"بنكهة البرزخ".. رؤية شعرية ناضجة لتاريخ مسقط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "بنكهة البرزخ".. رؤية شعرية ناضجة لتاريخ مسقط


    "بنكهة البرزخ".. رؤية شعرية ناضجة لتاريخ مسقط


    البوسعيدي يقدم تجربة استثنائية استندت إلى أدوات شعرية ناضجة جعلته يحتل مكانة مهمة على صعيد الساحة الشعرية العمانية والعربية.
    السبت 2024/07/13

    موقف فكري وجمالي ثري

    عمان - يتكئ الشاعر العماني يونس البوسعيدي في ديوانه الجديد "بِــنَـكهةِ البَرزخ" على جزء من خطاب للسلطان قابوس بن سعيد، يتحدث فيه عن مبدأ السلام والسماحة المقترن بالقوة، ثم يتبعه بقصيدته الأولى التي يتغنّى فيها بجمال سلطنة عُمان وأهلها.

    ويقدم البوسعيدي ديوانه الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن بعد تجربة كبيرة استندت إلى أدوات شعرية ناضجة جعلته يحتل مكانة مهمة على صعيد الساحة الشعرية العمانية والعربية، ووضعته في مصاف الشعراء الكبار، وذلك من خلال ما يقدمه هذا الديوان الغني بالموضوعات الشعرية المختلفة من نقلة واسعة في بناء القصيدة والقدرة على بناء الصور الفنية العميقة التي تمثل جوهر القصيدة كوحدة إبداعية، وقدرة على ربط وتطوير موقف فكري وفني من مجمل الوحدات الإبداعية أو القصائد التي نظمت في الديوان.

    في قصيدته "أحجيةٌ في مرآةِ امرأةٍ هولنديّة” يقود الشاعرُ المتلقيَّ إلى لحظة بعيدة في جوهر المدينة مسقط، فيجعلك تنظر إلى مدينة من زمن آخر، مدينة لا بد أن تعشقها حين تسمع القصيدة:

    "مسقطُ أحجيةٌ في مِرآةِ امرأةٍ هولنديّة.

    قالت:

    مسقطُ أُمُّ الناسِ

    الناسُ بمسقطَ مرْجُ زهورٍ يُسقى مِنْ حُبّ واحدْ

    في مقهًى في (شطّ القُرْمِ)، و(سوق السيبِ)

    كما أسنانِ المِشْطِ

    هنا الإنسانَ هو الميزانْ

    مسقطُ بنتُ الحُبِّ، وبنتُ الحِصْنِ، وبنتُ النخلِ، وبنتُ البحر، وتلبسُ خنجرَ كالتنورْ".

    ولعله يرمي بثقل الحب الذي يثقل كاهله على كاهل القارئ فيشاركه حمل الحب، مبتعدا عن الألاعيب اللفظية التي من شأنها التفريط في قدرة القصيدة على التركيز، وخلق نواة شعرية يمكن متابعتها وفهمها، وتصوّر حياة الشاعر ورؤيته الشعرية، ومحاولة ربط السيرة الشخصية بسيرة المدينة.

    ويغوص البوسعيدي في التاريخ ويتخذه طوق نجاة أحيانا فيما يسخره أحيانا أخرى ليكون أكثر استشرافا للمستقبل حين استحضاره بهاجس التحريض والحوار معه لا بهاجس الانصياع والتبعية، للوصول إلى لحظة وعي يجد فيها طريقا إلى التحرر من التابوهات والقيود.


