روائية سورية تستعيد أصوات الأقليات المهمشة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • روائية سورية تستعيد أصوات الأقليات المهمشة

    روائية سورية تستعيد أصوات الأقليات المهمشة


    سها مصطفى لـ"العرب": السعودية ينبغي أن تقود الإصلاح الديني لا إيران أو تركيا.
    الخميس 2024/08/22

    الماضي كالحاضر في العالم العربي

    لا شك أن التاريخ الذي تقدمه الأعمال الفنية والأدبية مثل الروايات هو الأكثر تأثيرا وقدرة على فهم الماضي من التأريخ الرسمي، إذ إنه يفتح من جهة كل ما هو مهمش ومنسي ومن جهة أخرى يحفز التساؤل والخيال. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتبة السورية سها مصطفى التي عرفت باهتمامها البالغ بالتاريخ.

    ما يعلن عنه التاريخ ليس إلا رواية الطرف المنتصر الذي ينتقي من منجم الأحداث ما يخدم الصورة المكرسة لبطولاته التي تكلف الكثير من الضحايا، والأغرب في السرديات التاريخية المدونة بمشيئة الغالب لا يتمثل في تجاهل صوت الضحية المغمورة، إنما استهدافها معنويا وخلع الألقاب المسيئة عليها هو ما يثير الريبة حول مصداقية المرويات التاريخية، لذلك يقول غابرييل غارسيا ماركيز إن كل ما يعتبره المؤرخ خطأ يراه صحيحا. ما يعني أن الحس الروائي لا يقبل بالصيغة السائدة. إنما يستهويه الحفر في الطبقات الجوفية إلى أن يسحب الضوء نحو المهمش مكتشفا زاوية جديدة لرؤية المعطيات المتوفرة في مظان التاريخ.

    نجحت الكاتبة السورية سها مصطفى في روايتها الأولى “اللعنة” في إعادة ترتيب أوراق الوقائع منطلقة من منظور الأقليات التي تعد حلقة أضعف في لعبة التسابق على السلطة والنفوذ. ولا تنتهي المغامرة الإبداعية عند هذا الحد بل أرادت الكاتبة مزاحمة النظرة الذكورية من خلال شخصياتها النسائية الرامزة إلى الحكمة والعقل، كما يفتح النص على سجالات لاهوتية وإشكاليات عقائدية ومفاهيم متشابكة بين الأديان، كل ذلك لا يكون على حساب مستوى القيمة الفنية للعمل.

    وما يسجل لصالح “اللعنة” إضافة إلى حساسية موضوعها هو مخالفة صاحبتها للتيار السائد في التأليف الروائي، ونبشها في الماضي بدلا من مجاراة موجة الروايات المستلهمة مادتها من تبعات ما يسمى بالربيع العربي.
    فهم الحاضر بالماضي


    سها مصطفى: المكان يتسع لعمق سوريا الكبرى ويتجه نحو تركيا، يجول في عمق الأراضي السورية وعباداتها القديمة الأمومية وأثرها الحي في لغتنا وأسمائنا وأعيادنا، بات نافلا القول إن الميلاد هو عيد خروج الشمس من الظلمات

    المتوقع من الرواية الأولى بأنها تعكس تجربة صاحبها أو أن مادتها مستوحاة من المشاهدات العينية ولكن سها مصطفى خالفت هذا المنحى وغامرت بفتح التاريخ، تقول الكاتبة لـ”العرب” معلقة “الماضي كالحاضر في العالم العربي، ما الفرق بين المجازر التي وقعت بالأمس وما شهدته البلدان الواقعة في حزام الصراع من الحملات القاسية على الأقليات التي تمثل روافد للحضارة؟ لذا أفضل مناقشة اللا يقين أو لنسميه ‘الشك الحلو’ كحق محرم عبر التاريخ من الماضي إلى الحاضر لانتقاد ظاهرة الازدواجية في بيئاتنا، قد لا أضيف جديدا إذا قلت إن العالم العربي يعاني التفسخ جراء التهلهل والهشاشة في العقلية السائدة والإخفاق في إدارة التنوع؛ نخطئ إن لم نر أثر الماضي في حاضرنا ونغض النظر عن ندوبه في الواقع المزري”.

    وتضيف “إلى الآن لم يتم تفكيك العقد التاريخية وبالتالي ترزح الكيانات الاجتماعية تحت نير الأزمات المستعصية بدءا من أزمة غياب الحرية مرورا بأزمة التخلف الفكري وما يثقل من قبضة هذه الكوابيس هو تناسخ المقدس، بينما سبقتنا المجتمعات الغربية في كسر احتكار الكنيسة لقراءة الإنجيل وتم تحجيم سلطتها وأطلق عصر المعرفة، عربيا المؤسسات الدينية لا تزل مقدسة للأسف مع أنها مجرد مؤسسة ومن المعلوم أن كل مؤسسة تستمد قيمتها من خدمة الإنسان، لذا اتجهت للماضي لأتناول الممنوع وتقديم تاريخ فرض الجزية على المسيحيين والعسف على الأقليات للقول إن الحاضر مخرجه الوحيد من الاختناقات التي تسببها مأسسة الدين وتدخله بالسياسة وتسييسه هو العلمانية والمدنية”.

    وترى مصطفى أن الدين تحول من خصوصيته الفردية – كما هو مفترض بين الإنسان والله – إلى حالة مجتمعية قائمة على القشور والمظاهر والعسف الديني والتطرف نتيجة تحالف السلطة والدين، وهناك أحزاب تطالب بالتعددية السياسية وتؤكد على إيمانها بالديمقراطية لكن كل ما تريده من العملية الديمقراطية ليس أكثر من التتويج بالسلطة، وتسمع أصواتا تصدح بأن تاريخنا فيه تسامح؛ وكلمة تسامح فيها فوقية كما يقول أدونيس تجاه الآخر؛ أي أتسامح معك من منطلق القوي ضد الضعيف بدلا من قانون المساواة والمدنية.

    وتقول “بكل الأحوال الفئات السياسية والأفكار المتشنجة لدى المثقفين العرب تتعامل مع الحريات كديلفري أو تيك أواي مصممة على مقاسهم يريدون حريات سياسية ودولة تابعة لهواهم الديني والأيدولوجي، ولا مكان فيها لحريات كاملة اجتماعيا وسياسيا ودينيا، لذا لا استغراب من تهاوي المجتمع السوري والعربي في الدوامات الخانقة، أيضا اخترت ثيمة اللا إيمان للإضاءة على موقف بعض الشخصيات الفكرية حول بعض المفاهيم الإشكالية، وعلى ما يبدو أن المناخ الذي عاش فيه الراوندي والرازي أكثر مرونة من الوضع الراهن”.

    وتتابع “في الحقيقة لم أتناول القضايا المعاصرة كالأزمة السورية من نقطة النهاية كما حدث مع الكثير من الروايات، ليس لخلل بنيوي بهذه الروايات لكني عملت بالصحافة وأفضل قراءة رواية لا تقدم لي الوقائع من زاوية واحدة، وإنما بعمق داخل المجتمع وشخوصه ودوافعها الخفية، العمل الروائي الجيد عالميا عن الحروب هو الذي يغوص بالجذور مثل بعض الروايات العالمية التي قرأناها وتأثرنا بها وانطلقت من الصعود إلى الزوال في الأحداث، كـ’حفلة التيس’ التي تجعلنا نفهم المناخ الذي تدور فيه الرواية سياسيا وتاريخيا وليس فقط اجتماعيا كما يجري مع بعض الروايات العربية، عدا روايات أمين معلوف لكونه يرسم صورة كاملة لحضارات ودول وإثنيات كما في سمرقند مثلا”.



    ترى مصطفى أن مهمة الأدب في المجتمع رسم وثيقة تاريخية مجتمعية، إن تناولت حدثا سياسيا، وأثره على شخوص الرواية كما في حال الأزمة السورية، بالمقياس الأخير ثمة روايات صدرت بالأزمة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وثمة روايات تمكنت من اختزال كل الحروب وأهوالها في شخصيات الرواية وعوالم المدينة مثل رواية اختبار الندم لخليل صويلح التي تنحاز للوجود الإنساني في مدينة تهالكت بفعل أهوال الحرب، وثمة روايات ساحرة أدبيا وبنيويا وسرديا لكنها مسيسة تتبنى سردية طرف دون آخر لأسباب طائفية أو عرقية أو سياسية إلخ.

