التشكيلي صلاح سايس ترحال بين الشخوص ومغامرة بصرية
فنان يعيد توظيف علاقته مع شخوص منتميا لحكاياتها.
الخميس 2024/08/22
إيقاع حركي ولوني فريد
يخوض الفنان السوري صلاح السايس تجربة تشكيلية مختلفة يبني فيها علاقات مع شخوصه، ليروي حكاياتها بألوان متناغمة، دون أين ينسى أن يمنح للصمت مساحاته الكافية، فتصبح لوحاته حكايات متشابكة يكتشفها المشاهد ويقرأها مرات واقفا على أهم المفاهيم والدلالات والرموز المكونة لها.
إن التعبيرية التشكيلية التي يخوض في مغامراتها الفنان التشكيلي السوري صلاح السايس لها تجلياتها التي مكنته من اتباع حدسه وحواسه ومواقفه فهو ينتشلها من البصيرة إلى الفعل ومن جمودها البائس إلى انتصاراتها الفاعلة في عمق اللوحة وكأنها تحاول عبثا اثبات وجودها من ذاتها أولا ومن ذاتيّتها ثانيا.
بتشكيل أسلوبه، يكون السايس مختلفا في منطق توظيف علاقته مع شخوصه بالانتماء لحكاياتها التي تظهر سواء في اختيار اللون أو في تجسيد الأدوار المتداخلة لتلك الشخوص وأحجامها أو في ترتيب المساحة بصخب يحاول الهدوء أو بصمت ضاجّ بين العلامة والإيماء.
وفي لحظة الإدراك الفني للمعنى البصري، يجد المشاهد نفسه في حالة تواطؤ أمام عمل مكّنه من استراق النظر لذاته أو متابعة مرايا تراقب دواخل المشاعر التي يختفي منها وراء السطح الذي يحاول الظهور به بين كل تلك التراكمات المبنية على صراعات الواقع والانتماء.
اللوحة التي يقدمها السايس مبتكرة على مستوى التعبير والرموز بشكل له توافقاته الجمالية التي تتفاعل دراميا
يتفاعل معها ويستمر في تفكيك مشاعره، فبينما يُكرس الفنان نفسه لخلق جماليات قادرة على حمل اللوحة إلى أبعد مما كان يتوقّعه المشاهد بالترحال عبر فضاءاتها، تسعى الشخوص إلى الانفلات أو الانعتاق بصورها التي تستطلع الحالات ولا تستثيرها بل تلتقي مع اللغة البصرية التي انشغل على ترتيبها في السرد البصري أو هكذا يبدو التأمل الحر للمتلقي المتسمّر أمام المشهد الأولي الذي يقرأ ويحاول قراءته بين تساكن وسكون يعلم نتائج الصراع فيه والتصادم معه.
هذا ما يتوافق مع الفلسفة البصرية التي يترنم على إيقاعها الحركي والحيوي والسيميائي التشكيلي السوري صلاح السايس من خلال أسلوبه التعبيري المتفرّد الذي حمل تصورات مستحدثة وبلاغة رمزية وعلامات لها مقاصدها المعلنة ومفاهيمها المختلطة التي تقف خلف الدلالات اللونية والتقنية وعناصر اللوحة التي تتناغم وتتصارع وتتجادل وتتشابك بين الفراغ والحجم والشكل والشخوص والألوان والخطوط التي تتقمّص أدوارها وتٌعلي حركتها الحوارية التي تمكّن العلامة البصرية، من قول موقفه وسرده دون قيود حسية بل بتداخلات لونية تعرف مساحاتها وتدرك مواقعها وتستدرج ذاكرتها من خلال الأمكنة والأزمنة التي تعالج حالاتها واقعها بتعبيرية تفرط في خلق ترابط معنوي بين كل مكونات اللوحة وتفاصيلها المحكية والمستنبطة من القراءات.
مساحات الصمت في الألوان الباردة التي يعتمدها للتعبير تؤثر على المتلقي كما تحتمل كل مستويات المفاهيم في اللوحة وكأنها تتجاوز ذلك البرود الباهت إلى عمق داكن يتحمّل أكثر من تأويل وأعمق من انتظار تعبيري، إنها المساحة تلك التي تحمل علاماتها البصرية في الخطوط وفي الموازين الثقيلة والخفيفة التي تحاكي ثقة الوجود وثبات الإحساس دون الإفراط في الحساسية.
