أصالة نصري: تجربة غنائية ناجحة وتصريحات غير مدروسة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أصالة نصري: تجربة غنائية ناجحة وتصريحات غير مدروسة

    أصالة نصري: تجربة غنائية ناجحة وتصريحات غير مدروسة


    مطربة سورية نجحت في أن تعتلي سلم الشهرة بخطوات ثابتة.
    الاثنين 2024/08/19
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    مسرح صعدته شابة حالمة ومطربة ناجحة

    أصالة نصري، صوت سوري مميز ومطربة تجلس على أعلى هرم الموسيقى العربية بخبرة لأكثر من ثلاثين عاما وبألبومات وأغان خالدة، لكنها أيضا ألحقت بها بعض تصريحاتها ضررا كبيرا وصل حد منعها من الغناء في وطنها. وحياتها بأغلب مراحلها وعلاقاتها ومشكلاتها من حين إلى آخر قد تكون موضوعا مهما لعمل سينمائي أو درامي يتناول سيرتها ويبرز رحلة كفاح من فتاة سورية حالمة إلى واحدة من أشهر مطربات العرب.

    أن يعود الفنان إلى مسرح صنع جزءا من شهرته وإلى جمهور شجّعه منذ البدايات، لحظة لا يمكن تجاوزها… لحظة منفلتة من الزمن وتتجاوز المعنى اختزلتها أصالة نصري في جملة “حالة يطول شرحها، وقد لا تفيها الكلمات حقها”.

    هكذا وصف البيان الخاص بمهرجان قرطاج الدولي الفنانة السورية أصالة نصري التي أحيت حفل اختتام دورته الثامنة والخمسين السبت الماضي، وهي بالفعل سهرة لا يمكن تجاوزها، أثبتت من خلالها المطربة السورية أنها خاضت طوال عقود تجربة غنائية ناجحة لم تمنعها بعد كل النضج الفني من إطلاق تصريحات غير مدروسة.

    ومنذ أول لحظات اعتلائها المسرح، اختارت الفنانة أن ترمي ورود الكلم للجمهور التونسي الذي وصفته بـ”المثقف”، معبرة عن امتنانها له، في مبالغة صريحة، فأن يحضر الجمهور حفلا لأي فنان كان ويغني أغنياته ليس دليلا على ثقافته.

    لا يهم ذلك كثيرا، فالفنانون اعتادوا مجاملة جماهيرهم وخاصة الجمهور التونسي “السميع” لكن ما أود الحديث عنه في هذا المقال هو أصالة التي اعتادت أن تطلق تصريحات مختلفة، بعضها تسبب لها في أزمات كبيرة مع أنظمة سياسية وفي مقدمتها نظام بلدها، وهي الطفلة التي تربت في دمشق وحاراتها القديمة وغنت للنظام السياسي وكانت صوتا مألوفا للسوريين بأداء أغاني المناسبات الوطنية والأناشيد القومية، وفي أداء تتر قصص عالمية “قصص الشعوب”.

    صوت مكنها اليوم من أن تحتل مكانة مميزة تضعها بين المطربين الذين يمتلكون ثقلا وهيبة وكاريزما لا تتكرر

    كانت أصالة خلال السنوات الماضية تتبنى تصريحات مدافعة عن الإنسان أينما كان وحقه في المعارضة والاختلاف مع أنظمة الحكم، حيث قالت في إحدى مداخلاتها مع قناة الجزيرة عام 2012 “حين غادرت سوريا، تركتها لأنني مللت من جبروتهم وغرورهم والناس لا يحق لها أن تتنفس ونحن قطعان وراءهم”.

    وقالت “حتى لو اضطهد النظام شخصا واحدا من ألف، علينا نحن الفنانين أن نصطف مع الشعب”.

    عرّضتها هذه التصريحات للمنع من دخول بلادها وإحياء حفلات فيها وكانت مطلوبة لدى النظام، لكنها ظلت مجرد تصريحات، فأصالة انشغلت بالأغاني الرومانسية، والأغاني الوطنية أو التي تتبنى موضوعا إنسانيا أو قضية تدافع عنها البشرية جمعاء في مسيرتها الممتدة طوال نحو 35 عاما أقل من أصابع اليد الواحدة.

    وفي مداخلتها بقناة الجزيرة آنذاك، شددت أصالة على أن “الفن هو أكثر ما يؤثر بالناس والوحيد الذي يترجم الأخطاء بشكلها الحقيقي، لكن في بلادنا العربية الفنان مقموع وخواف وجبان، يفكرون بحفلاتهم وبأرزاقهم المادية”. وها هي بعد سنوات ورغم شهرتها وامتلاكها صوتا لا شك أنه شديد التأثير على مستوى الكلمة والنغم، وامتلاكها “جيشا” من المحبين والمدافعين الشرسين عنها، تؤكد أنها اختارت الصمت في وجه العديد من القضايا مفكرة بحفلاتها وأرزاقها المادية هي الأخرى، فحتى غناءها لفلسطين العربية يظل مجرد شعارات تسكن أفواه بعض المنتقدين، يكفي أن يلقي الباحث نظرة خاطفة على تعليقات رواد السوشيل ميديا على أدائها للأغنية ليدرك أنهم ينظرون لكل من يتغنى بفلسطين في هذه الظرفية الزمانية بأنه يسعى لتجميل صورته وتبرير تصرفه.

    للفنانة أيضا تصريح عرّضها لهجوم من المصريين والصحافة المصرية حيث عبرت منذ عامين تقريبا عن امتنانها للسعودية بصفتها داعمة لها منذ بداياتها وهو ما استنكره جمهورها المصري الذي يعلم جيدا أن بداية انتشار المطربة عربيا كان من مصر.

