الفنان فواز يونس .. الفن التشكيلي لا يمكن تأطيره بمدرسة بعينها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان فواز يونس .. الفن التشكيلي لا يمكن تأطيره بمدرسة بعينها

    الفنان فواز يونس لـ"العرب": الفن التشكيلي لا يمكن تأطيره بمدرسة بعينها


    لوحاتي تعبر عن أفكاري ومشاعري انطلاقا من العقل الواعي والفكر العميق.
    السبت 2024/07/27
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    تراث أهل الرقة

    في حوار جمعنا به عاد الفنان التشكيلي فواز يونس إلى بدايات شغفه بالفن التشكيلي وكيف تمكن بجهد فردي أن يقلد المناظر الطبيعية والقصص الشعبية، حتى أصبح اليوم واحدا من الفنانين الذين يؤمنون بأن المدارس الفنية هي ابتكارات بعض مدّعي النقد الفني والمتطفلين عليه الذين لا يمتّون إلى النقد بصلة.

    بجهد فردي وبعيدا عن الأخذ بيد أي معلم، تمكن الفنان التشكيلي السوري فواز يونس من تقليد رسم القصص الشعبية مع بداية انطلاقته الأولى، من أمثال قصص علاء الدين والمصباح السحري، عنترة بن شداد وحبيبته عبلة، سيف بن ذي يزن، تغريبة بني هلال، فتوح الشام، ألف ليلة وليلة، هارون الرشيد والسيدة زبيدة، فضلاً عن دليلة المحتالة وعلي والزيبق، وغيرها كثير. هذه القصص بالمجمل نمّت الخيال لديه وجعلته يَسبحُ ويهتم بعوالم أسطورية، وهي مزيج من الحقيقة والخيال والوهم والرغبة في تشخيص أبطال هذه القصص على الورق ودفاتر الرسم، أمثال عنترة بن شداد وهو على صهوة جواده وحبيبته عبلة، والرشيد وهو يسامر زوجته زبيدة، مستخدما في ذلك قلم الرصاص والألوان الخشبية والمائية البسيطة.

    هكذا بدأ يونس يتلمس أولى مراحل الرسم والتصوير البدائي والبسيط دون أي معلم يسدي له النصح لعدم توافر مثل هذا المعلم المهتم الناضج فنياً والمتمرس بهذا الفن في تلك الفترة، لذلك كان يقلد ما كان يشاهده من رسومات بسيطة في الكتب والصحف والمجلات، وبمرور الزمن تعمّقت تجربته، وبدأ يَجدُ متعة كبيرة وهو يرسم صور بعض الأشخاص من معارف وأصدقاء وأقرباء بالقلم الرصاص أحيانا وبالفحم أحيانا أخرى. ثم دخل عالم الرسم والتصوير بالألوان الزيتية وتقليد بعض صور اللوحات العالمية.

    ويذكر أنه رسم أفيش لوحة كبيرة الحجم بالألوان الزيتية لأحد الأفلام الأجنبية المعروضة في سينما الزهراء في الرّقة، مسقط رأسه، بطلب من صاحب السينما، وكان طالبا في الصف السابع الإعدادي آنذاك. كما رسم لوحة زيتية لطفلة صغيرة تقبضُ بيدها على سماعة الهاتف، وإلى جانبها تجلس قطة صغيرة، وعرضت هذه اللوحة في معرض مدرسي في إعدادية الرشيد بالرّقة خلال نهاية العام الدراسي، وحضر زوار كثيرون من أهالي الطلاب لمشاهدة محتويات المعرض حيث لفتت اللوحة أنظارهم.
    رسم الرقة والرقاوية



    فنان يرسم الوجوه بأسلوب مميز


    بمرور الوقت تعمّق لديه حبُّ الفن التشكيلي، وكان سببا في انتسابه إلى دار المعلمين في مدينة حلب فرع التربية الفنيّة الذي درس فيه أصول الرسم والتصوير المائي والزيتي، وعلم التشريح وعلم المنظور والضوء واللون والظلال والجمال، وتاريخ الفن الإغريقي والروماني وفن العصور الوسطى والمدارس الفنية على اختلافها وتنوعها وحتى فن العصر الحديث، وذلك لمدة أربع سنوات، حتى تخرج منه معلما لتدريس مادة التربية الفنية في مدارس الرّقة الإعدادية والثانوية والصف الخاص.

