إسفاف واستخفاف كوميديا الأفلام المصرية
في زمن الكآبة العربية
منذ سنوات عديدة مضت، كانت لدى الجمهور الرغبة والقدرة على استيعاب الأفكار الجديدة، وأن يفكر ويبدع ويتأمل الحياة، ويستفيد من تجارب الآخرين، أما الآن فالمجتمع كله مشغول بإشباع الحاجات الأساسية، والشباب يبحث عن عمل ويفكر في الزواج ومحاصر بمشاكل يومية لا تعد ولا تحصى.
بينما الأب منشغل بتوفير تعليم ومدارس جيدة لأبنائه ودروس خصوصية تزهق روحه، ومفردات يومية تستنزفه وتستهلكه، فأصبح الجميع داخل دائرة المشكلات الأساسية الحياتية الروتينية، ولم تعد هناك قدرة على تشغيل المخ، فلقد أصبحنا نعيش فقط، ولم يعد يخطر على بالنا، أنه يمكننا الضحك، ونخرج عن نمط التكشير العام الذي أصبحت ملامحه وتجاعيده على كل الوجوه.
«اضحك للدنيا تضحك لك»، هذا شيء طبيعي ومنطقي، لأن الغرق في الحزن والعبوس لن يحل مشكلة ولن يفك أزمة، فالضحك هو حالة تمرد إيجابي على الواقع المؤلم وخطوة أولى ضرورية للعمل على تغييره، بينما الكآبة هي تعايش مع هذا الواقع الذي يحاصر عالمنا العربي، واستسلام لقضائه وتحسر على الحال. والضحك ليس محاولة التفاف ساذجة أو هروب من الواقع، هو سلاح إضافي، نوبة صحيان، نشد بها أزر بعضنا بعضاً ونحن على الطريق.
والمصريون من أكثر شعوب الأرض بشاشة، هم شعب ضاحك في كل الظروف، وأتصور أن الضحك واحد من أسباب استمرارهم مع الزمن دون أن تطولهم عوامل التعرية بالتفتت والاندثار، وليس غريباً أن يميلوا إلى النكات والمسرح الفكاهي والمونولوج الغنائي والسينما الكوميدية.
والكوميديا كانت ولا تزال فناً صعباً، ولكن كما هو الحال في زمن الاستسهال، أصبحت جسراً سريعاً للشهرة، وإذا أراد أي فنان ناشئ الصعود لسلم الملايين، يتقلد درع الكوميديا ويقدمها بسفاهة واستخفاف من خلال أفلام ليست بها فكرة أو قضية أو رسالة، المهم أن تحتوي على القفشات والإيحاءات التي تخرج أحياناً عن الأدب.
وموجة الأفلام الكوميدية في الزمن الحالي، تعيدنا إلى أيام النكتة السريعة للمنولوجست حمادة سلطان، الذي كان يطلق 50 نكتة في الدقيقة، وتضحك وتقهقه، ولكن لا تتذكر أي نكتة منها بعد لحظة واحدة، لأنها لم تعلم في حياتك، ولم تترك بصمة ذات قيمة.
وهذا ما يجعلنا نتوقف ونتساءل، هل ما نشاهده من أفلام كوميدية اليوم في السينما المصرية يرتكز على شروط وقواعد سينمائية، وهل انتشار أفلام موسم العيدين الفطر والأضحي، ومنتصف ونهاية العام الدراسي، ورأس السنه، وللأسف ما أكثرها المواسم، التي لا تمثل واقع السينما المصرية، أو واقع المجتمع المصري؟.
لقد تحولت صناعة السينما من الفن تماماً إلى التجارة تماماً، حيث إن الطابع الاستهلاكي هو ما يغلب على مثل هذه الأفلام، التي كتبها مجموعة من الكتاب لا يهمهم سوى تقديم بعض «الإفيهات» و«النكت» التي يلتقطونها أحياناً من مقاهي وشوارع وسط البلد بالقاهرة، ولايهمهم أن تكون الكوميديا هادفة أو غير هادفة، ما يهمهم هو أن «يتبسط» الجمهور ويدفع ما في الجيب.
ويبقى السؤال، لماذا تحولت السينما المصرية في أغلب أفلامها ـ إلى الكوميديا، والكوميديا الهابطة تحديداً؟، الإجابة بالتأكيد ستعكس النجاح المسلوق والسريع، من خلال اللعب على المضمون إنتاجياً وجماهيرياً، ما يمنح صناع الأفلام أمام الجمهور شرف المحاولة، إلا أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لصناعة عمل جيد وسينما كوميدية حقيقية أصبحنا للأسف نفتقدها مع ما يقدم من إسفاف واستخفاف.
