Daad Deeb مع Daad Deeb.
مادتي في الشبكة العراقية بالعدد 404
ظلال الأدب العالمي في المنجز السردي العربي
دعد ديب
ما من نتاج فكري أو أدبي ينمو بشكل منفصل أو أحادي، وقل أن ينجو من آثار مبدعين ومفكرين أوائل ورواد سبقوه في التطرق لنص أو فكرة أو مشهد أو تصور ما يقارب أو يشابه أو يمت بصلة أو رابطة لما يقدموه أو يبدعون فيه بوقت لاحق، الأمر الذي يتموج بين التأثر إلى الاقتباس أو التناص أو الاستعارة أو نسج على نسج، درج ذلك في معارضة القصائد الشهيرة والمعلقات في الشكل والمضمون حسب رؤية كل شاعر وأسلوبه، ونفس الموضوع يشمل الأعمال الروائية وهو الأمر الذي ازداد انتشارًا في زمننا الحالي، فنلاحظ ذلك التأثر والمشابهة والنسج في نصوص سردية عربية على غرار أعمال عالمية أخذت شأوًا كبيرًا في زمن ما ونالت حظها من الانتشار والشهرة وخاصة ما عرف منها بكلاسيكيات الأدب الغربي، الأمر الذي يضع هذه المثاقفة موضوعًا للتأمل والبحث عن أوجه التلاقي والاختلاف بين الأصل والظل، حاولنا رصد ذلك في ثلاث نماذج تم اختيارها وهي: "لوليتا" فلاديمير نابوكوف مع "أصابع لوليتا" لواسيني الاعرج و"دون كيشوت" لميغيل دي ثربانتس مع "هنا الوردة" لأمجد ناصر و "فرنكشتاين" ماري شيلي مع "فرنكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي.
لا يغيب عن البال أن في هذا التناص أو المشابهة مع الأدب العالمي يتوارى فيها استعارة الأضواء من الأصل تلك التي لمعت إبان صدورها، فالمفارقة التي وضعها الأميركي من أصل روسي "فلاديمير ناباكوف" في نصه"لوليتا" الصادرة عام 1955 العمل الذي تم تجسيده بالمسرح والسينما رغم الرفض والضجة التي أثيرت حوله في أيامه نظرًا لحالة التعلق المرضي لرجل في خمسينيات عمره بمراهقة يافعة والهوس الذي شغله بتفاصيلها وتكوينها والأحابيل التي اختلقها كي يبقيها إلى جواره مستغلًا طفولتها وبراءتها وعدم وجود معيل لها سواه ونشاز البعد الأخلاقي لها الفعل، مما جعلنا نرجع أسبابه ونحلل ما وراء السلوك الغير طبيعي إلى الذاكرة البعيدة التي استقرت في أعماقه، حيث ارتبط لاوعيه بعشقه الأول لفتاة بهذا العمر من أيام شبابه وبقيت تلح عليه و تحرك أعماقه رغم تقدمه بالسن، هذه الفكرة لم يقابلها تعلق مماثل في رواية واسيني الأعرج "أصابع لوليتا" الصادرة عام 2014عن دار الآداب للنشر والتوزيع ببيروت، فقد حرص صاحب طوق الياسمين أن تكون لوليتا بطلته أكبر عمرًا من نظيرتها لدى نابوكوف وهي إلى ذلك متعلقة الإحساس ببطل العمل أي الكاتب المشهور ذو التجربة الأدبية العريضة رغم فرق العمر بينهما، مما يرضي النرجسية الذكورية، فهي إذن حالة عشقية متوازنة وعلى الرغم من كونها صبية في مقتبل العمر ولكنها مثقفة وقارئة نهمة لروايات البطل الكاتب، وبالتالي العلاقة خالية من الاستغلال العاطفي والجنسي حتى وإن كانت غير مرغوب بها في العام، وهذا القبول من الطرفين أفقد الأمر صفة الغرابة وعدم الانسجام التي رأيناه عند لوليتا ناباكوف الرواية التي أشعلت الرأي العام ضدها بين مؤيد ومعارض، أما اشتغال الأردني أمجد ناصر في روايته "هنا الوردة" الصادرة عن دار الآداب لعام 2017على التوازي مع رائعة ميغيل ثربانتس"دون كيشوت" والمعروفة عالميًا باسم "دون كيخوته" فكان بنسج مغاير وبصورة غير مباشرة وإن حمل العمل معنى مقاربًا في بعض نواحيه فبطله الذي يحمل رواية ثربانتس ويتأبطها في رواحه ومجيئه تحمل معنى مضمرًا في تشابه الأحوال التي تعترض حركته في رحلة النفي عن موطنه بعد تاريخ من مقارعة السلطات الملكية الحاكمة وفق نمط الثوري الكلاسيكي في العمل السياسي السري وطموح التغيير الذي ساد في زمن ما والذي ينحدر مصيره ليكون مآله في عالم اليوم؛ عالم القوة المتغولة والعارية؛ إلى السقوط والفشل، ويغلب يقينه في قرارة نفسه بأنه مهزوم لا محالة في خضم ذلك التيار الذي يجرفه، مع ذلك يستمر في طريقه في مقارعة طواحين الهواء كفكرة برع ثربانتس في دون كيشوت في تخليد رمزيتها، ولكن صاحب "حيث لا تسقط الأمطار" ترك لنا الألم الممض نتيجة انعدام فسحة الأمل عند بطله وجسده الواقف على تخوم البلاد مشطورًا بين روحه الموجوعة التي تنزع إلى الرجوع لموطنه وجسده الذي يحاول الهروب منه، بينما يستمر ميغيل ثربانتس وصلنا بخيط السخرية الذي يمتد على مساحة العمل كله وامتد حتى وصل لعصرنا الحالي، لذا كانت استعارة ناصر مضمرة ورمزية ومخالفة لا تعمد التطابق إلا في تعالق المعنى في عبثية النضال في هذا الزمن الذي اختلطت معاييره وخصومه وأدواته.
أحمد السعداوي في روايته "فرنكشتاين في بغداد" والتي حازت على جائزة البوكر للرواية العربية لعام 2014، فقد استعار من رواية "فرنكشتاين" لماري شيلي عنوانها وزاد عليه بمحلية التسمية في المكان الذي يقصده فكانت "فرنكشتاين في بغداد" فذلك الكائن المسخ المشوه الذي تشكل من تجميع أشلاء الضحايا، فمسببات هذا الشوه الإنساني تخلق كائنًا مشوهًا شكلًا ومضمونًا يتغذى وينمو على جثث الضحايا كي يستمر بالحياة وهنا المفارقة الضحية تطلب المزيد من الضحايا، وهذا المخلوق يرتد على من صنعوه بالمزيد من القتل والموت، بمحاكاة فكرة شيلي إذ أن ذلك المخلوق يرتد بالانتقام والانتهاك والأذية على خالقه ذاته وعلى من أوجده مطاردًا إياه بلا هوادة حتى يؤرق مضجعه ويشل وجوده، وان كانت شيلي تومي بقصديتها على تورية محنة من يتجرأ على محاكاة الإله بفعل الخلق، فإن السعداوي يصرح بما لا يدعو للشك بأن من تسببوا بخلق جحافل الضحايا من دول وأنظمة سترتد عليهم وسيتمرد المخلوق على من أوجدوه بذات العنف والدموية المرعبة فالعنف يولد العنف والجريمة تقود إلى جريمة أخرى .
لعل في هذا الاقتراب من الآداب العالمية سعي لإيصال همومنا ومشكلات واقعنا إلى العالم بمحاكاة أعماله أو اقتباس فكرتها أو نسج على منوالها ولكل أسلوبه طبعًا أو ربما هو نوع من التناص وفق رأي رولان بارت "ما من نص أصيل بالمطلق" إذ ما من كلام إلا ويبنى على كلام سابق له، وما من حكاية إلا وتظهر آثارها في من سبقها شفاهية كانت أم تدوينية كنوع من التبادل والتلاقح الثقافي بين الأمم فنصوص ألف ليلة وليلة لازالت الآداب الأجنبية تستقي منها وتنهل من روافدها لغاية الزمن الحاضر، وقيل الكثير عن استفادة دانتي أليغييري في ملحمته "الكوميديا الإلهية" من "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري وان كانت غير مؤكدة ، ولكن الذاكرة الإنسانية تحتفظ في جعبتها بإرث الشعوب مجتمعة والكل ينهل من ينبوعها الثري المستمر والدفاق.
نزار ديب، Asef Jamol
- د.زياد العوف
توصيف وتحليل موضوعيّ ورصين .
مع تقديري...