أفلام التجسس: تاريخ من المغامرات
منذ بداية تاريخ السينما تمكنت أفلام الجاسوسية من احتلال مكانها الخاص في قلوب المشاهدين والقائمين على هذه الصناعة على حد سواء. ويعتبر كثير من المعنيين أن أول فيلم حقيقي عن موضوعة التجسس صدر في عام 1935 بعنوان "الخطوات الـ 39 - The 39 steps" من إخراج ألفريد هيتشكوك وكان حسب رأي المختصين قمة في الشد والتشويق مع سلاسة كبيرة في سرد القصة. ويروي الفيلم قصة رجل من كندا يُدعى رتشارد هاناي يزور لندن ويتورط مع شبكة للتجسس بعد أن شهد تفاصيل حادثة قتل. وسرعان ما يتم اتهامه بالقتل فيهرب بينما تلاحقه الشرطة وشبكة الأشرار ثم ينتهي في ريف اسكتلندا حيث يلتقي امرأة تُدعى باميلا.
أهم ما يميز أفلام الجاسوسية هي المكائد والمخاطر الكبيرة التي تلاحق الشخصيات الرئيسية في الفيلم المرتبطة بدورها بقوى عالمية متنفذة. ومن الملاحظ أن أفلام الجاسوسية تعكس تماما الواقع السياسي والاجتماعي القائم في العالم منذ فترة السينما الصامتة حتى السينما الرقمية الحالية فهي تعبر عن طبيعة المناخ السياسي العالمي أو وضعه الظاهر على الأقل.
كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية أرضا خصبة لهذا النوع من الأفلام وهيأت لازدهار نوع ظل يتطور حتى يومنا هذا مع استكشاف قضايا مثل الخيانات والبطولات والمعضلات الأخلاقية التي يواجهها العملاء.
أما أفضل مناخات ازدهار هذا النوع من الأفلام فكانت الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وتوسع المعارك الإيديولوجية بين الطرفين والجهات التابعة لكل منهما وتزايد القلق من احتمال سقوط العالم في براثن حرب نووية.
تنقسم أفلام التجسس إلى أنواع عديدة ربما يكون أهمها أفلام التجسس الجادة ثم أفلام التجسس الاستعراضية. وضمن النوع الثاني يمكن وضع سلسلة أفلام جيمس بوند التي بدأت بفيلم "دكتور نو" في عام 1962. وتتميز هذه السلسلة بأجواء سحرية تحيط بأعمال التجسس وجمع المعلومات مع مطاردات ومغامرات غير واقعية في أغلب الأحيان وعمليات سرية تقودها شخصيات بأسماء وتاريخ غير حقيقيين وتجري الأحداث في أماكن غريبة ونائية أحيانا ولكنها سحرية، أغلبها يقع في أوربا، حيث تتعرض الشخصيات الرئيسية إلى خطر الموت أو انكشاف مهماتها الحقيقية. وفي هذا النوع من الأفلام تكنولوجيا متطورة أيضا مثل الكاميرات الخفية والأقلام المتفجرة ولاقطات صوت مخفية وفيها الكثير من الحركة والمعارك وإطلاق نار. وعادة ما يكون البطل الرئيسي في هذه الأفلام رجلا وسيما وأنيقا ذا شخصية جذابة وذكاء مفرط مع سرعة في البديهة وتظهر إلى جانبه امرأة فاتنة ومغرية ولكنها غامضة الشخصية وعادة ما تكون إما حليفة أو عدوة. وهناك أيضا شخص يقود كل العمليات وراء الكواليس ويعطي إرشاداته إلى البطل الرئيسي ثم هناك في المقابل شخصية شريرة وخصم ماكر لا يرحم لديه طموحات واسعة لبسط النفوذ والتحكم.
أما أفلام الجاسوسية الجادة فعادة ما تتناول الموضوع من وجهة نظر إنسانية وتطرح قضية أخلاقية وصراعا داخليا بين الواجب والمشاعر الإنسانية التي يشعر بها أي شخص سواء أكان عميلا سريا أم لا. أحد أهم الأفلام من هذا النوع فيلم "حيوات الآخرين- The lives of others" وهو فيلم ألماني من إنتاج 2006 حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في عام 2007.
بعد أن كانت فترة الحرب الباردة مناخا لاءم تماما ازدهار أفلام التجسس تغيرت الأمور بعد سقوط الاتحاد السوفيتي حيث ظهرت أفلام جديدة أصبحت تركز على الإرهاب وعلى التجسس الالكتروني وعدم الاستقرار العالمي وعلى الفساد مع استخدام مؤثرات تكنولوجية عديدة ومن أهم أفلام هذه الفئة سلسلة أفلام "هوية بورن" وكان أول إنتاج منها في عام 2002. وبعد تلك السنوات تطور ما يدعى بأفلام التجسس التاريخية مثل فيلم "عامل تصليح خياط جندي جاسوس - Tinker Tailor Soldier Spy" وفيلم "كنغزمان: الاستخبارات السرية - Kingsman: The secret service".
من الأفلام الأخرى التي لاقت نجاحا فيلم "ملف ايبكريس - The Ipcress File" من إنتاج عام 1965 وهو من الأفلام الجادة ومن بطولة مايكل كين ثم فيلم "الجاسوس الذي جاء من البرد - The Spy Who Came in from the Cold" إنتاج 1965 وهو من بطولة رتشارد بيرتون. هناك أيضا "3 أيام من الكوندور - Three Days of the Condor" من إنتاج 1975 وبطولة روبرت ريدفورد وفيلم "جسر الجواسيس - Bridge of Spies" إنتاج 2015 وبطولة توم هانكس.
أما أشهر من مثل أدوار الجاسوس والعميل في سلسلة جيمس بوند فهو شون كونري الذي خلق شخصية خاصة ظلت متسيدة في هذا النوع من الأفلام وتأثر بها كل من أدى هذا الدور لاحقا. تميز بعد كونري روجر مور الذي أضاف شيئا من الكوميديا إلى الدور ثم دانييل كريغ الذي طرح شخصية واقعية أكثر من سابقيه. أدى دور جيمس بوند ممثلون آخرون ولكن هؤلاء هم الأبرز.