    وتقر بأنه لفهم الحاضر علينا قراءة الماضي، والإسقاطات المتوفرة في روايتها واضحة لجهة ارتكاب مجازر ضد العلويين بذريعة أنهم “كفار” وهذه المفردات هي نفسها يرددها أمراء الحروب الطائفية ومرتزقتها اليوم من سوريا إلى ليبيا إلى السودان وطالبان والقاعدة والإخوان المسلمين ومشغليهم.
    العلمانية المضيئة


    نسأل مصطفى إن كان يهمها في مشروع الكتابة الحفر في المنطقة الواقعة على هامش المتون التاريخية، فتجيبنا “شكرا للسؤال المهم، لكن اسمح لي بالقول إن ما نظنه هامشا هو متن في روايتي التي تستعيد وقائع طردها التاريخ الرسمي ويغمرها الجهل، التاريخ يكتبه المنتصرون ولا شيء فيه يقيني، نحن لا نعرف اليوم في ظل العشرية السوداء عربيا ما يجري بحق في حال حدوث تمرد في مكان ما، سنسمع مئة رواية لكن هناك من يملك المال والأدوات ليضع روايته في المتن ويحجب الروايات الأخرى”.

    وتبين أن روايتها “اللعنة”، “تستعيد رواية الأقليات المهمشة إلى المتن، كمسيحية المنطقة ووثنيتها قبل ظهور الدين الإسلامي، والتنقيب عن أثر السريانية والآرامية داخل النص الأول، وهو سؤال وجهته خلال عملي بالصحافة لعدد من رجال الدين، ولم يملكوا جوابا مجزيا حوله: لم تكتب كلمة صلاة صلوت بالقرآن؟ الجواب: لأنها تكتب بالآرامية وتلفظ بالعربية، إذن من نظن أنه هامش بقي متنا لكن علينا القراءة جيدا، اليوم العالم العربي على أعتاب يقظة هامة مع رفض التخلف وتسلط بعض الرموز والمؤسسات الدينية التي تحتاج إلى إعادة النظر بخطها وتساعد باليقظة المنصات الرقمية، هؤلاء سيزعزع سلطتهم الإعلام التفاعلي الذي فتح حرية تناول الأثر المتشابك بين المتون والخطابات اللاهوتية، المعلومات لم تعد محظورة بل مباحة ومجانية عن نظرية لوكسنبرغ حول سريانية الكتاب الأول للمسلمين”.

    الشخصيات التي تمثل صوت الحكمة والعقل في رواية “اللعنة” هي على الأغلب شخصيات نسائية، نسأل مصطفى هل نجد توضيحا لهذا التشكيل في كلام أفرايم وهي تقول “لماذا لا أرى ذكر حواء في كل العبادات الأقدمين”؟ تجيبنا “نعم هذا كلام أفرام يقول ذلك ووضعته على لسانه كيهودي علماني ينتقد حتى التوراة؛ فالديانة اليهودية تنظر للمرأة بالعهد القديم بوصفها نجسة وأداة للرجل لتحقيق منفعة مع الملوك الكنعانيين؛ يمكن مراجعة مختلف الأسفار للتأكد، لم نر مثقفين عربا أو يهودا عربا ينتقدون ذلك. لعلنا علينا البحث عن نقد الموروث اليهودي لدى اليهود الغربيين فهناك من يرفض منهم أيضا هذا الموروث ويرى أنه تمييزي وعنصري بحق المرأة وبحق الإنسانية مثل نعوم تشومسكي”.

    وتضيف “العلمانية تنظر إلى الناس كونهم سواسية وبلا عنصرية. لذا الشخصيات المضيئة هي العلمانية وهي مقابل أخلاقي للتوحش والنفاق والفوقية الدينية، واخترت نساء تحت الاضطهاد يرفضن العسف الديني لأخالف ذكورية النصوص العربية التي تجاهلت سجاح مثلا وغيرها ممن ادعين النبوة سابقا”.

    وتوضح أن شخصيتي حمامة ورميا هما دعوة إلى العودة إلى ماضي المنطقة، إلى وصل ما انقطع، إلى العبادات الأمومية إلى عشتار إلى إنانا، إلى كل ما قبل العبادات الذكورية، ومعهم أفرام اليهودي الدمشقي الجميل وهم غير مؤمنين بالأديان وبعضهم ملحد.

