الفنان العراقي صالح رضا يتحاور مع لغة الطبيعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان العراقي صالح رضا يتحاور مع لغة الطبيعة

    الفنان العراقي صالح رضا يتحاور مع لغة الطبيعة


    مشاهد انطباعية تعيد تصوير البيئة العراقية وبيئات غربية.
    السبت 2024/07/13

    رسام لمشاهد من الطبيعة

    من زوايا مختلفة ومتنوعة ومن مشاهد اختزنتها ذاكرته، يستوحي الفنان التشكيلي العراقي صالح رضا أعماله الفنية ولوحاته من مسقط رأسه بعقوبة التي لا يزال وفيا لها، محاولا الانفتاح على غيرها دون الانصراف عن مكامن الجمال والتميز فيها.

    تستضيف قاعة دائرة الفنون المعرض الشخصي الثامن والعشرين للفنان صالح رضا تحت عنوان "لغة الطبيعة"، والذي ضم أكثر من أربعين لوحة بقياس موحد (60×40 سم) ورسمت بألوان الزيت والأكريليك. ويبدو أن للطبيعة لغتها البصرية الساحرة، مثلما هو الحال مع الموسيقى في سماعها، فكلتاهما تشتركان في لغة عالمية أثيرة عابرتيْن للحدود في العالم.

    من هذا المنطلق يقدم الفنان صالح رضا تجربته في رسم مشاهد انطباعية شرقية من البيئة العراقية، كذلك رسم مشاهد من مدن غربية عديدة لا فرق بينها إلا بالروحية الملونة الغناء وجغرافيتها الخلابة من هنا وهناك. الفنان صالح رضا عشق رسم الطبيعة وهو في الرابعة من عمره حيث كان يحمل في ذهنه ملامح وزوايا المشهد الانطباعي قبل أن يحمل تحت إبطه أوراقه وفرشه ولوحاته وألوانه. والطبيعة كانت ومازالت هاجسه الأول والأخير، حيث حرية الرسم واختيار أجمل زوايا الرسم، فالطبيعة هي المعلم الصحيح للفنان والشاعر.

    خلال كل جولاته في مناطق الطبيعة بالعراق وحتى في سفراته الخارجية يذهب إلى مكانه الأثير منذ بزوغ الشمس حتى مغيبها ليرسم ما يستطيع رسمه، من تخطيطات أولية لمشاريع لوحات كبيرة أو يرسم مباشرة على قماش لوحاته، ففي كل جولاته لا تخلو حقيبته من أدوات وقرطاسية الرسم. درس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة على أيدي البعض من عمالقة التشكيل العراقي: فائق حسن، وكاظم حيدر، وحافظ الدروبي، ونزيهة سليم، ومحمد غني حكمت، وفرج عبو. وهذا ما رسخ فيه أن تكون الانطباعية منهله الأول في حله وترحاله.


    صالح رضا: فنان عراقي عشق رسم الطبيعة وهو في الرابعة من عمره، حيث كان يحمل في ذهنه ملامح وزوايا المشهد الانطباعي


    وفي زمن تعج فيه الساحة التشكيلية في العالم بالعديد من المدارس والمذاهب والاتجاهات والتجارب الفنية العامة والشخصية "المعاصرة"، يظل الفنان صالح رضا ملتزما وحريصا على أن يستقي إبداعاته الفنية من انطباعية مدينته الجميلة (بعقوبة) التي ظل وفيا لها طيلة مسيرته الفنية، فمنذ لحظة قطع المشيمة من والدته ارتبط بأعماق طبيعة مدينته “الأم الرؤوم” النضرة بأشجارها الزاهية، حيث أبصرت عيناه أروع الألوان وهو يولد بين أحضان جمال الطبيعة ليترعرع فيما بعد وينشأ بشكل صحيح وصحي وتتربى بصيرته وبصره على ثوابت ألوان وأبعاد وزهو الطبيعة الخلابة التي تنفس فيها الصعداء معافى من مفردات الحداثة الغريبة والمتغيرة باستمرار.