    وخلال عمله في مهنة تدريس مادة التربية الفنية اطلع على أعمال ولوحات عباقرة الفن الكلاسيكي والرومانسي والواقعي والانطباعي والسريالي والتكعيبي والتجريدي، من أمثال روبنز ورامبرانت وديلاكروا وفلاسكيز وإدوارد مانيه وكلود مونيه وماكس إرنست وفان غوخ وبول غوغان وماتيس وسلفادور دالي وبيكاسو، وغيرهم الكثير من الفنانين الأجانب والعرب.

    وبدأ برسم الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية الفراتية المحيطة به، ورسم المرأة والفتاة الرقاوية في أوضاع ومواضيع جمالية شتى: وهي تتزين، وهي تغسل وتجلي الصحون، وهي تسرّح شعرها. كما رسم الرجل الرقّاوي وهو يبيع ويشتري في سوق الغنم، وهو يعزف على الربابة، وعلى الزمارة، وهو يدبك.

    أقام يونس عدّة معارض فنية مع نهاية العام الدراسي، إلى أن سافر إلى الجزائر معارا للتدريس في مدارسها. وعن المدارس الفنية التشكيلية التي اهتم بها ولفتت نظره، يقول الفنان في حوار مع “العرب” إن “الفن التشكيلي يشتمل على الرسم والتصوير والنحت والحفر والعمارة، وقد أبدعه الإنسان الفنان الأول منذ فجر التاريخ وسطَّره على جدران الكهوف والمعابد والقصور والقلاع قبل ما يسمى بالمدارس الفنية التشكيلية الحالية. وتسمية أغلب هذه المدارس هي من نهفات وابتكارات بعض مدّعي النقد الفني والمتطفلين عليه الذين لا يمتّون إلى الفن والنقد بصلة. الفن التشكيلي محيطٌ شاسعٌ لا شطآن له ولا يمكن تأطيره بمدرسة معينة ولا بأسلوب معين. وكذلك لا يصحُّ تأطير الفنان المبدع بأسلوب معين ومدرسة ما لا يمكنه الحياد عنها، وإلا اعتبر فنانا مُقلدا وناسخا، وليس فنانا مبدعا ومجددا”.

    ويتابع “قد أخذت المدرسة الانطباعية اسمها وشهرتها من جملة ساخرة أطلقها الناقد الفرنسي لويس لوروي على لوحة الفنان الفرنسي كلود مونيه ‘انطباع شروق الشمس’.. وهي تمثل منظرا طبيعيا تتخلله أشعة الشمس، فقال عنها الناقد المذكور ساخرا: انظروا إلى الانطباعيين، وهكذا انتشر اسم المدرسة الانطباعية. وكذلك قال أحد النقاد ساخرا وواصفا تمثالا كلاسيكيا معروضا في معرض للفنانين المرفوضين في باريس ‘انظروا تمثال دوناتللو بين الوحوش’، وهكذا انتشر أيضا اسم المدرسة الوحشية. والحديث في هذا المجال متشعب وطويل، والخلاف فيه بين الفنانين والمتذوقين والمتطفلين ومدعي النقد الفني يطول ويتشعب”.

    ويؤكد أن “تطور المدارس الفنية التشكيلية وتعددها واختلافها في الأساليب والمواضيع ناتج عن رغبة الفنانين المبدعين في التجديد والابتكار والإبداع، والابتعاد عن التكرار واجترار ما سبق من فنون تشكيلية. أمّا هو فليس مقيدا في أعماله الفنية بأسلوب مدرسة معينة، لأنه عندما يرغب في إنتاج عمل فني معين لا يفكر في أي مدرسة فنيّة، والهدف هو العمل على صوغ خطوط وأشكال وألوان وتكوينات ورموز وإيحاءات جديدة ومعبّرة. وأهم ما يتميز به الفنان التشكيلي المبدع هو الحرية المطلقة في التعبير عن أفكاره وآرائه وعواطفه ومشاعره، وهو منهمك في خلق عمله الفني وصياغته، ومن هنا يمكن أن تحدد المدرسة الفنية التي ينتمي إليها”.

    ويوضح أن الهدف من الفن هو “التعبير عن الجمال المطلق، وما يتضمّنه من معان روحية وأفكار وآراء عقلية. وهو أهم هدف يسعى الفنان التشكيلي للتعبير عنه. ولذلك سميت الفنون التشكيلية بالفنون الجميلة. وهي تُدرّس في كلية الفنون الجميلة. فالمدارس الفنية التشكيلية فيها الغثّ وفيها الثمين، وفيها الجميل وفيها القبيح وفيها البشع والمنفر، مهما كان الفنان الذي رسمها وصورها وأنتجها مشهورا ومعروفا عالميا، لأنه بتصويره ورسمه للقبح والبشاعة هذا يعني أنه خرج عن الهدف الأسمى لهذه الفنون، وهو التعبير عن الجمال المطلق الذي يثير البهجة الروحية والمتعة البصرية لدى المشاهد الذواق لهذه الفنون الجميلة”.
    تعبير عن الواقع



    الفن هو التعبير عن الجمال المطلق وما يتضمّنه من معان وأفكار وهو أهم هدف يسعى الفنان التشكيلي للتعبير عنه


    أنتج الفنان فواز يونس مجموعة كبيرة من اللوحات الزيتية والأكريليك في مواضيع شتى ومدارس شتى أيضا، ومنها الكلاسيكية والواقعية والانطباعية والسريالية العقلانية والتجريدية. وعن سبب اهتمامه بالفن الكلاسيكي، وبالبيئة الفراتية وتراثها الغني، يقول “أغلب لوحاتي الفنية التشكيلية هي من الفن الواقعي والتعبيري والرمزي والانطباعي والسريالي الذي يعتمد على العقل والفكر الواعي السليم، وليس على الأحلام والهواجس والكوابيس، وما يسمى بالعقل الباطن، لأنها تعبر عن واقعنا المعاش في مدينة الرّقة بما فيه من عادات وتقاليد وأزياء وفلكلور وتراث وبيئة وطبيعة رقّاوية وفراتية، لاسيما أنها تعد جزءا لا يتجزأ من هذه البيئة، وهذه الطبيعة، وهذا التراث. لذلك من الطبيعي أن أعبّر فنيّا وتشكيليا عن عواطفي ومشاعري وأفكاري ورغباتي وآلامي وآمالي التي عشتها وعاصرتها وعاينتها وعانيتها في هذه البيئة الفراتية، مثل لوحة أحلام ربيعية، وقارئة الفنجان، وأعطني المكحلة يا بنيّة، وسوق الغنم (الماكف)، وهي تجلي الجلي وقلبها يغلي غلي، وزفّور عازف الربابة، وأبوفيصل عازف الزمارة، والدبكة الرقاوية، ومناظر طبيعية عديدة عن مدينة الرّقة والفرات، والرّصافة وجبل الأربعين، وشواطئ رأس البسيط، وغيرها”.

    ولكنه يشير إلى أنه أنتج أيضا لوحات عديدة بالأسلوب السريالي العقلاني المرموز، أي الذي يعتمد على العقل الواعي والفكر العميق، أو ما يسمى بـ”الأنا العليا” الذي يوظف كلّ خط أو شكل أو لون أو رمز في اللوحة للتعبير عن هدف معين يقصده الفنان في لوحته، بعكس المدرسة السريالية التي تعتمد على العقل الباطن الذي يوحي لها بالأحلام والخيالات والأوهام والهواجس التي يحيكها العقل الباطن. والتي لجأ فيها بعض الفنانين السرياليين المتطرفين إلى تعاطي المخدرات بأنواعها لكي تغيبهم عن العقل الواعي، والانحدار إلى قاع العقل الباطن “الأنا الدنيا” لكي يعبّروا بعد ذلك عمّا رأوه في أحلامهم من خيالات وأوهام وهواجس لا علاقة لها بالواقع والحقيقة، ولا قيمة لها، وليس لها أي هدف أو مضمون روحي ووجداني سام ومفيد.

    ومن لوحاته في هذا الأسلوب: الحرب، المتواكلون، البكاء على الأطلال، الأقزام يطاولون العمالقة، رباعية السجن، وغيرها. كما أنه أنتج لوحات فنية تشكيلية تجريدية عديدة، ومنها لوحة العزف على أوتار الزمن، ولوحة الألماس، وأعاصير الروح، وبالتجريد نبدي ونعيد، وحوار الألوان. وأنتج لوحات عديدة عن الأشخاص والوجوه (البورتريه) وبأسلوب مميز عمّا هو سائد، خاصة باستغلال خلفية اللوحة بشكل جمالي يخدم تعابير الوجه المرسوم في مقدمة اللوحة جماليا ومعنويا، ومنها صور شخصية له ولأبنائه وبناته وزوجته وأحفاده. رسمها بأسلوب مميز ومعبّر وجميل حسب رؤيته الخاصة للجمال.

    وعن الفرق بين الفن الواقعي والفن التجريدي يضيف “الفن الواقعي هو محاولة الفنان التشكيلي التعبير عن الواقع المعاش والمشاهد بصريا بواسطة الخطوط والأشكال والألوان كالبشر والشجر والحجر والبحر والشمس والقمر والسماء والغيوم، والطبيعة عموما وكل ما يمكن أن يراه الفنان التشكيلي بعينيه بصريا، ويتفاعل معه عاطفيا، ويشعر بجماله ونشوته ومتعته روحيّا ومعنويّا، كالمدرسة المثالية (الكلاسيكية) والرومانسية والانطباعية والوحشية والواقعية الجديدة والتكعيبية”.

    لا يصحُّ تأطير الفنان بأسلوب معين ومدرسة لا يمكنه الحياد عنها، وإلا اعتبر فنانا مُقلدا وليس مجددا

    ويضيف “أما الفن التجريدي فهو محاولة الفنان التشكيلي التعبير عن العواطف والمشاعر والجمال الداخلي غير المرئي واقعيا. كالروح والحب والسلام والحرب والخير والشر، باعتبارها قيما إنسانية مجردة ليس لها شكل معين واحد محدد في الطبيعة، كالشمس والقمر والبحر والشجر والبشر. ولذلك يخلقها الفنان من بنات أفكاره وعواطفه ومشاعره تجاهها. فهو لا يقلد الواقع والطبيعة عندما يصوغها ويبدعها ويحولها من عوالم مجردة غامضة إلى مجموعة من الخطوط المتشابكة والأشكال المتداخلة والألوان المتحاورة على سطح اللوحة الفنية أو الكتلة المعمارية”.

    ويرى الفنان أن “العمارة تظل أكثر الفنون التشكيلية تجريدا؛ لأن المهندس المعماري الفنان الأول هو الذي ابتكرها من خياله الخصب وموهبته الفذّة. فليس في الطبيعة عمارة بيوت وفلل وقلاع وقصور ومعابد وكنائس ومساجد وأبراج وجسور قبل أن يبدعها ويخلقها ويبتكرها الفنان التشكيلي العبقري بشكل جميل، ولذلك ابتكر الخطوط والأشكال والزخارف الهندسية، وملأها بمساحات لونية متحاورة منسجمة أحيانا ومتنافرة أحيانا أخرى، منتظمة أحيانا وفوضوية أحيانا أخرى، ولكن هدفها الأساسي هو التعبير عن الجمال المجرد المبتكر من خيالات وعواطف ومشاعر الفنان التشكيلي البحتة. وليس من مفردات الطبيعة المرئية”.

    الجدير ذكره أن الفنان التشكيلي فواز يونس ابن مدينة الرّقة في سوريا، سبق له أن أشرف على تخريج العديد من الفنانين التشكيليين، ممن كان لهم حضورهم على الساحة الفنية ونجحوا في هذا المشوار.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالكريم البليخ
    صحافي سوري
يعمل...
X