مندور (محمد)
Mandur (Mohammad-) - Mandur (Mohammad-)
مَنْدور (محمَّد ـ)
(1325 ـ 1385هـ/1907 ـ 1965م)
محمد عبد الحميد مندور، أديب وناقد من أبرز النقاد المصريين في العصر الحديث، ولد في قرية قريبة من (مَنْيا القمح) بمحافظة الشرقية، يقال لها: كفر الدير (سميت من بعد: كفر مندور).
بدأ حياته الدراسية - ككل أبناء الريف - في كُتّاب قريته، ثم تسجل في المدارس الرسمية الحديثة، إلى أن حصل على الثانوية سنة 1925 فالتحق بالجامعة المصرية، وتخرج فيها بشهادتي الإجازة (الليسانس أو البكالوريوس) إحداهما في اللغة العربية والاجتماع سنة 1930، والثانية في الحقوق، وظفر بوظيفة معيد في كلية الآداب، هيأته أن يوفد ببعثة إلى فرنسا للحصول على دكتوراه في الأدب العربي مع أحد المستشرقين في جامعة السوربون ولكنه بقي فيها أكثر من ثماني سنوات دون أن يحصل على شهادة الدكتوراه (1931-1939) غير أنه في هذه الحقبة درس مجموعة من اللغات: كاليونانية واللاتينية والفرنسية، واطلع على الفقه المقارن لهذه اللغات، وهذه اللغات مكّنته من دراسة الاقتصاد السياسي الذي كان شغوفاً به؛ فحصل على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، وبعد أن فرغ مندور من دراسة اللغة اليونانية وآدابها سنة 1936 زار اليونان للتعرف على الأماكن التي ورد ذكرها فيما قرأ من التراث اليوناني القديم، ولم يحصل على شهادة الدكتوراه إلا بعد عودته إلى مصر من جامعة القاهرة سنة 1943.
تنقل مندور بين مجموعة من الأعمال، فكان أستاذاً جامعياً حيث مكث حقبة من الزمن، ثم استقال عام 1944 كما درّس في معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية، وفي هذا المعهد ألّف مجموعة من المؤلفات عن الأدب المصري الحديث، ثم ترك التدريس ليعمل في الصحافة، فتدرج من كاتب صفحات في الصحف والمجلات إلى أن غدا رئيس تحرير لبعضها مثل صحيفتي «الوفد المصري»، و«صوت الأمة»، و«مجلة البعث»، واهتم فيها بمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية، وخاصّة الحرية وحقوق الإنسان، ونظام الحكم ومشكلات العمل والإنتاج، وكان قد انتسب في هذه الحقبة إلى «حزب الوفد» وجعل من جريدة «صوت الأمة» بؤرة إشعاع لأفكاره ما لبثت أن اتسع نطاقها حتى أوقعته في محن كثيرة، وأدخلته السجن سنة 1946 مع عدد كبير من الكتّاب والمفكرين والشباب الوفديين.
كان محمد مندور كثير التأليف في حقول أكثرها في قضايا الأدب والنقد، ويظل كتابه المشهور «النقد المنهجي عند العرب» الذي نال به درجة الدكتوراه معلماً بارزاً في مسيرة النقد الأدبي الحديث، على الرغم من محاولة طه حسين التقليل من قيمة هذا الكتاب عندما سخط على تلميذه مندور، وله كتاب عنوانه «قضايا جديدة في أدبنا الحديث» وآخر بعنوان «النقد والنقاد العرب المعاصرون» و«في الميزان الجديد»، و«في الأدب والنقد»، وكتب في الشعر كتابه «فن الشعر»، وكانت له رغبة مسرحية فألف في فن المسرح عند شوقي وعزيز أباظة وتوفيق الحكيم، ودفعه تمكّنه من اللغة الفرنسية أن يطلع على نتاج كثيرين من الأدباء والنقاد الفرنسيين، فترجم كبريات الآثار الأدبية والنقدية الفرنسية للانسون lanson، وديهاميل [ر] Georges Duhamel، ودي لاكروا [ر] Eugene Dlacroix، وألفريد دي موسيه [ر] Alfred de musset، وغيرهم.
