ثلاثية خلدون الشمعة
طبعات جديدة لأعمال له صدرت في السبعينات
خلدون الشمعة
نُشر: 17:39-11 أغسطس 2024 م ـ 06 صفَر 1446 هـ
TT
20يحضر اسم الناقد السوري خلدون الشمعة بقوة، بمناسبة صدور طبعات جديدة من 3 أعمال نقدية له، سبق أن صدرت طبعاتها الأولى بدمشق في سبعينات القرن الماضي. صدرت الثلاثية حديثاً عن «دار المتوسط» بميلانو، وحملت العناوين التالية: «الشمس والعنقاء» و«النقد والحرية» و«المنهج والمصطلح»، هذه الثلاثية النقدية تسعى متضافرة إلى بلورة معالم مرحلة لعب فيها الشمعة دوراً تأسيسياً، أسهم في تطوير الجهاز المعرفي والمفاهيمي للنقد العربي الحديث.
حدث ذلك بالاستجابة لحافزَين؛ الأول: فحص واختبار وتفكيك أفكار سجالية أُثِيرت للتأكيد مجدداً على أن فاعلية هذه الأفكار ذات الطابع السجالي ليست معلّقة أو مؤجّلة الآن، بل ما زالت - في تقدير النقد العربي الراهن - بعيدة عن مرحلة الغلق (closure).
هذه الثلاثية التأسيسية الصادرة قبل زهاء نصف قرن ترمي، من بين أمور أخرى، إلى تصحيح وتبئير وتصويب المفاهيم المراوِغة المتحكِّمة بتجربة العلاقة بين الأدب والثورة في مثال الأدب العربي الحديث، وخصوصاً العلاقة بين الأدب والأيديولوجيا السياسية، هذه العلاقة التي يمكن وصفها بأنها علاقة ملتبسة. ويمكن إرجاع هذا الالتباس، حسب الناقد، إلى «هيمنة ضرب من النقد الشعاري المتخفّي وراء دعاوى العلمية، التي تنحدر بلا حذر، على علموية (Scientism) تزييف العلم والفن معاً». هذه الهيمنة ذات الطابع الشعاري، وربما الطابع الشعائري، وهذا هو الأصح، تنظر إلى إدراج الأدب تحت مظلة العسكريتاريا المهيمِنة، بوصف ذلك مسألة أيديولوجية مُلزِمة، ولكن الأعمال النقدية التي نحن بصددها تُحاجِج بالقول: إن هناك الفنان الذي يرى في الأيديولوجيا شيئاً عليه مناهضته، وربما تفنيد إلزامه، لحماية عمله الفني من فقدان جوهره الجمالي.
وهذا يعني تقييده بمتطلَّبات أيديولوجية، تستمد قوتها من هيمنة العسكريتاريا، وقد تحوَّلت إلى سلطة الأمر الواقع. وتبعاً لذلك تسعى ثلاثية الناقد خلدون الشمعة التأسيسية هذه إلى التأكيد على أن العمل الفني مناهِض بطبيعته للأيديولوجيا.
ما هي نقطة المحرق في هذه المناهضة؟ إنها «تكمن في محاولة تحطيم النظام القديم للأفكار باسم نظام جديد، وفضلاً عن ذلك يمكن القول إن الفن مناهِض للأيديولوجيا؛ لأن أحد جوانب طبيعته أنه يكشف نقاط ضعف وأخطاء الكائن البشري، عوضاً عن كونه يعكس نظاماً متّسقاً ومتماسكاً من الكمال».
إيضاحاً لما تعنيه الثلاثية النقدية بالعلاقة الملتبسة، يشبه الناقد الشمعة في توصيفه لها: «عقم الشعارية التي سيطرت على النقد العربي، وهي شعائرية لأنها مقدسة، وتشبه ساعة حائط، يذكر كيركغارد في معرض سخريته من القرن التاسع عشر أن بندولها ظل يُقرع عالياً، ولكن عقربَيها كانا عاجزين عن تحديد الوقت». وهي صورة تبدو اليوم، حسب الشمعة، أشد انطباقاً على مفهوم الثورة في الأدب العربي المعاصر منها على الفكر الأوروبي في القرن الماضي. ويتكشف ذلك، كما ينبه الناقد، باستعمالنا لمصطلحات على غرار الثورة والأيديولوجيا والالتزام الذي يعني الإلزام في جوهره التطبيقي، وتلك المصطلحات التي تقرع عالياً كساعة الحائط المعطوبة دون أن تحدد وقتاً أو تشير إلى معنى.
ويخلص خلدون الشمعة من ذلك إلى القول إن هذا المؤشر السجالي في ثلاثيته المبكرة ربما يكشف ما عنته من حيث تفعيل حراك نقد عربي مناهض لأصوليات القدامة والحداثة ذات النزوع الأيديولوجي والطابع المانوي.
الوصول إلى هذه النقطة، بالنسبة لمشروع الناقد خلدون الشمعة، وصول إلى الشعرية الحقيقية لا الشعرية المؤدلجة. وهذا الوصول يتجلى بوضوح في كتبه اللاحقة والصادرة في السنتين الأخيرتين كجزء متقدم من مشروعه النقدي، منها على سبيل المثال كتب: «المختلف والمؤتلف: تمثيلات المركز الغربي والهامش العربي وشيطنة الآخر»، وكتاب «كعب آخيل: النقد الثقافي والنقض المعرفي»، وكتابه الأحدث الصادر بالإنجليزية وعنوانه: «نظرية الأدب العربي الحديث: من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي»، والأخير يدرس، في جانب منه، علاقة الآداب الأخرى بالأدب العربي، فضلاً عن الخلاصات التي توصل إليها في بحث تأثير الأدب العربي على الآداب الأوروبية.
