النظرية النقدية الحديثة _ج اول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النظرية النقدية الحديثة _ج اول

    النظرية النقدية الحديثة _ج١

    الأدب بطبيعته ينزع إلى الحرية المطلقة و التجديد، واكتشاف آفاق جديدة يحلق فيها و يعبر عنها، والنقد على العكس من ذلك إنه محافظ مقيد، يقف عند حدود دراسة الأعمال الأدبية بقصد الكشف عما فيها من مواطن القوة والضعف، والحسن و القبح،و إصدار الأحكام عليها و تذوق مناحيها الجمالية .
    1- النقد لغة:
    لم ترد كلمة "النقد" في القرآن الكريم،و لكنها وردت في الحديث الشريف، ومعاجم اللغة و من معانيها:
    -النقد:خلاف النسيئة،أي:النقود.ورد في الحديث الشريف أن زيد بن أرقم والبراء بن عازم كان قد اشتريا فضة بنقد و نسيئة،فبلغ النبي(ص) فأمرهما:"أن ما كان بنقد فأجيزوه و ما كان بنسيئة فردوه".
    - ويقال النقدان:الذهب و الفضة.
    - والنقد:تمييز صحيح الدراهم و إخراج الزيف منها،كالتنقاد والتنقد،و قد نقدها ينقدها نقدا وانتقدها، وتنقدها،إذا ميز جيدها من رديئها.أنشد سيبويه بيتا للفرزدق في وصف الناقة:
    تنفي يداها الحصى في كل هاجرة***نفي الدنانير تنقاد الصياريف
    - و النقد من نقد الشيء ينقده نقدا إذا نقره بإصبعه كما تنقر الجوزة.
    - و النقد من ناقدت فلانا إذا ناقشته في الأمر.
    - و النقد بمعنى العيب.ورد ذلك في حديث أبي الدرداء الذي يقول فيه "إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك" و معنى نقدتهم أي عبتهم واغتبتهم.
    إذن فقد ظل معنى كلمة (نقد) يدور في مفهومه حول نقد الدراهم،وتمييز جيدها من رديئها،ثم نجد مفهوما آخر انتقل من تمييز الدراهم إلى الطعام وذلك عن طريق انتقائه و اختياره.
    لقد استخدمت لفظة(النقد) بالاستعمالين الآتيين:
    - تمييز الجيد من الرديء.
    - إظهار العيب و المساوئ.
    ثم أخد الشعراء يرددون مفهوم النقد في أشعارهم،فهذا أحدهم يقول:
    إنَّ نقد الدينار على الصي***رف صعبٌ فكيف نقد الكلام
    و هذا آخر يقول:
    رب شعر نقدته مثلما ين *** قد رأس الصيارف الدينارا
    النقد اصطلاحا:
    لعل المعنى اللغوي الأول أنسب المعاني و أَلْيَقِها بالمراد من كلمة "النقد" في الاصطلاح الحديث من ناحية،و في اصطلاح أكثر المتقدمين من ناحية أخرى.ففيه معنى الفحص والموازنة و التمييز و الحكم.
    يحاول قدامة بن جعفر( ت337ه) في كتابه" نقد الشعر" تحديد مفهوم النقد في مقدمة الكتاب فيقول "و لم أجد أحدا وضع في نقد الشعر و تخليص جيده من رديئه كتابا، وكان الكلام عندي في هذا القسم أولى بالشعر من سائر الأقسام".
    و يوضح الصولي(ت335ه) مفهوم النقد حين يعلق على البحتري فيقول: "هذا شاعر حاذق مميز ناقد،مهذب الألفاظ".
    و إذا استعرضنا جملة الأخبار السابقة تبين لنا أن نقد الشعر و تمييزه قد أصبح واضح المعالم في القرن الثالث.لقد وقف النقاد عند لفظة "نقد" محاولين تعريفها تعريفا اصطلاحيا، وجميع هذه المحاولات اختلفت لفظا واتفقت معنى.من ذلك مثلا:
    -النقد دراسة الأشياء و تفسيرها و تحليلها و موازنتها بغيرها المشابهة لها أوالمقابلة،ثم الحكم عليها ببيان قيمتها و درجتها. أو هو التقدير الصحيح لأي أثر فني و بيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه.
    -و النقد في أدق معانيه هو فن دراسة الأساليب و تمييزها و ذلك على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناها الواسع، وهو منحى الكاتب العام،و طريقته في التأليف، والتعبير والتفكير والإحساس على السواء.
    -أو هو مجموعة الأساليب المتبعة(مع اختلافها باختلاف النقاد) لفحص الآثار الأدبية والمؤلفين القدامى والمحدثين بقصد كشف الغامض و تفسير النص الأدبي و الإدلاء بحكم عليه في ضوء مبادئ أو مناهج بحث يختص بها النقاد.
    الأدب لغة:
    في لسان العرب أصل الأدب الدعاء، و منه قيل للصنيع يدعى إليه الناس مدعاة ومأدبة. والأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس،سمي أدبا لأنه يؤدب الناس إلى المحامد و ينهاهم من المقابح،و في الحديث عن ابن مسعود" إن هذا القرآن مأدبة الله في الأرض فتعلموا من مأدبته".وتأويل الحديث أنه شبه القرآن بصنيع صنعة الله للناس،لهم فيه خير ومنافع،ثم دعاهم إليه.
    والأدب الظرف و حسن التناول. وأدّبه: علّمه فتأدب: و الأدب –بالفتح- العجب، وأدب البحر كثرة مائه.و الذي يفهم من هذا أن المادة ترجع إلى "الأدب" وهو الدعوة إلى الولائم ومنه أخذ مصطلح "الأدب" إذ كان داعيا على المحامد والفضائل.
    الأدب اصطلاحا:
    و كلمة "أدب" من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة الأمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار المدنية و الحضارة. و قد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي يتبادر إلى أذهاننا اليوم، وهو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف السامعين سواء أكان شعرا أم نثرا.
    هو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين،سواء أكان شعرا أم نثرا،و هو في أدق معانيه:الصياغة الفنية لتجربة إنسانية.
    علاقة الأدب بالنقد:
    يبدأ النقد وظيفته بعد الفراغ من إنشاء الأدب،فالنقد يفرض أن الأدب قد وجد فعلا ثم يتقدم لفهمه وتفسيره و تحليله و تقديره،و الحكم عليه بهذه الملكة التي تكون لملاحظاتها قيمة و أثر في النص والقارئ و المبدع.
    ومن الناحية التاريخية نرى أن الأدب أسبق إلى الوجود من النقد،و هذا يعني أن الشاعر الأول قد سبق إلى الوجود الناقد الأول، أيّا كانت طبيعة هذا النقد من انطباعية تأثرية أو علمية دقيقة.والأدب يتصل بالطبيعة اتصالا مباشرا،على حين يراها النقد من خلال الأعمال الأدبية التي ينقدها.ثم إن الأدب ذاتي من حيث إنه تعبير عما يحسه الأديب و عما يجيش في صدره من فكرة أو خاطرة أو عاطفة.أما النقد فذاتي موضوعي:فهو ذاتي من حيث تأثره بثقافة الناقد و ذوقه ومزاجه و وجهة نظره.و هو موضوعي من جهة أنه مقيد بنظريات وأصول علمية.
    فالأدب أسبق إلى الوجود من النقد،و هذا يعني أن الشاعر الأول قد سبق إلى الوجود الناقد الأول سواء كان نقده سلبيا يقف عند تذوق الشعر فحسب،أو إيجابيا يتجاوز ذلك إلى التعبير عن انطباعاته و التعليل لها. وإذا كان الأدب يتصل بالطبيعة اتصالا مباشرا.و النقد يراها من خلال الأعمال الأدبية التي ينقدها.
    مؤهلات الناقد:
    النقد في ذاته قديم قدم الإنسان الذي خلق نزاعا إلى الكمال، و من ثم منقادا بطبعه إلى إدراك ما في الأشياء من وجوه كمال يستريح إليها،و وجوه نقص يسعى إلى كمالها.
    ولا بد للناقد أن يتسلح بإحدى الذخيرتين: الذوق و الثقافة قبل أن يتصدى للعمل الفني بالنقد أو الحكم عليه. أو أن يجمع بينهما.
    الذوق: و الذوق في معناه الحسي:علاج للأشياء باللسان لنعرف طعمها،ثم انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى علاج الأشياء بالنفس لتعرف خواصها الجميلة أوالذميمة،فهو أداة الإدراكات التي تثير في نفس المتذوق لذة فنية.
    يعرف ابن خلدون (الذوق) بأنه موضوع لإدراك الطعوم. إن الناقد الذي يمتلك الموهبة قادر على أن يحكم على العمل الفني.و الموهبة هي ذلك الاستعداد الفطري عند الإنسان وقدرته على التفاعل مع القيم الجمالية في الأعمال الفنية، و مقدرته على فهم العمل الفني وتحليله من جميع جوانبه، وإمكانيته في إصدار الحكم.و الذوق من أساسيات النقد الأدبي ومن معاييره الهامة التي تعتمد اعتمادا كبيرا عليه.و يقسم الآمدي(ت371ه) الذوق ثلاثة أقسام:
    الطبع: هو ما طبع عليه الإنسان و فطر. و الطبع: الطبيعة و السجية.
    الحذق:هو ما اكتسبه الإنسان بالدربة و المران و دائم التجربة و طول الملابسة.
    الفطنة:في اللغة كالفهم،و ضد الغباوة،و هي هنا الجمع بين الطبع والحذق.والناقد الفطن أقدر على التمييز والحكم من الناقد المطبوع أو الناقد الحاذق
    و قد نبه القدامى إلى ضرورة توفر الذوق لإدراك العمل الفني،و اكتشاف جوانبه الجمالية. يشير عبد القاهر الجرجاني(ت471ه)"إن هذا الإحساس قليل في الناس (...) و لا تستطيع أن تقيم الشعر في نفس من لا ذوق له".لأن كشف أسرار العمل الفني،و تذوق الجمال فيه لا يكون إلا في" من كان ملهب الطبع حاد القريحة" والقريحة هنا تعني الذكاء.و قد ذهب المتخصصون في علم النفس إلى تحديد مفهوم الذوق بأنه:قوة يقدر بها الأثر الفني، أو هو ذلك الاستعداد الفطري و المكتسب الذي نقدر به على تقدير الجمال والاستمتاع به ومحاكاته بقدر ما نستطيع في أعمالنا وأفكارنا و أقوالنا. وقد قسم كثير من النقاد الذوق إلى ذوقين:خاص وعام.
    الذوق الخاص:
    هو الملكة و القدرة النقدية الناتجة عن الاستعداد الفطري،أو هو ذلك الاتجاه الذي يعتمد على ميول الإنسان الفردية في حكمه على العمل الفني،من خلال إدراك جوانب الجمال لهذا العمل دون تأثر بعوامل خارجية مهما كانت. ونعني بدلك إصدار الحكم على العمل الفني من خلال الذوق الخاص دون الاعتماد على المقاييس النقدية،و دون التأثر بالمدارس النقدية.

    الذوق العام:
    هو مجموع تجارب الإنسان و طول ممارسته و عمق خبرته و حصيلة تكوينه الفكري،التي يفسر بها العمل الفني،و يميزه و يحكم عليه،من خلال حسه وإدراكه ويسمى حينئذ الإدراك الصحيح أو الحس السليم. يقول ابن خلدون:"إن الذوق ملكة إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع و التفطن لخواص تركيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة اللسان،فإن هذه القوانين إنما تفيد علما بذلك اللسان و لا تفيد حصول الملكة بالفعل في محلها" و ينصب حديث ابن خلدون عن الذوق العام بقوله: "ومن عرف تلك الملكة- أي الذوق- من القوانين المسطرة في الكتب فليس من تحصيل الملكة في شيء إنما حصل أحكامها كما عرفت،و إنما تحصل هذه الملكة بالممارسة و الاعتياد والتكرر لكلام العرب".
    الثقافة:
    تعد الثقافة من أهم أدوات الناقد،و نعني بها تلك المعرفة التي يحصل عليها الناقد من خلال:دراسته وتجربته و خبرته و دربته و ممارسته و سعة اطلاعه على المدارس والنظريات والاتجاهات و الثقافة المحيطة بالأعمال المراد نقدها ومعايشة تلك الأعمال والأعمال المشابهة لها،إلى جانب معرفة العلوم المساعدة التي قد تتصل أو تضيء جوانب غامضة من تلك الأعمال ناهيك بضرورة الوقوف على آراء السابقين والمعاصرين. و قد نبه العلماء على الاعتداد بالطبع و الذكاء و ضرورة إضافة الثقافة الواسعة.يقول الجاحظ:"طلبت علم الشعر عن الأصمعي فوجدته لا يحسن إلا غريبه،فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يحسن إلا إعرابه،فعطفت على أبي عبيدة،فوجدته لا ينقل إلا فيما اتصل بالأخبار،و تعلق الأيام و الأنساب فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب:كالحسن بن وهب و محمد بن عبد الملك الزيات".
    و يقول الجمحي:"و للشعر صناعة و ثقافة يعرفها أهل العلم بالشعر و أحق الناس بتقديره ونقده في رأي الجاحظ".
    و هكذا نجد القدامى قد ركزوا على ضرورة الجمع بين الذوق و الثقافة من أجل دراسة العمل الفني دراسة وافية شاملة و إبراز الجوانب الجمالية فيه.
    و قد حاول بعض الدارسين تحديد ثقافة الناقد في ثلاثة مجالات من المعرفة: المجال اللغوي، المجال الأدبي، المجال العام.
    *المجال اللغوي:
    المراد بثقافة الناقد اللغوية معرفته بعلوم اللغة صرفها و نحوها و بلاغتها وعروض الشعر وقوافيه، فيعرف الحال و مقتضاه و التقديم و التأخير،والذكر والإيجاز وغيرها من العلوم اللغوية.و من هنا نرى بأن للنقد صلة وثيقة بعلوم اللغة .
    *المجال الأدبيالمراد بها إلمام الناقد ببعض العلوم و المعارف التي لا غنى عنها لباحث متعمق ودارس جاد، مثل علم المنطق، حتى يعرف المقدمات و ما تؤدي إليها من نتائج.و أن يعرف شيئا غير قليل من علم الجمال و أن يعرف الكثير عن التاريخ العربي و الإسلامي و العصر الحديث ويعرف مبادئ علم الاجتماع. و قد أورد النقاد العرب الكثير من جوانب معرفتهم بالنواحي الاجتماعية و النفسية حين تحدثوا عن دواعي الشعر و الأوقات التي يسرع فيها أتيه،و ينقاد عصيه،و عن أسباب لين شعر بعض الشعراء و وعورة شعر الآخر،و أثر البداوة و الحضارة في السهولة والصعوبة،و في اللين و التوعر. يقول القاضي الجرجاني:" و قد كان القوم يختلفون في ذلك ،و تتباين فيه أحوالهم،فيرق شعر أحدهم،و يصلب شعر الآخر، ويسهل لفظ أحدهم، ويتوعر منطق غيره،و إنما ذلك بحسب اختلاف الطبائع، وتركيب الخلق،فإن سلامة اللفظ تتبع سلامة الطبع،و دماثة الكلام بقدر دماثة الخلقة،و أنت تجد ذلك في أهل عصرك و أبناء زمانك،و ترى الجافي الجلف منهم كز الألفاظ وعر الخطاب".







يعمل...
X