الكاتب والنحات أحمد اسكندر سليمان لدام برس: الدين لا يساهم في إنتاج الفرد وإنما يساهم في إنتاج الحشود وآليات الطاعة
خاص دام برس - بلال سليطين :
في ظل مايقول رجال الفكر أنه هجوم تكفيري ظلامي يجتاح سورية يبقى هناك نافذة صغيرة للتنوير يطل من خلالها المثقفون والكتاب والشعراء محاولين الوقوف في وجه هذا المد الذي يقولون أنه لا يساهم في إنتاج الفرد وإنما يساهم في إنتاج الحشود وآليات الطاعة في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لتطوير آليات القراءة ولأفراد قراء أكثر من حاجتنا لنسخ راكعة حسب قول ضيف حوار دام برس الكاتب والنحات "أحمد اسكندر سليمان":
نص الحوار:
* لماذا يقل أحمد اسكندر سليمان من الأمسيات والحضور بين الجمهور؟
** حقيقة نادراً ما أطل، وآخر حضور لي كان في مقهى ثقافي في اللاذقية ولولا اعتقادي أنه في هذا المكان يوجد ذواقة حقيقيون للأدب لما أتيت فأنا لم أعتد الذهاب إلى الحشود، في المقاهي الثقافية يوجد ذواقة هم انتقوا أنفسهم بطريقة مميزة وسعوا جاهدين لكي لا يكون حوارهم ضائعاً متلاطماً بأفكار لها بداية ولا نهاية، وإنما يكون حواراً دقيقاً يصل إلى نتائج مثمرة.
* هذا الكلام له علاقة بفهمك للشعر كنخبوي أو شيء آخر، أم أنك تستمتع بهذا الجمهور أكثر من أي جمهور آخر؟
** لقد تعلمت على الأماكن المغلقة، وكنت أدير مختبراً مع بعض الأصدقاء (مختبر جبلة الثقافي) ونستقبل فيه كتاباً وفنانين ونقيم جلسات حوار طويلة معهم لذا فأنا من المؤسسين لهذا الجو بمكان آخر.
وبالتالي بالأدب أنتقل أمام هذا الجمهور بين عدة خيارات "المساحات الهادئة، المساحات التي يكون فيها انفعال كثير، وقليل من الحب، وقليل من الوضع العام"، والوضع العام يرخي بظلاله وفي النهاية اللحظة التي نحن نعيشها فرضت بعض النصوص التي لها علاقة باللحظة وبالتالي فإن الشاعر مضطر على تقديم شيء له علاقة بالمرحلة أمام هكذا جمهور.
* هل هذا جزء من رؤيا الشعر؟
** حقيقة أنا لا انظر للشعر بهذه الطريقة، لكنني لست بعيداً عن الواقع الذي أعيشه، ولا يمكنني تجاهل المصير من أجل حالة تذوق أو من أجل حالة رؤية عالية.
نحن اليوم أمام لحظات لها علاقة بمصيرنا لايمكننا تجاهلها.
* لكن لم يكن للشعر هذا الحضور بالأزمة السورية؟
** الشعر كان له دور سيء في بعض الأماكن وفي أماكن أخرى كان له دور ممتاز خصوصاً "نزيه أبو عفش وأدونيس".
* تتحدث عن "نزيه أبو عفش وأدونيس" كأسماء أم كفكر؟
** أحيانا تخدعك الأسماء، وإذا لم تصل إلى لحظة الأزمة الحقيقية المتعلقة بالمصير والوجود قد تبقى مستمراً بالخديعة، هذه اللحظة تكشف الكثير وقد كشفت الكثير
* بكلامك تدفعني للقول أن هناك أزمة فكر عند شعراء العصر، هل هذا هو الواقع؟
** هناك أزمة لدى الجميع والشاعر في النهاية يحاول اختزال الإيقاع الموجود والحساسية الموجودة بالمجتمع برمته، ويحاول اكتشاف نبرة الصوت التي من الممكن تحميلها أفكاراً ينتقل فيها إلى مرحلة أكثر إضاءة وتنويراً، لكن هناك أناس أقل من هذه الحالة بكثير، بالنسبة لي أحاول الوصول إلى النبرة التي من الممكن أن تضيء قليلاً.
** هل يمكن للشعر إذا فتحت المنابر أمامه أن يضيء ويفتح عقول؟
** علينا أن نعول على الشاعر الحقيقي لأن لديه القدرة على إنتاج المعنى والقدرة على إزاحة المعنى المستقر، وإذا لم يكن هناك شعراء كبار يزيحوا المعنى المستقر الذي أسسه رجل الدين وتوابعه فنحن أمام كارثة حقيقية والحساسية لدى الناس لن تتطور.
* ألا تشعر بذلك أنك تحمل الشعر والشعراء مالا طاقة لهم؟
** إذا لم تحمل الشاعر هذا الحمل وهذه المهمة لمن تحملها لرجل السياسة أو لرجل الدين !!!!!!!!
* تقصد هنا الشاعر بصفته مثقف؟
** الشاعر قد لا يكون مثقفاً، قد يكون حساساً فقط أنا أتحدث عن حساسيات، هناك شعراء بالفطرة استطاعوا أن يكتشفوا بالنبرة الحساسية التي يجب عليهم العمل عليها.
* أنت تعول على طرفي معادلة، والواضح أن المتلقي بعيد عن الشعر؟
** بالتأكيد هناك طرفان، لكن في شعبنا لا يوجد قارئ حقيقي لذلك يبدو أن النص الشعري بعيد وأعزل، لكن لا يمكنا القول أنه أعزل أو زائد عن الحاجة لأنه وفي لحظة ما ومن خلال جملة شعرية قالها شاعر ما قد يضاء لدى الإنسان قد يضيء الشعر نورٌ داخليٌ، هذا الإنسان الذي وفرت له الإضاءة الداخلية قد يقود بلد فيما بعد، وهذا كله محتمل، وفي نفس الوقت إذا استطاع الشعر إيصال حساسية إلى طفل وولد لديه الانفتاح المستقبلي أفضل من أن يستلمه رجل الدين ويقضي على مستقبله.
* قبل التسعينات كانت سلطة الشاعر أقوى من رجل الدين، من سحب السلطة من رجل الشعر وأعطاها لرجل الدين؟
** في الحياة هناك تحالفات، الشاعر لا يمكن أن يكون إلا مختلفاً لأن المعنى المستقر ينتج سلطة مستقرة، والدين الذي ينتج معنىً مستقراً ينتج سلطة مستقرة، لذلك تجد رجل السياسة مهتماً بالتحالف مع رجل الدين لكنه لا يهتم بالتحالف مع الشاعر لأنه ينتج الاختلاف، كما أنني لا أريد وضع الشاعر في هذه المواجهة لكي لا يبدو عدواً للجميع دعوا الشاعر يغرد لوحده فهو لا يطاحش رجل الدين والسياسة.
* لكن اليوم كل من أمسك ورقة وقلم وانشأ صفحة على الفيس بوك يصبح شاعراً.. هل هذه ظاهرة مفيدة؟
** بالطبع مفيدة جداً، لأن هذه المحاولة إن لم تنتج شعراء فهي تنتج قراءً، ويجب مساعدة هؤلاء وفتح مختبرات لهم علّه يخرج منهم شعراء حقيقيون، هناك شعراء رائعون لم نسمع بهم لأنهم لم يحظوا بالمساعدة فما ظهروا ولم يلمع نجمهم.
