أضواء نقدية على كتاب ( الكتاب) لأدونيس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أضواء نقدية على كتاب ( الكتاب) لأدونيس

    أضواء نقدية على كتاب ( الكتاب) لأدونيس
    رصد ملامح التجربة الأدونيسية في الكتاب 1، أمس المكان الآن
    جاكلين سلام، كندا
    الكتاب النقدي المعروض هنا تجربة مهمة وصعبة في نفس الوقت. ليس لأن الشاعر المطروح للدراسة والنقد هو أدونيس، الشاعر السوري المعروف الذي أختلف القراء حوله بسبب أطروحاته الفكرية والنقدية، وبسبب حداثته التي ربما كانت وما تزال صدمة في مجتمع عربي يحب أو يفضل وينحاز إلى السكون والثوابت، ويتجنب رمي حجر في بركة العقل الساكن الذي قد يصاب بالفساد إن لم يتغير ويتحسن.
    حتى الأساليب الجمالية والابداعية، تصبح مملة بعد حقبة من الزمن إن لم يقم أحد بإجراء مغامرة جديدة، شكلية، أسلوبية، فكرية.
    أحيانا تتمخض التجارب الحية الجديدة وتصبح ثابتة، وتصبح نسقا، وأحيانا تموت في أرضها دون أن تصل الى مكان أبعد من الورقة والمحبرة وبعض الضجيج الذي يطويه الزمن بسرعة. فالزمن دائما متحول والمعادلة الزمنية في بعدها الفيزيائي تتعلق بالمكان وسرعة التفاعل والاحتكاك(الشد والنبذ، المعنوي والفيزيقي) وعوامل الجاذبية، فكريا وروحيا.
    والشعر كالمادة له محاور ومعادلات حياة وموت. والشعر ما هو في الختام إلا تلك الخلاصة من فيزياء الروح وكيمياء الشعور المحتدم في جسد الفرد والكون. أو لنقل أن الشعر الحقيقي يريد هذا، يسعى إليه، يحاوله، وقد يصل أحيانا إلى تلك العتبة العليا، وقد يفشل ويموت في السكون والتكرار.
    الحاضر والماضي والمستقبل، أزمنة يتعكز عليها النص الشعري كي ينتقد العجز ويشيد بالجماليات عبر نصوص قصيرة، متداعية، مفتوحة عل التجربة وعلى التفرد وعلى قدر من الحرية في الشكل والمعنى.
    وبكل شغف أقدم هنا على قراءة كتاب صعب لشاعر إشكالي هو أدونيس، وناقدة متمرسة في قراءة وتحليل النص الشعري والفكري في المحيط العربي. وما هذا العرض إلا مدخلا يحيلنا الى كتابين مهمين، يجدر بنا العودة إليهما، رغم أن كتاب أدونيس صدر عام 1995، والكتاب النقدي للناقدة اللبنانية زهيدة درويش جبور، صدر عام 2001. والقيمة لا تقل وتنتقص بمرور العقود والأيام، كما أعتقد.
    *
    الشاعر أدونيس: الكتاب1، أمس المكان الآن.
    صدر عن دار الساقي، الطبعة الأولى عام 1995
    عدد الصفحات 380 صفحة.
    *
    الكتاب النقدي بعنوان:
    التاريخ والتجربة في الكتابi-أمس المكان الآن، لأدونيس
    مؤلفته: زهيدة درويش جبور
    الناشر: دار النهار للنشر
    تاريخ الإصدار: يناير 2001
    **********
    "حتى حين تقول:
    سأكتب ذاك الشيء الأقصى عني
    أو هذا الشيء الأكثر قربا مني،
    لن تكتب إلا نفسك " أدونيس
    " لا تكتب أرض الحرية / إلا لغة وحشية"
    " إن رأسي مليء بالكواكب: ضوء البصيرة وضوء البصر توأمان، وضوء التمرد وعدوهما المنتظر"
    " أكتب- يأخذني رعب
    وأجنّ ويجفل مني حتى الحبر، وحتى الورق
    وأسائل نفسي: هل أكتب حقا أم أحترق؟ "
    " أيها الجامح المارق –
    ما أمر الطريق إلى الذات، في نشوة العشق، يا أيها العاشق"
    ومضات من قبس الشاعر في الجزء الأول من منجزه الشعري الفكري، مفتتح للذهاب في تقصي خطوات البحث وبعض أحكام الناقدة وتحليلها للكتاب ( 1) لأدونيس.
    *
    تعريف بالناقدة زهيدة درويش جبور:
    زهيدة درويش جبور: أستاذة في الجامعة اللبنانية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية ( الفرع الثالث / قسم اللغة الفرنسية وآدابها،
    صدر لها كتابان: دراسة حول شعر ناديا تويني عام 1992
    دراسة حول الشعر اللبناني الفرنكفوني عام 1997.
    ولها العديد من الكتابات النقدية والقراءات المنشورة في الدوريات الثقافية.
    *
    كيف تفتح الناقدة اللبنانية زهيدة الياس جبور، أدراج " الكتاب1 " والشاعر "أدونيس" ؟
    كيف تقسم خطوات بحثها، لإلقاء ضوء على تجربة ثرية وإشكالية لها من المؤيد والمعارض ما يجعلها حاضرة دوما وبجدارة؟
    *
    التاريخ والتجربة :
    جاء في مقدمة الإصدار، بقلم الناقدة زهيدة جبور حول تجربة الشاعر أدونيس في " الكتاب 1 " الذي صدر عام 1995 وتبعه جزءان آخران: " سنحاول في هذه الدراسة استقراء حقيقة الموقف الأدونيسي من التاريخ والثقافة العربية، وتبيين مفهومه للعملية الشعرية والكتابة الإبداعية ورصد ملامح التجربة التي ترتسم في "الكتاب "كما سنحاول الاستدلال على القناعات الفكرية والتوجهات الفلسفية التي تحدد موقفه من الوجود نفسه. وقصدنا من ذلك استجلاء ما يسميه كمال أبو ديب " البنية المعرفية " التي تكشف عنها الكتابة والتي تتشكل وفقا لعلاقة التفاعل بين ذات المبدع والعالم من حوله، والتي تخضع لتأثيرات عدة، بعضها يظهر على مستوى الوعي وبعضها الآخر يصوغ لغة اللاوعي" .
    أدونيس الذي تجاوز في شعره، المحدود والنهائي والمغلق وشيّد قصيدته وحضوره الاستثنائي والخاص، والذي أختلف عليه وحوله القراء والنقاد طويلا، أين يحط رحال "كتابه الأول" وكيف تشتغل الناقدة بين دروب قصيدته، لتكشف جوهر الشعر الأدونيسي وكما تقول " بحيادية علمية"
    *
    تقسم الباحثة خطوات دراستها إلى أربعة فصول، تبدأ من الشكل والبنية في القصيدة وتخلص الى سمات وملامح الفكر الأدونيسي، مدعّمة كل فكرة ونتيجة بشواهد من طبقات الكتاب.
    تتناول عدة محاور وتدخل من سيمياء العنوان وماتخلفه من صدمة كلمة " الكتاب" في وعي القارئ منذ الوهلة الأولى، لارتباطها بمدلول ديني" وآتيناه الكتاب والحكمة" من جهة وفي المقابل فأنه الكتاب المفرد، الذي قد يكون أيّ كتاب، بالتالي هو كتاب شاعر، يحمل رؤاه الخاصة في لتاريخ والتراث والوجود، وقابل لكل التآويل وفق ما تعلنه أوتضمره الجملة الشعرية الأدونيسية. وإمعانا في الغموض والإثارة يرفق الشاعر الكتاب بـ " أمس المكان الآن " هكذا جملة زمكانية تقترح تعقيدا ومداورات شتى.
    يشير إلى محاولة أدونيس في قلب الهامش إلى متن" ما أعتبر أساسا في الثقافة العربية، يجعل منه مجرد هامش وما بقي على هامش هذه الثقافة يضعه في موقع القلب النابض.
    هذا وتقوم النصوص على ( تعددية في البناء وألاصوات والأشكال الكتابية) يقود إلى شبكة من العلاقات المتعددة الدلالات تذهب من تخوم الاساطير إلى التراث إلى الفلسفة، يسخرها كلها في حدودها القصوى لخدمة نصه، ومن دون الوقوع في فوضى النص.
    كما وتفرد صفحات للحديث عن السيرة الذاتية والتاريخية والتقاطع مع سيرة المتنبي والعودة إلى الأصيل من الأسماء التي تم استبعادها وتهميشها " يستحضرهم الشاعر لينصفهم ويزرعهم منارات على الطري، يستلهم مواقفهم ويثور أحيانا على الظلم الذي لحق بهم فجعلهم ضحايا النبذ والتشرد والقتل، وأحيانا يستعير اسمائهم لتكون عنوانا ... " ص 83
    *
    " ضع الشاعر قضية قراءة التاريخ والكشف عن خفاياه في أولويات اهتمامه ويجعل منها محركا أساسيا للكتابة الإبداعية ....وإزاء هذا الواقع يعلن المفكر موقفه بجرأة : لا قدسية للتراث، إنه حقل ثقافي عمل فيه وأنتج بشر مثلنا، يصيبون ويخطئون، يبدعون ويبتدعون، والحكم لهم وعليهم يعني حكما على نتاجهم المحدد أو له، ولا يعني الحكم على الشخصية العربية أو لها ... والجديد في الكتاب هو ممارسة الفكر النقدي بلغة الشعر " ص 89
    وللبحث في هذا التاريخ، لا بد من البحث في تاريخ السلطة والصفات الأساسية لها، وتبدأ الدارسة بتبويب هذه الصفات وفق شواهد من الكتاب فتأخذ صفة " الظلامية "حيزا أساسيا، وعلاجه يكون بنور الفكر والشعر. ومن ثم الصفات الأخرى التي يشتغل عليها فكر الشاعر في هذه الكتاب وهي ( العنف / سيطرة الغيب ) وأما أزمنة الشاعر فهي مركبة وتقسمها إلى( الزمن التاريخي / الزمن الوجودي / الزمن الشعري ) وتخلص إلى القول " أن طبيعة بنية الزمن في هذا الكتاب ليست مسطحة، بل تتداخل فيه الأزمنة، وينقسم التاريخ الواحد على نفسه، وتتحرك عناصره في سياقات التجاذب والتنافر. وإذا كان التاريخ فيه غير متجانس، تاريخ للقتل وتاريخ للإبداع، فإن الزمن فيه أيضا معقد ومركب " ص 137
    وكذلك المكان متعدد، وله أهمية قصوى في نصوص الكتاب، تارة يكون في الكوفة مسقط رأس المتنبي وتارة في اللاذقية ومسقط رأسه "لقد عاش الشاعر دائما منفصلا وحافظ حتى عندما كان في قلب المكان على المسافة الكافية التي تمكنه من أن يرى بوضوح كل مشاكله وتعقيداته .. "ص 143
    *
    تخصص الباحثة في هذا الكتاب أكثر من خمسين صفحة، تعكس ومضات وأراء وتفاسير أدونيس عن الكتابة، رؤيته وتصوراته وأساليبه في الشعر، ومبتغاه، منذ بداياته وحتى هذا المنجز الذي نتناوله هنا:
    " يشكل التساؤل عن جوهر الشعر وطبعته وعن موقع الشاعر من العالم خيطا جامعا لدوادينه .. ولا يكسر الكتاب هذه القاعدة بل تشكل مسألة الشعر إحدى المسائل الأساسية التي يطرحها بلغة فنية راقية تجمع بين الشفافية والغموض، لا تقدم إجابات إلا لتطلق منها تساؤلات .. "
    الشعر عند أدونيس بحث في عدة أتجاهات ركيزتها البحث عن ( الجمالية ) عبر الشعر:
    أ- الشعر طريق إلى المعرفة
    ب_ الشعر تجربة وحضور في العالم
    ج_ الشعر تجاوز وتحفظ
    د_ الشعر فعل تحول وصيرورة
    ه – الشعر رؤيا
    الشعر غموض مضيء / الشعر لغة جديدة / الشعر طاقة على الحلم
    وفي كل خانة مما أعلاه، تتفحّص طرائق الشاعر مستدلة على المكنون منه، بشذرات مضيئة من قصائده.
    *
    في هذا الفصل يجري التقصي عن ملامح الذات الداخلية، عن مدى التصاق الكتابة بمبدعها، عن تأزمات النفس الشاعرة، وعن صراع الهدم والبناء في القصيدة عبر ( جدل أدونيسي) يسعى لخلق صرح جديد مسخرا كل أبواب المعرفة، قديمها وحديثها مستحضرا عدا كبيرا من الأسماء التاريخية المعروفة والمهمشة، ليقول قوله باسمها وعنها ولها ولكن:
    " هل ينتهي بالشاعر المطاف إلى إعلان الفشل ؟ لعلنا نجد الجواب في مغامرة الكتاب ذاتها، وهل كان له أن يخوضها لولا إيمانه بجدواها وفاعليتها؟ .. ذلك أن الرهان يبقى على الثقافة، وأن خشبة الخلاص الوحيدة للإنسان العربي هي إنتاج ثقافة متحررة من أعباء الماضي، تنتقي من التراث جوانبه المضيئة للتواصل معها وتفعلها وتطورها، ذلك أن التراث كما يؤكد الشاعر أطروحاته النظرية السابقة .. " ص 227
    مناخات الذات في هذا المبحث لها بعض هذه السمات:
    الأمل والفجيعة / التوحد والغربة / التشظي والحيرة... وعبر هذه الدوامة من النوازع والضغوط والالتباسات يواصل الشاعر بحثه، ليؤسس ركيزة فكرية لها سماتها ونزوعاتها، تلخصها الباحثة في مفاصل محورية كالتالي: النزعة المادية / النزعة الصوفي / النزعة الإنسانية
    " ليست المادية لديه نقيض المثالية بل تتكامل معها ضمن علاقة جدلية وثيقة .. " ص 240
    " إن الحضور الروحي الكلي واحد في جميع مكونات العالم وهو دائم الحركة وليس الجزئي إلا صورة من صوره اللامتناهية وهو ليس قائما بذاته بل متصل عضويا بالوجود المادي، ففي المرئي يكمن اللامرئي... وليس ظاهر الأشياء إلا جهل لحقيقتها الهاربة التي تختفي فيها ..." ص 241 .
    " الصوفية كما ينظر إليها الشاعر هي فعل تحرر ورفض لصنمية الحقيقة الواضحة في محاولة لبلوغ حقيقة جوهرية حية تطلع من داخل الذات المنصهرة حين يتمرأى فيها نور العالم .. " ص 265
    " يرفض صاحب " الكتاب " أن يسجن الإنسان في ثنائية الخير / الشر، و يطمح إلى رؤيا توفيقية تؤنسن القيم وتجعل منها وسيلة لتفتح الذات، لا قيدا مفروضا عليها من الخارج " ص 266
    كما وتتطرق إلى بعض ردود فعل القراء والباحث الغربي اتجاه النص الأدونيسي.
    *
    كلمة أخيرة: جاءت مقتضبة وملخصة لمضمون البحث وغاية الشعر، ختمت بها الناقدة " زهيدة درويش جبور " بحثها التفصيلي الممتع حيث أضاءت جوانب النص بمعرفتها ولغتها السلسة الواضحة بعيدا عن تهويمات ومصطلحات نقدية( مستعارة) تربك ذائقة المتلقي لهذه الدراسة الجادة، والتي لا تكون ولا تكتمل إلا بحضور القارئ الحقيقي الذي يحقق للنص ديمومته وأبعاده ويعيد خلقه كإحدى الطرق المؤدية لاكتشاف الذات والعالم.
    تختم كلمتها بالقول:
    " لقد استطاع أدونيس أن يطرح كل المسائل بغية القصيدة التي تنطق عن ذاتها فتقدم رؤيا للشعر والشاعر والقراءة تماما كما ترسم صورة للذات، وتصور بالأحمر والأبيض لوحة التاريخ وقد أضحى مادة معرفة وموضوع تساؤل. وهو عندما ينبري لمحاكمة تاريخ السلطة، يميط اللثام عن تاريخ آخر خطته بأحرف مضيئة أقلام المبدعين على مدى العصور " ص 286

    قراءة وتقديم: جاكلين سلام، شاعرة، كاتبة سورية كندية.

    نشر في الحوار المتمدن- 2022 / 5 / 16
يعمل...
X