    ◙ البوسعيدي يغوص في التاريخ ويتخذه طوق نجاة أحيانا فيما يسخره أحيانا أخرى ليكون أكثر استشرافا للمستقبل


    يشتمل الديوان على مجموعة متنوعة من القصائد هي: طائرٌ في حِصْنٍ عُماني، أحجيةٌ في مِرآةِ امرأةٍ هولنديّة، يقولُ مسافرٌ في الباص، حقائبُ هزلى، جَنَاح "لاماسو" المهيض، أطلقَ الرُّوح، كالمحرَّر، كأنه موناليزا، صراط، لزحمة شوارع مسقط، لقطةٌ ضجِرَة، رتابة، أوقفتُ الساعة، ضحِك، حُزْنُ لاعبِ الخِفّة، عِــمــىً بصير، كما السائح الأعمى، روزنامة الغبار، دعوة تذكارية إلى إبراهيم السوطي، على مشارف أندلسٍ ما، نَكهة الحريّة، ظِلُّ الظِلّ، خطوطُ قطار، كصندوق البريد، رمية بولينج، على زجاج “الهايبرِ ماركت”، هُيولى برزخيّة، ما يفعل البدويّ؟، مرثيّةُ الشاوي، قدريّة الطين، برزخيّ، برزخٌ مخمليّ، شُعُوبًا وَقَبَائِل، تعالي لِذاكرةٍ بيضاء، موعد، ترميم، طائرة ورقية، سالم الصُّوْري يحملُ عُودَه، بهلولٌ مولويّ، مارادونا، المطرحيّ، ساڤو أخرى، السنيورةُ تمشي في منَح، سأخرجُ مني.

    يشار إلى أن الشاعر يونس بن مرهون بن يوسف بن حميد البوسعيدي يعمل محاميًا، حاز مكرمة من لدن السلطان قابوس بن سعيد ضمن الأربعين أديبًا مُجيدًا بمناسبة العيد الوطني الأربعين لسلطنة عمان. وصدرت للشاعر الدواوين التالية: "قريبٌ كأنه الحُبّ"، "س من الناس"، "رُوحُه البحر والريح”، "كاللبان محترقًا أُغنّي"، "مايسترو الوردةِ والبرق"، "صنّاجةُ عُمان.. الشيخ محمد بن علي الشرياني"، وديوان "هاجس الماء والمرايا" الذي يعد ترسيخا لتجربة الشاعر وبيانا للتطور التصاعدي الملموس في مسيرته مع الكلمة على صعيد بناء القصيدة الشعرية ومساراتها ومواضعها المتعددة. كما يوجد هذا الإصدار ألق الحرف مع الشاعر البوسعيدي وإيجاد مساحة شعرية خاصة به، إضافة إلى ديوان "كطائر يحلم بالمطر" وهو سفر شعري وصف في ماهيته احتواءه على أفقين شعريين رئيسيين العمودي والتفعيلة مع الدهشة حيث وقع القصيدة، واستحضاره لصور مبتكرة، ودلالات عميقة اتخذت من الثنائية والمفارقة أداة للدهشة.

    كما صدر للشاعر كتاب في المقالات بعنوان “جوقة العنادل”، والذي وصفه بالحلم الذي لم ينته بعد، حيث يقول عنه “في أصله حُلم لم ينته بَعد، حلم له امتداد قبلي وسيكمله آخرون، وهو إعلاء صوت الشاعر والشعر العماني خارج الجغرافيا، فكانت هذه الكتابات عن الشعر والشاعر العماني على هيئة مقالات تتبع الجاذبية وليس النهج العلمي، الجاذبية فيما تلتقطه الروح من الأدب العماني والشعري بصورة أقرب".

    وإصدار "جوقة العنادل" وجد صداه حين خروجه إلى النور مباشرة، إذ اتخذ منه الباحث الشيخ خلفان بن سالم البوسعيدي مصدرا عند الحديث عن الشيخ محمد بن مسعود الصارمي، وهذا يمثل إشارة مهمة إلى فاعلية الهدف الذي تقصّده الكتاب، وهو الالتفاف حول الشعر العماني قديمه وحاضره.

    ويوضح الشاعر البوسعيدي "لم أشأ من الكتاب أنْ يأخذ الطابع الأكاديمي بل هو مقالات تتلمس الذائقة والقراءة الانطباعية، كما لم تنتهج خطّا زمنيا واحدا، فنظرت للشاعر العماني القديم والشاعر العماني المعاصر، وإنْ كان يُرى أنّ كثيرا منها كان احتفاءً بالشاعر الذي غادرنا جسده، فإن ذلك من الوفاء له".
يعمل...
X