    هكذا كانت نشأة الفنان صالح رضا وهو يستلهم أعماله الفنية من زوايا مختلفة ومتنوعة قائلا "عبر الغرفة المظلمة التي أطل من خلالها على العالم الخارجي وعبر النافذة يمتد بصري نحو الأفق بواقع وخيال.. وصمت وضجيج.. وظلام ونور.. وقوة وضعف.. وجمال وقبح.. وماض وحاضر وبأمل ومستقبل وبلهفة وحب.. بهذا التوازن رسمت لوحات تعبر عن عشقي لوطني، تعبر عن واقع الحال الذي نعيشه لأجسد فيه صدق مشاعري وأحاسيسي ليكون هذا المعرض جسر تواصل ومحبة".

    ومنذ بداياته وهو في المرحلة الابتدائية عشق الفنان صالح رضا الرسم الأكاديمي صحيح النسب الذي يلتزم بالتشريح والبعد الثالث ومزج الألوان والتكوين، وغير ذلك. وكان طوال وجوده في المراحل الدراسية الثلاث يشارك في المعارض الفنية ويحصد المراتب الأولى فيها، حتى دخوله أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1980، ليدرس على أيدي البعض من عمالقة التشكيل العراقي: فائق حسن وكاظم حيدر فرج عبو ونعمت محمود وإسماعيل الشيخلي. وحاول خلال السنة الأخيرة في الكلية أن يعيد الدراسة سنة أخرى لينهل بشغف من الدراسة على يد أستاذه فائق حسن، الذي كان يزجهم في سفرات فنية إلى طبيعة شمال العراق.

    عندما تعرض العراق للحصار الدولي الظالم هاجر صالح رضا وفي حلقه حنظل الفراق، متألما: "خرجت من واحتي الخضراء إلى المنافي مرغما حاملا معي أزهاري وألواني، النار المشتعلة في صدري تشوي بدني فذبلت أزهاري الناضرات وأصبحت عودا يابسا أصنع منها فرشاتي، أتفاخر بثروتي ولكن لا فائدة من ذلك فما أبعد الفارق بين النبات والقتاد، وهل يستوي الربيع والشتاء، لا جدوى من خداع النفس، ندفن رؤوسنا إزاءها في الرمال وتمر الأيام والشهور والأعوام وفجأة نواجه الكهولة تتساقط فيها القلوب من الصدور كما تتساقط أوراق الخريف من الشجر صامتة تاركة وراءها كل الأشياء لأنين الرياح".

    ◙ تجربة في رسم مشاهد انطباعية شرقية من البيئة العراقية ومشاهد من مدن غربية عديدة لا فرق بينها إلا بالروحية الملونة

    الفنان صالح رضا عشق أيضا الرسم لعالم الطفولة، فجسد أجمل لوحاته التي تحمل في طياتها أحلاما وأمنيات وذكريات ورمزيات جميلة وألعابا من عالم وخيال الأطفال، الذي تلذذ في استلهامها وتقديمها. والتي رسمها بعناية فائقة بالألوان المائية والأقلام الخشبية، لقد اقتنت منظمة الأمم المتحدة بعضا من أعماله الخاصة بالطفولة لقيمتها المعنوية وتقنيتها الجمالية العالية، كما طبعت ووزعت على سفارات وقنصليات ومؤسسات المجتمع المدني في القاهرة، فضلاً عن رسمه العديد من الشخصيات الثقافية والفنية، والبورتريه بشكل فائق التنفيذ.

    ويذكر أن صالح رضا من مواليد ديالى في عام 1960، وحاصل على بكالوريوس "رسم" في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد في عام 1985. وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين، أقام 28 معرضا فنيا داخل العراق وخارجه، من بينها معرض في طرابلس عام 1995، ومعرض في تونس عام 2001، ومعرضان في أبوظبي عامي 2002 و2003، ومعرض في مصر عام 2009، ومعرض في تركيا عام 2015، كما شارك في معرض بتونس عام 2000.

    وقد فاز أحد أعماله بالجائزة الأولى في المسابقة التي نظمتها وزارة التشغيل التونسية، وقد تم اعتماده شعارا للوزارة. وحاز على العشرات من الشهادات التقديرية وكتب الشكر والتقدير، كما تم اقتناء عمله "من وحي الطفولة" من قبل الأمم المتحدة في القاهرة وطبعها وتوزيعها على شكل "كارتات/ بطاقات"، وهو متفرغ حاليا للفن.


    علي إبراهـيم الدليمي
    كاتب عراقي
يعمل...
X