حرب لبنان
صور . وثائق . أحداث
دار المسيرة
مهور عكرمة - هانت ١٢٥٠٦٧
تصدير
لأن مرحلة تأريخ الحرب اللبنانية ما زالت بعيدة جداً ، ها نحن نجمع المعلومات لها ، نجمع أبعادها وخطوطها البيضاء والسوداء والداكنة، تجمع الظلال والأضواء فيها، دون رغبة في تغليب المأساة على الفرح، أو الحرب على السلام، ودون رغبة في تحاشي أي شيء من أجل أي شيء . الذي حدث تماماً ، ها هو بين دفتي كتاب .
صورة صورة، يسيل منها الدم أحياناً، وأحياناً كثيرة ينطلق منها صاروخ ، أو تتطاير منها شظايا قذيفة، أو تصفعك
عين مقتلعة، ويد مقطوعة، وجثة محترقة .
وجسد سحلوه. وحدثاً حدثاً، من يوم إلى يوم دونما قفز عن اشتباك أو توتر أو سلام، أو وساطة ، أو حاجز خطف الأحداث بكل مراحلها ، وتناقضاتها، بالزخم العاطفي الذي كان يتصاعد أو يهبط معها الأحداث بما حملته من مراحل قتال، ومراحل سلام، وبكل ما حملته من عفوية أو تأمر ، من تخطيط هجومي أو عكسه.
ووثيقة وثيقة ، كدليل وشاهد . انها المواقف دون مواربة ، انها النوايا والخطط المكشوفة والمبيته انها وثائق من كل لون وانتماء ، تقول الحقيقة مائة مرة وأكثر، أو العكس. وثائق وبيانات، بل مواقف واتجاهات عواطف وأفعال، وخطط . أحياناً كل بيان جولة حرب، وأحياناً جولة سلام.
وها هو الوطن ، لبنان ، الذي صلبوه خلال سنتين، تقدمه في الصورة والواقعة والوثيقة ، أردنا حبسه بين دفتي كتاب ، أردنا لملمة جراحاته وحشرها في حبر وورق ) ، لأننا أردنا ونريد أن لا تتكرر المأساة مرة ثانية بالشكل الذي وقعت فيه أو بشكل آخر ، أردناه كتاباً يتكلم بصمت ليدافع عن الوطن، وليهاجم من أجل الوطن أيضاً.
وها هي الحرب الحرب التي أرادوها تارة لبنانية - لبنانية وطوراً لبنانية - فلسطينية ، هذه الحرب ها هي تسقط ، فلا انتصار ولا كسب الانتصار كان للذين لم يريدوا استمرارها ، فلم تستمر تقتيلاً وذبحاً واقتلاع عين وقطع لسان؛ استمرت حوالي السنتين، لكنها سقطت في النهاية ، لأنها كانت ضد لبنان واللبنانيين، ضد فلسطين والفلسطينيين، وضد كل العرب، وكانت تصب في طاحونة العدو الإسرائيلي مكاسب لم يكن يحلم بحجمها ولا بحجم الخسائر التي منينا بها لبنانيينوفلسطينيين .
هذه الحرب، أكانت انتصاراً لك أو لغيرك ، لا يهمنا إلا أن ننقلها إلى بيتك، إلى مكتبك ، إلى كل زاوية في بيتك ، إلى أولادك الصغار والكبار ، إلى كل الذين أتوا والذين سيأتون، نريد نقلها إلى بيتك حرباً بين دفتي كتاب ، علها تكون حرباً على الحرب نفسها ، وعليك إذا كنت أحد مسببيها أو من موقديها ، أو من الذين صبوا عليها زيتاً ، أو من الذين لم
يطفئوها .
هذه الحرب ، كان يمكن أن تكون شريفة لو أن كل الذين خاضوها ، أو معظمهم كانوا شرفاء ، لكنها ضمت في حناياها الثائر والمناضل ، كما ضمت اللص والمجرم المحترف، والقاتل والسكير والجاهل ، لقد ضمت في حناياها محبين للبنان ولفلسطين وللعرب، تماماً كما ضمت طوابير الفاشية والتعصب ضد اللبنانيين والفلسطينيين على السواء .
وكان يمكن أن تكون حرباً مشروعة منطقية، ففيها الكثير من أشكال النضال وممارساته، لكنها وصلت إلى أن تكون
ضد اللبنانيين كشعب وضد الفلسطينيين كشعب . فكان لا بد أن تتوقف ، وتوقفت بالفعل ، ويكاد لبنان يفقد ، ليس صيغته أو نظامه ، أو بنياته الاقتصادية والسياسية فحسب بل يكاد يفقد ذاته. وأمام ذات الوطن، أمام اقتطاع أو بعثرة تلك الذات، هان الكثير ، فتوقفت الحرب على أشلاء شهداء وضحايا ماتوا بدون إسم وبدون هوية، تماماً كما دخلوا تلك الحرب بدون إسم ولا هوية .
توقفت الحرب بعد سنتين تماماً من الحرب الحرب.. والسلام الذي كان يأتي متأخراً ، متردداً متقطعاً، لكنه جاء في
النهاية، سلام قوة، وقف بالحرب عند الحدود .
وها نحن نقدم الحرب بقتالها الوقح وسلاحها الخجول فوسط جولات الاقتتال المتوالية، كانت بعض جولات سلام ووساطة شكلت محطات ومنارات أكدت رغبة لبنانية بالبقاء ، ورغبة عربية بالوفاق، ورغبة دولية بالتوقف، أيا كانت النتائج .
وإذا كنا معنيين ، في هذا الكتاب بالحرب وويلاتها ، بتناقضاتها ومراوحتها بين أن تكون أو لا تكون، أن تستمر أو لا تستمر ، فاننا نقدمها على حقيقتها، بالشكل الذي وقعت فيه، وبالبشاعة التي رافقتها حوالي السنتين، تقدم الحرب النقول لك دعك من الحرب .. الحرب ماض ، ولنتطلع إلى الحاضر والمستقبل.
لنتطلع إلى البديل الذي يجب أن يكون لذاك الموت كله ، لنتطلع إلى الثمن إلى بعض ثمرة مما حدث. ولن يكون أي حاضر أو مستقبل بعيداً عن هذا المنطلق المطلوب:
أولاً - لبنان يجب أن يستمر واحداً في شعبه، وأرضه، ومؤسساته السياسية والثقافية والاقتصادية، والذين كان
المأخذ عليهم غربتهم عن لبنان وغربتهم فيه، ها هم يحمون وحدته بصدورهم .
ثانياً - ان الشخصية الوطنية الواحدة للبنان، لا بد لها من أن تتكامل مع الوحدة القومية للعرب ككل، أمناً و اقتصاداً على الأقل. ولقد أثبتت الحرب حتمية الانتماء العربي للبنان، أن عندما أخذ العرب على عاتقهم أمنه الذي أصبح حقيقة ، أو عندما سيأخذون على عاتقهم إعادة بنائه وتعميره. وأثبتت الحرب أن العالم لا يستطيع النظر إلى لبنان : إلا في إطار المنطقة العربية، خاصة في عصر الدول الاتحادية، فلا قبل العالم بتقسيم لبنان ولا قبل بعزلته عن العرب .
ثالثاً - الإثم الإسرائيلي الذي أصاب شعب فلسطين، وأصاب أكثر من قطر عربي، وصلت عدواه إلى لبنان ولو متأخرة، فدفع لبنان قسطه في الصراع مع إسرائيل ثمناً باهظاً من أرواح مواطنيه ومن وجوده كوطن، من هنا أصبح من الصعب على لبنان أن يعود إلى شعار انه غير معني بالحرب مع إسرائيل ولا بقضية الشرق الاوسط ، بل ما زال في هدنة مع إسرائيل تعود إلى نهاية الأربعينات .
