الأديب علي قطب لـ"العرب": العزف لا ينفصل عن الكتابة عند نجيب محفوظ
دراسة تضم معجمين للأغاني والقصائد الشعرية في أعماله.
السبت 2024/07/13
ShareWhatsAppTwitterFacebook
دراسة مغايرة لعالم نجيب محفوظ
تأثر نجيب محفوظ بالغناء والطرب فجعلهما رفيقيه في تحريك قافلة السرد، وألهمه بعض الفنانين لرسم ملامح شخصياته الشهيرة التي تحول بعضها إلى شخصيات سينمائية، وقد وظف الشعر أيضا واستلهم منه رموزا ودلالات جعلت تجربته الأدبية المهمة جزءا لا يتجزأ من التأريخ لمصر شعبا وفنا.
القاهرة - من يدخل بيت نجيب محفوظ يستمع إلى صوت القاهرة، فالأغنيات والأنغام والأشعار لون واضح في نسيج السرد عند الأديب الحافظ لتاريخ تكوينه. بهذه الكلمات استهل الأديب المصري علي قطب أولى سطور دراسته المهمة، الصادرة حديثا في كتاب بعنوان “الغناء والطرب في أدب نجيب محفوظ” عن دار بيت الحكمة للنشر في القاهرة.
تؤكد الدراسة أن قراءة سرد نجيب محفوظ، الأديب المصري الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، تفتح صفحة لتسجيل تاريخ الفن في مصر، حين كان سؤال الهوية محوريا في مواكبة حركة الاستقلال أيام ثورة 1919، وصوتها المعبّر عن إيقاع حياتها، وهو الفنان سيد درويش، ثم متابعة امتداد مسار التطور الفني مع ظهور الموسيقار محمد عبدالوهاب والمطربة أم كلثوم، وتنويعات الذائقة الشعبية في احتفالاتها وأوقات سرورها، مع الانتباه لروح الطفولة وصخبها المتبلور في أناشيد الألعاب ببراءتها وشقاوتها.
بدأت فكرة إعداد كتاب عن نجيب محفوظ تراود علي قطب خلال فترة كتابة مجموعته القصصية “ملخص ما سبق” التي استكمل فيها أدبيا قصة “الحب فوق هضبة الهرم” لمحفوظ نفسه، ما استدعى مطالعة الأعمال الكاملة له كي يتمكن من استكمال خطوطه. وقال علي قطب لـ”العرب” إنه وجد خلال تلك القراءة الكثير من الموضوعات التي تستوقفه، ويمكن إجراء دراسات حولها، لكن الغناء عند محفوظ هو أكثر ما لفت نظره، في ظل عدم وجود دراسة حقيقية عن هذا الموضوع المهم، ولذا بدأ رحلة بحثه.
وسعى كتاب “الغناء والطرب في أدب نجيب محفوظ” إلى رصد دور الغناء في أعمال أديب نوبل، وتوظيف الشعر في رواياته وقصصه، لما يمنحه الشعر من غنائية تسري في كيان النص السردي المنطلق، كما يسير الطريق بالقافلة التي تضم الأحبة والغرباء في الذهاب والإياب.
◙ قراءة سرد نجيب محفوظ تفتح صفحة لتسجيل تاريخ الفن في مصر
وأضاف قطب “إذا كان الحادي هو الذي يحث الإبل على السير في صفاء البيداء وعتماتها، فيغرس في نفوس شبابها وفتياتها فسائل الوجد، ويثير لدى كهولها وشيوخها الشجن الذي يستعيد من سكرية الذاكرة سيرة الحب، فإن الغناء عند محفوظ هو ذاك الحادي الذي يحرك قافلة السرد بكل عناصرها الدرامية المتشابكة التي يكرسها لاكتشاف فلسفة الحياة".
واستغرق الكتاب وقتا للعمل عليه ويضم معجمين كبيرين للأغاني والقصائد الشعرية الواردة في أعمال محفوظ، لكن أكثر ما شجع علي قطب على استكمال بحثه، هو اختيار نجيب محفوظ شخصية معرض أبوظبي الدولي للكتاب، في دورته السابقة.
وأشار الأديب المصري إلى أنه رأى تقديم أقصى ما يستطيع من جهد في البحث ليكون ذلك احتفاءه الخاص بمحفوظ، ولا بد من توجيه الشكر لمؤسسة بيت الحكمة للثقافة ناشرة العمل، لجهدها المبذول بهدف إخراج الكتاب إلى النور في أحسن شكل.
وعلي قطب كاتب وروائي مصري صدرت له عدة أعمال حصدت جوائز منها رواية "كل ما أعرف" عن دار العين للنشر، ورواية "أنثى موازية" التي حصلت على جائزة ساويرس الثقافية بالقاهرة عام 2017، ومجموعة قصصية بعنوان “ملخص ما سبق” التي نالت جائزة مسابقة المجلس الأعلى للثقافة في مصر للمواهب الأدبية (دورة الأديب خيري شلبي)، وقصة “أحفاد أليس الثلاثة وعصابة الألوان” التي حصلت على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب في أدب الطفل عام 2023.
وأكد لـ"العرب" أن أثناء رحلة البحث لإعداد الدراسة، صاحبته صورة شهيرة محددة، هي صورة نجيب محفوظ وهو يعزف على آلة القانون، ووجد أن العزف لا ينفصل عن الكتابة فالقانون ورقة محفوظ الموسيقية.
ويضم الكتاب عدة نماذج من الأعمال الموسيقية، تمت الإشارة إليها في سياق السرد في أعمال نجيب محفوظ، ما يؤكد أن الغناء ظاهرة في إبداعه، والسياقات الغنائية عند محفوظ طرحت للتأمل في موضوع العلاقة الثلاثية بين المبدع والفن والواقع، فمنحت للمبدعين الذين يعدون روايات محفوظ وقصصه لتقديمها دراميا مساحة لتوظيف الأغاني والموسيقى.
◙ رصد دور الغناء وتوظيف الشعر في روايات محفوظ وقصصه، لما يمنحه الشعر من غنائية تسري في كيان النص السردي
وحدث هذا في تحويل رواية “زقاق المدق” إلى فيلم سينمائي أخرجه المخرج المصري الراحل حسن الإمام، إذ يقول الراوي في النص الأدبي “ثم كانت المفاجأة السارة، إذ دق بعضهم أرض المسرح حتى شمل الصمت الجمع المحتشد، ثم بدا مونولوجست، معروفا في لباسه البلدي، فما كادت تراه الأعين المحدقة حتى جن جنونهم فرحا وسرورا".
وأدرك المخرج حسن الإمام في الحال أن صورة "المونولوجست" عند محفوظ هي إشارة إلى الفنان محمود شكوكو في الواقع، فأعطى الدور له في الفيلم أي أن السرد أحال إلى الواقع، فشاهد جمهور السينما ذات الشخصية التي رسمها السرد، ما يعد درجة من الواقعية تصل إلى حد التسجيلية في السرد والسينما معا.
هدف علي قطب إلى أن يكون كتابه إضافة للمكتبة العربية، سعيا إلى ربط الفنون ببعضها البعض وتقديم صورة مسموعة للعصر، والإشارة إلى دور الأغنية في حياتنا، بما تمثله من أيقونة وذروة للحظة الدراما، لحظة الحب، لحظة الوداع، وغيرها، فالأغنية هي صورة درامية مكثفة.
في رواية "ميرامار" يشترك جميع الأبطال، داخل البنسيون (الفندق الصغير) الذي يحمل اسم الرواية في الاستماع إلى سهرة أم كلثوم من المذياع على الهواء، ولم يحدد نجيب محفوظ أغنية معينة لكوكب الشرق في السياق الروائي، لكن الفيلم كان في حاجة إلى صوت أم كلثوم ليظهر الانفعالات المختلفة للشخصيات، ويوضح ملامح كل منها بعمقها الشعوري وذوقها وتوجهاتها الفكرية.
اختار سيناريو الفيلم الذي أعده الكاتب المصري الراحل ممدوح الليثي أغنية "أنت عمري” بالتحديد، باعتبارها ممثلة لمرحلة الستينات، وتتويجا لمصر الستينية في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واشتهرت وقتها بمسمى “لقاء السحاب” بين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وقد كان للرواية موقفها النقدي من هذه المرحلة التاريخية وبالتالي لم يأت الفيلم بعيدا عن رؤية محفوظ الفكرية.
وأكد الأديب المصري علي قطب أن نجيب محفوظ قد تلقى صوت القاهرة في مهده، وظلت أصداء المدينة تتردد في صوته، وسردية محفوظ كلها اكتسبت من ثقافتنا العربية روح الغنائية التي تتردد في الذاكرة والمخيّلة، تمنحنا وهجا يساعد شعورنا على استقبال معطيات عالمنا المتغير، بخبرة المحب الذي يشفق على البشرية من طموحها وضعفها، فقد استمع لصوتها المشحون بالشجن وهي تسير في رحلتها الطويلة، مهما أدركتها الغفلة وألهاها النسيان فصوت الإبداع نداء البشرية العابر لأطلال العصور.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد شعير
كاتب مصري
دراسة تضم معجمين للأغاني والقصائد الشعرية في أعماله.
