لماذا تغيب النوفيلا عن الأدب العربي المعاصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا تغيب النوفيلا عن الأدب العربي المعاصر

    لماذا تغيب النوفيلا عن الأدب العربي المعاصر


    كتاب عرب: الجوائز والناشرون كرسوا الروايات الطويلة.
    الأحد 2024/07/14
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    قارئ اليوم يحتاج إلى النوفيلا (عمل للفنان علي رضا درويش)

    من المفارقات الكبيرة في العالم العربي تكريس الكتابة السردية في الروايات ذات الأحجام الكبيرة، أو المنتفخة، وتجاهل سواها، ونحن في زمن السرعة. وربما يعود ذلك إلى الجوائز التي يحكم لجانها أكاديميون وكتاب مكرسون لهم معاييرهم. ولكن هيمنة مثل هذه الأعمال حجبت نوعا أدبيا غاية في الأهمية هو النوفيلا. “العرب” ترصد آراء عدد من الكتاب والمتابعين حول هذا الموضوع.

    رفض خورخي لويس بورخيس التورط في كتابة الرواية لأن هذا الجنس الأدبي حسب رأيه مبهم بالنسبة إلى كاتبه وقارئه على حد سواء. ويعتقد بأنه من الهراء والمضني واللامعقول تأليف كتب ضخمة أو يتم تمديد الفكرة في خمسمئة صفحة فيما يستغرق عرضها شفاهيا عدة دقائق.

    ومن الواضح أن المقصود من فحوى كلام بورخيس هو الرواية الطويلة. الأمر الذي يكون عاملا للتقابل بين ما يقوله بورخيس وما يسود المشهد الأدبي من التسابق في كتابة الروايات الطويلة أو النهرية التي غالبا ما تقع في إغراء التبذير اللغوي وما يسترعي الانتباه في هذا الإطار هو ندرة النوفيلا أو الرواية القصيرة، وهي بخلاف الرواية الضخمة تمتاز باللغة المقتصدة والصياغة الرشيقة والكثافة التعبيرية. لماذا تغيب كتابة هذا الشكل القصير؟ وماهي الأسباب التي تؤجل مشروع تأليف النوفيلا؟
    الشكل لا يهم



    هيفا نبي: النوفيلا تزدهر أكثر في المساحات الضيقة والعوالم الداخلية


    بداية تقول الكاتبة السورية هيفا نبي بأنها لا تعتبر النوفيلا تحويرا للرواية كما لا تجد في مصطلح القصة القصيرة مرادفا للفظ النوفيلا. مشيرة إلى أن النوفيلا تتوسط بين القصة القصيرة والرواية لكن ذلك لا يصلح تعريفا لها لأن ما يحدد هذا الشكل الأدبي هو المكان الذي يمكن الاشتغال فيه ولا تشاركه في ذلك القصة أو الرواية. مع أن هذه الصيغة الأدبية ليست شكلا حديثا لكن حدودها الغامضة تجعل من اللجوء القصدي إليها معقدا وغامضا إلى حد غير قليل.

    تلخص هيفا نظرتها بهذا الشأن قائلة بأن الموضوع الأدبي يفرض شكل كتابته، فإن كان العمل يدور حول حدث مركزي واحد يلف كل شيء آخر حول نفسه كزوبعة، مع اعتماد أساسي على الكثافة الشعورية، فالنوفيلا أقدر على تجسيد ذلك. وإذا كان العمل الأدبي ينطلق من سؤال واحد ويقتصر على عدد محدود من الشخصيات والأحداث ويركز بشكل أكبر على التأثير العمودي لا الأفقي للحدث في هذه الحالة أيضا لا يمكنك كتابتها بشكل روائي مطول أو قصصي. هذه الكثافة تجد وعاءها في النوفيلا أكثر من الأنواع الأدبية الأخرى.

    إضافة إلى التعود على كتابة الرواية الطويلة تجد نبي سببا آخر للعزوف عن تأليف النوفيلا في الوسط الثقافي العربي وهو نوع من قلة اهتمام الرواية العربية عامة بالعوالم الداخلية والأبنية السيكولوجية للشخصيات والتحرك الحر في العالم الضيق/الواسع للنفسية البشرية والكثافة التي تفرضها. هذا العمق الذي يضرب ضربة واحدة لا اثنتين ويبني العالم داخليا لا خارجيا ليس واسع الانتشار في الرواية العربية. لا يعني هذا أن المجال النفسي هو المنطقة الوحيدة التي تتحرك فيها النوفيلا، وإنما يعني أنها تزدهر أكثر في المساحات الضيقة ظاهريا والعوالم الداخلية من أهمها.

    ومن الأعمال التي تفوقت في هذا المضمار حسب قراءة نبي “النفق” لأرنستو ساباتو و”بيدرو بارامو” لخوان رولفو و”أورا” لكارلوس فوينتس وعربيا “حجرة” لأمل الفاران و”بصقة في وجه الحياة” لفؤاد التكرلي. المشترك في هذه العناوين هو جعل الحدث الخارجي الاعتباطي أحيانا محركا لصراعات عميقة وكثيفة لا تحدث على مستوى السطح.

    تختم نبي كلامها بالقول إن النوفيلا شجرة رشيقة بلا أفرع، لا يمكن لكل مضمون حكائي أن يجد مكانه فيها، وتتناسب برأيها مع اندفاعات العوالم الداخلية بشكل واضح بسبب العمق والكثافة اللتين تطرحهما.


    كمال الرياحي: عدم الاعتراف بالنوفيلا ظاهرة عالمية لا عربية فقط


    ويعتقد الكاتب التونسي كمال الرياحي بأن عدم الاعتراف بالنوفيلا ظاهرة عالمية، مشيرا إلى أنه نادرا ما تجد عبارة النوفيلا على النصوص التي تنتمي إلى هذا الشكل القصصي، ويذكر بهذا الصدد روايات شتاينباك كاللؤلؤة أو رواية “الشيخ والبحر” لهمنغواي أو “الحمامة” لزوسكيند أو “النورس جوناثان ليفينغستون” أو “المسخ” لكافكا، كلها تتميز بوحدة موضوعاتها وشخصياتها القليلة وغيرها من شروط كتابة النوفيلا حاصلة، لكن كتابها لم يهتموا بهذا التجنيس.

    ويلاحظ الرياحي أن بعض الكتاب ممن نشروا رواياتهم في سلسلة تحمل في طرفها علامة نوفيلا هم أنفسهم تبرأوا من ذلك التصنيف، واعتبروه مجرد اختيار تسويقي من الناشر، مؤكدا بأن هذا أمر خطير يعيد إلى الأذهان ما يحدث لفن اليوميات التي يقع الخلط بينها وبين المذكرات وينشرها الناشرون بعلامات أجناسية خاطئة، لأن ذلك إذا لم يخن التعبير فهو ترويج لأخطاء معرفية سيكون لها تأثير سلبي على القراء وعلى عملية التلقي.

    إلى جانب الخلط والفهم الضبابي للنوفيلا يحدد الرياحي عوامل أخرى لحضورها الباهت لعل أبرزها التهميش على اعتبار أن هذا الشكل القصصي ليس إلا حصيلة هجانة لا تكسب اعتراف المتاجر الأدبية. كما أن غياب الحوافز لإنتاجها كالجوائز، يدفع بالنوفيلا إلى خارج إطار اهتمام المبدعين، وما يمكن الرهان عليه وسط هذه التحديات هو ظهور كتاب جيدين يكتبونها بوعي بخصوصيتها، وهم زاهدون في الجوائز حتى يراكموا مدونة تستطيع أن تنتزع مكانة في الأدب العربي.

    أخيرا وليس آخرا يقول صاحب “عشيقات النذل” إن التجربة تخبرنا أنك إذا أردت أن تطور جنسا أدبيا أو نوعا أدبيا كرسه والتكريس يكون بإطلاق الجوائز المهمة لهذا النوع، وإذا أردت أن تقضي على نوع أدبي ما فهمشه واستبعده من الجوائز القريبة منه أو لوح بذلك.

    ومن جانبها تصرح الكاتبة السورية فدوى العبود بأن السؤال عن فكرة غياب النوفيلا مركب لأنه يفترض وجود الأولوية لتأليف الرواية الطويلة أو النهرية. تبحث العبود في صميم الحياة والكينونة عن الإجابة فبرأيها الزاخر بخلفية فلسفية يميل الإنسان لقول كل شيء دفعة واحدة في الرواية، ينوع في الأحداث، يخترع حبكات جانبية، هذا التطلع لتغير العالم أو إخضاعه لافتراضات جانبية ومتخيلة تستدعي شبكة واسعة من الشخصيات؛ وهذا يعني سلطة الإرادة على العالم.


    فدوى العبود: الأسباب التي ترجئ تأليف النوفيلا إما ذاتية أو موضوعية


    بخلاف ذلك تكشف تشكيلة النوفيلا، في رأيها، لونا آخر للمزاج من خلال اللغة المقتضبة، والتسمر في مكان واحد. لا حبكات جانبية، إذ يتكثف الشعور حول الذات، لا أفعال مضاعفة، شخصية عادية، أفعال متلاحقة تدفع بعضها للتحطم. إنها لحظة إدراك حياتنا التي هي حدث واحد متكرر وممتد. وإذا كانت كما اعتبرها الروائي الأميركي ويل جويش “جرحا عاطفيا” فإن تأجيل كتابتها يبدو مفهوما.

