"رحلة 404".. فيلم يشخص الاضطرابات النفسية لدى أشباه المتدينين
سيناريو وحوار متكاملان عززهما أداء منى زكي المقنع.
السبت 2024/07/27
ShareWhatsAppTwitterFacebook
غادة، امرأة ضائعة بين ما تريده وما يجبرها عليه أهلها
هل من السهل أن يتقبل المجتمع توبة الإنسان؟ وكيف يمكن للتائبين مواجهة التحديات المادية والاجتماعية التي قد تواجههم في حياتهم الجديدة؟ مثل هذه التساؤلات يطرحها فيلم “رحلة 404” الذي يركز على تحديات تواجهها البطلة بعد أن قررت التوبة إلا أن الجميع من حولها يصرون على سجنها في نمط حياتها الأول.
الرباط - تدور أحداث الفيلم المصري “رحلة 404” للمخرج هاني خليفة حول سيدة تُدعى غادة (منى زكي) تستعد للسفر إلى مكة لأداء فريضة الحج، وقبل أيام قليلة من رحلتها تجد نفسها متورطة في مشكلة طارئة تضطرها للجوء إلى أشخاص من ماضيها الملوث قد قطعت علاقتها بهم من زمان، حيث تسعى لجمع مبلغ مالي كبير من أجل حل مشاكلها النفسية والأسرية.
الفيلم من إخراج هاني خليفة وسيناريو محمد رجاء، وبطولة كل من منى زكي، محمد ممدوح، محمد فراج، شيرين رضا، خالد الصاوي، وحسن العدل.
تدور الحبكة الأساسية للسيناريو حول بائعة هوى ذات ماضٍ أسود، قررت أن تتوب. وبعدما تابت وارتدت الحجاب، كتب الله لها فرصة الذهاب لأداء فريضة الحج، ولكن تبدأ بالدخول في صراعات ومشاكل مستمرة، وهي عراقيل خارجة عن إرادتها تضعها في موقف صعب جدا. فبينما أمها موجودة في المستشفى بسبب حادث سير، تجد غادة نفسها في موقف صعب بين تدبير الأموال وتوفير مصاريف العمليات الغالية لأمها التي ترقد بين الحياة والموت وبين ارتباطها برحلة الحج التي أخذت كل أموالها.
ويتضمن عنوان الفيلم الرقم 404 وهو مرتبط بشكل شائع بصفحات الإنترنت، ويشير إلى رمز حالة 404 التي تظهر لمتصفح الإنترنت عندما يحاول زيارة صفحة غير موجودة أو محظورة، فتظهر له رسالة خطأ “404 لم يتم العثور على الصفحة”، وهذه الرسالة تعني أن الصفحة التي تبحث عنها غير موجودة في الموقع المحدد.
السيناريو والحوار يشكلان نقطة القوة الأساسية للفيلم إذ يسمح الحوار للمشاهدين بالدخول إلى عالم الاضطرابات النفسية للشخصيات
يمكن أن يحدث هذا الخطأ لأسباب متعددة، وهذا ما حصل مع شخصية غادة عندما قررت التوبة عن ممارسة البغاء، لكنها بقيت في نفس البيئة التي ارتكبت فيها الخطيئة، والتوبة عادة لا تجد طريقها في نفس البيئة التي أنتجت فيها الذنوب والمعاصي أي حسب الرمز صفحتك ليست هنا يا غادة، وهذا عنوان ذكي من كاتب السيناريو يتناسب مع أحداث الفيلم.
ويشكل السيناريو والحوار نقطة القوة الأساسية التي يعتمد عليها العمل بشكل كامل، إذ يتميز الحوار بالواقعية والعمق ويسمح للمشاهدين بالدخول إلى عالم الاضطرابات النفسية للشخصيات بطرق غير مباشرة، وهذا الأسلوب يبعد عن استخدام التلقين التقليدي في إعداد الممثلة منى زكي بل هو استخراج لكبت عميق في النفوس البشرية، وهذا ما يخلق الإحساس بالواقعية ويتيح للمشاهد فرصة للتعرف على الشخصية من خلال تصرفاتها وقراراتها بدلا من الشرح المباشر.
