بعيداً عن الجنة FAR FROM HEAVEN
من الممكن إدراج هذا الفيلم ضمن ما يمكن تسميتها ( قائمة أفلام الخيانة الزوجية ) ، ولكنه يتناول ( الخيانة الزوجية ) من زاوية هي غير ما اعتاده المجتمع في تاريخ هكذا خيانات يتم فيها تفضيل إمرأة ما على الزوجة سراً ، بل هي خيانة من نمط جديد على المجتمع ، خيانة باتت تخدش الحياء الإجتماعي بصورة عامة ، منذ منتصف القرن العشرين .. و إنْ كانت ضاربةً في القِدم سرّاّ .
يمثل فيلم ( بعيداً عن الجنة ) ــ واحداً من أفلام الدراما الإجتماعية المميزة التي أنتجت في العام 2002 ، و هذا التميز تؤكده جوائز ( اندبيندنت سبيرت ) للأفلام المستقلة التي كان قد حصدها : كجائزة أفضل فيلم ، و أفضل مخرج ، و أفضل ممثلة ، و أفضل ممثل ثانوي .. بل يؤكده أيضاً رسوخه في الذاكرة و حفاظه على دفئه و طراوته رغم مرور سنوات على انتاجه ، حتى ليبدو كما لو كان قد اُنتج اليوم ، مع أن أحداثه تدور في فترة بعيدة نسبياً هي مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي.
و تمثل هذه الفترة واحدة من أجمل و أخصب الفترات في العصر الحديث ، فترة تمثل حاضنة لأفكار مابعد الحرب العالمية الثانية التي كانت قد هزت الكيان الإنساني كله ، و تفردت أمريكا بكونها الحاضنة الأكبر لهذه الأفكار الخصيبة التي نضجت في الستينيات ، فيما بعد ، فطالت مجمل النشاطات الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية . و إذ كانت تلك الحاضنة تمور بأفكارها الجديدة الإنقلابية على كل القيم و الأعراف و الثوابت التي كانت تحد من حركة المجتمع و مُنتَجِهِ الثقافي و الفكري ، فإن الكثير من تلك الأفكار كانت ، حينها ، مكبوتة في الحاضنة بشكل أو بآخر . ولكنها كانت قد نبتت في كل الأحوال ، حتى جاءت فترة الستينيات لتتدفق تلك الحركة ، و لتترك بصماتها على العالم في كل الميادين ، ليتبلور هذا العالم على ما هو عليه اليوم .
السينما كانت أحد أبرز هذه الميادين ، أكان على مستوى تطورها التقني و مدارس الإخراج أو على مستوى الطروحات . لكن ثمة قضايا ما كانت السينما لتتجرأ على التطرق اليها . هذا الفيلم يتناول احداها ، و هي قضية ( المثلية ) ، و التي تدور حولها أحداثــُـهُ ، لا بطريقة معالجتها بل بالتطرق اليها من زاوية انعكاسها على الآخرين المرتبطين اجتماعياً بـ ( المثلي ) . ولكن لابد من الإشارة الى أنه سواء أطُرحت هذه القضية بطريقة سلسلة ، أو تم تمريرها ضمناً ، فهي تدخل ــ في النهاية ــ في سياق ما يمكن اعتباره إشاعة لثقافة جنسية جديدة تمثل ( المثلية ) أبرز عناوينها .. بما يوحي بأنها ثقافة متعمدة ، كما تؤكد ذلك التشريعات التي تنظم حياة المثليين و احتفالاتهم و حمايتهم في معظم دول أوروبا ، و تمرير ( ثقافة المثلية ) بأساليب ناعمة عبر مختلف الفعاليات .. بما فيها السياسية .