* انطلاقاً من إجابتك السابقة هل تأتي أهمية المقاهي الثقافية في أنها تفسح المجال لهؤلاء؟
** المقاهي الثقافية تديرها جمعيات ونوادي أهلية إلى حد كبير هي متحررة من آلية التوجيه وخطاب السلطة والدين، وهي عبارة عن مجموعة أفراد يلتقون، والمجتمع الذي لا يوجد فيه أفراد ليس مجتمعاً مدنياً لأن المجتمع المدني يقوم على أفراد، وبغياب المجتمع المدني لا يوجد دولة ومؤسسات، والشعر هو أحد أهم المساهمين في إنتاج الفرد لذلك يجب دعمه، الدين لا يساهم في إنتاج الفرد وإنما يساهم في إنتاج الحشود وآليات الطاعة، أما الفنون فهي تطور آليات القراءة ونحن بحاجة لأفراد قراء ولسنا بحاجة نسخ راكعة.
* في ظل انتشار الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي هل تجد أن الشعر استفاد من هذه الثورة التقنية كوسيلة انتشار سريع؟
** نعم النصوص الفيسبوكية تتفاعل بسرعة وهي تقدم أسماء وهذه الأسماء تتلاقح فمنها ما يثبت ومنها ما يزول، هذا أمر جميل ومفيد، في الفيسبوك بامكانك اختبار مختلف الأنماط، وأكثر القصائد قرباً لروح الفيسبوك هو قصيدة الهايكو اليابانية التي هي عبارة عن /4/ أسطر، وبهذه الفرصة يمكن أن يظهر لديك شعراء هايكو حقيقيون وهذه المساحة لم تكن متوفرة سابقاً، أصبح النص مليء في الحياة أكثر والشاعر يقدم تجربته وحالته الفريدة وأصبحت حالته الفكرية خفيفة وتتحرك بسرعة.
* لأن الأرض لا تدور إلا بعد ألف كأس وكأس أسكر بدون توقف، هذا الإنسان الذي كتب هذه العبارة بالنسبة للجاذبية والأرض، أين موقعه؟
** إذا قلنا بالنواة النواة لاتدور نهائياً تبقى في سكون وبالتأكيد هو لا ينتمي إلى حالتي النواة والسكون، وإنما ينتمي إلى حالة الزوال هذا الزوال الذي يجب أن يتجدد ويتدفق على الدوام، فهو ينتمي إلى الغيمة والسطح ودخان سيكارة للأناس الذين يتحركون.
* "أحمد اسكندر" النحات والشاعر إلى أي درجة ترتبط كلمتك بالحجر الذي تعثر عليه في الطبيعة؟
** هناك ارتباط بالتأكيد، وقد كتبت نصاً بعنوان تشكيلات حجرية، الإجابة على هذا السؤال صعبة يجب إن أكون باللحظة ذاتها حتى أقول كيف تكونت وارتبطت، أي شيء تمارسه في حياتك سواء كان نحتاً أو كتابة فإن المفردات المشتقة من هذا العمل تعيد إنتاجها فنياً وبالتأكيد فإن الازميل في يد النحات الشاعر هو غير الازميل في يد النحات الغير شاعر، لأن هناك معاملة تحويل والشاعر لديه قدرة تحويل الأشياء إلى لغة، النحات يعمل على الفراغ والكتلة ويتفوق عليه الشاعر في أنه إلى جانب ذلك يعمل على اللغة، والعمل الفني هو نحت ببنية افتراضية هي اللغة مثلما هناك نحت بالحجر هناك نحت باللغة وقد قيل عن شعراء الماضي أنهم ينحتون في اللغة.
يذكر أن أحمد اسكندر سليمان كاتب وشاعر ونحات له عدة مؤلفات "الانقلاب الصيفي 1994 _ نصوص لم تكتمل 1996 أعمى بلا ندم 1998 الكائن في عزلته 2003 "، حرر موسوعة القصة الجديدة في سورية .. صدرمنها الكتاب الأول 1996 والكتاب الثاني 1998، وهو أحد مؤسسي مجلة _ ألف للكتابة الجديدة _ عام 1991 وأحد موسسي مهرجان جبلة الثقافي 2004 حتى عام 2010 _ نشر في الصحافة السورية والعربية عشرات المقالات الفكرية والنقدية.