    وأصالة التي لم تستقر عاطفيا خلال الثلاثين عاما الماضية، والتي تعددت علاقاتها الزوجية وكانت مسيرتها الفنية شديدة الحساسية لما تعيشه أصالة الإنسان، حتى إن أغنياتها تعبر عن حالاتها المزاجية والاجتماعية، أكدت في ندوتها الصحفية بمهرجان قرطاج الدولي أن “استقرارها العاطفي سر نجاحها”، رغم أنها عادت لتؤكد “حياتي العاطفية تؤثر بشكل إيجابي على مسيرتي وتلعب دورا هاما في نجاحي كفنانة”.

    والفنانة التي تغني الكثير من الأشعار الغنائية التي تتحدى فيها المرأة الرجل وترفض الخنوع له، اختارت أن تطلق تصريحا تؤكد فيه “أنا أشجّع المرأة وأتعاطف معها بشكل لا يوصف، ولكن كفة الميزان بداخلي تميل إلى الرجل بشكل أكبر”.

    اسمحولي هنا، أن أستعير جملة للفنان زياد الرحباني في ديوانه “صديقي الله” يقول فيها “آه لو كان الكلامُ كالخبز يُشترى.. فلا يستطيعُ أحد أن يتكلم.. إلا إذا اشترى كلاما!”، وفي الفن نحن نحتاج اليوم لفنانين يدركون تأثير النوتة وأيضا الكلمة والتصريح الذي يصدر عنهم، ومدى مطابقته لمسيرتهم المهنية، نحتاج فنانين يغنون ويصمتون أو يغنون ويتكلمون بعد تقييم لكلماتهم.

    ومصحوبة بست وثلاثين عازفا من خيرة أساتذة الموسيقى في الدول العربية، يقودهم المايسترو مصطفى حلمي، عادت المطربة لتعتلي خشبة المسرح الروماني بقرطاج وتلتقي في الكواليس رفاق البدايات من بعض الفنانين التونسيين، مسرح شهد على بدايتها هي الأخرى، حين كانت ترى حلم الوقوف عليه وصناعة اسم يميزها عن غيرها أمرا يشبه الأمنية الصعبة.


    حضور لافت للأنظار


    ولا أحد يمكن أن يشكك في صوت أصالة نصري وقدراته المبهرة في أداء أنماط غنائية متنوعة اللهجات والمقامات، ولا أحد قد ينكر أن هذه المطربة تمتلك “تكنيكا” مميزا في صوتها الذي قد يراه البعض “صراخا” بينما يحبه الكثيرون، صوت مكنها اليوم من أن تحتل مكانة مميزة تضعها بين المطربين الذين يمتلكون ثقلا وهيبة وكاريزما لا تتكرر، خاصة ونحن نواجه موجة استسهال فني كبيرة.

    ثلاثون عاما مضت على أوّل لقاء بين أصالة نصري وجمهور قرطاج الذي التقته لأول مرة في العام 1994. ثلاثة عقود تغير فيها الكثير في مسيرة الفنانة التي نشأت في عائلة فنية أبا عن جد، وفي حين دعمها والدها في بدايتها، فقد وجدت الدعم لاحقا من أشخاص كثيرين، أهمهم أزواجها الثلاثة، رجل الأعمال أيمن الذهبي الذي عبرت في أحد تصريحاتها مؤخرا عن امتنانها له لأنه دعمها في بداياتها، ثم زوجها الثاني طارق العريان الذي أخرج لها العديد من كليباتها الشهيرة مثل “آسفة” و”لما جات عينك في عيني” و”اعطف حبيبي” وغيرها من الأغنيات التي تميز فيها العريان بأسلوبه الفريد في الإخراج حيث لا يكتفي عموما باستعراض مفاتن المطرب سواء كان هذا المطرب أصالة أو غيرها وإنما هو يصنع من الأغنية فيلما قصيرا، بمشاهد وحكايات وسيناريو محكم، تزيد في أحيان كثيرة من انتشار الأغنية لدى الجمهور. كما أخرج لها برنامج “مع صولا” الذي ساهم في انتشارها أكثر وكانت تستضيف فيه خيرة الفنانين العرب وكشف لجمهورها عن أجزاء خفية من شخصيتها.

    أما زوجها الثالث، فائق الحسن، فهو شاعر عراقي، حقق نجاحات كبيرة مع الفنان ماجد المهندس، وهو منذ ارتباطه بها يحقق نقلة نوعية في مسيرة الفنانة حيث كان حافزا لها لتجربة ألوان غنائية جديدة ومنها الغناء باللهجة العراقية، وتخط كلماته مع صوتها قصة نجاح جديدة للمطربة السورية.

    غنت أصالة في حفلها بقرطاج مزيجا من قديمها وجديدها، منوعة بين اللهجات السورية والمصرية والعراقية وحتى التونسية حيث غيرت في كلمات أغنيتها “مانغا” لتصبح أغنية تتغنى بتونس وقرطاج وجمالها، ولم تنس أن تؤكد أنها “تغني لكل الأماكن التي تتحرك فيها المشاعر”.

    غنت أصالة أيضا “خانات الذكريات” وهي واحدة من أشهر أغنياتها، فأي من الخانات ستظل شاهدة عليها؟ وكيف سترى الأجيال اللاحقة تجربة فنانة لطالما أحدثت الكثير من الجدل حولها؟ وكيف ستروى سيرتها لو تم التطرق إليها في عمل سينمائي أو مسلسل تلفزيوني؟ ومن أكثر الشخوص المؤثرة التي سيرد ذكرها كأكثر الأشخاص تأثيرا في مسيرتها الفنية بدءا من والدها الفنان الراحل مصطفى نصري؟

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X