القضية الثانية التي لم ينس السيناريو ، الذي كتبه المخرج نفسه " تود هاينز " ، التطرق اليها بالتلميح ، أو بالتصريح احياناً ، هي قضية شراسة عنصرية البيض تجاه مواطنيهم الملونين في أمريكا الخمسينيات . هذه القضية الثانية هي التي تقع بطلة القصة ضحية قسوتها .. على الرغم من أنها امرأة بيضاء . و بالتأكيد فإن هاتين القضيتين قد طُويت صفحتاهما الآن بصورة كلية ( على المستوى الرسمي في الأقل ) فالقانون الأمريكي بات يحمي المثليين و يُجيز لهم التزاوج علناً ، أما العنصرية فقد كنسها فوز الرئيس الأسود ( أوباما ) في طريقه الى البيت الأبيض ، على الرغم من أنها عادت الى السطح من جديد مع وصول " رونالد ترامب " الى منصة الحكم و بثه الخطاب العنصري ، علناً أو ضمناً ، منذ حملته الإنتخابية الأولى . لذلك فإن الفيلم قد أختار فترة الخمسينيات باعتبارها تاريخاً ، كانت هاتان القضيتان تموران فيه ضمن ما كانت تمور به الحياة الإجتماعية والثقافية و السياسية في تلك الفترة.
تقدم المَشاهدُ الأولى للفيلم صورة عن عائلة متماسكة . هذا التماسك تقف وراءه امرأة مثالية حريصة على زوجها وأبنائها و بيتها ، هي " كاثي " ( جوليان مور ) ، بل و تعامل خادمة المنزل الزنجية " سايبل " ( ڤيولا ديڤيز ) بمودة و لطف . و هي ذات علاقة حميمية مع صديقاتها ، و الجميع على دراية بسمعة هذه الإمرأة الطيبة ، حتى أن ريبوتاجاً في احدى الصحف يقدمها باعتبارها امرأة مثالية في المجتمع . و تُظهر " كاثي " الكثير من الحرص و المودة لزوجها " فرانك " ( دينيس كويد ) ، الذي يظهر أنه كثير الإنشغال بـ ( عمله في مكتبه ) ... ولكن ذات ليلة ، فيما كانت الزوجة تتهيأ للخروج الى موعد مع صديقاتها ، يرنُ جرسُ الهاتف الذي يُعلمها طرفـُه الآخرُ من دائرة البوليس أنّ عليها الحضور لكي توقـّـع على تعهد بخصوص زوجها الذي وُجد متسكعاً . هذا الأمرُ ، غير المسبوق لديها ، تواجهه " كاثي " بهدوء و تحاول أن تتفهم الأمر و تساعد زوجها على تجاوزه . لكن في ليلة أخرى يرن جرس الهاتف أيضاً ، في وقت كانت الزوجة بانتظار زوجها على العشاء ، وهذه المرة سيكون هو على الطرف الآخر من الخط ، ليخبرها بأنه سيتأخر في مكتبه . لكن الحقيقة هي ان الرغبة كانت قد قادته الى البار ، و هو بار سيكتشف أن مرتاديه هم مجموعة من الشواذ ، و هم رواد ليليون ( خاصون ) ، بدليل أن صاحب البار قد طلب منه هويته قبل أن يسمح له بالدخول ، و في ذلك اشارة الى انه غريب على زبائنه ( الخاصين ) . و اذ يتأخر الزوج فإن زوجته تحمل الطعام الى مكتبه في ساعة متأخرة من الليل . هنا تصطدم ( و المُشاهِدُ أيضاً ) بمشهد صادم يقلب كل موازين حياتها ، حين تجد زوجها في حالة عناق و تقبيل جنسي ساخن مع رجل آخر . و كان قد اصطاده من البار ، حيث كانا يتبادلان النظرات.
في المنزل ، إذ يلحق بزوجته المصدومة ، يعترف لها بأنه يعاني من مشكلة ( المثلية ) منذ زمن بعيد ، و أن الرجل الذي رأته معه لم يكن الأول . مرة أخرى تحاول " كاثي " أن تتفهم الأمر ، على الرغم من أنه صادم نفسياً و عائلياً و
مجتمعياً . فتقترح عليه اصطحابه لمراجعة طبيب ، فيوافق . و يؤكد هو للطبيب أنه لن يسمح لهذه المشكلة أن تؤثر على حياته العائلية .. ولكنه في النهاية يتبع غريزته و يسمح بذلك التأثير .