السبت 2024/07/13
ShareWhatsAppTwitterFacebook
دراسة مغايرة لعالم نجيب محفوظ
تأثر نجيب محفوظ بالغناء والطرب فجعلهما رفيقيه في تحريك قافلة السرد، وألهمه بعض الفنانين لرسم ملامح شخصياته الشهيرة التي تحول بعضها إلى شخصيات سينمائية، وقد وظف الشعر أيضا واستلهم منه رموزا ودلالات جعلت تجربته الأدبية المهمة جزءا لا يتجزأ من التأريخ لمصر شعبا وفنا.
القاهرة - من يدخل بيت نجيب محفوظ يستمع إلى صوت القاهرة، فالأغنيات والأنغام والأشعار لون واضح في نسيج السرد عند الأديب الحافظ لتاريخ تكوينه. بهذه الكلمات استهل الأديب المصري علي قطب أولى سطور دراسته المهمة، الصادرة حديثا في كتاب بعنوان “الغناء والطرب في أدب نجيب محفوظ” عن دار بيت الحكمة للنشر في القاهرة.
تؤكد الدراسة أن قراءة سرد نجيب محفوظ، الأديب المصري الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، تفتح صفحة لتسجيل تاريخ الفن في مصر، حين كان سؤال الهوية محوريا في مواكبة حركة الاستقلال أيام ثورة 1919، وصوتها المعبّر عن إيقاع حياتها، وهو الفنان سيد درويش، ثم متابعة امتداد مسار التطور الفني مع ظهور الموسيقار محمد عبدالوهاب والمطربة أم كلثوم، وتنويعات الذائقة الشعبية في احتفالاتها وأوقات سرورها، مع الانتباه لروح الطفولة وصخبها المتبلور في أناشيد الألعاب ببراءتها وشقاوتها.
بدأت فكرة إعداد كتاب عن نجيب محفوظ تراود علي قطب خلال فترة كتابة مجموعته القصصية “ملخص ما سبق” التي استكمل فيها أدبيا قصة “الحب فوق هضبة الهرم” لمحفوظ نفسه، ما استدعى مطالعة الأعمال الكاملة له كي يتمكن من استكمال خطوطه. وقال علي قطب لـ”العرب” إنه وجد خلال تلك القراءة الكثير من الموضوعات التي تستوقفه، ويمكن إجراء دراسات حولها، لكن الغناء عند محفوظ هو أكثر ما لفت نظره، في ظل عدم وجود دراسة حقيقية عن هذا الموضوع المهم، ولذا بدأ رحلة بحثه.
وسعى كتاب “الغناء والطرب في أدب نجيب محفوظ” إلى رصد دور الغناء في أعمال أديب نوبل، وتوظيف الشعر في رواياته وقصصه، لما يمنحه الشعر من غنائية تسري في كيان النص السردي المنطلق، كما يسير الطريق بالقافلة التي تضم الأحبة والغرباء في الذهاب والإياب.
◙ قراءة سرد نجيب محفوظ تفتح صفحة لتسجيل تاريخ الفن في مصر
وأضاف قطب “إذا كان الحادي هو الذي يحث الإبل على السير في صفاء البيداء وعتماتها، فيغرس في نفوس شبابها وفتياتها فسائل الوجد، ويثير لدى كهولها وشيوخها الشجن الذي يستعيد من سكرية الذاكرة سيرة الحب، فإن الغناء عند محفوظ هو ذاك الحادي الذي يحرك قافلة السرد بكل عناصرها الدرامية المتشابكة التي يكرسها لاكتشاف فلسفة الحياة".
واستغرق الكتاب وقتا للعمل عليه ويضم معجمين كبيرين للأغاني والقصائد الشعرية الواردة في أعمال محفوظ، لكن أكثر ما شجع علي قطب على استكمال بحثه، هو اختيار نجيب محفوظ شخصية معرض أبوظبي الدولي للكتاب، في دورته السابقة.
وأشار الأديب المصري إلى أنه رأى تقديم أقصى ما يستطيع من جهد في البحث ليكون ذلك احتفاءه الخاص بمحفوظ، ولا بد من توجيه الشكر لمؤسسة بيت الحكمة للثقافة ناشرة العمل، لجهدها المبذول بهدف إخراج الكتاب إلى النور في أحسن شكل.