يتميز مندور بوضوح فكره، وخاصة النقدي، وغنى ثقافته، ودقة أحكامه ورهافة حسه، وحرارة روحه، ولا يستطيع المرء أن يفصل مندوراً الإنسان عن مندور الناقد، وإن بقاءه في باريس جعله يشغف بالثقافة الفرنسية، التي رآها تنعكس فيها -كما يقول - صفات الوضوح والدقة ونعومة اللمسة الإنسانية، وكره التصنع، والاعتزاز بكرامة النفس. كما أنه شغف بتراث اليونان شغفاً رسخ فيه تعلم اللغة اليونانية وقراءة أدبها على اختلاف عصوره. وعندما اطلع على المذاهب الاشتراكية نادى بمنهج في النقد سمّاه (المنهج الأيديولوجي) الذي يعني الحكم على العمل الأدبي بمقتضى المضمون الذي يشتمل عليه، وبمقتضى قربه من مذهب الناقد الفكري الذي يتبناه قبل النظر في استكمال شروط النجاح الفني.
ومما لا شك فيه أن الصحافة قربته من درس الواقع القائم في مصر. آلت كتاباته إلى تبني المنهج الأيديولوجي في النقد فضلاً عن المنهج الجمالي الذي صدر فيه عن إيمان عميق بتوظيف الجمال في خدمة الحياة.
وخلاصة القول: كانت حياة هذا الرجل عملاً متصلاً، سواء أيام إيفاده إلى فرنسا، أم بعد عودته إلى وطنه، حيث غادر الجامعة مغضباً، ودخل حرم الصحافة، ورمى بنفسه في غمار السياسة، وألف، وترجم، ودخل البرلمان، ودخل المعارك على كل صعيد، بغية أن يصحح صورة الحياة في مجتمعه، ويملأ عقله بالأفكار الفنية الكبيرة، ويحقق ذاته، ويقف إلى جانب القيم النبيلة.
محمود الربداوي
مندور (محمد)
Mandur (Mohammad-) - Mandur (Mohammad-)
مَنْدور (محمَّد ـ)
(1325 ـ 1385هـ/1907 ـ 1965م)
محمد عبد الحميد مندور، أديب وناقد من أبرز النقاد المصريين في العصر الحديث، ولد في قرية قريبة من (مَنْيا القمح) بمحافظة الشرقية، يقال لها: كفر الدير (سميت من بعد: كفر مندور).
بدأ حياته الدراسية - ككل أبناء الريف - في كُتّاب قريته، ثم تسجل في المدارس الرسمية الحديثة، إلى أن حصل على الثانوية سنة 1925 فالتحق بالجامعة المصرية، وتخرج فيها بشهادتي الإجازة (الليسانس أو البكالوريوس) إحداهما في اللغة العربية والاجتماع سنة 1930، والثانية في الحقوق، وظفر بوظيفة معيد في كلية الآداب، هيأته أن يوفد ببعثة إلى فرنسا للحصول على دكتوراه في الأدب العربي مع أحد المستشرقين في جامعة السوربون ولكنه بقي فيها أكثر من ثماني سنوات دون أن يحصل على شهادة الدكتوراه (1931-1939) غير أنه في هذه الحقبة درس مجموعة من اللغات: كاليونانية واللاتينية والفرنسية، واطلع على الفقه المقارن لهذه اللغات، وهذه اللغات مكّنته من دراسة الاقتصاد السياسي الذي كان شغوفاً به؛ فحصل على دبلوم في القانون والاقتصاد السياسي والتشريع المالي، وبعد أن فرغ مندور من دراسة اللغة اليونانية وآدابها سنة 1936 زار اليونان للتعرف على الأماكن التي ورد ذكرها فيما قرأ من التراث اليوناني القديم، ولم يحصل على شهادة الدكتوراه إلا بعد عودته إلى مصر من جامعة القاهرة سنة 1943.
تنقل مندور بين مجموعة من الأعمال، فكان أستاذاً جامعياً حيث مكث حقبة من الزمن، ثم استقال عام 1944 كما درّس في معهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية، وفي هذا المعهد ألّف مجموعة من المؤلفات عن الأدب المصري الحديث، ثم ترك التدريس ليعمل في الصحافة، فتدرج من كاتب صفحات في الصحف والمجلات إلى أن غدا رئيس تحرير لبعضها مثل صحيفتي «الوفد المصري»، و«صوت الأمة»، و«مجلة البعث»، واهتم فيها بمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية، وخاصّة الحرية وحقوق الإنسان، ونظام الحكم ومشكلات العمل والإنتاج، وكان قد انتسب في هذه الحقبة إلى «حزب الوفد» وجعل من جريدة «صوت الأمة» بؤرة إشعاع لأفكاره ما لبثت أن اتسع نطاقها حتى أوقعته في محن كثيرة، وأدخلته السجن سنة 1946 مع عدد كبير من الكتّاب والمفكرين والشباب الوفديين.
كان محمد مندور كثير التأليف في حقول أكثرها في قضايا الأدب والنقد، ويظل كتابه المشهور «النقد المنهجي عند العرب» الذي نال به درجة الدكتوراه معلماً بارزاً في مسيرة النقد الأدبي الحديث، على الرغم من محاولة طه حسين التقليل من قيمة هذا الكتاب عندما سخط على تلميذه مندور، وله كتاب عنوانه «قضايا جديدة في أدبنا الحديث» وآخر بعنوان «النقد والنقاد العرب المعاصرون» و«في الميزان الجديد»، و«في الأدب والنقد»، وكتب في الشعر كتابه «فن الشعر»، وكانت له رغبة مسرحية فألف في فن المسرح عند شوقي وعزيز أباظة وتوفيق الحكيم، ودفعه تمكّنه من اللغة الفرنسية أن يطلع على نتاج كثيرين من الأدباء والنقاد الفرنسيين، فترجم كبريات الآثار الأدبية والنقدية الفرنسية للانسون lanson، وديهاميل [ر] Georges Duhamel، ودي لاكروا [ر] Eugene Dlacroix، وألفريد دي موسيه [ر] Alfred de musset، وغيرهم.
يتميز مندور بوضوح فكره، وخاصة النقدي، وغنى ثقافته، ودقة أحكامه ورهافة حسه، وحرارة روحه، ولا يستطيع المرء أن يفصل مندوراً الإنسان عن مندور الناقد، وإن بقاءه في باريس جعله يشغف بالثقافة الفرنسية، التي رآها تنعكس فيها -كما يقول - صفات الوضوح والدقة ونعومة اللمسة الإنسانية، وكره التصنع، والاعتزاز بكرامة النفس. كما أنه شغف بتراث اليونان شغفاً رسخ فيه تعلم اللغة اليونانية وقراءة أدبها على اختلاف عصوره. وعندما اطلع على المذاهب الاشتراكية نادى بمنهج في النقد سمّاه (المنهج الأيديولوجي) الذي يعني الحكم على العمل الأدبي بمقتضى المضمون الذي يشتمل عليه، وبمقتضى قربه من مذهب الناقد الفكري الذي يتبناه قبل النظر في استكمال شروط النجاح الفني.
ومما لا شك فيه أن الصحافة قربته من درس الواقع القائم في مصر. آلت كتاباته إلى تبني المنهج الأيديولوجي في النقد فضلاً عن المنهج الجمالي الذي صدر فيه عن إيمان عميق بتوظيف الجمال في خدمة الحياة.
وخلاصة القول: كانت حياة هذا الرجل عملاً متصلاً، سواء أيام إيفاده إلى فرنسا، أم بعد عودته إلى وطنه، حيث غادر الجامعة مغضباً، ودخل حرم الصحافة، ورمى بنفسه في غمار السياسة، وألف، وترجم، ودخل البرلمان، ودخل المعارك على كل صعيد، بغية أن يصحح صورة الحياة في مجتمعه، ويملأ عقله بالأفكار الفنية الكبيرة، ويحقق ذاته، ويقف إلى جانب القيم النبيلة.
محمود الربداوي