والواقع أن ثمة تلمحيات و اشارات تظهر مترافقة مع تصرفات " فرانك " ، قد لا ينتبه اليها المشاهد أولَ الأمر ، لكنه سيجد فيما بعد رابطاً بينها و بين ما يجري ، من ذلك ــ مثلاً ــ امتعاض الإبن " ديڤيد " من تصرف أبيه عندما يتصل بزوجته مخبراً اياها بتأخره في مكتبه ، فيعلق بالقول : أن ( أبي ماعاد يحب العودة الى المنزل ) . و عندما تجتمع صديقات " كاثي " في منزلها و يدور الحديث عن عدد مرات ممارسة الجنس بين الأزواج في الأسبوع ، تجد " كاثي " نفسها في عالم آخر غير ما يتحدثن عنه ، ما يفضح حرمانها من هذه المتعة . و عندما ترى ، ذات مرة ، رجلاً و امرأة يقبلان بعضهما في حديقة عامة تقبيلاً ساخناً ، تظهر على وجهها امارات الحرمان و الشوق الى هكذا حميمية مفتقدة لديها مع زوجها . و بالترافق مع ذلك تجد نفسها ، لاإرادياً ، في حاجة الى مأوى عاطفي و لمسة حنان من رجل ، و هذا ما تعثر عليه لدى " دايمن " ( دينيس هايزبرت ) البستاني الأسود اللطيف ، الذي يعرّفها بنفسه بأنه ابن البستاني العجوز الذي توفي ، و قد جاء ليحل محله ، فتجد لديه اللطف و الرجولة منذ اللحظة الأولى . على أن معرفتها تتعمق بالرجل عندما تلتقيه في معرض للفن الحديث الذي تكتشف أنه ملم به حين يحدثها عن لوحة معروضة للفنان الإسپاني " خوان ميرو " ، هذا اللقاء سيُقابَل بنظرة غضب حاقدة من امرأة بيضاء من زوار المعرض . هنا تبدأ مشكلة " كاثي " الثانية ، و هي العنصرية . هذه العنصرية تنمو أمامها مع تعمق علاقتها ( التعويضية ) مع " رايمن " ، الذي يضطر لاحقاً الى مغادرة المدينة بعد تعرض ابنته الى اعتداء عنصري بسبب هذه العلاقة التي لم تتعد في حقيقتها حدود اللقاءات العادية بين أي صديقين .. ولكن المشكلة في الخمسينيات كانت تتمثل في أنه كان هو أسوداً و هي بيضاء . . و بذلك تقع " كاثي " بين فكّي ( مثلية ) زوجها التي تقودهما الى الطلاق ، فيذهب هو للعيش مع عشيقه ، و بين ( العنصرية ) التي تسد عليها طريق التعويض ، فتنكفئ على بيتها و طفليها دون أن يعرف أحدٌ حجم الإنكسار الذي صدّع حياتها و أملـَـها العائلي ، خصوصاً بعد أن رحلَ صديقـُـها الأسودُ العذب " دايمن " الذي تعرض الى ضغط عنصري في المدينة .
اختار المخرج موسم الخريف ( ظرفاً زمانياً ) للحدث ، و كأنه أراد الإيحاء بخريف العلاقة الزوجية أو خريف السعادة التي انتهت بتصدع أسرة مثالية ، و اختار أيضاً مدينة افقية مفتوحة ( ظرفاً مكانياً ) ، في ايحاء بالإنفتاح على كثير من الإحتمالات و المتغيرات في حياة المجتمع الأمريكي في الخمسينيات .
وفي هذا الفيلم تألقت ( جوليان مور ) بصورة فائقة ، تفوقت فيه على كل ادوارها في أفلامها السابقة ، و أحسب أنه لا يستطيع مشاهد أفلامها اللاحقة أن يتخلص من ذكرى أدائها البارع في فيلم ( بعيداً عن الجنة ) . و من الطريف ، انه قد اسند اليها في فيلم لاحق دور امرأة ( مثلية ) تقيم علاقة مع جارتها .. و ليست ( مثالية ) هذه المرة ، ذلك هو فيلم ( كلوي Chloe ) من إنتاج عام 2009 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
من الممكن إدراج هذا الفيلم ضمن ما يمكن تسميتها ( قائمة أفلام الخيانة الزوجية ) ، ولكنه يتناول ( الخيانة الزوجية ) من زاوية هي غير ما اعتاده المجتمع في تاريخ هكذا خيانات يتم فيها تفضيل إمرأة ما على الزوجة سراً ، بل هي خيانة من نمط جديد على المجتمع ، خيانة باتت تخدش الحياء الإجتماعي بصورة عامة ، منذ منتصف القرن العشرين .. و إنْ كانت ضاربةً في القِدم سرّاّ .
يمثل فيلم ( بعيداً عن الجنة ) ــ واحداً من أفلام الدراما الإجتماعية المميزة التي أنتجت في العام 2002 ، و هذا التميز تؤكده جوائز ( اندبيندنت سبيرت ) للأفلام المستقلة التي كان قد حصدها : كجائزة أفضل فيلم ، و أفضل مخرج ، و أفضل ممثلة ، و أفضل ممثل ثانوي .. بل يؤكده أيضاً رسوخه في الذاكرة و حفاظه على دفئه و طراوته رغم مرور سنوات على انتاجه ، حتى ليبدو كما لو كان قد اُنتج اليوم ، مع أن أحداثه تدور في فترة بعيدة نسبياً هي مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي.
و تمثل هذه الفترة واحدة من أجمل و أخصب الفترات في العصر الحديث ، فترة تمثل حاضنة لأفكار مابعد الحرب العالمية الثانية التي كانت قد هزت الكيان الإنساني كله ، و تفردت أمريكا بكونها الحاضنة الأكبر لهذه الأفكار الخصيبة التي نضجت في الستينيات ، فيما بعد ، فطالت مجمل النشاطات الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية . و إذ كانت تلك الحاضنة تمور بأفكارها الجديدة الإنقلابية على كل القيم و الأعراف و الثوابت التي كانت تحد من حركة المجتمع و مُنتَجِهِ الثقافي و الفكري ، فإن الكثير من تلك الأفكار كانت ، حينها ، مكبوتة في الحاضنة بشكل أو بآخر . ولكنها كانت قد نبتت في كل الأحوال ، حتى جاءت فترة الستينيات لتتدفق تلك الحركة ، و لتترك بصماتها على العالم في كل الميادين ، ليتبلور هذا العالم على ما هو عليه اليوم .
السينما كانت أحد أبرز هذه الميادين ، أكان على مستوى تطورها التقني و مدارس الإخراج أو على مستوى الطروحات . لكن ثمة قضايا ما كانت السينما لتتجرأ على التطرق اليها . هذا الفيلم يتناول احداها ، و هي قضية ( المثلية ) ، و التي تدور حولها أحداثــُـهُ ، لا بطريقة معالجتها بل بالتطرق اليها من زاوية انعكاسها على الآخرين المرتبطين اجتماعياً بـ ( المثلي ) . ولكن لابد من الإشارة الى أنه سواء أطُرحت هذه القضية بطريقة سلسلة ، أو تم تمريرها ضمناً ، فهي تدخل ــ في النهاية ــ في سياق ما يمكن اعتباره إشاعة لثقافة جنسية جديدة تمثل ( المثلية ) أبرز عناوينها .. بما يوحي بأنها ثقافة متعمدة ، كما تؤكد ذلك التشريعات التي تنظم حياة المثليين و احتفالاتهم و حمايتهم في معظم دول أوروبا ، و تمرير ( ثقافة المثلية ) بأساليب ناعمة عبر مختلف الفعاليات .. بما فيها السياسية .
القضية الثانية التي لم ينس السيناريو ، الذي كتبه المخرج نفسه " تود هاينز " ، التطرق اليها بالتلميح ، أو بالتصريح احياناً ، هي قضية شراسة عنصرية البيض تجاه مواطنيهم الملونين في أمريكا الخمسينيات . هذه القضية الثانية هي التي تقع بطلة القصة ضحية قسوتها .. على الرغم من أنها امرأة بيضاء . و بالتأكيد فإن هاتين القضيتين قد طُويت صفحتاهما الآن بصورة كلية ( على المستوى الرسمي في الأقل ) فالقانون الأمريكي بات يحمي المثليين و يُجيز لهم التزاوج علناً ، أما العنصرية فقد كنسها فوز الرئيس الأسود ( أوباما ) في طريقه الى البيت الأبيض ، على الرغم من أنها عادت الى السطح من جديد مع وصول " رونالد ترامب " الى منصة الحكم و بثه الخطاب العنصري ، علناً أو ضمناً ، منذ حملته الإنتخابية الأولى . لذلك فإن الفيلم قد أختار فترة الخمسينيات باعتبارها تاريخاً ، كانت هاتان القضيتان تموران فيه ضمن ما كانت تمور به الحياة الإجتماعية والثقافية و السياسية في تلك الفترة.
تقدم المَشاهدُ الأولى للفيلم صورة عن عائلة متماسكة . هذا التماسك تقف وراءه امرأة مثالية حريصة على زوجها وأبنائها و بيتها ، هي " كاثي " ( جوليان مور ) ، بل و تعامل خادمة المنزل الزنجية " سايبل " ( ڤيولا ديڤيز ) بمودة و لطف . و هي ذات علاقة حميمية مع صديقاتها ، و الجميع على دراية بسمعة هذه الإمرأة الطيبة ، حتى أن ريبوتاجاً في احدى الصحف يقدمها باعتبارها امرأة مثالية في المجتمع . و تُظهر " كاثي " الكثير من الحرص و المودة لزوجها " فرانك " ( دينيس كويد ) ، الذي يظهر أنه كثير الإنشغال بـ ( عمله في مكتبه ) ... ولكن ذات ليلة ، فيما كانت الزوجة تتهيأ للخروج الى موعد مع صديقاتها ، يرنُ جرسُ الهاتف الذي يُعلمها طرفـُه الآخرُ من دائرة البوليس أنّ عليها الحضور لكي توقـّـع على تعهد بخصوص زوجها الذي وُجد متسكعاً . هذا الأمرُ ، غير المسبوق لديها ، تواجهه " كاثي " بهدوء و تحاول أن تتفهم الأمر و تساعد زوجها على تجاوزه . لكن في ليلة أخرى يرن جرس الهاتف أيضاً ، في وقت كانت الزوجة بانتظار زوجها على العشاء ، وهذه المرة سيكون هو على الطرف الآخر من الخط ، ليخبرها بأنه سيتأخر في مكتبه . لكن الحقيقة هي ان الرغبة كانت قد قادته الى البار ، و هو بار سيكتشف أن مرتاديه هم مجموعة من الشواذ ، و هم رواد ليليون ( خاصون ) ، بدليل أن صاحب البار قد طلب منه هويته قبل أن يسمح له بالدخول ، و في ذلك اشارة الى انه غريب على زبائنه ( الخاصين ) . و اذ يتأخر الزوج فإن زوجته تحمل الطعام الى مكتبه في ساعة متأخرة من الليل . هنا تصطدم ( و المُشاهِدُ أيضاً ) بمشهد صادم يقلب كل موازين حياتها ، حين تجد زوجها في حالة عناق و تقبيل جنسي ساخن مع رجل آخر . و كان قد اصطاده من البار ، حيث كانا يتبادلان النظرات.
في المنزل ، إذ يلحق بزوجته المصدومة ، يعترف لها بأنه يعاني من مشكلة ( المثلية ) منذ زمن بعيد ، و أن الرجل الذي رأته معه لم يكن الأول . مرة أخرى تحاول " كاثي " أن تتفهم الأمر ، على الرغم من أنه صادم نفسياً و عائلياً و
مجتمعياً . فتقترح عليه اصطحابه لمراجعة طبيب ، فيوافق . و يؤكد هو للطبيب أنه لن يسمح لهذه المشكلة أن تؤثر على حياته العائلية .. ولكنه في النهاية يتبع غريزته و يسمح بذلك التأثير .
والواقع أن ثمة تلمحيات و اشارات تظهر مترافقة مع تصرفات " فرانك " ، قد لا ينتبه اليها المشاهد أولَ الأمر ، لكنه سيجد فيما بعد رابطاً بينها و بين ما يجري ، من ذلك ــ مثلاً ــ امتعاض الإبن " ديڤيد " من تصرف أبيه عندما يتصل بزوجته مخبراً اياها بتأخره في مكتبه ، فيعلق بالقول : أن ( أبي ماعاد يحب العودة الى المنزل ) . و عندما تجتمع صديقات " كاثي " في منزلها و يدور الحديث عن عدد مرات ممارسة الجنس بين الأزواج في الأسبوع ، تجد " كاثي " نفسها في عالم آخر غير ما يتحدثن عنه ، ما يفضح حرمانها من هذه المتعة . و عندما ترى ، ذات مرة ، رجلاً و امرأة يقبلان بعضهما في حديقة عامة تقبيلاً ساخناً ، تظهر على وجهها امارات الحرمان و الشوق الى هكذا حميمية مفتقدة لديها مع زوجها . و بالترافق مع ذلك تجد نفسها ، لاإرادياً ، في حاجة الى مأوى عاطفي و لمسة حنان من رجل ، و هذا ما تعثر عليه لدى " دايمن " ( دينيس هايزبرت ) البستاني الأسود اللطيف ، الذي يعرّفها بنفسه بأنه ابن البستاني العجوز الذي توفي ، و قد جاء ليحل محله ، فتجد لديه اللطف و الرجولة منذ اللحظة الأولى . على أن معرفتها تتعمق بالرجل عندما تلتقيه في معرض للفن الحديث الذي تكتشف أنه ملم به حين يحدثها عن لوحة معروضة للفنان الإسپاني " خوان ميرو " ، هذا اللقاء سيُقابَل بنظرة غضب حاقدة من امرأة بيضاء من زوار المعرض . هنا تبدأ مشكلة " كاثي " الثانية ، و هي العنصرية . هذه العنصرية تنمو أمامها مع تعمق علاقتها ( التعويضية ) مع " رايمن " ، الذي يضطر لاحقاً الى مغادرة المدينة بعد تعرض ابنته الى اعتداء عنصري بسبب هذه العلاقة التي لم تتعد في حقيقتها حدود اللقاءات العادية بين أي صديقين .. ولكن المشكلة في الخمسينيات كانت تتمثل في أنه كان هو أسوداً و هي بيضاء . . و بذلك تقع " كاثي " بين فكّي ( مثلية ) زوجها التي تقودهما الى الطلاق ، فيذهب هو للعيش مع عشيقه ، و بين ( العنصرية ) التي تسد عليها طريق التعويض ، فتنكفئ على بيتها و طفليها دون أن يعرف أحدٌ حجم الإنكسار الذي صدّع حياتها و أملـَـها العائلي ، خصوصاً بعد أن رحلَ صديقـُـها الأسودُ العذب " دايمن " الذي تعرض الى ضغط عنصري في المدينة .
اختار المخرج موسم الخريف ( ظرفاً زمانياً ) للحدث ، و كأنه أراد الإيحاء بخريف العلاقة الزوجية أو خريف السعادة التي انتهت بتصدع أسرة مثالية ، و اختار أيضاً مدينة افقية مفتوحة ( ظرفاً مكانياً ) ، في ايحاء بالإنفتاح على كثير من الإحتمالات و المتغيرات في حياة المجتمع الأمريكي في الخمسينيات .
وفي هذا الفيلم تألقت ( جوليان مور ) بصورة فائقة ، تفوقت فيه على كل ادوارها في أفلامها السابقة ، و أحسب أنه لا يستطيع مشاهد أفلامها اللاحقة أن يتخلص من ذكرى أدائها البارع في فيلم ( بعيداً عن الجنة ) . و من الطريف ، انه قد اسند اليها في فيلم لاحق دور امرأة ( مثلية ) تقيم علاقة مع جارتها .. و ليست ( مثالية ) هذه المرة ، ذلك هو فيلم ( كلوي Chloe ) من إنتاج عام 2009 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