«سينماتوغراف» ـ أسامة عسل
في زمن الكآبة العربية
منذ سنوات عديدة مضت، كانت لدى الجمهور الرغبة والقدرة على استيعاب الأفكار الجديدة، وأن يفكر ويبدع ويتأمل الحياة، ويستفيد من تجارب الآخرين، أما الآن فالمجتمع كله مشغول بإشباع الحاجات الأساسية، والشباب يبحث عن عمل ويفكر في الزواج ومحاصر بمشاكل يومية لا تعد ولا تحصى.
بينما الأب منشغل بتوفير تعليم ومدارس جيدة لأبنائه ودروس خصوصية تزهق روحه، ومفردات يومية تستنزفه وتستهلكه، فأصبح الجميع داخل دائرة المشكلات الأساسية الحياتية الروتينية، ولم تعد هناك قدرة على تشغيل المخ، فلقد أصبحنا نعيش فقط، ولم يعد يخطر على بالنا، أنه يمكننا الضحك، ونخرج عن نمط التكشير العام الذي أصبحت ملامحه وتجاعيده على كل الوجوه.
«اضحك للدنيا تضحك لك»، هذا شيء طبيعي ومنطقي، لأن الغرق في الحزن والعبوس لن يحل مشكلة ولن يفك أزمة، فالضحك هو حالة تمرد إيجابي على الواقع المؤلم وخطوة أولى ضرورية للعمل على تغييره، بينما الكآبة هي تعايش مع هذا الواقع الذي يحاصر عالمنا العربي، واستسلام لقضائه وتحسر على الحال. والضحك ليس محاولة التفاف ساذجة أو هروب من الواقع، هو سلاح إضافي، نوبة صحيان، نشد بها أزر بعضنا بعضاً ونحن على الطريق.
والمصريون من أكثر شعوب الأرض بشاشة، هم شعب ضاحك في كل الظروف، وأتصور أن الضحك واحد من أسباب استمرارهم مع الزمن دون أن تطولهم عوامل التعرية بالتفتت والاندثار، وليس غريباً أن يميلوا إلى النكات والمسرح الفكاهي والمونولوج الغنائي والسينما الكوميدية.
والكوميديا كانت ولا تزال فناً صعباً، ولكن كما هو الحال في زمن الاستسهال، أصبحت جسراً سريعاً للشهرة، وإذا أراد أي فنان ناشئ الصعود لسلم الملايين، يتقلد درع الكوميديا ويقدمها بسفاهة واستخفاف من خلال أفلام ليست بها فكرة أو قضية أو رسالة، المهم أن تحتوي على القفشات والإيحاءات التي تخرج أحياناً عن الأدب.
وموجة الأفلام الكوميدية في الزمن الحالي، تعيدنا إلى أيام النكتة السريعة للمنولوجست حمادة سلطان، الذي كان يطلق 50 نكتة في الدقيقة، وتضحك وتقهقه، ولكن لا تتذكر أي نكتة منها بعد لحظة واحدة، لأنها لم تعلم في حياتك، ولم تترك بصمة ذات قيمة.
وهذا ما يجعلنا نتوقف ونتساءل، هل ما نشاهده من أفلام كوميدية اليوم في السينما المصرية يرتكز على شروط وقواعد سينمائية، وهل انتشار أفلام موسم العيدين الفطر والأضحي، ومنتصف ونهاية العام الدراسي، ورأس السنه، وللأسف ما أكثرها المواسم، التي لا تمثل واقع السينما المصرية، أو واقع المجتمع المصري؟.
لقد تحولت صناعة السينما من الفن تماماً إلى التجارة تماماً، حيث إن الطابع الاستهلاكي هو ما يغلب على مثل هذه الأفلام، التي كتبها مجموعة من الكتاب لا يهمهم سوى تقديم بعض «الإفيهات» و«النكت» التي يلتقطونها أحياناً من مقاهي وشوارع وسط البلد بالقاهرة، ولايهمهم أن تكون الكوميديا هادفة أو غير هادفة، ما يهمهم هو أن «يتبسط» الجمهور ويدفع ما في الجيب.
ويبقى السؤال، لماذا تحولت السينما المصرية في أغلب أفلامها ـ إلى الكوميديا، والكوميديا الهابطة تحديداً؟، الإجابة بالتأكيد ستعكس النجاح المسلوق والسريع، من خلال اللعب على المضمون إنتاجياً وجماهيرياً، ما يمنح صناع الأفلام أمام الجمهور شرف المحاولة، إلا أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لصناعة عمل جيد وسينما كوميدية حقيقية أصبحنا للأسف نفتقدها مع ما يقدم من إسفاف واستخفاف.
«سينماتوغراف» ـ أسامة عسل