    يتسع البعد المكاني في بناء الرواية لخط جغرافي ممتد بين العديد من المدن والحواضر. نسألها هل الغرض من ذلك هو الكشف عن تركيبة الشخصيات وخلفياتها العقائدية؟ تقول “يتسع المكان لعمق سوريا الكبرى ويتجه نحو تركيا، يجول في عمق الأراضي السورية وعباداتها القديمة الأمومية وأثرها الحي في لغتنا وأسمائنا وأعيادنا، بات نافلا القول إن الميلاد هو عيد خروج الشمس من الظلمات وهو عيد يتبع لعبادات الخصب قبل اليهودية وما يسمى بـ’الديانات الإبراهيمية’، وكذلك أن ‘التطبير وعاشوراء’ مأخوذ من النوح العشتاري على الحبيب دوموز أو على أدونيس قديما قبل الإسلام بآلاف السنين، المكان يحفل بالتاريخ ويصنع أقدارنا، نحن حامل ثقافي لكل هذا الإرث وليس ربعه المبتور أي فقط حوالي 2100 عام والذي وصل إلينا بناء على سرديات المنتصر، لذا هي تلعب دورا في تركيبة الشخصيات فالبيئة تنحت الإنسان وتصبغه بمفاهيمها والعقل يتمرد عليها”.

    الجدل اللاهوتي ملمح بارز في الرواية إذ يتابع المتلقي ما يدور بين السلطان سليم وراميا بشأن الخلافة والإمامة وما تبع ذلك من صراع ومؤامرة. كما تناول النقاش بين أفرايم وحمامة العلاقة بين الأديان والطبقات المتشابكة بين المفاهيم، حول قدرة النص الروائي على توظيف كل هذه الإشكاليات دون أن يخسر هويته الفنية، تقول الكاتبة “لا يخسر النص هويته بالإيجاز ومن خلال الحوار المشاغب الذكي ومن خلال الجرأة التي تجعل الجدل ضرورة للنص، النص برمته موظف لتبيان أن السلطان كما يخبرنا التاريخ في مجازره ضد العلويين كان هدفه سياسيا وليس دينيا فقط. فهو يريد احتكار تجارة القوافل وطريق الحرير وعائدات الحج وأن يمسك بدمشق ومنها يدخل العالم العربي ويحتله لسنوات طويلة من التخلف والمجازر الطائفية لتكرس سطوته، تم ذلك بمعالجة بنيوية وتاريخية يتكئ عليها في هويته الفنية ويبرز في سؤال سليم لرميا: ما الإمامة؟ وما الخلافة؟ وجوابها علماني وهي غير المؤمنة”.

    وتضيف “الإمامة تهدف إلى السلطة باسم الله كعادة تاريخ الكهانة، وسنرى أن أحد ملوك بابل لاحظ تفاقم سلطة الكهانة وفسادهم باسم الله، فقلص صلاحياتهم، أما سليم الأول العثماني فاستفاء عرشه في ظل الطائفية بإبادة العلويين والقزلباش والمسيحيين، وبقايا الاستعمار العثماني مستمر لليوم، ثمة عائلات في العالم العربي نفوذها القديم مصدره فقط كونها عائلات تركمانية محظية لدى الاحتلال، أحضرها سليم الأول من تركيا وسلطها على رقاب الناس في العالم العربي، هؤلاء زاولوا السياسة واحتكروها ولم يروا أبعد من الأحياء التي يعيشون فيها وتقادموا مع الأحداث فخرج أغلبهم من الحياة السياسية، ومنهم من تعاطف وترحم كما في مصر على سليم الأول ولا داعي لذكر هذه الفئات بالاسم”.

    وتلفت إلى أنه محليا في الدراما لم نتناول ذلك، مبينة أنه “تم تكريس 13 جزءا من أجل مسلسل يقدم التخلف مثل ‘باب الحارة’، ولم ينتج حتى مسلسل واحد عن احتلال لواء إسكندرونة وفصله ومن لعب دورا في بيعه لأسباب عرقية إقليمية وطائفية! وبأفضل الأحوال تم اختزال اللواء بأكمله بشخصية صبحي في مسلسل تاج الذي يقتل في دمشق. هذه عينة عن عالمنا وصمته عن ماضيه الذي يفضل أن يخفيه، وأظهره رفضا للطائفية الممثلة بالإمامة وغيرها: فلا إمامة إلا للعقل“.

    ◄ الكاتبة السورية سها مصطفى نجحت في روايتها الأولى "اللعنة" في إعادة ترتيب أوراق الوقائع منطلقة من منظور الأقليات التي تعد حلقة أضعف في لعبة التسابق على السلطة والنفوذ

    تختتم الرواية بمغادرة حمامة وناديا نحو عالم جديد ويبدو أن هذه الحركة إيحاء بأن كل ما يرمز إلى العقل والجسد مصيره الضمور في الجغرافيات المبوبؤة، تعلق مصطفى “العالم العربي يعيش في الماضي. المثقفون العرب بعضهم خلفياتهم طائفية لهذا لم ولن يكون الإصلاح على أيديهم بالعكس هناك من يحتاج منهم إلى الإصلاح، وسبق وأن كتبت مقالا أن الشيوعيين في العالم العربي لا يختلفون عن الإخوان المسلمين بشيء في عام 2006 وهي حقيقة، لأن العقل في العالم العربي مغيب ومحكوم بالفساد، تتدخل فيه دول غربية تدعم التطرف لأجندات سياسية ولا نزال نربط الدين بالأخلاق”.

    وتتابع “لذلك حرصت على وضع شخصيتين لا تؤمنان بالدين تمتلكان الحرية والأخلاق بعكس منافقي التدين، وضعت شخصيات لا تعرف التدين مثل ناديا البرجوزاية المسيحية لذكر دور السوريين في لبنان اقتصاديا عبر التاريخ قبل التقسيم، وتنقذ حمامة من القتل بعد تحولها من الإسلام إلى المسيحية خلال الاحتلال الفرنسي ليعرف القارئ العربي تاريخه المعجون بالدم، في حين الغرب القديم: أوروبا وأميركا هو عالم جديد لأنه عقلاني مبني على الشك والفكر والحاضر ويسعى للمستقبل ومؤسس على حرية رأس المال والعقل والجسد، طبعا نقول ذلك ولا يغيب عن بالنا التاريخ الاستعماري للغرب وحملاته المستمرة لإعادة تشكيل الجغرافيا تبعا لخارطة مصالحه”.

    يمكن القول إن ثمة عالما جديدا يتشكل عربيا، ففي السعودية خطوة جبارة تجاهلها النقاد والمثقفون العرب وغير العرب من فئة المتطرفين دينيا، وهي إعادة النظر بالأحاديث المنحولة التي وضعها المنتحلون وتناسلت حتى بلغت آلاف الخرافات. تناقلها العرب عبر قرون ووضعها من هم من أعراق أخرى ليستعملوا الدين لحكم العرب، السعودية ينبغي أن تقود الإصلاح الديني والمسلمين وليس إيران أو تركيا، لكون السعودية تحتوي مركزا دينيا مهما للعرب ومركزا للقوافل والتجارة عبر التاريخ، ويخبرنا التاريخ عن تعدد الكعبات قديما وهذا يثري المملكة وعمقها التاريخي، ونثني على كل الحراك الثقافي والسينمائي الجميل فيها، والبحث الأثري عن الحضور المسيحي في السعودية مهم والأهم الحضارات السابقة لما يسمى بالأديان الثلاثة مدخلا لفهم الماضي وتقديم جانب مهم جدا من تاريخ العالم، يعني أن تعرف تاريخك الموغل في القدم بدل من اقتصاره على ألفين وبضعة أعوام!

    وهو خير من الحوزات والقبيسيات وما يماثلها والتي يفضل استبدالها بمدارس للتعليم المجاني والجامعات لعلوم البرمجة والرياضيات والطب مثلا، العالم الجديد يستثمر في العقل والعلم وليس الدم والطائفية والنقل عن فلان وعلان وغصن البان، والتنمية والعدالة المجتمعية التي تحارب الفقر مصنع التطرف. هذا يضع الماضي خلفنا والمستقبل أمامنا، فالمستقبل: هو العالم الجديد. وهنا من المناسب أن أقدم شكري لدار نوفل وشجاعتها في طباعة الرواية وأقولها بكل صراحة قد تهيبت دار نشر أخرى من موافقة على توقيع العقد بعد أن وقعتها من جهتي ومن المفارقات أنها تدعي الثورية والتنوير.


    كه يلان محمد
    كاتب عراقي
يعمل...
X