    تشير العبود إلى أن ماركيز ألف “الحب في زمن الكوليرا”، بروح ملحمية حيث يوجد شخص بعد خمسين عاما يستعيد حب المراهقة، هذا رائع لكن هل تصدقه؟ أكيد أن ماركيز سيجعله قابلا للتصديق. وما إن مضى زمن وصار غارسيا في هزيع العمر حتى سخت موهبته بـ”ذاكرة غانياتي الحزينات”، فالنص الأخير يذكر بأن الحياة قصيرة جدا تتطلب رشاقة في العرض.

    أما عن الأسباب التي ترجئ تأليف النوفيلا فهي تحددها بين ذاتية وموضوعية تضرب مثالا توضيحيا للإبانة بين مزاجين بقولها “اليائس في الرواية سيتحدث طويلا لصديقه، وقد يقصد المقهى أو يكلم أحدهم أو يتحدث للمرآة؛ لكن الشخص ذاته في النوفيلا لن يتحرك من مكانه إلا لتعليق مشنقة”.

    إجابة الكاتبة اللبنانية زينب مرعي تستند إلى التجربة الذاتية وهي تقول “لا أظن أن الكاتب يقرر الشكل الذي يكتبه قبل أن تكون فكرته قد نضجت تماما”. بالنسبة إليها، الشكل يأتي ليخدم الفكرة، في معظم الأحيان. فبداية، الفكرة هي التي تحدد للمؤلف كيف سيتعامل معها، كيف يعالجها ومن ثم تتبلور بصورة نابضة، وعلى أساسها يختار الشكل الذي سينصفها.

    عدا ذلك تحدد زينب عوامل أخرى قد تدفع الكاتب إلى تنفيذ فكرته بالشكل الأدبي الذي اختاره، إن كان ”نوفيلا“ أو ”رواية طويلة“ أو غيرها. فبرأيها أهم هذه العوامل، هي دور النشر مثلا، التي تلعب دورا كبيرا في تحديد أشكال نصوصنا، وتكون أحيانا شريكا فعليا في عملية الكتابة، وشروط هذه الدور تختلف كثيرا من بلد إلى آخر. إذا اقتصر الحديث على الدور العربية، فالكثير من النصوص لا تلقى حظوة النشر لأنها ”قصيرة جدا“ ولا تصلح أن تصنف ضمن فن الرواية، فتطلب الدار من الكاتب توسيعها، أو على العكس، ترفض الرواية لأنها ”طويلة جدا“، فتطلب الدار اختصار النص أو تَعمد إلى نشره على شكل أجزاء.


    حسن أكرم: النوفيلا ستكون ضمن أولويات الكاتب في الأيام القادمة


    من هنا يلعب الناشر دورا أساسيا، في اختيار أو تغيير شكل النص الذي كان الكاتب قد اختاره بداية. وحتى الماضي القريب، كانت الدور تضع معظم النصوص النثرية التي تروي قصة أو سيرة، تحت اسم ”رواية“، ولو أن بعضها قد يكون فعليا ”نوفيلا“، نظرا إلى الاصطلاح السابق على أن الرواية هي أكثر شكل أدبي يباع. لكن مؤخرا، يلاحظ بأن دور النشر تتجه أكثر إلى التنويع والتجديد، فصارت تجد آليات جديدة لنشر النصوص بالصيغة التي أراد لها كاتبها أن تنشَر، مع التسميات التي تعبر عن نوعها أكثر.

    وقد تكون الـ”نوفيلا“، أقرب إلى القارئ اليوم، الذي يفضل النصوص القصيرة.

    والسؤال أين يكون موقع الكاتب الذي ينشر روايات قصيرة محتذيا بكافكا وهمنغواي وكامو على خريطة السرد العربي؟ تنضم الكاتبة العمانية ليلى عبدالله إلى الأصوات التي تربط بين الكتابة ومفهوم التشكل الذاتي واجدة مستندها في عبارة للناقد والباحث الفرنسي رولان بارت حين كان يقول إن الرواية تكتب نفسها بنفسها. والكتابة عموما تمضي على هذا المنوال.

    وتضيف أن معظم الكتاب تكتبهم الكتابة، بمعنى لا توجد لديهم خطة معينة حين تلح عليهم فكرة ما، بل يجلس ببساطة ليحررها من عقله. ثم تتشكل على هيئة ما يراها ملائمة. هناك أفكار تتنامى وتستدعي شخصيات عديدة، بينما أفكار أخرى تعبر عن نفسها من خلال شخصية متوحدة أو حدث ما قصير وتصل لأعلى درجات الكمال والمتعة وهي على هيئة قصة قصيرة أو نوفيلا.

    تعد صاحبة “سيرة الملوك” النوفيلا كقصة قصيرة طويلة، عند الغرب تتجاوز صفحات القصة القصيرة المئة، وتظل محتفظة بانضباطها كقصة قصيرة ولا يرونها كرواية، وعلى هذا النحو كانت الكاتبة القصصية التي حازت على نوبل في القصة القصيرة أليس مونرو تمضي في كتابتها القصصية. الكتابة السردية عموما هي فن التعبير الحر. تتخلق على هيئات متعددة تتخيرها طبيعة الفكرة والكاتب ليس أكثر من محرر يطلقها محددا تسلسلها لتأتي المادة بالهيئة الأكمل والأجمل والأكثر متعة.


    أمين السعيد: غياب فكرة كتابة النوفيلا هو إهمال من قبل الكتّاب

    نهاية الشكل القديم




    يريد الكاتب العراقي حسن أكرم قراءة المشهد من مسرح الحدث فهو مراقب عن كثب لسوق الرواية، مشيرا إلى أنه لم يصادف في الحراك الروائي المعاصر بموجته العراقية نصا يتمثل لمواصفات النوفيلا باستثناء ما صدر للحمراني بعنوان “أنفي يطلق الفراشات”. يستشف أكرم رغبة لدى معظم الروائيين من الخط الأول لتسجيل الحضور في مدونة النوفيلا، وهم قد بادروا فعليا بتأليف هذا الشكل القصصي غير أن المشكلة تكمن على حد قوله في غياب الظهر أو السند النقدي يمكن النوفيلا من التحرك في حلبة التنافس.

    الأمر اللافت بالنسبة لمؤلف “خطة لإنقاذ العالم” هو حالة التخبط التي يعاني منها الكاتب والقارئ العراقي في آن واحد. فمع توسع سلطة الملهيات في حياة الفرد، أصبح من الصعب على القارئ أن يلتزم بقراءة عمل ضخم لكاتب عراقي، وذلك مع الإحباط الذي يسببه التشابه والتكرار في تجربة الكاتب، هذا ما يفسره انخفاض مبيعات الكتاب العراقيين في السنين الأخيرة، القارئ اليوم صار يمتعض من كاتبه المفضل، ويضرب بالوثيقة الضمنية بينه وبين كاتبه بعرض الحائط عندما تستخف النصوص بالعقول.

    يعتقد حسن أن أسطورة الرواية بشكلها الأوربي ستتبدد، لأن الكاتب مطالب بأن يقول ما عنده بصفحات قليلة، وما يهم الناس هو مكافأة دوبامين عالية بسرعة، وإذا لم يحقق النص ذلك سيبحث القراء عن ضالتهم في الكمبيوتر والهواتف أو عبر مشاهدة “الريلزات”، كل ذلك يضع النوفيلا ضمن أولويات الكاتب في الأيام القادمة.

    يرى الكاتب العراقي أمين السيد بأن النوفيلا جنس أدبي اعترف به العالم قديما وحديثا، وكتابه حصدوا جوائز عالمية مثل نوبل. ويبدو أن غياب فكرة كتابة هذا النوع هو إهماله من قبل الكتاب، كونهم اعتمدوا الكلاسيكية في الكتابة ضمن سمات التعدد المكاني والشخصيات. بالإضافة إلى حرص الناشر على نشر الروايات التي يمكن أن ينافس بها في الجوائز العربية، هو مهتم بالشكل الضخم. وبدلا من أن يقبل عملا من 100 صفحة هو يعتمد عملا يصل إلى 500 صفحة.

