تويت
حيواتنا أفلام رعب
فيلم "synecdoche.new.york" إنتاج 2008
(مع رابط الفيلم)
نصل في البداية إلى حفل جميل ونكتشف جوانب قاعات تحيط بنا ونتعرف إلى أشخاص ونحاول قراءة ما تقوله عيونهم وشفاههم ثم ما نلبث بعد سنوات أن نخرج إلى حفلات أخرى لنلتقي أناسا آخرين يدخلون حياتنا من جميع الاتجاهات. وخلال ذلك ننشغل ببناء حجرات داخل عقولنا تختلف سعاتها وأحجامها حسب شاغليها حيث نضع كل واحد ممن نعرف في حجرة نعتقد أنها تلائمه.
بهذه الطريقة يتعامل الإنسان مع مجتمعه.
يحدث أحيانا أن يخرج شخص من حجرة ليشغل أخرى ولكنه يبقى دائما في المنطقة حتى لو مات، ولا يغادر المكان في الواقع إلا بموتنا نحن.
وهذه هي الذكريات.
خلال كل هذا نتنقل من مكان إلى آخر وننسجم مع أحداث ومستجدات أو لا ننسجم ثم نصل إلى مرحلة الخوف من أبواب مغلقة ومن استدارات ومن زوايا ومن خفايا نعتبرها مخاطر. وهنا تنتهي تقريبا نشوة الحفلات والصخب والجمال لتبدأ مرحلة الرعب من القادم.
حيواتنا أفلام رعب يمر بها كل واحد منا حتى لو اختلفت الأمكنة والأزمنة والظروف والتسميات. ذلك أن الإنسان، من دون سائر الكائنات على وجه الأرض، هو الوحيد الذي يعرف أنه ماض حتما إلى النهاية. إلى الموت والزوال.
هذه هي باختصار فكرة هذا الفيلم Synecdoche, New York الذي كتبه تشارلي كوفمان Charlie Kaufman وأخرجه ليكون أول تجربة له في الإخراج وهو من إنتاج عام 2008.
وصفه موقع نقدي مهم هو روجر ايبرت بكونه أفضل فيلم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واعتبرته نيويورك تايمز أفضل أفلام السنة. وبالطبع انتقده آخرون ورأوا أنه عبارة عن لغو فارغ وضياع ولا معنى.
يبدأ الفيلم بمشاهد عادية تقريبا قبل أن يدخل في متاهات فلسفية ويطرح أسئلة عن الحياة والموت وأسباب الوجود.
الشخصية الرئيسية مخرج مسرحي يمضي حياته في محاولة إنجاز مشروع حياته وهي مسرحية يختار لها موقعا خاصا جدا داخل مستودع مهجور في مدينة نيويورك. وهناك ينشيء حجرات ومبان وغرفا وشوارع كلها عبارة عن نسخة طبق الأصل تقريبا لنيويورك. وفيها يضع كل الأشخاص الذين يعرفهم أو مروا بحياته ومنهم زوجته التي تهجره وابنته التي تغادر حياته ونساء أخريات حاول إعطاء كل واحدة منهن دورا يحتاج إليه في مسرحية حياته.
الفيلم مليء بالرموز والتلميحات والضبابية إضافة إلى أفكار عميقة وجمل تجعلنا نتوقف عندها لنحاول فك رموزها وفهمها. وهو مليء أيضا بإشارات إلى أمور عديدة هدفها الوحيد إثارة التفكير والتأمل في حياة البشر. كل البشر.
كلٌ منا يعمل مخرجا لحياته ما أن يغادر قاعات الحياة الأولى إلى الخارج ليلتقي العالم والناس ويعيش أحداث يومه.
ولا يتوقف هذا النوع من الإخراج على الإطلاق، حتى تحل لحظة الموت.
إذ أن مسرحية الحياة لا تتوقف عن التفاعل والتغير والتطور مع كل يوم وكل شخص وكل نَفَس.
كل ما نراه في هذا الفيلم خليط بين الواقع والخيال، بين حجرات حقيقية وأخرى معنوية بين أناس بتصرفات فعلية وأخرى تدخل في إطار الأمنيات.
زوجة المخرج كادين كوتارد ( فيليب سيمور هوفمان Philip Seymour Hoffman) رسامة كلما زادت شهرتها صغرت لوحاتها. هي، تتضخم اجتماعيا فيما يعاني هو ويشعر بضمور هائل وهو يحاول إنجاز مشروع عمره. هو، يضيع في كل شيء في مدينته وعقله ومسرحه حتى يبدأ باستخدام ممثلين لأداء دور أصدقائه وأفراد أسرته ثم يشغل ممثلين لأداء دوره هو نفسه قبل أن يشغل ممثلين إضافيين لأداء دور ممثلين.
إسم المخرج نفسه يذكرنا بمتلازمة كوتارد وهو مرض نفسي. كما تعني كلمة Synecdoche التي ترد في العنوان "المجاز المرسل".
الضبابية عظيمة في هذا الفيلم إلى درجة اختلاط الزمن وتوقفه أحيانا وإسراعه أحيانا أخرى إضافة إلى اختلاط الأمكنة والأحداث وحتى الشخصيات والوجوه.
ومع الضبابية يأتي الخوف من الغد ومن الأمراض ومن الموت ومن العلاقات ومن الوحدة.
إنه الخوف من النهاية. فكل ما في الحياة عبارة عن أحداث مخيفة نواجهها حتى نصل إلى آخر مشهد في فيلم الرعب الذي نعيشه.
يقول كوفمان "عادةً، لا أشرح العمل الذي أقدمه لأن هدفي هو خلق حوار مع الجمهور وليس تلقينه أو إلقاء محاضرة عليه. دعوني أذكر حادثة قام فيها موسيقي شهير بعزف قطعة موسيقية ألفها على البيانو. بعد أن انتهى سأله أحدهم "ولكن ما معناها؟" فما كان من الموسيقي إلا أن عاد إلى البيانو وعزف المقطوعة من جديد. وكان ذلك جوابه".
وبالفعل. هذا الفيلم يحتاج إلى أكثر من مشاهدة واحدة. وفي النهاية، ربما يكمن أبسط شرح له ضمن مقولة شكسبير بأن العالم مسرح كبير وما نحن إلا مجموعة من الشخصيات تؤدي دورا ما عليه.
طول الفيلم ساعتان وأربع دقائق تقريبا.
هادي ياسين _سينما العالم
رابط لمن يرغب
https://ok.ru/video/317257091710
فيلم "synecdoche.new.york" إنتاج 2008
(مع رابط الفيلم)
نصل في البداية إلى حفل جميل ونكتشف جوانب قاعات تحيط بنا ونتعرف إلى أشخاص ونحاول قراءة ما تقوله عيونهم وشفاههم ثم ما نلبث بعد سنوات أن نخرج إلى حفلات أخرى لنلتقي أناسا آخرين يدخلون حياتنا من جميع الاتجاهات. وخلال ذلك ننشغل ببناء حجرات داخل عقولنا تختلف سعاتها وأحجامها حسب شاغليها حيث نضع كل واحد ممن نعرف في حجرة نعتقد أنها تلائمه.
بهذه الطريقة يتعامل الإنسان مع مجتمعه.
يحدث أحيانا أن يخرج شخص من حجرة ليشغل أخرى ولكنه يبقى دائما في المنطقة حتى لو مات، ولا يغادر المكان في الواقع إلا بموتنا نحن.
وهذه هي الذكريات.
خلال كل هذا نتنقل من مكان إلى آخر وننسجم مع أحداث ومستجدات أو لا ننسجم ثم نصل إلى مرحلة الخوف من أبواب مغلقة ومن استدارات ومن زوايا ومن خفايا نعتبرها مخاطر. وهنا تنتهي تقريبا نشوة الحفلات والصخب والجمال لتبدأ مرحلة الرعب من القادم.
حيواتنا أفلام رعب يمر بها كل واحد منا حتى لو اختلفت الأمكنة والأزمنة والظروف والتسميات. ذلك أن الإنسان، من دون سائر الكائنات على وجه الأرض، هو الوحيد الذي يعرف أنه ماض حتما إلى النهاية. إلى الموت والزوال.
هذه هي باختصار فكرة هذا الفيلم Synecdoche, New York الذي كتبه تشارلي كوفمان Charlie Kaufman وأخرجه ليكون أول تجربة له في الإخراج وهو من إنتاج عام 2008.
وصفه موقع نقدي مهم هو روجر ايبرت بكونه أفضل فيلم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واعتبرته نيويورك تايمز أفضل أفلام السنة. وبالطبع انتقده آخرون ورأوا أنه عبارة عن لغو فارغ وضياع ولا معنى.
يبدأ الفيلم بمشاهد عادية تقريبا قبل أن يدخل في متاهات فلسفية ويطرح أسئلة عن الحياة والموت وأسباب الوجود.
الشخصية الرئيسية مخرج مسرحي يمضي حياته في محاولة إنجاز مشروع حياته وهي مسرحية يختار لها موقعا خاصا جدا داخل مستودع مهجور في مدينة نيويورك. وهناك ينشيء حجرات ومبان وغرفا وشوارع كلها عبارة عن نسخة طبق الأصل تقريبا لنيويورك. وفيها يضع كل الأشخاص الذين يعرفهم أو مروا بحياته ومنهم زوجته التي تهجره وابنته التي تغادر حياته ونساء أخريات حاول إعطاء كل واحدة منهن دورا يحتاج إليه في مسرحية حياته.
الفيلم مليء بالرموز والتلميحات والضبابية إضافة إلى أفكار عميقة وجمل تجعلنا نتوقف عندها لنحاول فك رموزها وفهمها. وهو مليء أيضا بإشارات إلى أمور عديدة هدفها الوحيد إثارة التفكير والتأمل في حياة البشر. كل البشر.
كلٌ منا يعمل مخرجا لحياته ما أن يغادر قاعات الحياة الأولى إلى الخارج ليلتقي العالم والناس ويعيش أحداث يومه.
ولا يتوقف هذا النوع من الإخراج على الإطلاق، حتى تحل لحظة الموت.
إذ أن مسرحية الحياة لا تتوقف عن التفاعل والتغير والتطور مع كل يوم وكل شخص وكل نَفَس.
كل ما نراه في هذا الفيلم خليط بين الواقع والخيال، بين حجرات حقيقية وأخرى معنوية بين أناس بتصرفات فعلية وأخرى تدخل في إطار الأمنيات.
زوجة المخرج كادين كوتارد ( فيليب سيمور هوفمان Philip Seymour Hoffman) رسامة كلما زادت شهرتها صغرت لوحاتها. هي، تتضخم اجتماعيا فيما يعاني هو ويشعر بضمور هائل وهو يحاول إنجاز مشروع عمره. هو، يضيع في كل شيء في مدينته وعقله ومسرحه حتى يبدأ باستخدام ممثلين لأداء دور أصدقائه وأفراد أسرته ثم يشغل ممثلين لأداء دوره هو نفسه قبل أن يشغل ممثلين إضافيين لأداء دور ممثلين.
إسم المخرج نفسه يذكرنا بمتلازمة كوتارد وهو مرض نفسي. كما تعني كلمة Synecdoche التي ترد في العنوان "المجاز المرسل".
الضبابية عظيمة في هذا الفيلم إلى درجة اختلاط الزمن وتوقفه أحيانا وإسراعه أحيانا أخرى إضافة إلى اختلاط الأمكنة والأحداث وحتى الشخصيات والوجوه.
ومع الضبابية يأتي الخوف من الغد ومن الأمراض ومن الموت ومن العلاقات ومن الوحدة.
إنه الخوف من النهاية. فكل ما في الحياة عبارة عن أحداث مخيفة نواجهها حتى نصل إلى آخر مشهد في فيلم الرعب الذي نعيشه.
يقول كوفمان "عادةً، لا أشرح العمل الذي أقدمه لأن هدفي هو خلق حوار مع الجمهور وليس تلقينه أو إلقاء محاضرة عليه. دعوني أذكر حادثة قام فيها موسيقي شهير بعزف قطعة موسيقية ألفها على البيانو. بعد أن انتهى سأله أحدهم "ولكن ما معناها؟" فما كان من الموسيقي إلا أن عاد إلى البيانو وعزف المقطوعة من جديد. وكان ذلك جوابه".
وبالفعل. هذا الفيلم يحتاج إلى أكثر من مشاهدة واحدة. وفي النهاية، ربما يكمن أبسط شرح له ضمن مقولة شكسبير بأن العالم مسرح كبير وما نحن إلا مجموعة من الشخصيات تؤدي دورا ما عليه.
طول الفيلم ساعتان وأربع دقائق تقريبا.
هادي ياسين _سينما العالم
رابط لمن يرغب
https://ok.ru/video/317257091710