[ATTACH=JSON]n223761[/ATTACH]
جبل الزاوية إرث سوري في قلب التاريخ وصمام أمان شمالي البلاد
29 - يونيو - 2024م
حسام محمد
تتربع محافظة إدلب السورية الواقعة في شمال غربي البلاد على إرث تاريخي وحضاري ممتد منذ عدة قرون، كانت فيها المحافظة تسمى إدلب الكبرى، ومع تقلبات التاريخ وطي صفحات أمم وأجيال، وجراء التغييرات الطارئة بفعل عدة عوامل بشرية وتحت تأثير الطبيعة، باتت إدلب الحالية أصغر بكثير من تلك التي كانت قائمة في العصور السابقة، فيما تدل المعالم الأثرية الهائلة في عهدنا الحالي، إلى كنز ثقافي للمنطقة. في كل بقعة أثرية هناك تاريخ لشعوب سابقة، وهو ما جعل من إدلب من أقدم البقع الجغرافية المأهولة ومن أغنى المحافظات السورية الحالية بالآثار الموغلة بالقدم فهي تملك ثلث آثار البلاد.
ووفق ما توصلت أحدث الدراسات فإن تاريخ المحافظة يمتد إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، لتترك خلفها العديد من الجواهر الأثرية الممتدة من عين الكرخ إلى مملكة ايبلا والحقب الحثية – آرامية – آشورية – يونانية – رومانية – بيزنطية وصولا إلى العصور الإسلامية المتواترة والمختلفة، ويتجلى ذلك في أوابدها التاريخية الهامة المنتشرة في إدلب، وبعضها مدرج على لائحة التراث العالمي.
هذه الحضارات المتعاقبة في محافظة إدلب، زينت التاريخ السوري بأكثر من 760 معلما أثريا وحضاريا مسجلا بقرارات وزارية سابقة، كما يوجد في إدلب 40 قرية أثرية شكلت خمس «باركات» مسجلة على لائحة التراث العالمي، وتعود هذه المواقع الأثرية إلى حقب زمنية مختلفة من عصور ما قبل التاريخ مروراً بفترة الشرق القديم والفترة الكلاسيكية وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة.
جبل الزاوية
يقع جبل الزاوية ضمن المنطقة الواقعة على تخوم محافظة إدلب الجنوبية وشمالي محافظة حماة، وتعد منطقة جبل الزاوية الخاصرة الأقوى للطريق الدولي m4 الممتد من محافظة حلب ويرتبط بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري، بطول 100 كيلو متر.
ويتألف جبل الزاوية، أو جبل أريحا من كتلتين يفصل بينهما واد قامت فيه حضارات قديمة وتقع في وسطها مدينة البارة الأثرية.
كما تعتبر جبل الزاوية حلقة الوصل بين إدلب وحماة، وتضم 35 بلدة وقرية، وتحتضن مواقع أثرية مهمة، بعضها وضع على لائحة التراث العالمي، نتيجة تفردها وتميزها
أبرز المواقع الأثرية
شكل جبل الزاوية عبر الحلقة مسارا استراتيجيا ومنصة متعددة المهام للأمم والشعوب التي اتخذت منه مسكنا ومستقرا ونقطة جوهرية في الصراعات، ما جعل خريطة جبل الزاوية تكتسب أهمية بارزة في مجال الصراعات العسكرية ونقاط الحماية.
لم تتوقف أهمية منطقة جبل الزاوية عند الجوانب العسكرية والمعيشية، بل امتدت إلى الجوانب الاقتصادية والترفيهية، حيث أدى تنفيذ المشاريع الطرقية فيها إلى ازدهار المقار التي كانت تستخدم ضمن الأعمال التجارية والاستراحات وهو ما كان يعرف بمسمى الخانات، كما حظي بأهمية خلال مواسم الحج.
عدي الشعار وهو خريج كلية الآثار ومهتم بتاريخ إدلب وآثارها، أشار خلال تصريحات خاصة أدلى بها لـ «القدس العربي» إلى اكتساب جبل الزاوية أهمية من النوع الفريد، من خلال تموضعه في الجزء الشمالي من جبال الكتلة الجبلية الكلسية في شمال غرب سوريا، ويتألف جبل الزاوية، أو جبل أريحا من كتلتين يفصل بينهما واد قامت فيه مدينة البارة.