لقد اقتنع بانتمائه إلى أزمة الشرق الأوسط ، بعد أن وصلت الحرب إلى أعماقه ساخنة مدمرة، ولذلك يجد نفسه بين من سيجلسون حول مائدة مؤتمر جنيف، مؤتمر التسوية في الشرق الأوسط إذا حدث وانعقد .
رابعاً - ثم ان الحرب أعادت لبنان إلى نفسه، عله يربحها ، بعد أن كاد يخسرها ويربح العالم. لقد هزته الحرب هذا
عميقاً أثار فيه الوعي ، أملاً في أن يخطو الوعي الوطني بلبنان خطوة نوعية إلى أمام فيحسم الخلاف على الصيغة السياسية للحكم ، باعتبار أن التعايش الوطني ، ووحدة الوطن ، ووجوده، كلها تشكل حقائق لم تستطع حتى هذه الحرب طرحها على طاولة نقاش. فهي حقائق ليست مجالاً للشك كي تناقش ما بعدها يبدأ الحوار والنقاش: أي نظام وليس أي وطن؟ أربع حقائق وأكثر، تشكل حاضر لبنان ومستقبله، بعد الحرب المدمرة.
وكما أردنا نقل الماضي في هذا الكتاب، ها نحن قد طرحناه معطيات للمستقبل أملاً في أن يكون مشرقاً ، مستقراً ، بناء الخريطة وطنية متماسكة وعدالة اجتماعية تشمل اللبنانيين كافة وطموحنا أن تقرأ معنا أنت أيضاً في الصورة، والوثيقة
والحدث، ذاك المستقبل المشرق.
تصدير
الطبعة الثانية
عندما أردنا جمع الحرب، حرب لبنان، في كتاب كنا طموحين ان نشارك بذلك في اقفال تلك الحرب ووضع نهاية لها . لكنها استمرت، حروباً ، كان ابرزها تلك الحرب الغريبة التي وقعت بين مسلحي ميليشيات الجبهة اللبنانية وقوات الردع العربية . تلك الحرب على غرابتها ، وقد عرفت بحرب الصواريخ ، فرضت نفسها علينا في قسم جديد شكل زيادة بارزة على مجلد حرب لبنان. فقدمنا تلك الحرب في بعض صورها ، وفي كل وقائعها يوماً يوماً وشهراً شهراً وخاصة دقائق الوضع الأمني الذي ساد تلك الحرب. وها هي تشارف على نهايتها ، ولا نقول انتهت، ونحن نطلع بهذا المجلد في طبعته الثانية.
ومع مرور الوقت على الكثير من البيانات والمؤتمرات العربية والرسائل، تغيرت مواقف وتحالفات كثيرة، الأمر الذين فرض الاستغناء عن وثائق الحرب والابقاء على صورها تلك الشهادات الحية، وعلى وقائعها مع تعديل واضافة ، وخاصة صفحات من الصور الملونة رغم ما تحمله من اثارة ..
بقيت ملاحظة وهي ان كثيرين من صانعي تلك الحرب او من المتدخلين فيها مباشرة أو غير مباشرة ، صدفة او قصدا . ان كثيرين منهم غابوا ، غيبهم الثرى، وبعضهم الآخر ابتعدوا عن مراكزهم ومواقعهم ، لكن الوقائع هي وقائعها ، لذا أعدناطبع وقائع حرب لبنان كما تم تسجيلها في الطبعة الأولى.
واذا كانت الطبعة الأولى، على أهمية هذا المجلد وضخامته وكلفته قد نفذت، فلأهمية ما قمنا به رغم تلك الكلفة علينا وعلى القارىء معاً ، لكن الحرب نفسها كانت مكلفة، وتقديمها في مجلد كلف الكثير من الجهد .. همنا هنا ما زال هو هو :
من يتألم يتعلم .. نحن هنا تثير الألم في النفوس .. على الناس يتعلمون من هذه الحرب ككل في وجهيها ...
الناشر »

صور . وثائق . أحداث
دار المسيرة
مهور عكرمة - هانت ١٢٥٠٦٧
تصدير
لأن مرحلة تأريخ الحرب اللبنانية ما زالت بعيدة جداً ، ها نحن نجمع المعلومات لها ، نجمع أبعادها وخطوطها البيضاء والسوداء والداكنة، تجمع الظلال والأضواء فيها، دون رغبة في تغليب المأساة على الفرح، أو الحرب على السلام، ودون رغبة في تحاشي أي شيء من أجل أي شيء . الذي حدث تماماً ، ها هو بين دفتي كتاب .
صورة صورة، يسيل منها الدم أحياناً، وأحياناً كثيرة ينطلق منها صاروخ ، أو تتطاير منها شظايا قذيفة، أو تصفعك
عين مقتلعة، ويد مقطوعة، وجثة محترقة .
وجسد سحلوه. وحدثاً حدثاً، من يوم إلى يوم دونما قفز عن اشتباك أو توتر أو سلام، أو وساطة ، أو حاجز خطف الأحداث بكل مراحلها ، وتناقضاتها، بالزخم العاطفي الذي كان يتصاعد أو يهبط معها الأحداث بما حملته من مراحل قتال، ومراحل سلام، وبكل ما حملته من عفوية أو تأمر ، من تخطيط هجومي أو عكسه.
ووثيقة وثيقة ، كدليل وشاهد . انها المواقف دون مواربة ، انها النوايا والخطط المكشوفة والمبيته انها وثائق من كل لون وانتماء ، تقول الحقيقة مائة مرة وأكثر، أو العكس. وثائق وبيانات، بل مواقف واتجاهات عواطف وأفعال، وخطط . أحياناً كل بيان جولة حرب، وأحياناً جولة سلام.
وها هو الوطن ، لبنان ، الذي صلبوه خلال سنتين، تقدمه في الصورة والواقعة والوثيقة ، أردنا حبسه بين دفتي كتاب ، أردنا لملمة جراحاته وحشرها في حبر وورق ) ، لأننا أردنا ونريد أن لا تتكرر المأساة مرة ثانية بالشكل الذي وقعت فيه أو بشكل آخر ، أردناه كتاباً يتكلم بصمت ليدافع عن الوطن، وليهاجم من أجل الوطن أيضاً.
وها هي الحرب الحرب التي أرادوها تارة لبنانية - لبنانية وطوراً لبنانية - فلسطينية ، هذه الحرب ها هي تسقط ، فلا انتصار ولا كسب الانتصار كان للذين لم يريدوا استمرارها ، فلم تستمر تقتيلاً وذبحاً واقتلاع عين وقطع لسان؛ استمرت حوالي السنتين، لكنها سقطت في النهاية ، لأنها كانت ضد لبنان واللبنانيين، ضد فلسطين والفلسطينيين، وضد كل العرب، وكانت تصب في طاحونة العدو الإسرائيلي مكاسب لم يكن يحلم بحجمها ولا بحجم الخسائر التي منينا بها لبنانيينوفلسطينيين .
هذه الحرب، أكانت انتصاراً لك أو لغيرك ، لا يهمنا إلا أن ننقلها إلى بيتك، إلى مكتبك ، إلى كل زاوية في بيتك ، إلى أولادك الصغار والكبار ، إلى كل الذين أتوا والذين سيأتون، نريد نقلها إلى بيتك حرباً بين دفتي كتاب ، علها تكون حرباً على الحرب نفسها ، وعليك إذا كنت أحد مسببيها أو من موقديها ، أو من الذين صبوا عليها زيتاً ، أو من الذين لم
يطفئوها .
هذه الحرب ، كان يمكن أن تكون شريفة لو أن كل الذين خاضوها ، أو معظمهم كانوا شرفاء ، لكنها ضمت في حناياها الثائر والمناضل ، كما ضمت اللص والمجرم المحترف، والقاتل والسكير والجاهل ، لقد ضمت في حناياها محبين للبنان ولفلسطين وللعرب، تماماً كما ضمت طوابير الفاشية والتعصب ضد اللبنانيين والفلسطينيين على السواء .