حالة من الترقب والانتظار
تبدو اللوحة التي يقدمها السايس مبتكرة على مستوى التعبير والرموز بشكل له توافقاته الجمالية التي تتفاعل دراميا مع الشخوص والعلاقات التي تميزها معا من حيث الخصوصية الانسانية والانفتاح على المسطّح والانعتاق نحو التعبير باللغة التشكيلية التي تجعله يمتدّ بحريّة نحوها.
الخصوصيات التي تقابله في التوافق التلقائي بينها تحاكي اللوحة بأكثر من حاسة وتتواصل معها وبينها حسب أفكارها الفردية والجماعية وانتمائها للواقع بين انكساراته وانتصاراته، من خلال الأزمنة المتلونة التي يرسمها ويحيطها بها في المساحة وكأنه بدوره يُفرط في تمرده على قيود الأزمنة من خلال الأشكال والمساحات اللونية التي تحاكي بعضها البعض في تناقضاتها بين الألوان الباردة والحارة.
يتراءى اللون في تصورات السايس التعبيرية قويا ومبالغا له قدرة محاكاة الحالات والأزمنة والذاكرة ما يجعل له مرونة في تطويع المعنى ودورا في توظيف المواقف التي تظهر في شخوصه التي يعايش حالاتها وحضورها في مجتمعه وعلاقة المرأة بالرجل وعلاقتهما المنفردة وتواصلهما واتصالهما مع الواقع والانتماء، دون أن يحدّد لهما هوية خاصة ولكنه لا يخفي توافقات العلاقة وتضادها المعلن عن حالات من الترقب والانتظار والقلق فيكشف بخبرته التقنية عن توتراتها ومشاعرها بين حزنها وحيرتها وشغفها الطافح على امتداد تدرجات تلك الألوان وانعكاساتها وتداخلها، فهو يحرّرها من نمطية التأويل والتفسير فيكوّن لها قراءات خاصة ميّزت أسلوبه.
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية
فنان يعيد توظيف علاقته مع شخوص منتميا لحكاياتها.
الخميس 2024/08/22
إيقاع حركي ولوني فريد
يخوض الفنان السوري صلاح السايس تجربة تشكيلية مختلفة يبني فيها علاقات مع شخوصه، ليروي حكاياتها بألوان متناغمة، دون أين ينسى أن يمنح للصمت مساحاته الكافية، فتصبح لوحاته حكايات متشابكة يكتشفها المشاهد ويقرأها مرات واقفا على أهم المفاهيم والدلالات والرموز المكونة لها.
إن التعبيرية التشكيلية التي يخوض في مغامراتها الفنان التشكيلي السوري صلاح السايس لها تجلياتها التي مكنته من اتباع حدسه وحواسه ومواقفه فهو ينتشلها من البصيرة إلى الفعل ومن جمودها البائس إلى انتصاراتها الفاعلة في عمق اللوحة وكأنها تحاول عبثا اثبات وجودها من ذاتها أولا ومن ذاتيّتها ثانيا.
بتشكيل أسلوبه، يكون السايس مختلفا في منطق توظيف علاقته مع شخوصه بالانتماء لحكاياتها التي تظهر سواء في اختيار اللون أو في تجسيد الأدوار المتداخلة لتلك الشخوص وأحجامها أو في ترتيب المساحة بصخب يحاول الهدوء أو بصمت ضاجّ بين العلامة والإيماء.
وفي لحظة الإدراك الفني للمعنى البصري، يجد المشاهد نفسه في حالة تواطؤ أمام عمل مكّنه من استراق النظر لذاته أو متابعة مرايا تراقب دواخل المشاعر التي يختفي منها وراء السطح الذي يحاول الظهور به بين كل تلك التراكمات المبنية على صراعات الواقع والانتماء.