وتعد قمة النبي أيوب وجبل الأربعين، من المناطق السياحية ويقصدها الناس للاستجمام، كونها تشرف على سهول واسعة من أرياف المنطقة.
وحسب المتحدث، فإن أهم المواقع الأثرية في جبل الزاوية هي رويحة، وسرجيلا، وجرادة، والبارة، وباعودة، ودانا الجنوبية، التي تتمتع بهوائها العليل، وسرجة، ودير سنبل، كذلك قلعة الطارمية الرومانية الموجودة في قرية الموزرة في غرب جبل الزاوية.
بعثات التنقيب
يتخلل جبل الزاوية والمنطقة المحيطة به، العديد من المدن والمواقع الأثرية صنفت ضمن المناطق الميتة أو المنسية، فيما تم الكشف عن أكبر مجموعة من الخرائب الأثرية الرومانية والبيزنطية في جبل الزاوية من قبل بعثة فرنسية، كانت برئاسة الدكتور جورج تات، وهذه الخرائب تعود للقرون الوسطى، فيما لا يزال تاريخ تأسيسها مجهولا حتى يومنا هذا.
فيما أفاد محمد الطوبان وهو أحد سكان منطقة البارة المهتم بمعالم المنطقة الأثرية، خلال تصريحات أدلى بها لـ«القدس العربي» أن البعثة الفرنسية كانت آنذاك تحت إشراف مكتب اليونسكو التابع للأمم المتحدة والخاص بدراسات التراث الحضاري الخاص بالشرق الأوسط كدول سوريا، والأردن، وفلسطين.
وأضاف الطوبان أن عمل البعثة الفرنسية كان بإشراف الدكتور جورج تات مدير المكتب برفقة رئيس البعثة الميداني الدكتور جيرار شاربتيه، وكانت فترة العمل تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر في السنة وتتم عملية التنقيب والبحث عن التاريخ والحضارات للبلدان التي أطلق عليها سابقا القرى المنسية ومن خلال تلك العملية يعثر العاملون والمراقبون على بعض القطع النقدية والأشكال الحجرية والفخارية التي تنتمي إلى العهد الروماني والبيزنطي، ومنها للعهد الإسلامي وكذلك لوائح الفسيفساء والموزاييك والتماثيل الحجرية بالطبع كانت تصور وترقم وتسلم إلى متحف مدينة إدلب في ذلك الوقت.
وحسب الطوبان، تشكل البارة الواقعة في جبل الزاوية، جزءاً من قائمة مواقع اليونيسكو للتراث العالمي «القرى القديمة في شمال سوريا» منذ عام 2011 وقد أُدرجت على «قائمة التراث العالمي المعرض للخطر» في عام 2013 من بين 36 موقعاً للتراث العالمي في ثمانية متنزهات أثرية، يوجد عشرة مواقع في منطقة البارة البارة، وبترسا، وباعودا، وبشيلا، ودللوزة، ومجليا، وربيعة، وسرجيلا، وشنشراح، ووادي مرتحون.
ويعتبر موقع البارة، ذو طابع حضري، ففي خلال الفترة البيزنطية المبكرة، من القرن الرابع الميلادي وما بعده، أصبحت البارة مركزاً إقليمياً هاماً، ومركزاً اقتصادياً ودينياً في جبل الزاوية، وقد ارتبطت لفترة طويلة من الزمن، بالمنطقة الإدارية لمدينة أفاميا (أباميني) التي تقع على حدود سهل وادي الغاب المجاور، وكانت متصلة بشبكة الطرق التجارية التي تعود للعصور القديمة المتأخرة في شمال غرب سوريا، وكانت هذه الطرق تتشعب بين مدن أفاميا في الجنوب وأنطاكية في الشمال الغربي وكذلك حلب في الشمال الشرقي.