ونجح الفيلم في فتح نافذة على حياة شخصية غادة، إذ نشاهد تقلبات حياتها وظروفها وتفاصيل عن ماضيها وتجاربها بأسلوب غير معلن، وهذه التقنية تزيد من جاذبية المتابعة، إذ يدفع المشاهدين للتفكير في مدى تعقيد وتلوث ماضي الشخصية كبائعة هوى، والعلاقات التي تربطها بالشخصيات الأخرى، كما يعزز من عمق التجربة البصرية ويشجع على تحليل كل مشهد والحوار بدقة لإعادة تشكيل الصورة الكاملة للقصة.
ويتميز الفيلم بتصاعد درامي محبوك وإيقاع زمني متدرج يُبقي المشاهدين في حالة ترقب دائم، كما يخلق تكوين اللقطات انطباعا مستمرا بأننا بلغنا ذروة الدراما مع كل مشهد، لنتحول بعدها إلى تصاعد درامي جديد خاصة عندما تبدأ القصة بمشهد من الدراما العائلية العميقة، إذ يعيش معها المتلقي تجارب العلاقات المعقدة بين الشخصية الرئيسية وأفراد عائلتها، ويعكس تفكك الأسرة ومعاناتها. وتقدم لنا افتتاحية الفيلم مشهدا واسعا يظهر التوتر بين أفراد العائلة، مع لقطات مقربة توضح التعبيرات وملامح الشخصيات وتفاصيل الصراعات من جهة وتنقل الكاميرا بين مشاهد التفاعلات اليومية من جهة أخرى.
يتجه السرد الدرامي إلى الغوص في أعماق الماضي وتداعياته على الحاضر، ما يضيف عمقا للفيلم ويكشف عن أبعاد جديدة في نفسية البطلة غادة، حيث تعيش هذه الأخيرة حالة من الاستقرار النسبي بداية، رغم خلفيتها العائلية المضطربة وهو ما يعكس واقعية الحياة. ويعود الفضل إلى زوايا التصوير الممتازة التي عرضت حياة غادة اليومية من خلال لقطات هادئة تعكس الهدوء النسبي الذي تعيشه من جهة، بينما تكوين اللقطات وتقنية الفلاشباك (الاسترجاع) خاصة يستخدم ألوانا باهتة أو تدرجات غامقة ليفصل بين الماضي والحاضر والفوضى النفسية والاضطرابات العقلية التي تعيشها غادة ومدى عمق المعاناة والتجارب الصعبة التي مرت بها من جهة أخرى.
منى زكي قدمت دورا معقدا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا محبوكا وغير مرتجل أو مبالغ فيه
ويعد الأداء المذهل لمنى زكي محوريا في هذا السياق؛ فهي ليست فقط البطلة بل تمثل القلب النابض للحبكة برمتها، من خلال قدرتها على التوازن بين القوة والضعف في أداءها تجذب المشاهدين تلقائيا، وهذا يتيح التفاعل العاطفي مع الشخصية فمن خلال التركيز على تفاصيلها الدقيقة نعيش تجربة العاطفة ونرتبط بها دراميا، كما تقدم متتالية الأحداث اللاحقة صراعًا نفسيًا عويصا ومعضلة ليست فقط أخلاقية بل دينية أيضًا، من خلال الظروف التي تواجهها غادة، فالعديد من بائعات الهوى يعشن صراعات نفسية بعد التوبة، لكن قوة وإصرار غادة وإرادتها في التغيير تجعل المشاهد يعيد تقييم علاقته بربه ودينه وأخلاقياته ومبادئه، أي أن جوهر الفيلم يضع المشاهد في هذا الموقف من دون خطابات رنانة أو مواعظ مباشرة وهذا يستحق الإشادة.
ويظهر مكياج منى زكي في المشاهد الأولى بشكل مرسوم ومبالغ فيه (كأن أبرز آثار حلق الشارب بشكل ملحوظ) ما يعرقل مصداقية الأداء لأن هذا التباين يجعل المكياج يبدو كطبقة غير متقنة، ويؤثر سلبا على واقعية الشخصية ويضعف التأثير العاطفي الذي يمكن أن يحققه الأداء، إذ أن تحسين جودة المكياج وإظهاره بشكل طبيعي ومتناسق مع ملامح الشخصية يعزز التجربة البصرية ويزيد من قدرة الممثل على الإقناع وعلى تجسيد الشخصية.
