ثورة يوليو والسينما.. من الذي أفاد الآخر وأنصفه أكثر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثورة يوليو والسينما.. من الذي أفاد الآخر وأنصفه أكثر


    ثورة يوليو والسينما.. من الذي أفاد الآخر وأنصفه أكثر











    القاهرة ـ خاص «سينماتوغراف»72 عاماً خلت، ولازالت العلاقة بين ثورة ضباط الجيش على حكم الملك فاروق خلال العام 1952 والسينما المصرية يعتريها كثير من الغموض، حول الدور الذي لعبه كليهما مع أو ضد الآخر. فعلى الرغم من اتجاه كثير من الآراء إلى أن السينما تجاوبت على الفور مع الثورة، معلنة العصيان على عهدها الملكي، وأن الثورة بالمثل ذللت كثيراً من العقبات التي كانت تعترض النشاط السينمائي، بل شارك عدد من رموز الجيش المصري في أعمال سينمائية مثل أحمد مظهر الذي كان ضابطا في سلاح الفرسان، وصلاح ذو الفقار الذي كان ضابطا ومعلما بكلية البوليس، واللذين أصبحا من رموز السينما المصرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.. إلا أن آخرين يرون أن العلاقة لم تخل من القمع والابتزاز المتبادل.أجمع النقاد ومؤرخو السينما المصرية‏ على أن أحد أفلام الحقبة الملكية تنبأ قبل نحو 15 عاماً من الثورة بحدوثها، وأنه تحسس الأحداث وشاهد الغد قبل أن يجيء ممهدا الطريق للثورة، قارئاً الكف السياسي والاجتماعي والثقافي لمصر.






    إن فيلم «لاشين» عام 1938 الذي يتناول بالقصة والسيناريو وتجمعات آلاف الممثلين والكومبارس‏ ثورة المقهورين والجياع والمحرومين من الحلم والأمل، من إنتاج أستوديو مصر وبطولة ممثل مصري تعلم التمثيل في فرنسا، ولم يقف أمام الكاميرات إلا في هذا الفيلم‏ اسمه حسن عزت، بالإضافة إلى نحو عشرة آلاف ممثل وممثلة وإخراج الألماني فريتز كرامب‏، والذي استطاع أن يربط بين الفساد السياسي والخيانة والانهيار الاقتصادي‏، وينتهي بتحقيق إرادة الجماهير في تولي كرسي البلاد قائد من الشعب،‏ إلا أن حكومة النحاس باشا رأت أن عرض الفيلم على هذا النحو فيه إسقاط مباشر على الحكم الملكي، فطلبت إدخال تعديلات عليه، ثم أوقفت عرضه نهائيا.






    سلسلة أفلام وطنيةعندما انطلقت الشرارة الأولى للثورة، كانت السينما المصرية قد قطعت شوطاً كبيراً في ازدهارها، حيث شهد الفيلم المصري نشاطاً ورواجاً متزايداً، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية التي أسهمت في انتشار الفيلم المصري في جميع الدول العربية وإثيوبيا والهند وباكستان واليونان وأمريكا، وكان لابد للسينما أن تتفاعل مع الأفكار الجديدة التي حملتها الثورة، فانطلقت إلى سلسلة من الأفلام الوطنية بدأتها بفيلم أنتج قبل الثورة ولم يعرض إلا بعد قيامها وهو فيلم «مصطفى كامل»، ثم توالت أفلام «الله معنا» لأحمد بدرخان، «رد قلبي» لعز الدين ذو الفقار.






    يعتبر المخرج الراحل «صلاح أبو سيف» من الجيل الذي واكب الثورة، وكان لها دور كبير في توجهاته الفكرية كغيره من المخرجين أمثال عز الدين ذو الفقار، حسن الإمام، عاطف سالم، كمال الشيخ، وكان أبو سيف من أكثر المخرجين إيماناً بأهمية قيامها مجسدا ذلك من خلال أفلام رائعة مثل «بداية ونهاية» عام 1960 عن رواية الأديب نجيب محفوظ حيث رصد تفاعلات العلاقات الاجتماعية في ذلك الوقت وعلاقة الإنسان الفقير بمجتمعه، أيضا فيلم «القاهرة 30» الذي قدم شخصية محجوب عبد الدايم الانتهازي الذي يلتحق بالعمل بمكتب وكيل الوزارة وزواجه من فتاة فقيرة يقدمها للباشا ليحصل بالمقابل على منصب أعلى، راصدا فساد عصر ما قبل الثورة.كما كان للمخرج عز الدين ذو الفقار دور مهم في دعم الثورة، حيث أخرج العديد من الأفلام الوطنية التي رصدت عصر ما قبل الثورة لتؤكد على أهمية قيامها مثل «رد قلبي» الذي يعتبره كثيرون من أنجح الأفلام الوطنية التي ظهرت في هذه المرحلة، والذي كتب قصته يوسف السباعي وهو ضابط سابق ووزير ثقافة راحل، وأخرجه عز الدين ذو الفقار‏،‏ ويعالج قضية الصراع الطبقي من خلال شاب فقير كان أبوه يعمل بستانيا في قصر الأمير، وعندما فكر في أن يتقدم لطلب يد حبيبته فوجئ بالحقيقة المرة، وعرف أنه لا يستطيع ابن الطبقة الفقيرة أن يكون زوجا لابنة الأمير في ظل حكم يتمسك بهذه الفوارق‏،‏ لكن هذا الحكم ينهار وتنفجر الثورة وتسقط هذه الفوارق، عندئذ يصبح ابن الجنايني وبنت الأمير سواء في الحقوق‏،‏ حتى حق الزواج.. ولعل أجمل لقطة في الفيلم تلك التي انفكت فيها عقدة لسان حسين رياض الذي كان مصابا بالشلل‏،‏ حدث هذا في اللحظة التي استطاع فيها الشعب أن يحطم أغلاله وينطلق حرا‏، وعندما نطق حسين رياض‏،‏ نطق الشعب ‏.أداة تأثير سحريةمع ترسيخ الثورة لأقدامها، شهدت السينما حراكا حقيقيا، فأخذت على عاتقها مهمة محو الأمية الثقافية والسياسية، وتبنت الأفكار التي أتت بها الثورة، خاصة بعد أن تم إنشاء المؤسسة العامة للسينما التي تولت إنتاج العديد من الأفلام ذات التوجه السياسي مثل (غروب وشروق، الفتوة، اللص والكلاب، بورسعيد، جميلة بوحريد، باب الحديد، الحرام، البوسطجي وغيرها)، إذ استهدفت الثورة كسر الحاجز الطبقي بين أبناء الشعب الواحد وتبصيرهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وفي هذا الاتجاه استغلت المؤسسة الإنتاجية الرسمية نجومية الممثلين الكبار مثل فريد شوقي وصلاح ذو الفقار وأحمد مظهر وحسين رياض، الذين اعتبرتهم رسلها لدى الغالبية العظمي من القاعدة العريضة، لاسيما أن جمال عبدالناصر كان يؤمن بأن السينما أداة تأثير سحرية، ولم تخيب السينما ظن الساسة في هذا المضمار فأبلت بلاء حسنا.موجه أفلام ناقدةبرحيل عبد الناصر، بدأت السينما في فترة السبعينيات تتخذ اتجاهاً مغايراً لما كان سائداً في عهده من حيث النوع أو الكم، كما انطلقت موجة من الأفلام تنتقد فترة حكمه وتبرز سلبياتها من أهمها «الكرنك» الذي أنتج العام 1975، وأثار جدلاً واسعاً وانتقادات من عدة أطراف ، وأثار الفيلم ضجة كبيرة عند عرضه واعتبر أنه من ضمن الحملة الموجهة والمنظمة ضد عبد الناصر بعد وفاته، وأنه تجريح شخصي لذات عبد الناصر وانقلاب على الثورة وأهميتها، إضافة إلى أنه تناول جانب واحد من هذه الفترة وهي«مراكز القوى» مجسدة برئيس المخابرات «كمال صفوان» الذي أدى دوره الفنان كمال الشناوي، كما ركزت أفلام أخرى على التعذيب في السجون ومراكز القوى مثل فيلم «إحنا بتوع الاتوبيس» إنتاج العام 1979 قصة جلال الحمامصي، ومن إخراج حسين كمال، وفيلم «حافية على جسر من الذهب» إنتاج العام 1977 قصة إبراهيم الورداني، سيناريو وحوار عبد الحي أديب، ومن إخراج عاطف سالم.وفي المقابل، أظهرت الأفلام التي انتقدت فترة حكم السادات انهيار قيم المجتمع المصري وآثار سياسة الانفتاح عليه، إضافة إلى أحداث يناير العام 1977 أو اغتياله بحادث المنصة، وكان من ذلك فيلم «زوجة رجل مهم»، «القطط السمان»، وفيلم «البريء» 1986 قصة وسيناريو وحيد حامد، الذي رصد من خلاله المخرج عاطف الطيب قضية حقوق الإنسان المصري، وأبدع الفنان الراحل «أحمد زكي» في تقديم دور الجندي الطيب الساذج الذي يتم تجنيده في السجن الحربي، ويؤمن من خلال قائده أن المعتقلين هم أعداء الوطن، فيشارك في تعذيبهم، وليتوقف بعدها عندما يجد صديق طفولته في السجن ضمن المعذبين، فيتمرد ويحبس معه في زنزانة واحدة، أثار هذا الفيلم جدلا وانتقاداً واسعاً وظل ممنوعاً لفترة طويلة من العرض على شاشات التليفزيون المصري.عبد الناصر والساداتبعيداً عن الاتفاق أو الإختلاف مع الثورة وما جاءت به من أفكار، يمكن القول إن من أهم الأفلام التي تناولتها في الأعوام الأخيرة فيلمي «ناصر 56» و«أيام السادات»، اللذين أبدع الراحل أحمد زكي بتجسيد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات فيهما، فتناول الأول رفض البنك الدولي تمويل بناء السد العالي ليعلن عبدالناصر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس ليبدأ العدوان الثلاثي الإسرائيلي والبريطاني والفرنسي على مصر، أما فيلم «أيام السادات» فهو مقتبس عن كتاب «البحث عن الذات» لأنور السادات وكتاب زوجته السيدة جيهان، وهو الأمر الذي دعا البعض لانتقاد الفيلم بالقول إنه يمجد السادات، وأنه رؤية أحادية لشخصيته وإنجازاته، قدم الفيلم السادات كإنسان وشخصية لعبت دوراً في تاريخ مصر، وتتبع مشوار حياته منذ البداية إلى اغتياله، نجح الفيلم نجاحاً كبيراً ونال استحسان النقاد على الرغم من أن البعض اعتبره تحيزاً للسادات على حساب عبدالناصر.ويبقى السؤال بعد ذلك، من الذي أفاد الآخر وأنصفه أكثر.. الثورة أم السينما، الواقع يؤكد أن الثورة كانت المستفيد الأكبر، على الرغم من أن السينما في الوقت نفسه لم تقدم عنها فيلماً محايداً طوال الـ72 عاماً التي مضت على انطلاقتها.
يعمل...
X