كما تضمنت منطقة البارة تجمعات المياه المحلية عدداً من القرى الأصغر كمجليا وبترسا، بالإضافة إلى بعض الأديرة، مثل دير سوباط الذي كان يقع إلى الخارج قليلًا من منطقة البارة، كما سمح الموقع الطبوغرافي للبارة بامتلاكها بئراً للتزود بالماء، وهو استثناء في الكتلة الكلسية التي تندر بها المياه، لذلك كان الناس يعتمدون بشكل كبير في الأراضي المنخفضة على تخزين مياه الأمطار في خزانات.
تضرر المعالم الأثرية
مدير متحف إدلب أيمن نابو، أشار إلى تموضع إدلب عموما على معالم أثرية وحضارات متنوعة للغاية، وهو ما جعل من المحافظة نقطة ارتكاز وقوة في بناء العلاقات وبعث رسائل اطمئنان إلى البعثات الأجنبية التي كانت تنشط في المحافظة، وذلك بعد معاودة أعمال التنقيب عن بقية المعالم الأثرية الغائرة ومحاولة تحديد هويتها التاريخية وماهية وهوية من كان يسكن فيها.
وأضاف أن هناك أضرارا ناجمة عن انتشار عمليات التنقيب العشوائي والسري من قبل لصوص الآثار والباحثين عن الكنوز بشكل عام، حيث تعرضت ما يقارب 70 في المئة من المواقع الأثرية لهذه الظاهرة، ويعزو مدير متحف إدلب ذلك، إلى قلة فرص العمل وضيق مصادر الرزق واتخاذ بعض الشباب هذا العمل كمهنة بسبب ضيق سبل المعيشة، إضافة لانتشار الشائعات حول المبالغ التي تباع بها اللُقى الأثرية.
إضافة لـ «موجات النزوح نتيجة الحملات العسكرية المتكررة التي قامت بها قوات النظام السوري، وسكن النازحون ضمن المواقع الأثرية، وبسبب حاجة الناس لبنية تحتية وصرف صحي، تم إنشاء كتل سكنية داخل المواقع الأثرية، ما سبب لها ضررا يعزز احتمالية خروجها مستقبلاً من إطارها التاريخي».
حملات عسكرية وسعي للسيطرة
خلال عهد الثورة السورية، وبعد خروج جبل الزاوية والمنطقة الواسعة المحيطة به عن سيطرة قوات النظام السوري، يحاول جيش الأخير إعادة فرض سيطرته على المنطقة، بهدف الاستحواذ على الطريق الدولي m4 حيث لا يمكن الإمساك بالطريق الدولي ما لم تتم عملية السيطرة على جبل الزاوية.
إلا أن قصف النظام السوري خلال السنوات السابقة والحملات العسكرية المتعاقبة لم تخوله إعادة السيطرة على جبل الزاوية الوعر والمناطق المحيطة به، حيث توقفت العمليات العسكرية على أعتابه في آواخر عام 2019 ونتج عنها سيطرت النظام السوري على مساحات شاسعة من أرياف إدلب وحماه وحلب، وفق ما قال المحلل العسكري العميد عبد الجبار العكيدي.
تأمين الطرق الدولية مشروط، وفق المحلل العسكرية بالسيطرة على منطقة جبل الزاوية التي خرجت في 2012 عن سيطرة قوات النظام السوري، لصالح فصائل المعارضة.
وتنبع أهمية المنطقة وفق ما قاله العكيدي، من كونها منطقة حاكمة ومرتفعة وذات تضاريس وعرة وتساعد على المقاومة على حد وصفه، مشيراً إلى أن سقوط جبل الزاوية بيد قوات النظام سيؤدي لسقوط ما تبقى من المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، وهي منطقة تمتد من جسر الشغور غرب إدلب وسهل الغاب شمال حماه، حتى إدلب المدينة الواقعة شمال جبل الزاوية، وتصبح تحت مرمى النيران.
وأشار إلى أن «السيطرة على جبل الزاوية تعني في النهاية السيطرة على الطريق الدولي m4 وإحكام السيطرة على طريق m5 الذي سيطر عليه النظام في مطلع 2020 أثر على عسكرية واسعة النطاق، وبالتالي تعزيز السيطرة على الطريق وحمايته من أي استهداف من قبل الفصائل المتواجدة في جبل الزاوية، فالجبل مهم جداً لأنه يشرف على كل محيطه».
زراعة تحت النار
يتخوف أهالي منطقة جبل الزاوية من جني محاصيلهم الزراعية نتيجة القصف المتكرر والألغام المنتشرة في الأراضي الزراعية القريبة من الجبهات مع قوات النظام، والذي سبب بمقتل وجرح عدد من المدنيين في ظل حرصهم على جني محصولهم نتيجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة والغلاء الكبير الذي تعيشه المنطقة رغم المخاطر الموجودة.
شهادات سكان محليين، أشارت إلى توجه الأهالي إلى أراضيهم، قبل طلوع الشمس ليجنوا أكبر قدر ممكن من محاصيلهم الزراعية قبل بدء عملية القصف المعتادة التي تتعرض لها المنطقة، في ظل وجود طيران الاستطلاع الذي لا يفارق الأجواء، فالخوف يلازم كافة المزارعين المتواجدين في المنطقة.
فمنطقة جبل الزاوية تعتبر زراعية بامتياز، ولكنها تفتقر للمياه فلا يوجد إلا القليل من الآبار الارتوازية، كذلك هناك تخوف كبير من المزارعين من عمليات القصف والتهجير، فتجد القليل ممن يزرع كامل أرضه الصالحة للزراعة، خوفاً من الخسائر الكبيرة في حال حدوث تهجير مفاجئ لسكان المنطقة.
ووفق المصادر الأهلية، فإن المزارعين يعانون من ارتفاع تكاليف الزراعة والحصاد، نظراً لعدم وجود صيدليات ومراكز زراعية وأسواق لتصريف المنتجات، فالمزارعون يتجهون لأسواق أريحا ومعرة مصرين لتأمين كافة المتطلبات من بذور ومبيدات وأسمدة.
ويعتمد سكان جبل الزاوية على الزراعة بالدرجة الأولى، وفضلوا العيش في قراهم وبلداتهم لزرع أراضيهم والاستفادة من محصولها، نتيجة انقطاع المساعدات الإنسانية، والارتفاع الكبير في الأسعار، الذي ساهم بانتشار البطالة وتردي القطاع الاقتصادي في المنطقة.
جبل الزاوية إرث سوري في قلب التاريخ وصمام أمان شمالي البلاد
29 - يونيو - 2024م
حسام محمد
تتربع محافظة إدلب السورية الواقعة في شمال غربي البلاد على إرث تاريخي وحضاري ممتد منذ عدة قرون، كانت فيها المحافظة تسمى إدلب الكبرى، ومع تقلبات التاريخ وطي صفحات أمم وأجيال، وجراء التغييرات الطارئة بفعل عدة عوامل بشرية وتحت تأثير الطبيعة، باتت إدلب الحالية أصغر بكثير من تلك التي كانت قائمة في العصور السابقة، فيما تدل المعالم الأثرية الهائلة في عهدنا الحالي، إلى كنز ثقافي للمنطقة. في كل بقعة أثرية هناك تاريخ لشعوب سابقة، وهو ما جعل من إدلب من أقدم البقع الجغرافية المأهولة ومن أغنى المحافظات السورية الحالية بالآثار الموغلة بالقدم فهي تملك ثلث آثار البلاد.
ووفق ما توصلت أحدث الدراسات فإن تاريخ المحافظة يمتد إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، لتترك خلفها العديد من الجواهر الأثرية الممتدة من عين الكرخ إلى مملكة ايبلا والحقب الحثية – آرامية – آشورية – يونانية – رومانية – بيزنطية وصولا إلى العصور الإسلامية المتواترة والمختلفة، ويتجلى ذلك في أوابدها التاريخية الهامة المنتشرة في إدلب، وبعضها مدرج على لائحة التراث العالمي.
هذه الحضارات المتعاقبة في محافظة إدلب، زينت التاريخ السوري بأكثر من 760 معلما أثريا وحضاريا مسجلا بقرارات وزارية سابقة، كما يوجد في إدلب 40 قرية أثرية شكلت خمس «باركات» مسجلة على لائحة التراث العالمي، وتعود هذه المواقع الأثرية إلى حقب زمنية مختلفة من عصور ما قبل التاريخ مروراً بفترة الشرق القديم والفترة الكلاسيكية وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة.