ويعتبر أسلوب الإخراج في المشهد الذي تكون فيه غادة مع السيدة العجوز التي تساعدها وتدخلها بيتها وتعطيها البخاخ مبهرا، وخاصة عندما تُظهر غادة ترددها أمام مجوهرات الذهب وبعدما سرقته وعادت للاعتذار، يكتفي المخرج هنا بالإشارة إلى أن غادة سرقت الذهب من خلال اعترافها بدون سبب، حينما قالت “أنا أمر بظروف صعبة أوي على فكرة”، وكان من الممكن للمخرج والكاتب أن يخدعا المشاهد بطريقة أكثر تمويها، لو أنها لم تقل “أنا أمر بلحظات صعبة” وخرجت دون ذكر اسمها الحقيقي كاعتراف ضمني، ليظل المشاهدون في حالة من الشك، خاصة لو كان المشهد الذي تكشف فيه عن الذهب يظهر حينها لكان المشاهد على نفس الدرجة من المفاجأة، ولكن عندما ذكرت اسمها الحقيقي، أكد لنا المخرج أن السرقة هنا غير مقصودة وأنها ستعيد الذهب إلى السيدة بعدما تتحسن ظروفها، وهذا يحدث للكثير من النساء في الحياة اليومية بسبب ظروف خارجة عن إرادتهن.
ويقدم الفيلم تجربة ممتعة وعميقة تستحق المشاهدة، لأن أداء منى زكي كان جيدا، فقد قدمت دورا معقدا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا محبوكا وغير مرتجل أو مبالغ فيه، وهذا جعل الفيلم مقبولا من الأغلبية دون انحياز أو تعصب، لأنه كشف عن التناقضات والعقد النفسية التي تعيشها المجتمعات المسلمة أو من تدعي التدين ظاهريا.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
سيناريو وحوار متكاملان عززهما أداء منى زكي المقنع.
السبت 2024/07/27
ShareWhatsAppTwitterFacebook
غادة، امرأة ضائعة بين ما تريده وما يجبرها عليه أهلها
هل من السهل أن يتقبل المجتمع توبة الإنسان؟ وكيف يمكن للتائبين مواجهة التحديات المادية والاجتماعية التي قد تواجههم في حياتهم الجديدة؟ مثل هذه التساؤلات يطرحها فيلم “رحلة 404” الذي يركز على تحديات تواجهها البطلة بعد أن قررت التوبة إلا أن الجميع من حولها يصرون على سجنها في نمط حياتها الأول.
الرباط - تدور أحداث الفيلم المصري “رحلة 404” للمخرج هاني خليفة حول سيدة تُدعى غادة (منى زكي) تستعد للسفر إلى مكة لأداء فريضة الحج، وقبل أيام قليلة من رحلتها تجد نفسها متورطة في مشكلة طارئة تضطرها للجوء إلى أشخاص من ماضيها الملوث قد قطعت علاقتها بهم من زمان، حيث تسعى لجمع مبلغ مالي كبير من أجل حل مشاكلها النفسية والأسرية.
الفيلم من إخراج هاني خليفة وسيناريو محمد رجاء، وبطولة كل من منى زكي، محمد ممدوح، محمد فراج، شيرين رضا، خالد الصاوي، وحسن العدل.
تدور الحبكة الأساسية للسيناريو حول بائعة هوى ذات ماضٍ أسود، قررت أن تتوب. وبعدما تابت وارتدت الحجاب، كتب الله لها فرصة الذهاب لأداء فريضة الحج، ولكن تبدأ بالدخول في صراعات ومشاكل مستمرة، وهي عراقيل خارجة عن إرادتها تضعها في موقف صعب جدا. فبينما أمها موجودة في المستشفى بسبب حادث سير، تجد غادة نفسها في موقف صعب بين تدبير الأموال وتوفير مصاريف العمليات الغالية لأمها التي ترقد بين الحياة والموت وبين ارتباطها برحلة الحج التي أخذت كل أموالها.