وعلي قطب كاتب وروائي مصري صدرت له عدة أعمال حصدت جوائز منها رواية "كل ما أعرف" عن دار العين للنشر، ورواية "أنثى موازية" التي حصلت على جائزة ساويرس الثقافية بالقاهرة عام 2017، ومجموعة قصصية بعنوان “ملخص ما سبق” التي نالت جائزة مسابقة المجلس الأعلى للثقافة في مصر للمواهب الأدبية (دورة الأديب خيري شلبي)، وقصة “أحفاد أليس الثلاثة وعصابة الألوان” التي حصلت على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب في أدب الطفل عام 2023.
وأكد لـ"العرب" أن أثناء رحلة البحث لإعداد الدراسة، صاحبته صورة شهيرة محددة، هي صورة نجيب محفوظ وهو يعزف على آلة القانون، ووجد أن العزف لا ينفصل عن الكتابة فالقانون ورقة محفوظ الموسيقية.
ويضم الكتاب عدة نماذج من الأعمال الموسيقية، تمت الإشارة إليها في سياق السرد في أعمال نجيب محفوظ، ما يؤكد أن الغناء ظاهرة في إبداعه، والسياقات الغنائية عند محفوظ طرحت للتأمل في موضوع العلاقة الثلاثية بين المبدع والفن والواقع، فمنحت للمبدعين الذين يعدون روايات محفوظ وقصصه لتقديمها دراميا مساحة لتوظيف الأغاني والموسيقى.
◙ رصد دور الغناء وتوظيف الشعر في روايات محفوظ وقصصه، لما يمنحه الشعر من غنائية تسري في كيان النص السردي
وحدث هذا في تحويل رواية “زقاق المدق” إلى فيلم سينمائي أخرجه المخرج المصري الراحل حسن الإمام، إذ يقول الراوي في النص الأدبي “ثم كانت المفاجأة السارة، إذ دق بعضهم أرض المسرح حتى شمل الصمت الجمع المحتشد، ثم بدا مونولوجست، معروفا في لباسه البلدي، فما كادت تراه الأعين المحدقة حتى جن جنونهم فرحا وسرورا".
وأدرك المخرج حسن الإمام في الحال أن صورة "المونولوجست" عند محفوظ هي إشارة إلى الفنان محمود شكوكو في الواقع، فأعطى الدور له في الفيلم أي أن السرد أحال إلى الواقع، فشاهد جمهور السينما ذات الشخصية التي رسمها السرد، ما يعد درجة من الواقعية تصل إلى حد التسجيلية في السرد والسينما معا.
هدف علي قطب إلى أن يكون كتابه إضافة للمكتبة العربية، سعيا إلى ربط الفنون ببعضها البعض وتقديم صورة مسموعة للعصر، والإشارة إلى دور الأغنية في حياتنا، بما تمثله من أيقونة وذروة للحظة الدراما، لحظة الحب، لحظة الوداع، وغيرها، فالأغنية هي صورة درامية مكثفة.
في رواية "ميرامار" يشترك جميع الأبطال، داخل البنسيون (الفندق الصغير) الذي يحمل اسم الرواية في الاستماع إلى سهرة أم كلثوم من المذياع على الهواء، ولم يحدد نجيب محفوظ أغنية معينة لكوكب الشرق في السياق الروائي، لكن الفيلم كان في حاجة إلى صوت أم كلثوم ليظهر الانفعالات المختلفة للشخصيات، ويوضح ملامح كل منها بعمقها الشعوري وذوقها وتوجهاتها الفكرية.
اختار سيناريو الفيلم الذي أعده الكاتب المصري الراحل ممدوح الليثي أغنية "أنت عمري” بالتحديد، باعتبارها ممثلة لمرحلة الستينات، وتتويجا لمصر الستينية في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واشتهرت وقتها بمسمى “لقاء السحاب” بين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وقد كان للرواية موقفها النقدي من هذه المرحلة التاريخية وبالتالي لم يأت الفيلم بعيدا عن رؤية محفوظ الفكرية.
وأكد الأديب المصري علي قطب أن نجيب محفوظ قد تلقى صوت القاهرة في مهده، وظلت أصداء المدينة تتردد في صوته، وسردية محفوظ كلها اكتسبت من ثقافتنا العربية روح الغنائية التي تتردد في الذاكرة والمخيّلة، تمنحنا وهجا يساعد شعورنا على استقبال معطيات عالمنا المتغير، بخبرة المحب الذي يشفق على البشرية من طموحها وضعفها، فقد استمع لصوتها المشحون بالشجن وهي تسير في رحلتها الطويلة، مهما أدركتها الغفلة وألهاها النسيان فصوت الإبداع نداء البشرية العابر لأطلال العصور.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد شعير
كاتب مصري