جبل الزاوية
يقع جبل الزاوية ضمن المنطقة الواقعة على تخوم محافظة إدلب الجنوبية وشمالي محافظة حماة، وتعد منطقة جبل الزاوية الخاصرة الأقوى للطريق الدولي m4 الممتد من محافظة حلب ويرتبط بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري، بطول 100 كيلو متر.
ويتألف جبل الزاوية، أو جبل أريحا من كتلتين يفصل بينهما واد قامت فيه حضارات قديمة وتقع في وسطها مدينة البارة الأثرية.
كما تعتبر جبل الزاوية حلقة الوصل بين إدلب وحماة، وتضم 35 بلدة وقرية، وتحتضن مواقع أثرية مهمة، بعضها وضع على لائحة التراث العالمي، نتيجة تفردها وتميزها
أبرز المواقع الأثرية
شكل جبل الزاوية عبر الحلقة مسارا استراتيجيا ومنصة متعددة المهام للأمم والشعوب التي اتخذت منه مسكنا ومستقرا ونقطة جوهرية في الصراعات، ما جعل خريطة جبل الزاوية تكتسب أهمية بارزة في مجال الصراعات العسكرية ونقاط الحماية.
لم تتوقف أهمية منطقة جبل الزاوية عند الجوانب العسكرية والمعيشية، بل امتدت إلى الجوانب الاقتصادية والترفيهية، حيث أدى تنفيذ المشاريع الطرقية فيها إلى ازدهار المقار التي كانت تستخدم ضمن الأعمال التجارية والاستراحات وهو ما كان يعرف بمسمى الخانات، كما حظي بأهمية خلال مواسم الحج.
عدي الشعار وهو خريج كلية الآثار ومهتم بتاريخ إدلب وآثارها، أشار خلال تصريحات خاصة أدلى بها لـ «القدس العربي» إلى اكتساب جبل الزاوية أهمية من النوع الفريد، من خلال تموضعه في الجزء الشمالي من جبال الكتلة الجبلية الكلسية في شمال غرب سوريا، ويتألف جبل الزاوية، أو جبل أريحا من كتلتين يفصل بينهما واد قامت فيه مدينة البارة.
وتعد قمة النبي أيوب وجبل الأربعين، من المناطق السياحية ويقصدها الناس للاستجمام، كونها تشرف على سهول واسعة من أرياف المنطقة.
وحسب المتحدث، فإن أهم المواقع الأثرية في جبل الزاوية هي رويحة، وسرجيلا، وجرادة، والبارة، وباعودة، ودانا الجنوبية، التي تتمتع بهوائها العليل، وسرجة، ودير سنبل، كذلك قلعة الطارمية الرومانية الموجودة في قرية الموزرة في غرب جبل الزاوية.
بعثات التنقيب
يتخلل جبل الزاوية والمنطقة المحيطة به، العديد من المدن والمواقع الأثرية صنفت ضمن المناطق الميتة أو المنسية، فيما تم الكشف عن أكبر مجموعة من الخرائب الأثرية الرومانية والبيزنطية في جبل الزاوية من قبل بعثة فرنسية، كانت برئاسة الدكتور جورج تات، وهذه الخرائب تعود للقرون الوسطى، فيما لا يزال تاريخ تأسيسها مجهولا حتى يومنا هذا.
فيما أفاد محمد الطوبان وهو أحد سكان منطقة البارة المهتم بمعالم المنطقة الأثرية، خلال تصريحات أدلى بها لـ«القدس العربي» أن البعثة الفرنسية كانت آنذاك تحت إشراف مكتب اليونسكو التابع للأمم المتحدة والخاص بدراسات التراث الحضاري الخاص بالشرق الأوسط كدول سوريا، والأردن، وفلسطين.
وأضاف الطوبان أن عمل البعثة الفرنسية كان بإشراف الدكتور جورج تات مدير المكتب برفقة رئيس البعثة الميداني الدكتور جيرار شاربتيه، وكانت فترة العمل تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر في السنة وتتم عملية التنقيب والبحث عن التاريخ والحضارات للبلدان التي أطلق عليها سابقا القرى المنسية ومن خلال تلك العملية يعثر العاملون والمراقبون على بعض القطع النقدية والأشكال الحجرية والفخارية التي تنتمي إلى العهد الروماني والبيزنطي، ومنها للعهد الإسلامي وكذلك لوائح الفسيفساء والموزاييك والتماثيل الحجرية بالطبع كانت تصور وترقم وتسلم إلى متحف مدينة إدلب في ذلك الوقت.
وحسب الطوبان، تشكل البارة الواقعة في جبل الزاوية، جزءاً من قائمة مواقع اليونيسكو للتراث العالمي «القرى القديمة في شمال سوريا» منذ عام 2011 وقد أُدرجت على «قائمة التراث العالمي المعرض للخطر» في عام 2013 من بين 36 موقعاً للتراث العالمي في ثمانية متنزهات أثرية، يوجد عشرة مواقع في منطقة البارة البارة، وبترسا، وباعودا، وبشيلا، ودللوزة، ومجليا، وربيعة، وسرجيلا، وشنشراح، ووادي مرتحون.
ويعتبر موقع البارة، ذو طابع حضري، ففي خلال الفترة البيزنطية المبكرة، من القرن الرابع الميلادي وما بعده، أصبحت البارة مركزاً إقليمياً هاماً، ومركزاً اقتصادياً ودينياً في جبل الزاوية، وقد ارتبطت لفترة طويلة من الزمن، بالمنطقة الإدارية لمدينة أفاميا (أباميني) التي تقع على حدود سهل وادي الغاب المجاور، وكانت متصلة بشبكة الطرق التجارية التي تعود للعصور القديمة المتأخرة في شمال غرب سوريا، وكانت هذه الطرق تتشعب بين مدن أفاميا في الجنوب وأنطاكية في الشمال الغربي وكذلك حلب في الشمال الشرقي.
كما تضمنت منطقة البارة تجمعات المياه المحلية عدداً من القرى الأصغر كمجليا وبترسا، بالإضافة إلى بعض الأديرة، مثل دير سوباط الذي كان يقع إلى الخارج قليلًا من منطقة البارة، كما سمح الموقع الطبوغرافي للبارة بامتلاكها بئراً للتزود بالماء، وهو استثناء في الكتلة الكلسية التي تندر بها المياه، لذلك كان الناس يعتمدون بشكل كبير في الأراضي المنخفضة على تخزين مياه الأمطار في خزانات.
تضرر المعالم الأثرية
مدير متحف إدلب أيمن نابو، أشار إلى تموضع إدلب عموما على معالم أثرية وحضارات متنوعة للغاية، وهو ما جعل من المحافظة نقطة ارتكاز وقوة في بناء العلاقات وبعث رسائل اطمئنان إلى البعثات الأجنبية التي كانت تنشط في المحافظة، وذلك بعد معاودة أعمال التنقيب عن بقية المعالم الأثرية الغائرة ومحاولة تحديد هويتها التاريخية وماهية وهوية من كان يسكن فيها.
وأضاف أن هناك أضرارا ناجمة عن انتشار عمليات التنقيب العشوائي والسري من قبل لصوص الآثار والباحثين عن الكنوز بشكل عام، حيث تعرضت ما يقارب 70 في المئة من المواقع الأثرية لهذه الظاهرة، ويعزو مدير متحف إدلب ذلك، إلى قلة فرص العمل وضيق مصادر الرزق واتخاذ بعض الشباب هذا العمل كمهنة بسبب ضيق سبل المعيشة، إضافة لانتشار الشائعات حول المبالغ التي تباع بها اللُقى الأثرية.
إضافة لـ «موجات النزوح نتيجة الحملات العسكرية المتكررة التي قامت بها قوات النظام السوري، وسكن النازحون ضمن المواقع الأثرية، وبسبب حاجة الناس لبنية تحتية وصرف صحي، تم إنشاء كتل سكنية داخل المواقع الأثرية، ما سبب لها ضررا يعزز احتمالية خروجها مستقبلاً من إطارها التاريخي».
حملات عسكرية وسعي للسيطرة
خلال عهد الثورة السورية، وبعد خروج جبل الزاوية والمنطقة الواسعة المحيطة به عن سيطرة قوات النظام السوري، يحاول جيش الأخير إعادة فرض سيطرته على المنطقة، بهدف الاستحواذ على الطريق الدولي m4 حيث لا يمكن الإمساك بالطريق الدولي ما لم تتم عملية السيطرة على جبل الزاوية.
إلا أن قصف النظام السوري خلال السنوات السابقة والحملات العسكرية المتعاقبة لم تخوله إعادة السيطرة على جبل الزاوية الوعر والمناطق المحيطة به، حيث توقفت العمليات العسكرية على أعتابه في آواخر عام 2019 ونتج عنها سيطرت النظام السوري على مساحات شاسعة من أرياف إدلب وحماه وحلب، وفق ما قال المحلل العسكري العميد عبد الجبار العكيدي.
تأمين الطرق الدولية مشروط، وفق المحلل العسكرية بالسيطرة على منطقة جبل الزاوية التي خرجت في 2012 عن سيطرة قوات النظام السوري، لصالح فصائل المعارضة.
وتنبع أهمية المنطقة وفق ما قاله العكيدي، من كونها منطقة حاكمة ومرتفعة وذات تضاريس وعرة وتساعد على المقاومة على حد وصفه، مشيراً إلى أن سقوط جبل الزاوية بيد قوات النظام سيؤدي لسقوط ما تبقى من المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، وهي منطقة تمتد من جسر الشغور غرب إدلب وسهل الغاب شمال حماه، حتى إدلب المدينة الواقعة شمال جبل الزاوية، وتصبح تحت مرمى النيران.
وأشار إلى أن «السيطرة على جبل الزاوية تعني في النهاية السيطرة على الطريق الدولي m4 وإحكام السيطرة على طريق m5 الذي سيطر عليه النظام في مطلع 2020 أثر على عسكرية واسعة النطاق، وبالتالي تعزيز السيطرة على الطريق وحمايته من أي استهداف من قبل الفصائل المتواجدة في جبل الزاوية، فالجبل مهم جداً لأنه يشرف على كل محيطه».
زراعة تحت النار
يتخوف أهالي منطقة جبل الزاوية من جني محاصيلهم الزراعية نتيجة القصف المتكرر والألغام المنتشرة في الأراضي الزراعية القريبة من الجبهات مع قوات النظام، والذي سبب بمقتل وجرح عدد من المدنيين في ظل حرصهم على جني محصولهم نتيجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة والغلاء الكبير الذي تعيشه المنطقة رغم المخاطر الموجودة.
شهادات سكان محليين، أشارت إلى توجه الأهالي إلى أراضيهم، قبل طلوع الشمس ليجنوا أكبر قدر ممكن من محاصيلهم الزراعية قبل بدء عملية القصف المعتادة التي تتعرض لها المنطقة، في ظل وجود طيران الاستطلاع الذي لا يفارق الأجواء، فالخوف يلازم كافة المزارعين المتواجدين في المنطقة.
فمنطقة جبل الزاوية تعتبر زراعية بامتياز، ولكنها تفتقر للمياه فلا يوجد إلا القليل من الآبار الارتوازية، كذلك هناك تخوف كبير من المزارعين من عمليات القصف والتهجير، فتجد القليل ممن يزرع كامل أرضه الصالحة للزراعة، خوفاً من الخسائر الكبيرة في حال حدوث تهجير مفاجئ لسكان المنطقة.
ووفق المصادر الأهلية، فإن المزارعين يعانون من ارتفاع تكاليف الزراعة والحصاد، نظراً لعدم وجود صيدليات ومراكز زراعية وأسواق لتصريف المنتجات، فالمزارعون يتجهون لأسواق أريحا ومعرة مصرين لتأمين كافة المتطلبات من بذور ومبيدات وأسمدة.
ويعتمد سكان جبل الزاوية على الزراعة بالدرجة الأولى، وفضلوا العيش في قراهم وبلداتهم لزرع أراضيهم والاستفادة من محصولها، نتيجة انقطاع المساعدات الإنسانية، والارتفاع الكبير في الأسعار، الذي ساهم بانتشار البطالة وتردي القطاع الاقتصادي في المنطقة.