وكان يمكن أن تكون حرباً مشروعة منطقية، ففيها الكثير من أشكال النضال وممارساته، لكنها وصلت إلى أن تكون
ضد اللبنانيين كشعب وضد الفلسطينيين كشعب . فكان لا بد أن تتوقف ، وتوقفت بالفعل ، ويكاد لبنان يفقد ، ليس صيغته أو نظامه ، أو بنياته الاقتصادية والسياسية فحسب بل يكاد يفقد ذاته. وأمام ذات الوطن، أمام اقتطاع أو بعثرة تلك الذات، هان الكثير ، فتوقفت الحرب على أشلاء شهداء وضحايا ماتوا بدون إسم وبدون هوية، تماماً كما دخلوا تلك الحرب بدون إسم ولا هوية .
توقفت الحرب بعد سنتين تماماً من الحرب الحرب.. والسلام الذي كان يأتي متأخراً ، متردداً متقطعاً، لكنه جاء في
النهاية، سلام قوة، وقف بالحرب عند الحدود .
وها نحن نقدم الحرب بقتالها الوقح وسلاحها الخجول فوسط جولات الاقتتال المتوالية، كانت بعض جولات سلام ووساطة شكلت محطات ومنارات أكدت رغبة لبنانية بالبقاء ، ورغبة عربية بالوفاق، ورغبة دولية بالتوقف، أيا كانت النتائج .
وإذا كنا معنيين ، في هذا الكتاب بالحرب وويلاتها ، بتناقضاتها ومراوحتها بين أن تكون أو لا تكون، أن تستمر أو لا تستمر ، فاننا نقدمها على حقيقتها، بالشكل الذي وقعت فيه، وبالبشاعة التي رافقتها حوالي السنتين، تقدم الحرب النقول لك دعك من الحرب .. الحرب ماض ، ولنتطلع إلى الحاضر والمستقبل.
لنتطلع إلى البديل الذي يجب أن يكون لذاك الموت كله ، لنتطلع إلى الثمن إلى بعض ثمرة مما حدث. ولن يكون أي حاضر أو مستقبل بعيداً عن هذا المنطلق المطلوب:
أولاً - لبنان يجب أن يستمر واحداً في شعبه، وأرضه، ومؤسساته السياسية والثقافية والاقتصادية، والذين كان
المأخذ عليهم غربتهم عن لبنان وغربتهم فيه، ها هم يحمون وحدته بصدورهم .
ثانياً - ان الشخصية الوطنية الواحدة للبنان، لا بد لها من أن تتكامل مع الوحدة القومية للعرب ككل، أمناً و اقتصاداً على الأقل. ولقد أثبتت الحرب حتمية الانتماء العربي للبنان، أن عندما أخذ العرب على عاتقهم أمنه الذي أصبح حقيقة ، أو عندما سيأخذون على عاتقهم إعادة بنائه وتعميره. وأثبتت الحرب أن العالم لا يستطيع النظر إلى لبنان : إلا في إطار المنطقة العربية، خاصة في عصر الدول الاتحادية، فلا قبل العالم بتقسيم لبنان ولا قبل بعزلته عن العرب .
ثالثاً - الإثم الإسرائيلي الذي أصاب شعب فلسطين، وأصاب أكثر من قطر عربي، وصلت عدواه إلى لبنان ولو متأخرة، فدفع لبنان قسطه في الصراع مع إسرائيل ثمناً باهظاً من أرواح مواطنيه ومن وجوده كوطن، من هنا أصبح من الصعب على لبنان أن يعود إلى شعار انه غير معني بالحرب مع إسرائيل ولا بقضية الشرق الاوسط ، بل ما زال في هدنة مع إسرائيل تعود إلى نهاية الأربعينات .
