لا يمكن لأي منصف إلا الاعتراف بها حتى لو اختلف مع المؤلف. فما قدمه الرصافي من محاولة إعادة بناء لسيرة "الشخصية المحمدية" جديد كل الجدة على الثقافة العربية.
ستظهر أسماء كثيرة تحاول قراءة تاريخ الأدب العربي بكل ما فيه من علوم في ضوء المنهج الماركسي، مع ملاحظة أن القدامى استخدموا لفظ "أدب" استخدامًا يعادل مدلول "ثقافة" في عصرنا، فكل المكتوب باللغة العربية هو "أدب"، ومن ثم ستجد الكتابات الأولى تحمل عنوان "آداب اللغة العربية" بجمع آداب، وتحتها ستجد كل فروع المعرفة مثل النحو والصرف والعروض والمواريث وعلوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه، وكذلك الجغرافيا والحساب والكيمياء.. إلخ، وباختصار: كل المكتوب باللغة العربية هو "آداب اللغة العربية"، ولذلك ستتعرض "آداب اللغة العربية" بهذا المفهوم التراثي الموسع إلى إعادة بناء مسيرتها في ضوء الحتمية التاريخية والديالكتيك والتفسير الماركسي للتاريخ، وستقابلك أسماء قدمت أعمالًا جادَّة وانتهت إلى نتائج لها وزنها حتى لو اختلفت معها فلن تنكر الجهد العقلي المبذول وسعة الاطلاع والمنهجية ووضوح الهدف، ومن هذه الأسماء حسين مروة في كتبه (النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية) و(دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي) و(تراثنا كيف نعرفه)، وفيها يبحث عن كيفية بناء هذا التراث في ضوء المنهج الماركسي. والاسم الثاني الذي أشير إليه هو محمد أركون بدراساته العديدة، ونظرة سريعة إلى بعض العناوين ستوحي بالمقصد الذي من أجله كُتِبَتْ: (تاريخية الفكر الإسلامي) و(الفكر الإسلامي قراءة علمية) و(العلمانية والدين) و(الفكر الأصولي واستحالة التأصيل).
* جزء من المقال.
* رابط التصفح:
https://online.flipbuilder.com/eucia/rakd/
* رابط التحميل:
https://www.mediafire.com/file/8qsbo...%258A%25D8%25A A_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AB%25D9%2582%25D8%25 A7%25D9%2581%25D9%258A%25D8%25A9-_%25D9%2585%25D8%25A7%25D9%258A%25D9%2588_202
2.pdf/file
المصدر ..محلة ميريت