اللوحة التي يقدمها السايس مبتكرة على مستوى التعبير والرموز بشكل له توافقاته الجمالية التي تتفاعل دراميا
يتفاعل معها ويستمر في تفكيك مشاعره، فبينما يُكرس الفنان نفسه لخلق جماليات قادرة على حمل اللوحة إلى أبعد مما كان يتوقّعه المشاهد بالترحال عبر فضاءاتها، تسعى الشخوص إلى الانفلات أو الانعتاق بصورها التي تستطلع الحالات ولا تستثيرها بل تلتقي مع اللغة البصرية التي انشغل على ترتيبها في السرد البصري أو هكذا يبدو التأمل الحر للمتلقي المتسمّر أمام المشهد الأولي الذي يقرأ ويحاول قراءته بين تساكن وسكون يعلم نتائج الصراع فيه والتصادم معه.
هذا ما يتوافق مع الفلسفة البصرية التي يترنم على إيقاعها الحركي والحيوي والسيميائي التشكيلي السوري صلاح السايس من خلال أسلوبه التعبيري المتفرّد الذي حمل تصورات مستحدثة وبلاغة رمزية وعلامات لها مقاصدها المعلنة ومفاهيمها المختلطة التي تقف خلف الدلالات اللونية والتقنية وعناصر اللوحة التي تتناغم وتتصارع وتتجادل وتتشابك بين الفراغ والحجم والشكل والشخوص والألوان والخطوط التي تتقمّص أدوارها وتٌعلي حركتها الحوارية التي تمكّن العلامة البصرية، من قول موقفه وسرده دون قيود حسية بل بتداخلات لونية تعرف مساحاتها وتدرك مواقعها وتستدرج ذاكرتها من خلال الأمكنة والأزمنة التي تعالج حالاتها واقعها بتعبيرية تفرط في خلق ترابط معنوي بين كل مكونات اللوحة وتفاصيلها المحكية والمستنبطة من القراءات.
مساحات الصمت في الألوان الباردة التي يعتمدها للتعبير تؤثر على المتلقي كما تحتمل كل مستويات المفاهيم في اللوحة وكأنها تتجاوز ذلك البرود الباهت إلى عمق داكن يتحمّل أكثر من تأويل وأعمق من انتظار تعبيري، إنها المساحة تلك التي تحمل علاماتها البصرية في الخطوط وفي الموازين الثقيلة والخفيفة التي تحاكي ثقة الوجود وثبات الإحساس دون الإفراط في الحساسية.
حالة من الترقب والانتظار
تبدو اللوحة التي يقدمها السايس مبتكرة على مستوى التعبير والرموز بشكل له توافقاته الجمالية التي تتفاعل دراميا مع الشخوص والعلاقات التي تميزها معا من حيث الخصوصية الانسانية والانفتاح على المسطّح والانعتاق نحو التعبير باللغة التشكيلية التي تجعله يمتدّ بحريّة نحوها.
الخصوصيات التي تقابله في التوافق التلقائي بينها تحاكي اللوحة بأكثر من حاسة وتتواصل معها وبينها حسب أفكارها الفردية والجماعية وانتمائها للواقع بين انكساراته وانتصاراته، من خلال الأزمنة المتلونة التي يرسمها ويحيطها بها في المساحة وكأنه بدوره يُفرط في تمرده على قيود الأزمنة من خلال الأشكال والمساحات اللونية التي تحاكي بعضها البعض في تناقضاتها بين الألوان الباردة والحارة.
يتراءى اللون في تصورات السايس التعبيرية قويا ومبالغا له قدرة محاكاة الحالات والأزمنة والذاكرة ما يجعل له مرونة في تطويع المعنى ودورا في توظيف المواقف التي تظهر في شخوصه التي يعايش حالاتها وحضورها في مجتمعه وعلاقة المرأة بالرجل وعلاقتهما المنفردة وتواصلهما واتصالهما مع الواقع والانتماء، دون أن يحدّد لهما هوية خاصة ولكنه لا يخفي توافقات العلاقة وتضادها المعلن عن حالات من الترقب والانتظار والقلق فيكشف بخبرته التقنية عن توتراتها ومشاعرها بين حزنها وحيرتها وشغفها الطافح على امتداد تدرجات تلك الألوان وانعكاساتها وتداخلها، فهو يحرّرها من نمطية التأويل والتفسير فيكوّن لها قراءات خاصة ميّزت أسلوبه.
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية