التونسية كوثر بن هنية تهدم الجدار الرابع في فيلمها "بنات ألفة" وتكشف المستور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التونسية كوثر بن هنية تهدم الجدار الرابع في فيلمها "بنات ألفة" وتكشف المستور

    التونسية كوثر بن هنية تهدم الجدار الرابع في فيلمها "بنات ألفة" وتكشف المستور

    معد فياض

    ألفة الحمروني، مواطنة تونسية بسيطة وفقيرة، مطلقة، تعاند ظروفها الصعبة لتربية بناتها الاربع: غفران ورحمة وإيا وتيسير الشيخاوي، وتخشى عليهن من الانحراف. وكردة فعل من قسوتها تنتمي بنتيها الكبيرتين، رحمة وغفران، لتنظيم داعش الارهابي(الدولة الاسلامية) في ليبيا، ويرتدين النقاب بعد ان كانتا تطالبان بحريتهما وتحررهما..هذه قصة عائلة ألفة التي التقطتها المخرجة التونسية كوثر بن هنية لتحولها الى فيلم يتداخل فيه الوثائقي والدراما في بناء غريب او جديد على السينما العربية عامة والتونسية خاصة، باسم "بنات ألفة" (Four Daughters) ، لكن الفيلم يصنف باعتباره وثائقي طويل او وثائقي درامي.

    الفيلم يناقش قضية غاية في الاهمية في المجتمع التونسي خاصة والعربي، بل الغربي عامة الا وهي التحاق الشابات والشباب بتنظيم داعش الارهابي. فقد مزجت كوثر بن هنية في عملها بين الفيلم الوثائقي والروائي، عندما قدمت قصة حقيقية حدثت لامرأة تونسية تدعى ألفة لديها أربع بنات، تتغير حياتها بعد أن تختفي اثنتان من بناتها، وتكتشف لاحقا تورطهما مع جماعات إرهابية.

    فيلم "بنات ألفة" تم اطلاقه عالميا العام الماضي 2023، ويعرض حاليا على منصة نيتفليكس Netflix ، ولعب ادواره [هند صبري](https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%87...A8%D8%B1%D9%8A) في دور ألفة، والام الحقيقية ألفة الحمروني، وبناتها إيا وتيسير الشيخاوي، اضافة الى نور القروي التي جسدت دور رحمة الشيخاوي، وإشراق مطر التي لعبت دور غفران الشيخاوي، كونهما تقبعان في سجن ليبي لالتحاقهن بتنظيم داعش، و[مجد مستورة](https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85...A%D9%88%D8%B1% D8%A9).

    بداية تحتاج احداث الفيلم الى تركيز للفصل ما بين هو واقعي، تجسده الام ألفة وبناتها إيا وتيسير، وبين ما تمثله هند صبري ونور القروي وإشراق مطر، فالجميع هنا يجتمعون في بيت ألفة لتقديم حكاية العائلة وتاريخها واشتباكات احداثها بمرها وحلوها وما عاشوه من تناقضات تتنامى مع اوضاع البلد، في عهد الرئيس التونسي الاسبق علي زين العابدين، وما بعده، وثورة(الربيع العربي) بايجابياتها وسلبياتها التي انتجت تنظيم داعش وسيطرة الاسلام السياسي في ليبيا وتمدده الى تونس التي "لم يكن مسموحا فيها لاية امرأة مهما كان عمرها ان تضع الحجاب او مجرد شال على شعرها لان ذلك يعتبر تمردا على قوانين الدولة"، حسب ما تروي ألفة، ومن ثم القفز الى البرقع الذي روج له الشيوخ والدعاة تكريسا للدولة الاسلامية. ويتم التركيز في الفيلم على قصة غفران ورحمة الشيخاوي، والأحداث التي قادت إلى انضمامهما إلى تنظيم الدولة الإسلامية. كاشفا عن تاريخ من "الصدمات النسائية" عبر الأجيال، والمتشابك مع تاريخ تونس.

    في البداية، تقول بن هنية، إنها كانت مهتمة بما قد يحفز امرأة شابة للانضمام إلى مثل هذا التنظيم، وقالت:" اعتدنا قيام الرجال بذلك، لكن من الغريب أن النساء باتوا متورطات أيضاً في "الإرهاب"، وأعتقد أنني أردت أن أفهم سبب انجذاب الشابات إلى هذا الأمر". وتضيف: "إحدى الأفكار التي وجدتها غريبة، هي أن غفران ورحمة كانتا تبحثان عن الحرية، لقد أرادتا التحرر من اضطهاد والدتهما، وأرادتا أن تثبتا لأمهما أنهما تستحقان الحرية المطلقة. لذا، أردت أن أفهم كيف أن الرغبة بنيل الحرية، يمكن أن تقودك إلى هذا الطريق؟".

    وحسب ما ترويه ألفة الحمروني فان تصرفاتها مع بناتها هو انعكاس لتربية عائلتها القاسية معها فهي عانت من سوء المعاملة عندما كانت شابة، متذكرة أنها عندما كانت مراهقة حاولت حماية والدتها وأخواتها من العنف الجنسي، بل كانت ترتدي ملابس الاولاد لتحمي نفسها من التحرش. وعندما تزوجت والد بناتها، تتذكر أختها وهي تحث العريس على معاملة ألفة بقسوة وحصرها بزاوية الغرفة لاغتصابها واتمام الزواج، لكن الذي حدث ان ألفة لكمت العريس واوقعته ارضا وسال من انفه الدم واستخدمت هذا الدم لتلطيخ الملاءات التي كانت من المفترض أن تتلطخ بدم ازالة بكارتها، ومنحتها لاختها كدليل على اتمام الزواج وبرهان على انها كانت باكرا وقد ازال العريس بكارتها، حسب الاعراف العشائرية، وهكذا علت الهلاهل خارج غرفة العرس.

    هذه التربية القاسية التي تعودت عليها ألفة هي التي دفعتها فيما بعد الى ان تقسو خلال تربيتها لبناتها بمفردها، وتكون عنيفة معهن ، خوفاً من أن يصبحن(فاسقات) على حد وصفها. وعندما غادرت الى ليبيا للعمل هناك وتركت بناتها تحت وصاية قريبة لها، كتبت لها هذه القريبة بان بناتها، غفران خاصة، خرجت عن سيطرتها، فعادت على إثر ذلك لتجد ابنتها قد صبغت شعرها بلونين وقد ازالت شعر ساقيها مما دفعها للجنون ووصفتها باسوء النعوت وضربتها بقسوة وكسرت على راسها وظهرها عصا المكنسة حتى تصورت انها ماتت. هذه القسوة والمخاوف من ان تقيم احداهن اية علاقة مع شاب او فتى هي التي قادت رحمة وغفران للانزلاق الى تنظيم داعش كردة فعل ضد تصرفات الام الفة والنظام والمجتمع.

    وحسب الصور الوثائقية فان رحمة وغفران الشيخاوي تبدوان صغيرتين جداً، لا يظهر من المراهقتين إلا وجههما وحجابهما الأسود، حيث كان عمرهما حوالي 15 و16 عاماً على التوالي عندما انخرطت الشابتان التونسيتان في تنظيم الدولة الإسلامية، وكانت كوثر، المتطلعة للحرية هي السباقة في الالتحاق بالتنظيم الارهابي، وعندما علمت شقيقتها، رحمة، الاكبر سنا منها، اخفت في البداية على امها رحيل غفران الى ليبيا، وتمادت في عدم منحها رقم هاتف اختها هناك وابتلعت الورقة التي فيها رقم الموبايل، مما يدفع بالام، الفة، الى الصراخ متسائلة" لماذا تريدين ان تحرميني من ابنتي؟"، فترد عليها رحمة بنظرة قاسية، تلك القسوة التي اكتسبتها منذ بدايات ارتدائها للنقاب واجبار شقيقاتها على التسلية بلعبة دفن الميت وجلدهن اذا اخطأن، ومن ثم جلد نفسها تكفيرا عن اخطائها. وخشية ان تلتحق رحمة باختها، تاخذها امها الى مركز الشرطة مطالبة بحبسها كي لا تنتسب لتنظيم داعش وتعود لتنفذ عمليات ضدهم، لكن الضابط يخبرها بانه ليست هناك قوانين او تعليمات تدعوهم لاعتقالها.

    في عام 2015 تصدّر اسم غفران ورحمة الشيخاوي عناوين الأخبار في تونس عندما تأكد أنهما انضمتا إلى تنظيم الدولة( داعش)، حيث تزوجت رحمة من امير داعشي،وقيامها بعمليات ارهابية في تونس..حينها ظهرت ألفة الحمروني في برنامج تلفزيوني انتقدت فيه علنا السلطات التونسية لعدم منع ابنتها رحمة من مغادرة البلاد.وبعد اعتقال القوات الليبية المراهقتان، رحمة وغفران، لم تفعل السلطات التونسية اي شيء، بل مُنعت الحمروني من مغادرة البلاد للبحث عن بناتها في ليبيا بمفردها. وتحسبا من تشجيع البنتين الصغيرتين، أيا وتيسير، من الالتحاق بشقيقتيهما تم التحفظ عليهما في اصلاحية.

    في عام 2023 حُكم في ليبياعلى الشقيقتين رحمة وغفران بالسجن لمدة 16 عاماً، وترعرعت فاطمة، ابنة غفران، البالغة من العمر ثماني سنوات، في سجن ليبي مع والدتها، إذ لم تسمح السلطات الليبية بمحاكمة الأخوات في تونس، أو السماح لفاطمة، ابنة غفران، بمغادرة السجن.

    تخلص ألفة الى نتيجة بإنها كانت مثل القطة، التي تأكل أولادها خوفاً عليهم، وتقول: "كنت خائفة عليهم جداً، لم آكلهم، ولكني فقدتهم".

    توضح مخرجة "بنات ألفة"، كوثر بن هنية قائلة، أن "الفيلم ليس دراما وثائقية، على الرغم من وجود ممثلين، إلا أن الأدوار التمثيلية صغيرة جداً في الفيلم والممثلون يتصرفون كأشخاص، فهم يشاركون أفكارهم وأسئلتهم مع ألفة وابنتيها".مضيفة "لقد بدأت بتصوير فيلم وثائقي سريع عن هذه العائلة، لكنني أدركت بسرعة أنه لن يكون مثيراً للاهتمام، أحتاج إلى المزيد من التعمق في هذه القصة. لذا جمعت الممثلين ببطلة القصة الحقيقية، ألفة والدة البنات وابنتيها الصغيرتين، حتى يتمكنوا من توجيه الممثلات ومشاركة ذكرياتهم وما حدث معهم. إنه حوار، بين الممثل والشخصية الحقيقية، إنها قصة انتقال العدوى من الأم إلى ابنتها، وانتقال العنف، وما تسميه الأم : اللعنة".

    لقد اعتمدت صانعة الفيلم، بنت هنية، اسلوبا ممزوجا بما هو حياتي وموضوعي، فجاءت الاحداث مشوقة وقريبة من المشاهد الذي ابعدته عن الملل بواسطة السرد الذي ادته البنتين ايا وتيسير، وقص حكاياتهن السرية والغائبة عن الام ألفة، مع الشقيقتين الغائبتين، رحمة وغفران، خاصة ما يهم انوثتهن..من جانبها تكشف الام عن علاقتها العاطفية مع عشيقها وسام الهارب بسبب جريمة قتل والمدمن على المخدرات، وتحرشه ببناتها. وبالتالي تم انتاج فيلم جدير بالمشاهدة والمتعة رغم مرارة احداثه.

    اشتغلت كاميرا المخرجة كوثر بن هنية باسلوب وثائقي، لقطات موجهة الى شخوصها اللواتي تحدثن بتلقائية وبلا تعقيد، حتى ان المشاهد لم يستطع ان يفصل ما بين الممثلة والشخصية الحقيقية، بل تركتهن على سجيتهن ولم تحذف المفردات التي غالبا ما تعتقد الرقابة الجمعية انها مخدشة للحياء، وفي مشاهد اجتمعت فيها الفت مع الممثلة هند صبري، لم تتعمد فيها هند التفوق على الشخصية الاصلية بل بدت وكانها تتعلم منها اداء الشخصية، وساعد في تقريب الاحداث والشخوص من المشاهد اللهجة التونسية بعفويتها بالرغم من صعوبتها للمشاهد العربي المشرقي.

    ونستطيع القول بان بن هنية لجأت، من حيث تقصد ام لا، الى اسلوب التغريب المسرحي الذي ابدعه المخرج المسرحي الالماني بروتولد بريشت بهدم الجدار الرابع بين الممثل والمتلقي ومشاركة الحدث مع الجمهور، وجعل الأحداث المعروضة غريبة ومثيرة للدهشة، وهذا ما حصل مع اسلوب اخراج وتصوير فيلم"بنات ألفة".

    فيلم "بنات ألفة" (Four Daughters) للمخرجة كوثر بن هنية،إنتاج دولي مشترك بين فرنسا وتونس وألمانيا والمملكة العربية السعودية، وقد فاز مؤخرا بجائزة جوثام، بنسخته الـ 33، كأفضل فيلم وثائقي في المسابقة السنوية المخصصة للسينما المستقلة، حسب اعلان معهد جوثام للسينما والإعلام في حفل أقيم بمدينة نيويورك. وشارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي لعام 2023، وحصد العديد من الجوائز في المهرجان منها جائزة "العين الذهبية" التي تذهب للأفلام الوثائقية، وجائزة "السينما الإيجابية" التي تمنح للفيلم الطويل الأكثر إيجابية في قائمة الأفلام المرشحة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، كما حصل على تنويه خاص من لجنة الناقد فرنسوا شالي والتي تقدمها جمعية فرنسوا شالي على هامش المهرجان .

    كما مثل الفيلم تونس في جوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية في حفل الجوائز الذي اقيم في آذار 2024، ووصوله في النسخة 96 من المهرجان إلى القائمة القصيرة في فئة أفضل فيلم وثائقي طويل، ليصبح المنافس العربي الوحيد في هذه النسخة من جوائز الأوسكار. وهذا هو الفيلم الثاني للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي يتم ترشيحه للأوسكار، حيث سبق ورشح فيلمها "الرجل الذي باع ظهره" ووصل إلى القائمة القصيرة في ترشيحات الأوسكار بعد فوزه أيضا بالعديد من الجوائز العالمية.
يعمل...
X