"ساعي البريد".. فيلم إسباني عن مافيا غسيل الأموال
فيلم روائي يوثق آثار اليورو على المجتمع الإسباني.
الأربعاء 2024/08/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حكاية مثيرة في زمن متسارع
تهتم السينما كثيرا بالجرائم والقضايا التي تجذب لها جمهورا واسعا، ومن هذه القضايا غسيل الأموال، التي يتطرق إليها المخرج الإسباني دانيال كالبارسورو في أحدث أفلامه "ساعي البريد"، من خلال حكاية شاب يلقي به طموحه للثراء بين أحضان العصابات.
الرباط - تدور أحداث الفيلم السينمائي “ساعي البريد” للمخرج الإسباني دانيال كالبارسورو، حول قصة الفساد العقاري المستفحل في إسبانيا في بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، من خلال قصة شاب طموح يدعى إيفان يحاول استغلال الفرص المتاحة من أجل الارتقاء إلى قمة هرم الفساد. والفيلم من سيناريو باتسيكي أميزوكا وأليهو فلاه، وبطولة أرون بايبر، ماريا بيدرازا، لويس توسار، خوسيه مانويل بوجا، لويس زاهيرا، وألبرتو جو لي.
تحكي حبكة السيناريو قصة إيفان الذي ينحدر من أصول فقيرة ويعمل كأجير في ظروف قاسية، ويحلم بالوصول إلى قمة الهرم الاجتماعي والاقتصادي، وبينما يواصل سعيه نحو تحقيق طموحاته، يتعرض لموقف غير متوقع عندما يقرر مساعدة رجل غني في حالة سكر، ليكتشف لاحقا أن هذا الرجل متورط في عمليات غسيل أموال ضخمة، وهذه المعرفة تشكل لإيفان قفزة نوعية في حياته من الناحية الاقتصادية مع خلق العديد من المتاعب أيضا، حيث يجد نفسه متورطا في شبكة معقدة من الجرائم المالية، ويصبح من أبرز اللاعبين في سوق العقارات الإسبانية بعد اعتماد اليورو عملة رسمية في إسبانيا، حيث يستفيد من الازدهار الاقتصادي الذي يرافق دخول العملة الجديدة ويعزز مكانته في هذا القطاع المزدهر.
وتبدو القصة مألوفة فهي مبنية على أحداث واقعية وتقدّم بعدا مثيرا وفريدا من نوعه، حيث توضح كيفية دخول اليورو إلى إسبانيا وتأثيره الجذري على كل مناحي الحياة هناك، إذ يتم عرض هذا الجانب عبر استخدام لقطات وصور حقيقية من الأرشيف، مما يضفي مصداقية وعمقًا على الأحداث، ويعزز من واقعية السرد.
ويستخدم الممثل أرون بايبر صوته ليروي قصة شخصيته إيفان، مما يتيح لنا استكشاف تفاعلاته المعقدة بين عائلته وأصدقائه وبين طموحه في الحياة، إذ يظهر أداء بايبر توازنًا بين التعبير عن الصراع الداخلي الذي يعيشه وبين ما لا يتوقعه أساسا، خاصة في مشاهد غسيل الأموال التي تسهم في بناء إطار درامي محفز، يضيف عمقًا لقوة الإرادة والطموح في حياته، بينما تعرف الشخصيات الجانبية حضورًا معقولا حتى وإن كانت تفتقر إلى بعض العمق والتطور.
هذه الشخصيات رغم عدم استمرارها في القصة، تخلق فرصًا للتفكير حول تأثيرها على مسار الأحداث الرئيسية كما حدث مع رؤساء الجماعة المشاركين في غسيل الأموال، إذ يُثري هذا الإطار الدرامي ديناميكية القصة ويُشجع المشاهدين على استكشاف الأبعاد المختلفة للشخصيات. ويتميز الفيلم بإيقاع زمني سريع يجعله ممتعًا، بينما لن تشعر بالملل أثناء مشاهدته أو بالرغبة في إنهائه بسرعة، خاصة وأن الشخصيات رغم أنها قد تبدو غير مكتملة لبعض المشاهدين، إلا أن شخصيتي توسار وزاهيرا يبرزان بشكل خاص ويستطيعان جذب انتباهك، أما الممثلة ماريا بيدرازا التي تؤدي دور ابنة توسار، وتشارك في قصة حب مع إيفان فتضفي لمسة إنسانية على الأحداث.
◙ قصة مبنية على أحداث واقعية توضح كيفية دخول اليورو إلى إسبانيا وتأثيره الجذري على كل مناحي الحياة
ورغم أن الممثل أرون بايبر الذي يكرر أسلوبه في العديد من أفلامه، فإنه يظل قادرًا على تقديم تجارب سينمائية تثير الفضول وتستحق المتابعة مثل دور سيرجيو في مسلسل “الصمت” وهو دراما إسبانية من إنتاج أيتور غابيلوندو، ويعرض على منصة نتفليكس منذ مايو 2023، ويلعب أرون بايبر في دور سيرجيو الذي يطلق سراحه بعد قضائه ست سنوات في السجن بتهمة قتل والديه عندما كان قاصرًا، وخلال تلك الفترة لم يتحدث سيرجيو ولم يتعاون مع القضاء، مما أبقى دوافعه وظروف ارتكابه للجريمة غامضة، وتتحمل آنا دوسويل، وهي طبيبة نفسية شابة، وفريقها، مسؤولية تقييم مدى خطورته المحتملة على المجتمع من خلال مراقبته بشكل مستمر على مدار الساعة. ويظهر الفيلم تباينًا واضحًا بين الابتكار والإرباك في إخراجه، بينما يعرف المخرج جيدًا أين يضع الكاميرا لخلق مشاهد جريئة ومختلفة، إلا أن التشويش في بعض المشاهد قد يشتت انتباه المشاهد.
من جهة أخرى، يحافظ المونتاج على وتيرة الفيلم بنمط استبدالي سريع، مما يمنح المشاهد إحساسًا بالتسارع وكأن الزمن يمر بسرعة، وخاصة مشاهد السيارات التي تبدو مشوشة كفيديو الألعاب، وغير مفضلة في فيلم مبني على أحداث واقعية مفضلة للجميع، إلا أنها تضيف طابعًا من الحكي المتسارع للأحداث، أما استخدام الألوان الخضراء الداكنة كتشويش في السرعة غير مريحة، رغم أن البعض قد يفضلون درجات ألوان أكثر إشراقًا، لكن جل المشاهد المتتالية تبرز تجربة بصرية جريئة قد تثير الإعجاب أو تدفع للتفكير في هول مشاهد النصب والاحتيال الواقعية حسب ذوق المشاهد.
ويبرز تكوين اللقطات إخراجًا بسيطًا ولكنه مقبول يمكن الفيلم من جذب انتباه المشاهدين وتوفير تجربة مشاهدة خفيفة ومسلية، خاصة وأن الإيقاع السريع والمشاهد التي تملؤها الحركة تجعلك تشعر بالتحفيز والإثارة، لكن هذا لا يعني أن الفيلم يقدم تجربة تثير الكثير من المشاعر القوية أو العاطفية العميقة، بينما تجد بعض اللحظات المثيرة التي تضيف لمسة من التسلية والتشويق. أما بالنسبة إلى أسلوب المخرج دانيال كالبارسورو، فإن فيلم “قنطور” الذي أخرجه في عام 2022، والذي يحكي قصة رافا، سائق سباقات الدراجات النارية يجد نفسه متورطًا في تجارة الممنوعات ويخاطر بمستقبله.
وكان المخرج أقل إبداعا في فيلمه السابق مقارنة بفيلم "ساعي البريد"، بينما يعد فيلم "صمت المدينة البيضاء” الذي أخرجه عام 2019 من بين أفضل أفلامه، وتدور أحداثه حول عودة ضابط شرطة إلى عمله لمكافحة الجريمة، في الوقت الذي يظهر فيه قاتل متسلسل جديد لمواصلة جرائمه. ورغم أن كل هذه القصص متكررة ومبتذلة خاصة في السينما العالمية، إلا أننا نقارنها في حدود فيلم "ساعي البريد".
أما السيناريست باتسيكي أميزوكا، كاتب "ساعي البريد"، فهو كاتب بارز حيث قام بتأليف فيلم "رجل العمل" الذي أُنتج في عام 2022، والذي تدور أحداثه في إطار درامي يستعرض فيه قصة عامل بناء وسارق محترف يتبنى فلسفة الفوضى ويخطط لعملية احتيال معقدة ضد أحد أكبر المصارف في العالم، بمساعدة شريكين يشاركانه نفس الأفكار، وهو أيضا مخرج وكاتب الفيلم الشهير "إنفيستو" الذي عُرض في عام 2023، ويروي من خلاله قصة تأثير فايروس كورونا على حياة الأشخاص، حيث يتم استدعاء محققين إلى بلدة تعدين صغيرة في جبال أستوريان بعد اكتشاف جثة امرأة شابة كانت ميتة منذ شهور، مما يترك المحققين في حالة من التساؤل حول القوى المظلمة التي تقف وراء هذه الحادثة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
فيلم روائي يوثق آثار اليورو على المجتمع الإسباني.
الأربعاء 2024/08/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حكاية مثيرة في زمن متسارع
تهتم السينما كثيرا بالجرائم والقضايا التي تجذب لها جمهورا واسعا، ومن هذه القضايا غسيل الأموال، التي يتطرق إليها المخرج الإسباني دانيال كالبارسورو في أحدث أفلامه "ساعي البريد"، من خلال حكاية شاب يلقي به طموحه للثراء بين أحضان العصابات.
الرباط - تدور أحداث الفيلم السينمائي “ساعي البريد” للمخرج الإسباني دانيال كالبارسورو، حول قصة الفساد العقاري المستفحل في إسبانيا في بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، من خلال قصة شاب طموح يدعى إيفان يحاول استغلال الفرص المتاحة من أجل الارتقاء إلى قمة هرم الفساد. والفيلم من سيناريو باتسيكي أميزوكا وأليهو فلاه، وبطولة أرون بايبر، ماريا بيدرازا، لويس توسار، خوسيه مانويل بوجا، لويس زاهيرا، وألبرتو جو لي.
تحكي حبكة السيناريو قصة إيفان الذي ينحدر من أصول فقيرة ويعمل كأجير في ظروف قاسية، ويحلم بالوصول إلى قمة الهرم الاجتماعي والاقتصادي، وبينما يواصل سعيه نحو تحقيق طموحاته، يتعرض لموقف غير متوقع عندما يقرر مساعدة رجل غني في حالة سكر، ليكتشف لاحقا أن هذا الرجل متورط في عمليات غسيل أموال ضخمة، وهذه المعرفة تشكل لإيفان قفزة نوعية في حياته من الناحية الاقتصادية مع خلق العديد من المتاعب أيضا، حيث يجد نفسه متورطا في شبكة معقدة من الجرائم المالية، ويصبح من أبرز اللاعبين في سوق العقارات الإسبانية بعد اعتماد اليورو عملة رسمية في إسبانيا، حيث يستفيد من الازدهار الاقتصادي الذي يرافق دخول العملة الجديدة ويعزز مكانته في هذا القطاع المزدهر.
وتبدو القصة مألوفة فهي مبنية على أحداث واقعية وتقدّم بعدا مثيرا وفريدا من نوعه، حيث توضح كيفية دخول اليورو إلى إسبانيا وتأثيره الجذري على كل مناحي الحياة هناك، إذ يتم عرض هذا الجانب عبر استخدام لقطات وصور حقيقية من الأرشيف، مما يضفي مصداقية وعمقًا على الأحداث، ويعزز من واقعية السرد.
ويستخدم الممثل أرون بايبر صوته ليروي قصة شخصيته إيفان، مما يتيح لنا استكشاف تفاعلاته المعقدة بين عائلته وأصدقائه وبين طموحه في الحياة، إذ يظهر أداء بايبر توازنًا بين التعبير عن الصراع الداخلي الذي يعيشه وبين ما لا يتوقعه أساسا، خاصة في مشاهد غسيل الأموال التي تسهم في بناء إطار درامي محفز، يضيف عمقًا لقوة الإرادة والطموح في حياته، بينما تعرف الشخصيات الجانبية حضورًا معقولا حتى وإن كانت تفتقر إلى بعض العمق والتطور.
هذه الشخصيات رغم عدم استمرارها في القصة، تخلق فرصًا للتفكير حول تأثيرها على مسار الأحداث الرئيسية كما حدث مع رؤساء الجماعة المشاركين في غسيل الأموال، إذ يُثري هذا الإطار الدرامي ديناميكية القصة ويُشجع المشاهدين على استكشاف الأبعاد المختلفة للشخصيات. ويتميز الفيلم بإيقاع زمني سريع يجعله ممتعًا، بينما لن تشعر بالملل أثناء مشاهدته أو بالرغبة في إنهائه بسرعة، خاصة وأن الشخصيات رغم أنها قد تبدو غير مكتملة لبعض المشاهدين، إلا أن شخصيتي توسار وزاهيرا يبرزان بشكل خاص ويستطيعان جذب انتباهك، أما الممثلة ماريا بيدرازا التي تؤدي دور ابنة توسار، وتشارك في قصة حب مع إيفان فتضفي لمسة إنسانية على الأحداث.
◙ قصة مبنية على أحداث واقعية توضح كيفية دخول اليورو إلى إسبانيا وتأثيره الجذري على كل مناحي الحياة
ورغم أن الممثل أرون بايبر الذي يكرر أسلوبه في العديد من أفلامه، فإنه يظل قادرًا على تقديم تجارب سينمائية تثير الفضول وتستحق المتابعة مثل دور سيرجيو في مسلسل “الصمت” وهو دراما إسبانية من إنتاج أيتور غابيلوندو، ويعرض على منصة نتفليكس منذ مايو 2023، ويلعب أرون بايبر في دور سيرجيو الذي يطلق سراحه بعد قضائه ست سنوات في السجن بتهمة قتل والديه عندما كان قاصرًا، وخلال تلك الفترة لم يتحدث سيرجيو ولم يتعاون مع القضاء، مما أبقى دوافعه وظروف ارتكابه للجريمة غامضة، وتتحمل آنا دوسويل، وهي طبيبة نفسية شابة، وفريقها، مسؤولية تقييم مدى خطورته المحتملة على المجتمع من خلال مراقبته بشكل مستمر على مدار الساعة. ويظهر الفيلم تباينًا واضحًا بين الابتكار والإرباك في إخراجه، بينما يعرف المخرج جيدًا أين يضع الكاميرا لخلق مشاهد جريئة ومختلفة، إلا أن التشويش في بعض المشاهد قد يشتت انتباه المشاهد.
من جهة أخرى، يحافظ المونتاج على وتيرة الفيلم بنمط استبدالي سريع، مما يمنح المشاهد إحساسًا بالتسارع وكأن الزمن يمر بسرعة، وخاصة مشاهد السيارات التي تبدو مشوشة كفيديو الألعاب، وغير مفضلة في فيلم مبني على أحداث واقعية مفضلة للجميع، إلا أنها تضيف طابعًا من الحكي المتسارع للأحداث، أما استخدام الألوان الخضراء الداكنة كتشويش في السرعة غير مريحة، رغم أن البعض قد يفضلون درجات ألوان أكثر إشراقًا، لكن جل المشاهد المتتالية تبرز تجربة بصرية جريئة قد تثير الإعجاب أو تدفع للتفكير في هول مشاهد النصب والاحتيال الواقعية حسب ذوق المشاهد.
ويبرز تكوين اللقطات إخراجًا بسيطًا ولكنه مقبول يمكن الفيلم من جذب انتباه المشاهدين وتوفير تجربة مشاهدة خفيفة ومسلية، خاصة وأن الإيقاع السريع والمشاهد التي تملؤها الحركة تجعلك تشعر بالتحفيز والإثارة، لكن هذا لا يعني أن الفيلم يقدم تجربة تثير الكثير من المشاعر القوية أو العاطفية العميقة، بينما تجد بعض اللحظات المثيرة التي تضيف لمسة من التسلية والتشويق. أما بالنسبة إلى أسلوب المخرج دانيال كالبارسورو، فإن فيلم “قنطور” الذي أخرجه في عام 2022، والذي يحكي قصة رافا، سائق سباقات الدراجات النارية يجد نفسه متورطًا في تجارة الممنوعات ويخاطر بمستقبله.
وكان المخرج أقل إبداعا في فيلمه السابق مقارنة بفيلم "ساعي البريد"، بينما يعد فيلم "صمت المدينة البيضاء” الذي أخرجه عام 2019 من بين أفضل أفلامه، وتدور أحداثه حول عودة ضابط شرطة إلى عمله لمكافحة الجريمة، في الوقت الذي يظهر فيه قاتل متسلسل جديد لمواصلة جرائمه. ورغم أن كل هذه القصص متكررة ومبتذلة خاصة في السينما العالمية، إلا أننا نقارنها في حدود فيلم "ساعي البريد".
أما السيناريست باتسيكي أميزوكا، كاتب "ساعي البريد"، فهو كاتب بارز حيث قام بتأليف فيلم "رجل العمل" الذي أُنتج في عام 2022، والذي تدور أحداثه في إطار درامي يستعرض فيه قصة عامل بناء وسارق محترف يتبنى فلسفة الفوضى ويخطط لعملية احتيال معقدة ضد أحد أكبر المصارف في العالم، بمساعدة شريكين يشاركانه نفس الأفكار، وهو أيضا مخرج وكاتب الفيلم الشهير "إنفيستو" الذي عُرض في عام 2023، ويروي من خلاله قصة تأثير فايروس كورونا على حياة الأشخاص، حيث يتم استدعاء محققين إلى بلدة تعدين صغيرة في جبال أستوريان بعد اكتشاف جثة امرأة شابة كانت ميتة منذ شهور، مما يترك المحققين في حالة من التساؤل حول القوى المظلمة التي تقف وراء هذه الحادثة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي