لطيفة تعيد الجدل حول الهوية الموسيقية المتشابهة بين جنوب ليبيا وجنوب تونس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لطيفة تعيد الجدل حول الهوية الموسيقية المتشابهة بين جنوب ليبيا وجنوب تونس

    لطيفة تعيد الجدل حول الهوية الموسيقية المتشابهة بين جنوب ليبيا وجنوب تونس


    اقتباس كلمات ولحن أغنية "ريت النجمة" يجدد الحديث عن أصولها.
    الخميس 2024/07/25
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    لطيفة غنت الكثير من التراث الليبي

    تحب الفنانة التونسية لطيفة العرفاوي الاشتغال على الموسيقى الليبية التي دعمتها في بداياتها الفنية، لكنها في أحدث ألبوماتها قامت بخرق كبير لأصول الإنتاج الموسيقي حيث اقتبست من التراث الليبي أغنية وأجرت عليها تعديلات “مصرية” أفقدت العمل الأصلي جماليته، وأعادت الجدل حوله: هل هو تراث تونسي أم ليبي؟

    لم تكن الساحة الفنية التونسية أو الليبية بحاجة إلى الجدل الحاد الذي تعرفه هذه الأيام بسبب خطأ وقعت فيه الفنانة لطيفة عندما حاولت التعريف بأغنيتها الجديدة “يا ليالي” الصادرة في يونيو الماضي ضمن ألبوم “ما فيش ممنوع”.

    و”يا ليالي” تضمنت كلمات كتبت باللهجة الليبية وأخرى باللهجة المصرية، مع اعتماد لحن ليبي قديم من تراث منطقة الجفرة الواقعة بوسط ليبيا وتتبع إقليم فزان وتضم عددا من المدن وهي هون وسوكنة وودان وزلة والفقهاء، وتتميز بتراثها الفني والثقافي الغزير والمتنوع والذي كان أحد أهم موارد تشكيل ملامح الأغنية الليبية منذ خمسينيات القرن الماضي أي بعد فترة وجيزة من تأسيس الدولة بشكلها الاتحادي المعلن في العام 1951.

    وفي أغنية “يا ليالي” التي أهدتها إلى روح الفنان الكبير محمد حسن، سعت لطيفة إلى جمع عدد من المقاطع الموسيقية من ألوان ليبية مختلفة من بينها “المجرودة” و”السحلالي” و”الشتاوة” بالاعتماد على ألحان قديمة معروفة وهو ما جعل من الأغنية كوكتالا أو “ميدلي” وهو كما معلوم، عبارة عن قطعة مكونة من أجزاء من مقطوعات موجودة، عادة ما تكون ثلاثة، يتم عزفها واحدة تلو الأخرى وأحيانا متداخلة، وغالبا ما يتم إجراؤها باستخدام مسارات لفنان واحد.

    وتعتبر الجفرة من المناطق ذات العلاقة الراسخة بفنون الشعر والأداء، وتتميز بالألوان التراثية ومن بينها “النخيخة” و”السواقي” و”الزحلالي” و”الموقف” حتى أن الغناء والموسيقى يترجمان مختلف العادات التقاليد المحلية ويوثقان الأحداث اليومية ويصوران المشاعر والأحاسيس، وهو ما جعل الفن رفيقا للحياة وترجمان لعواطف الناس بخلاصة ما ورثته الذائقة الشعبية من تزاوج بين الألوان العربية السليمية الهلالية والأفريقية والأمازيغية، وأضافت إليه من روافد الانفتاح على ثقافات الساحل والصحراء.

    إذا كانت "ريت النجمة" قد نجحت في تونس، فذلك لا يعني أنها تونسية وإنما هي من تراث ليبيا

    والأغنية التراثية الليبية التي أعنيها هي “ريت النجمة” التي كان قد أداها الفنان الكبير الراحل محمد حسن في تسعينيات القرن الماضي ضمن ألبوم قام بإنجازه صحبة الشاعر الشعبي والغنائي البارز عبدالله منصور وكان يحمل عنوان “الواحة” في ثلاثة أجزاء تضمنت الجانب الأكبر من تراث الجفرة في مختلف مجالات الحياة اليومية مع وصف للعادات والتقاليد المتعلق بالولادة والختان والخطوبة والزواج والبذر والحصاد والحرث والحل والترحال والرعي والمهاجاة وغيرها، وشارك في الأداء عدد من نجوم الغناء الليبي عادل عبدالمجيد وخالد الزواوي وريم السعفي.

    وأذكر أن الألبوم حقق نجاحا كبيرا في مختلف مناطق ليبيا وفي دول الجوار، وأعاد إلى الذاكرة نجاح العمل الملحمي السابق لمحمد حسن بالاشتراك مع الشاعر الغنائي فضل المبروك وهو “رحلة النغم” الصادر في العام 1976 والذي كان بمثابة رحلة في كامل مناطق ليبيا تتضمن الوقوف عند خصوصياتها الطبيعية والتاريخية والثقافية وعند عاداتها وتقاليدها وبطولات أبنائها الخالدين في معارك الدفاع عن الحرية والكرامة وخاصة ضد الاحتلالين التركي والليبي.

    كما كان ألبوم “الواحة” منطلقا لأعمال أخرى بين محمد حسن وعبد الله منصور أبرزها “النجع” بمشاركة الفنانة التونسية الراحلة ذكرى، و”سيرة أولاد هلال” ملحمة الحب والفروسية بمشاركة ذكرى كذلك والفنان الكبير حسن العريبي الذي قدم دور الراوي وبمشاركة عدد من الأصوات الغنائية الليبية المتميزة.

    ونظرا لطبيعة العلاقات الاجتماعية والثقافية بين الجنوب التونسي والغرب الليبي، ونظرا للانتشار الواسع الذي عادة ما تحققه الأعمال الغنائية الليبية البدوية بين أبناء المنطق الجنوبية في تونس، فقد حققت أعمال محمد حسن انتشارا واسعا، وهو ما جعل الفنان التونسي عماد الغيلوفي المعروف باسم “الشاب عماد” يعيد تسجيل “ريت النجمة” وقام البعض بنسبتها للتراث التونسي، وهو خطأ وقع فيه أصحابه سواء عن قصد أو عن غير قصد، وربما نتيجة التشابه الكبير في اللهجة المعتمدة والمفردات الموسيقية.

    وإذا كانت “ريت النجمة” قد نجحت في تونس، فذلك لا يعني أنها تونسية وإنما هي من تراث الواحات في ليبيا، وتشكل أحد وجوه التقارب الثقافي والتراثي الضارب في القدم والمرتبط بالتنقل بين المناطق والدول عبر القوافل، لاسيما أن تونس كانت على الدوام ملجأ للفارين من الحروب والصراعات أو من شظف العيش سواء في طرابلس أو فزان أو حتى في برقة، وهو ما يمكن تفسيره بوجود نسبة كبيرة من التونسيين المنحدرين من القبائل والمدن الليبية. ولعل من أهم الإيقاعات الموسيقية التونسية هو “الفزاني” نسبة إلى فزان التي كانت لأهلها هجرات متلاحقة إلى تونس وحضور بارز وصل في العام 1929 إلى تسع تجمعات سكنية كبرى حتى أن من يتجولون في العاصمة تونس قد يصادفهم نهج الفزازنة الذي يقع بالقرب من ساحة باب سويقة والذي لايزال يحمل الاسم نفسه حتى وقتنا الحاضر.

    النزعة الشوفينية تستهدف الموروث الغنائي التونسي في حين أن أهل الاختصاص يدركون أن التأثير والتأثر قائم من البلدين

    وبالعودة إلى لطيفة، فإن الصواب قد جانبها عندما قالت إنها كانت تستمع إلى تلك الأغنية وهي صغيرة، لأن لا أحد في تونس كان يعرف الأغنية خلال الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي، وحتى في ليبيا فإن انتشار “ريت النجمة” جاء عن طريق صوت محمد حسن وألبوم “الواحة”. أما تركيب كلمات ليبية على أخرى مصرية نسبتها إلى الشاعرة ملاك عادل واعتماد إيقاعات أبعد ما تكون عن الموروث الليبي، فإنه يمثل اعتداء على الذوق السليم وهو ينحو إلى الجانب التجاري البحت، إذ أنها غيرت كلمات “شيعت عيني الفوق ريت النجمة \ خطرت علي أم الخجل والحشمة” بكلمات “يا ليالي لا بهدا ولا بنساه وده حالي”، ثم اعتمدت مقطعا من الأغنية الأصلية “ياعين لا قسموا ولا نسيتيهم أصحاب الغلا يا طول شوقك ليهم” مع تركيبة هجينة “ده في الروح ما بيروح عن بالي”.

    ومعروف عن لطيفة حبها للون الغنائي الليبي حيث سبق لها أن غنت من ألحان محمد حسن ومن كلمات علي الكيلاني وعبدالله منصور ونوري الحميدي وسيد قذاف الدم وغيرهم، وسعت إلى الحضور الدائم في برنامج “النجع” للشاعر علي الكيلاني، وهي في أحيان كثيرة تردد مقاطع تراثية وتقوم بوضع التونسي على الليبي أو الليبي على التونسي كما فعلت في أغنية “مدردرة يا خالقي فيها” عندما جاءت بلحن شعبي تونسي وكلمات تونسية مأخوذة من أغان تراثية مع مفردات ليبية وكونت أغنية نسبت كلماتها إلى الشاعر سيد محمد في إشارة إلى الشاعر والكاتب الراحل سيد قذاف الدم شقيق الديبلوماسي السابق أحمد قذاف الدم المعروف عنه أنه من أبرز داعمي مسيرتها الفنية.

    ويبدو أن بعض الأطراف الليبية التي اعتادت على تصيد المناسبات للهجوم على تونس، قد استغلت موضوع “ريت النجمة” للتشكيك في ثراء التراث التونسي، وفي نشر مزاعم بأن أغلب الأعمال التونسية منتحلة من الفن الليبي، وهو أمر مجانب للصواب نظرا لخصوصيات الألوان الغنائية والموسيقية التونسية أولا، وثانيا لطبيعة الامتداد الثقافي والتراثي بين البلدين ولوجود ثقافة مشتركة بين البلدين كما هو الشأن بالنسبة لتونس والجزائر، وللجزائر والمغرب.

    وقد برزت النزعة الشوفينية التي تستهدف بوضوح الموروث الغنائي التونسي في حين أن أهل الاختصاص يدركون جيدا أن التأثير والتأثر قائم من البلدين، وأن انتقال المرسكاوي الليبي من فزان إلى طرابلس أو برقة كان قبل ظهور دولة ليبيا في النصف الثاني من القرن العشرين بما يعني أن الفن قادر على عبور الحدود في كل الاتجاهات، بينما كان هناك فنانون ليبيون قد عاشوا في تونس خلال النصف الأول من القرن الماضي وكان لهم دور مهم في إثراء المشهد الفني التونسي بينما كان للفنانين التونسيين دور مهم في تشكيل وتأسيس ملامح المشهد الفني والثقافي في ليبيا منذ خمسينيات القرن الماضي وخاصة في الموسيقى والمسرح مثل صالح المهدي وقدور الصرارفي ومحمد عبدالعزيز العقربي.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الحبيب الأسود
    كاتب تونسي
يعمل...
X