لقد اقتنع بانتمائه إلى أزمة الشرق الأوسط ، بعد أن وصلت الحرب إلى أعماقه ساخنة مدمرة، ولذلك يجد نفسه بين من سيجلسون حول مائدة مؤتمر جنيف، مؤتمر التسوية في الشرق الأوسط إذا حدث وانعقد .
رابعاً - ثم ان الحرب أعادت لبنان إلى نفسه، عله يربحها ، بعد أن كاد يخسرها ويربح العالم. لقد هزته الحرب هذا
عميقاً أثار فيه الوعي ، أملاً في أن يخطو الوعي الوطني بلبنان خطوة نوعية إلى أمام فيحسم الخلاف على الصيغة السياسية للحكم ، باعتبار أن التعايش الوطني ، ووحدة الوطن ، ووجوده، كلها تشكل حقائق لم تستطع حتى هذه الحرب طرحها على طاولة نقاش. فهي حقائق ليست مجالاً للشك كي تناقش ما بعدها يبدأ الحوار والنقاش: أي نظام وليس أي وطن؟ أربع حقائق وأكثر، تشكل حاضر لبنان ومستقبله، بعد الحرب المدمرة.
وكما أردنا نقل الماضي في هذا الكتاب، ها نحن قد طرحناه معطيات للمستقبل أملاً في أن يكون مشرقاً ، مستقراً ، بناء الخريطة وطنية متماسكة وعدالة اجتماعية تشمل اللبنانيين كافة وطموحنا أن تقرأ معنا أنت أيضاً في الصورة، والوثيقة
والحدث، ذاك المستقبل المشرق.
تصدير
الطبعة الثانية
عندما أردنا جمع الحرب، حرب لبنان، في كتاب كنا طموحين ان نشارك بذلك في اقفال تلك الحرب ووضع نهاية لها . لكنها استمرت، حروباً ، كان ابرزها تلك الحرب الغريبة التي وقعت بين مسلحي ميليشيات الجبهة اللبنانية وقوات الردع العربية . تلك الحرب على غرابتها ، وقد عرفت بحرب الصواريخ ، فرضت نفسها علينا في قسم جديد شكل زيادة بارزة على مجلد حرب لبنان. فقدمنا تلك الحرب في بعض صورها ، وفي كل وقائعها يوماً يوماً وشهراً شهراً وخاصة دقائق الوضع الأمني الذي ساد تلك الحرب. وها هي تشارف على نهايتها ، ولا نقول انتهت، ونحن نطلع بهذا المجلد في طبعته الثانية.
ومع مرور الوقت على الكثير من البيانات والمؤتمرات العربية والرسائل، تغيرت مواقف وتحالفات كثيرة، الأمر الذين فرض الاستغناء عن وثائق الحرب والابقاء على صورها تلك الشهادات الحية، وعلى وقائعها مع تعديل واضافة ، وخاصة صفحات من الصور الملونة رغم ما تحمله من اثارة ..
بقيت ملاحظة وهي ان كثيرين من صانعي تلك الحرب او من المتدخلين فيها مباشرة أو غير مباشرة ، صدفة او قصدا . ان كثيرين منهم غابوا ، غيبهم الثرى، وبعضهم الآخر ابتعدوا عن مراكزهم ومواقعهم ، لكن الوقائع هي وقائعها ، لذا أعدناطبع وقائع حرب لبنان كما تم تسجيلها في الطبعة الأولى.
واذا كانت الطبعة الأولى، على أهمية هذا المجلد وضخامته وكلفته قد نفذت، فلأهمية ما قمنا به رغم تلك الكلفة علينا وعلى القارىء معاً ، لكن الحرب نفسها كانت مكلفة، وتقديمها في مجلد كلف الكثير من الجهد .. همنا هنا ما زال هو هو :
من يتألم يتعلم .. نحن هنا تثير الألم في النفوس .. على الناس يتعلمون من هذه الحرب ككل في وجهيها ...
الناشر »
تعليق