    وعن ذلك يتضح أن الكاتب ظل في القالب القديم دون الاطلاع أكثر على الأجناس الأدبية الجديدة في بلاد أخرى، فهو يظل يدور في فلك النثر كرواية أو قصة قصيرة فقط أو في فلك الشعر بين القصيدة العمودية والحرة. ويرفض ما عداهما من أعمال تحت ذريعة التيه والخروج عن الأصل. كما لو أنه يعد النوفيلا كائنا معاقا يعبث بوجدان الإنسان، غائبا عن ذهنه قابلية السرد الحكائي على تنظيم فني واع يرصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكبرى. هذا حقا يهدد النوفيلا بالانقراض.
    أسباب الغياب




    من جانبها تؤكد الكاتبة السعودية رجاء البوعلي أن أفق الأدب العربي منفتح على شتى الاتجاهات ويتسع لأشكال متعددة من الكتابة وما يمكن الاتكاء عليه لفهم التفاوت في معدل الإنتاج هو اختلاف الظروف والبيئة الحاضنة للجنس الأدبي ذاته. قد لا يحتاج الأمر إلى استذكار تاريخ نشأة فن النوفيلا منذ القرن الثامن عشر، وما أنتج خلال هذه الحقب من تحف فنية مثل رائعة جورج أورويل “مزرعة الحيوان”، بقدر ما هو ضروري التركيز على تحديد ظروف العصر.

    السؤال عن غياب فن النوفيلا، يفتح مجالا للبحث أولا في ميدان الدراسة والمناهج الأكاديمية المقررة لتدريس الأدب بأقسامه العربية والأجنبية. ثانيا: ميدان الكتابة الأدبية والسرد فيه. وتفضل البوعلي تناول الموضوع من موقعها كدارسة وأكاديمية قائلة “درست الشعر والمسرحية والقصة والرواية كمقررات تخصصية، تفصيلية ونقدية، غير أن النوفيلا كانت تحضر في سياق عام لذكر أنواع الأجناس النثرية، دون تخصيص بمقرر مستقل. وإن اعتبرنا هذه الحالة متفاوتة بين الجامعات وقابلة للتطوير والتغيير في وضع المناهج، لكن أعتقد بأن لها تأثيرا يظهر لاحقا. هذا على مستوى تأسس الفن كجنس أدبي قائم بذاته”.

    أما في ميدان ممارسة السرد، فالأمر يعزى لأسباب كثيرة منها: التفاوت المعرفي لدى السراد ذاتهم بخصائص فن النوفيلا مقارنة بغيره، غياب و”محدودية” الرعاية الرسمية من المؤسسات الثقافية والجوائز الأدبية العربية والعالمية بفن النوفيلا مقارنة بالرواية، عدم وضوح ملامح الفن ذاته ولعل هذه الصورة في طور الانكشاف والظهور لكلا الكاتب والقارئ، الشعبية القرائية العامة التي تفضل الرواية والقصة. وتشير البوعلي في ذات السياق إلى مبادرات ومشاريع أدبية تخدم المواهب والطاقات الإبداعية في السعودية.

    يعلن الروائي العراقي زهير كريم معارضته للتسميات التي لا تحمل قدرا من الإنصاف والوضوح، وهو يقصد بذلك التوصيفات التي تفترض تبعية النوفيلا، إلحاقها بالرواية القصيرة، أو القصة الطويلة. أمام هذا الاعتراض يبدو شخصا يفترض وحسب، لا يقدم مرافعة للدفاع عن شخصية مستقلة أو مزاج خاص يمكن وصفة بوضوح.

    في حديث مع صديق كاتب حول روايته القصيرة (130 صفحة) يستدل كريم بخبرته المتراكمة خلال أكثر 15عاما إذ في غضون هذه السنوات قد أنجز العديدَ من النصوص السردية التي تتجاوز 170 صفحة، وهو يتساءل لماذا لم يطرق باب النوفيلا على الرغم من الرغبة التي شكلت لديه مشاعر غامضة، ميول تنشط مع كل عمل جديد؟

    صيغة السؤال عن غياب النوفيلا لا تخلو من التعسف برأي مؤلف “خيوط زعفران” لأنها تفترض نوعا من الهجران وهو يفضل طرح أسئلة مرتبطة بمزاج الكاتب وشخصيته، وطبائعه، وهي علامات يمكننا الانتباه لها عند تظهير صورة النوفيلا في المختبر النقدي. تضاف للحجم وهو العلامة الأكثر تداولا، الأفكار الأقل تعقيدا، الخطوط الأقل تشابكا، الحركة الضيقة للشخصيات، الشعور المكثف في النوفيلا، العالم المحدد، والتركيز على عواطف عميقة ومركزة.

    ما تخلص إليه بناء على آراء المشاركين في سياق هذا التحقيق أن ثمة عوامل متعددة تحدد شكلَ الكتابة وخط الإبداع منها ما يكون مرتبطا بالاستعداد الذهني أو التربة الثقافية كما أن المزاج يلعب دورا لا يستهان به في اختيار الكاتب للمساحة التي يتحرك فيها هل يريد أن يكون مشاء للمسافات الطويلة أو راكضا بسرعة البرق قاطعا مسافة مئة متر؟!

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    كه يلان محمد
    كاتب عراقي
يعمل...
X