طبعات جديدة لأعمال له صدرت في السبعينات
خلدون الشمعة
- لندن: «الشرق الأوسط»
نُشر: 17:39-11 أغسطس 2024 م ـ 06 صفَر 1446 هـ
TT
20يحضر اسم الناقد السوري خلدون الشمعة بقوة، بمناسبة صدور طبعات جديدة من 3 أعمال نقدية له، سبق أن صدرت طبعاتها الأولى بدمشق في سبعينات القرن الماضي. صدرت الثلاثية حديثاً عن «دار المتوسط» بميلانو، وحملت العناوين التالية: «الشمس والعنقاء» و«النقد والحرية» و«المنهج والمصطلح»، هذه الثلاثية النقدية تسعى متضافرة إلى بلورة معالم مرحلة لعب فيها الشمعة دوراً تأسيسياً، أسهم في تطوير الجهاز المعرفي والمفاهيمي للنقد العربي الحديث.
حدث ذلك بالاستجابة لحافزَين؛ الأول: فحص واختبار وتفكيك أفكار سجالية أُثِيرت للتأكيد مجدداً على أن فاعلية هذه الأفكار ذات الطابع السجالي ليست معلّقة أو مؤجّلة الآن، بل ما زالت - في تقدير النقد العربي الراهن - بعيدة عن مرحلة الغلق (closure).
هذه الثلاثية التأسيسية الصادرة قبل زهاء نصف قرن ترمي، من بين أمور أخرى، إلى تصحيح وتبئير وتصويب المفاهيم المراوِغة المتحكِّمة بتجربة العلاقة بين الأدب والثورة في مثال الأدب العربي الحديث، وخصوصاً العلاقة بين الأدب والأيديولوجيا السياسية، هذه العلاقة التي يمكن وصفها بأنها علاقة ملتبسة. ويمكن إرجاع هذا الالتباس، حسب الناقد، إلى «هيمنة ضرب من النقد الشعاري المتخفّي وراء دعاوى العلمية، التي تنحدر بلا حذر، على علموية (Scientism) تزييف العلم والفن معاً». هذه الهيمنة ذات الطابع الشعاري، وربما الطابع الشعائري، وهذا هو الأصح، تنظر إلى إدراج الأدب تحت مظلة العسكريتاريا المهيمِنة، بوصف ذلك مسألة أيديولوجية مُلزِمة، ولكن الأعمال النقدية التي نحن بصددها تُحاجِج بالقول: إن هناك الفنان الذي يرى في الأيديولوجيا شيئاً عليه مناهضته، وربما تفنيد إلزامه، لحماية عمله الفني من فقدان جوهره الجمالي.
وهذا يعني تقييده بمتطلَّبات أيديولوجية، تستمد قوتها من هيمنة العسكريتاريا، وقد تحوَّلت إلى سلطة الأمر الواقع. وتبعاً لذلك تسعى ثلاثية الناقد خلدون الشمعة التأسيسية هذه إلى التأكيد على أن العمل الفني مناهِض بطبيعته للأيديولوجيا.
ما هي نقطة المحرق في هذه المناهضة؟ إنها «تكمن في محاولة تحطيم النظام القديم للأفكار باسم نظام جديد، وفضلاً عن ذلك يمكن القول إن الفن مناهِض للأيديولوجيا؛ لأن أحد جوانب طبيعته أنه يكشف نقاط ضعف وأخطاء الكائن البشري، عوضاً عن كونه يعكس نظاماً متّسقاً ومتماسكاً من الكمال».
إيضاحاً لما تعنيه الثلاثية النقدية بالعلاقة الملتبسة، يشبه الناقد الشمعة في توصيفه لها: «عقم الشعارية التي سيطرت على النقد العربي، وهي شعائرية لأنها مقدسة، وتشبه ساعة حائط، يذكر كيركغارد في معرض سخريته من القرن التاسع عشر أن بندولها ظل يُقرع عالياً، ولكن عقربَيها كانا عاجزين عن تحديد الوقت». وهي صورة تبدو اليوم، حسب الشمعة، أشد انطباقاً على مفهوم الثورة في الأدب العربي المعاصر منها على الفكر الأوروبي في القرن الماضي. ويتكشف ذلك، كما ينبه الناقد، باستعمالنا لمصطلحات على غرار الثورة والأيديولوجيا والالتزام الذي يعني الإلزام في جوهره التطبيقي، وتلك المصطلحات التي تقرع عالياً كساعة الحائط المعطوبة دون أن تحدد وقتاً أو تشير إلى معنى.
ويخلص خلدون الشمعة من ذلك إلى القول إن هذا المؤشر السجالي في ثلاثيته المبكرة ربما يكشف ما عنته من حيث تفعيل حراك نقد عربي مناهض لأصوليات القدامة والحداثة ذات النزوع الأيديولوجي والطابع المانوي.
الوصول إلى هذه النقطة، بالنسبة لمشروع الناقد خلدون الشمعة، وصول إلى الشعرية الحقيقية لا الشعرية المؤدلجة. وهذا الوصول يتجلى بوضوح في كتبه اللاحقة والصادرة في السنتين الأخيرتين كجزء متقدم من مشروعه النقدي، منها على سبيل المثال كتب: «المختلف والمؤتلف: تمثيلات المركز الغربي والهامش العربي وشيطنة الآخر»، وكتاب «كعب آخيل: النقد الثقافي والنقض المعرفي»، وكتابه الأحدث الصادر بالإنجليزية وعنوانه: «نظرية الأدب العربي الحديث: من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي»، والأخير يدرس، في جانب منه، علاقة الآداب الأخرى بالأدب العربي، فضلاً عن الخلاصات التي توصل إليها في بحث تأثير الأدب العربي على الآداب الأوروبية.