ويتضمن عنوان الفيلم الرقم 404 وهو مرتبط بشكل شائع بصفحات الإنترنت، ويشير إلى رمز حالة 404 التي تظهر لمتصفح الإنترنت عندما يحاول زيارة صفحة غير موجودة أو محظورة، فتظهر له رسالة خطأ “404 لم يتم العثور على الصفحة”، وهذه الرسالة تعني أن الصفحة التي تبحث عنها غير موجودة في الموقع المحدد.
السيناريو والحوار يشكلان نقطة القوة الأساسية للفيلم إذ يسمح الحوار للمشاهدين بالدخول إلى عالم الاضطرابات النفسية للشخصيات
يمكن أن يحدث هذا الخطأ لأسباب متعددة، وهذا ما حصل مع شخصية غادة عندما قررت التوبة عن ممارسة البغاء، لكنها بقيت في نفس البيئة التي ارتكبت فيها الخطيئة، والتوبة عادة لا تجد طريقها في نفس البيئة التي أنتجت فيها الذنوب والمعاصي أي حسب الرمز صفحتك ليست هنا يا غادة، وهذا عنوان ذكي من كاتب السيناريو يتناسب مع أحداث الفيلم.
ويشكل السيناريو والحوار نقطة القوة الأساسية التي يعتمد عليها العمل بشكل كامل، إذ يتميز الحوار بالواقعية والعمق ويسمح للمشاهدين بالدخول إلى عالم الاضطرابات النفسية للشخصيات بطرق غير مباشرة، وهذا الأسلوب يبعد عن استخدام التلقين التقليدي في إعداد الممثلة منى زكي بل هو استخراج لكبت عميق في النفوس البشرية، وهذا ما يخلق الإحساس بالواقعية ويتيح للمشاهد فرصة للتعرف على الشخصية من خلال تصرفاتها وقراراتها بدلا من الشرح المباشر.
ونجح الفيلم في فتح نافذة على حياة شخصية غادة، إذ نشاهد تقلبات حياتها وظروفها وتفاصيل عن ماضيها وتجاربها بأسلوب غير معلن، وهذه التقنية تزيد من جاذبية المتابعة، إذ يدفع المشاهدين للتفكير في مدى تعقيد وتلوث ماضي الشخصية كبائعة هوى، والعلاقات التي تربطها بالشخصيات الأخرى، كما يعزز من عمق التجربة البصرية ويشجع على تحليل كل مشهد والحوار بدقة لإعادة تشكيل الصورة الكاملة للقصة.
ويتميز الفيلم بتصاعد درامي محبوك وإيقاع زمني متدرج يُبقي المشاهدين في حالة ترقب دائم، كما يخلق تكوين اللقطات انطباعا مستمرا بأننا بلغنا ذروة الدراما مع كل مشهد، لنتحول بعدها إلى تصاعد درامي جديد خاصة عندما تبدأ القصة بمشهد من الدراما العائلية العميقة، إذ يعيش معها المتلقي تجارب العلاقات المعقدة بين الشخصية الرئيسية وأفراد عائلتها، ويعكس تفكك الأسرة ومعاناتها. وتقدم لنا افتتاحية الفيلم مشهدا واسعا يظهر التوتر بين أفراد العائلة، مع لقطات مقربة توضح التعبيرات وملامح الشخصيات وتفاصيل الصراعات من جهة وتنقل الكاميرا بين مشاهد التفاعلات اليومية من جهة أخرى.
يتجه السرد الدرامي إلى الغوص في أعماق الماضي وتداعياته على الحاضر، ما يضيف عمقا للفيلم ويكشف عن أبعاد جديدة في نفسية البطلة غادة، حيث تعيش هذه الأخيرة حالة من الاستقرار النسبي بداية، رغم خلفيتها العائلية المضطربة وهو ما يعكس واقعية الحياة. ويعود الفضل إلى زوايا التصوير الممتازة التي عرضت حياة غادة اليومية من خلال لقطات هادئة تعكس الهدوء النسبي الذي تعيشه من جهة، بينما تكوين اللقطات وتقنية الفلاشباك (الاسترجاع) خاصة يستخدم ألوانا باهتة أو تدرجات غامقة ليفصل بين الماضي والحاضر والفوضى النفسية والاضطرابات العقلية التي تعيشها غادة ومدى عمق المعاناة والتجارب الصعبة التي مرت بها من جهة أخرى.
منى زكي قدمت دورا معقدا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا محبوكا وغير مرتجل أو مبالغ فيه
ويعد الأداء المذهل لمنى زكي محوريا في هذا السياق؛ فهي ليست فقط البطلة بل تمثل القلب النابض للحبكة برمتها، من خلال قدرتها على التوازن بين القوة والضعف في أداءها تجذب المشاهدين تلقائيا، وهذا يتيح التفاعل العاطفي مع الشخصية فمن خلال التركيز على تفاصيلها الدقيقة نعيش تجربة العاطفة ونرتبط بها دراميا، كما تقدم متتالية الأحداث اللاحقة صراعًا نفسيًا عويصا ومعضلة ليست فقط أخلاقية بل دينية أيضًا، من خلال الظروف التي تواجهها غادة، فالعديد من بائعات الهوى يعشن صراعات نفسية بعد التوبة، لكن قوة وإصرار غادة وإرادتها في التغيير تجعل المشاهد يعيد تقييم علاقته بربه ودينه وأخلاقياته ومبادئه، أي أن جوهر الفيلم يضع المشاهد في هذا الموقف من دون خطابات رنانة أو مواعظ مباشرة وهذا يستحق الإشادة.
ويظهر مكياج منى زكي في المشاهد الأولى بشكل مرسوم ومبالغ فيه (كأن أبرز آثار حلق الشارب بشكل ملحوظ) ما يعرقل مصداقية الأداء لأن هذا التباين يجعل المكياج يبدو كطبقة غير متقنة، ويؤثر سلبا على واقعية الشخصية ويضعف التأثير العاطفي الذي يمكن أن يحققه الأداء، إذ أن تحسين جودة المكياج وإظهاره بشكل طبيعي ومتناسق مع ملامح الشخصية يعزز التجربة البصرية ويزيد من قدرة الممثل على الإقناع وعلى تجسيد الشخصية.
ويعتبر أسلوب الإخراج في المشهد الذي تكون فيه غادة مع السيدة العجوز التي تساعدها وتدخلها بيتها وتعطيها البخاخ مبهرا، وخاصة عندما تُظهر غادة ترددها أمام مجوهرات الذهب وبعدما سرقته وعادت للاعتذار، يكتفي المخرج هنا بالإشارة إلى أن غادة سرقت الذهب من خلال اعترافها بدون سبب، حينما قالت “أنا أمر بظروف صعبة أوي على فكرة”، وكان من الممكن للمخرج والكاتب أن يخدعا المشاهد بطريقة أكثر تمويها، لو أنها لم تقل “أنا أمر بلحظات صعبة” وخرجت دون ذكر اسمها الحقيقي كاعتراف ضمني، ليظل المشاهدون في حالة من الشك، خاصة لو كان المشهد الذي تكشف فيه عن الذهب يظهر حينها لكان المشاهد على نفس الدرجة من المفاجأة، ولكن عندما ذكرت اسمها الحقيقي، أكد لنا المخرج أن السرقة هنا غير مقصودة وأنها ستعيد الذهب إلى السيدة بعدما تتحسن ظروفها، وهذا يحدث للكثير من النساء في الحياة اليومية بسبب ظروف خارجة عن إرادتهن.
ويقدم الفيلم تجربة ممتعة وعميقة تستحق المشاهدة، لأن أداء منى زكي كان جيدا، فقد قدمت دورا معقدا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا محبوكا وغير مرتجل أو مبالغ فيه، وهذا جعل الفيلم مقبولا من الأغلبية دون انحياز أو تعصب، لأنه كشف عن التناقضات والعقد النفسية التي تعيشها المجتمعات المسلمة أو من تدعي التدين ظاهريا.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي