حكايات أفريقية من الغابات العميقة وأراضي السافانا إلى القرى والقبائل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكايات أفريقية من الغابات العميقة وأراضي السافانا إلى القرى والقبائل

    حكايات أفريقية من الغابات العميقة وأراضي السافانا إلى القرى والقبائل


    عالم الفلكلور روجر د. أبراهامز يجمع مختارات من حكايات شعوب أفريقيا.
    الأربعاء 2024/07/10
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    أفريقيا تزخر بحكايات أسطورية

    مثلت الحكايات الأفريقية مثلها مثل الحكايات القادمة من الشرق مصادر إلهام كبيرة، لما تميزت به من خيال وأسلوب مختلفيْن تماما عما عهدناه في الكتابات الأوروبية الحديثة، ولكن جمع هذه الحكايات وفق ذائقة وثقافة من يدونها، وعادة يكون من المبشرين الأوروبيين أو الأجانب عامة، شوه الكثير منها، وهذا ما يحاول تجاوزه الأميركي روجرد. أبراهامز في جمعه لهذه القصص.

    يستحضر المخزون القصصي الشعبي الأفريقي الروح الجماعية لإحياء أعمق مدلولات الكلمات وإيقاعات الأغنيات والرقصات القبلية، كاشفا عن تنوع وثراء مضموني وجمالي وفني له خصوصيته المتفردة في تشكيلاته الحكائية سواء ارتبطت هذه القصص بعالم الإنسان أو الحيوان أو عالم ما وراء الطبيعة والأساطير، كما يسلط هذا المخزون الضوء على تنوع الأشخاص والمجتمعات في القارة، مما يساعد على تصحيح فكرة أن أفريقيا دولة واحدة كبيرة، ولكنها دول لها مشتركاتها الثقافية والأدبية الغنية.

    وهذا الكتاب لعالم الفلكلور الأميركي روجرد. أبراهامز والصادر في جزءين عن المجلس القومي للترجمة بعنوان “حكايات شعبية أفريقية” يشكل تمثيلا رائعا للحكايات الشعبية من جميع أنحاء أفريقيا. حيث تلقي مختارات الكتاب ضوءا ساطعا على التراث القديم لرواية القصص عبر القارة الأفريقية؛ فمن الغابات العميقة وأراضي السافانا الاستوائية الشاسعة، إلى مواقع التخييم والقرى الصغيرة المحاطة بالحواجز، وقرى أكثر من أربعين قبيلة، ينسج صوت رواة القصص أساطير مبتكرة عن الخلق وحكايات عن المآثر الملحمية، وقصصا عن أرواح الموتى المرتجفة مع شياطين كابوسية وتحولات عنيفة، وحكايات هزلية عن السحر في مملكتي الحيوان والإنسان.
    جمع القصص




    يقدم روجرد ما يقرب من مئة قصة بصوت يردد صدى إيقاع الطبول وتكشف بحيوية ونشاط عن جذورها الدرامية الفريدة في الأغنية والرقص والأداء الطقسي في العالم الأفريقي. يقول “محاولة جمع لنقاء نموذجي لحكايات أفريقيا السوداء في عمل واحد قد يبدو بغير جدوى لهؤلاء الذين يعرفون أفريقيا. ومثل أي منطقة شاسعة جغرافيا، هناك نطاق هائل من الأحجام والصفات والتعقيد في مجتمعات وثقافات أفريقيا ونطاق يتراوح بين ثقافات المدن القديمة الأنيقة الحاذقة وشعوب الغابة والصحراء المستمرين في الحياة على أبسط تقنيات الصيد وجمع الطعام”.

    ويضيف “تتعايش ممالك ضخمة وقوميات في جماعات صغيرة بكل تقاليدها العميقة الجديرة بالاحترام. وجاء أحد أكبر الانجازات الاجتماعية والثقافية غير المسبوقة إلى شبه القارة، عندما نقل شعب زراعي عظيم، خلال بضعة آلاف من السنوات، الحضارة إلى الجزء الأكبر من شبه القارة. ويعكس إنجازهم القيمة العالية لمثل هذا الاقتصاد الزراعي الذي يقوم على الأرض والعائلات واسعة الانتشار”.

    ويتابع “لكن أفريقيا السوداء تتضمن أنواعا من الشعوب الرحل: مجموعات صغيرة مثل شعب الغابة في مقاطعة إتاري (شمال شرق الكونغو) وشعب كلاهاري الصحراوي، وكلاهما ينتقل باستمرار بحثا عن الطعام، والرحل الرعاة الذين يقودون مع شعبهم قطعانا ضخمة في الأماكن التي يتوافر فيها الماء باستمرار، والمزارعون الذين يقطعون الأشجار ويحرقونها لتمهيد أرض للزراعة، الذين ينقلون قرى بالكامل، عندما تصبح أرضهم مجهدة، وهذه ظاهرة معاصرة منتشرة على نطاق واسع، والنازحون الباحثون عن الأجر، الذين ينتقلون إلى المزارع أو المدينة، بل يعودون أحيانا إلى بلدهم، ويضاف إلى ذلك أن هناك شعوبا لا حصر لها يتبعون الديانات القديمة في العالم الشفهي، وعددا هائلا أيضا يتبع المسيح أو محمدا، مع كل التضمينات الثقافية التي تحملها ديانات الكتاب المقدس هذه. وأخيرا هناك حرفيا الآلاف من اللغات المختلفة، التي يتم الكلام بها في هذه المنطقة، وهي كثيرة جدا بالفعل، حتى أن واحدة من أهم لغتين للتجارة، اللغة المختلطة Creole واللغة السواحلية، تطورت بشكل خاص كوسيلة يفهم بها الإفريقيون المختلفون بعضهم بعضا”.

    ويتساءل روجرد في مواجهة هذا التنوع الذي يغطي مناطق شاسعة جغرافيا، كيف يمكن التطلع إلى إمكانية وجود أي بيان ثقافي ذي معنى في جمع مختارات أدبية نموذجية؟ ويقول “لحسن الحظ تلقينا إجابة عن هذا السؤال المرة تلو المرة، قدمه الأفريقيون السود بأنفسهم، وقدمه مراقبون أوروبيون وأميركيون: رغم نطاق التنوع الثقافي، فهناك استمراريات يمكن ملاحظتها، خاصة في مجال علم الجمال، يمكن العثور عليها في جماعات في كل القارة”.

    ويضيف “تكشف أنواع المواد المتضمنة في هذه المجموعة من المختارات الأدبية، عن تراث عظيم وترتبط هذه القصص من خلال طريقتها في الأداء بعدد من طرق التعبير الأخرى التي يعرفها الغربيون عن أفريقيا السوداء، خاصة الرقص وقرع الطبول، إنه تراث عظيم، تراث يقوم على السمات المشتركة للكثير من مجموعات التراث القليلة لمن يعيشون في البيئة المبدعة لمجتمعات متقاربة. وكما يعبر عن ذلك جاك ماكيت في نظرته الشاملة حول الكتابة التاريخية والإثنوغرافية الأفريقانية، فإنه يمكن ملاحظة وحدة ما في كل منطقة تحت الصحراء الكبرى (في أواسط أفريقيا) حتى بواسطة الرحالة المراقب، وبشكل أساسي وحدة ثقافية تصدر عن شعور بالوحدة الكاملة للمعرفة والسلوك، والأفكار والأشياء، التي يتكون منها الميراث المشترك لشعب ما”.



    ويؤكد أنه من الطبيعي أن تقوم مجموعة المختارات الأدبية هذه على مجهودات هؤلاء الذين راقبوا هذه الثقافات مباشرة من المصدر الأصلي، وجمعوا هذه الحكايات بأدائها الفعلي. وهنا يكون التسجيل مدهشا حيث إنه لم يسبق تسجيل مثل هذا المخزون الشفهي على نطاق واسع في أي مكان في العالم، هناك ما يزيد عن ألف مجموعة رئيسية، أغلبها أنجزه مبشرون وموظفون في المستعمرات في منعطف القرن العشرين. وهم يعكسون في الغالب تحيز هؤلاء المراسلين، ولكن حديثا أصبحت متاحة تسجيلات حكي أكثر موضوعية من خلال تقارير من علماء انثروبولوجيا، وعاملين في مجال الفلكلور. وبالطبع لم يحدث إلا مع ظهور المسجلات على شرائط أنه تم اتباع مثل هذه المعايير الموضوعية بشكل واقعي.

    ومن الواضح أن تسجيل النصوص يدويا أبطأ بكثير، وأقل دقة من إنجازه بوسائل ميكانيكية، ويميل الشخص القائم بالتدوين إلى حذف المزيد من تفاصيل الأداء النابضة بالحياة، لكن حتى وراء الاختصار في هذه الطريقة، علينا أن نعرف أن الموظفين في المجالين التبشيري والاستعماري كانوا يسجلون هذه القصص لأهداف أخرى، غير فهم ثقافة ما، ووظيفة الأداء فيها.

    ويلفت روجرد إلى أنه في البداية تم تسجيل الحكايات في شكل، المقصود منه استخدامه إما لتعلم لغة الشعب، موضوع الدراسة، أو لمتعة قارئ عند العودة إلى الوطن، متعود بالفعل، على قراءة كانت من نوع أدبي خاص ـ الحكايات الرائعة لجريمس و”ألف ليلة وليلة” الأكثر إثارة للاهتمام، والحكايات الشرقية الأخرى، ثم بعد ذلك مجموعة جويل شاندلر هاريف لحكايات المحتالين الهزليين في أميركا الجنوبية ـ، فلعل أول مترجمين جامعين للقصص الأفريقية تبنوا الأسلوب الأدبي، الذي من الواضح أنه يثير اهتمام القارئ العادي. أو، للتعبير عن ذلك بكلمات أكثر وضوحا، كانت هذه المجموعات بالغة الحيوية والتشويق والممتعة في قراءتها عن القصص الأفريقية، تصدر جزئيا عن تقاليد الأسلوب المستخدم في مجموعات الحكايات الشعبية المعروفة الراهنة.

    ويقول إن الاختراعات الحديثة أتاحت تسجيل الجلسات الواقعية لحكي الحكاية وبحث النطاق الواسع لأنواع تلقى قبولا أكثر. ومن خلالها عرفنا الكثير عن أداء هذه الأعمال الأدبية؛ من يقوم بالأداء ولمن، وفي أي شروط، وما تكشفه القصص عن حياة الناس التي تنتمي إليهم؟ ومع ذلك عندما يتم تسجيل الحكايات بهذه الطريقة ويتم تدوينها حرفيا، فإن أول ما يؤثر بقوة وعمق في القارئ، أنها تكون في الغالب إلى حد كبير غير ملائمة للقراءة، بل حتى مملة.

    ويبين أن النص حتى عندما يترجم ببعض الإدراك للأسلوب، يكون مليئا بالتكرارات وحالات الحيرة، وهو ما يسيطر على الأداء الشفهي، ويصعب التسليم به في النص المكتوب. ولحسن الحظ، فإن القليل من جامعي الحكايات المعاصرين هم الذين اعتبروا مثل هذه المشكلات تحديا، وقدموا إلينا ترجمات، ليست مجرد ترجمات جديرة بالثقة للقصص، كما تم عرضها، لكنهم قدموا في أسلوب ملائم للقراءة ومثير للمتعة تماما.
    الحكمة الموروثة




    يوضح روجرد أنه انجذب في المختارات إلى النصوص التي اتسمت بأعلى قدرة على التأثير خلال القراءة، والحكايات التي يمكننا التمتع بها في حد ذاتها. مضيفا “رد فعلنا ليس بنفس المقدار والميزة، كما هو الحال في الانخراط في الأداء الشفهي في المجتمع المحلي. أحيانا كما لو أنني كنت منجذبا إلى طرق حكي المبشرين، لأنها على وجه الدقة لم تكن مسجلة كما تم أداؤها، لكن تم إملاؤها ببطء، أو إعادة حكيها، وأعيد تنسيقها بعد الأداء، وغالبا ما تكون نصوصا مختصرة تمسك بالحبكة الرئيسية وأخلاقيات القصة أو رسالتها. ولم أتردد أيضا في التنقيح، لمحاولة تدفق أسلوب السرد”.

    ويشير إلى أنه في النصوص الأقدم، كان التعديل حتميا بسبب اللغة غير الملائمة، فمن جانب كانت حرفية إلى حد كبير في محاولة ترجمتها، ومن جانب آخر كانت متكلفة أدبيا على طريقة القرن التاسع عشر. ورغم تعديلاته، مع ذلك، فسوف تكتشف فورا التفاوت الواسع في الأسلوب واللغة، وسوف يكون في استطاعتك الشعور بمدى التغيير في نكهة الحكايات، من أسلوب السرد التقليدي (أي الغربي) إلى فن القصص الخرافية القصيرة البليغة، مع عناصر متنافرة وغريبة وتهكمية تحتل مكانها المناسب.

    ورغم أنه كان متشددا غالبا في عمله على هذه النصوص، فلم يحاول جعلها متسقة أسلوبيا، وبالأحرى حاول المحافظة على النكهة المميزة لكل منها، مع حذف فقط تلك السمات التي تجعل من الصعب قراءتها وفهمها، لذلك سوف يجد القارئ تنوعا واسعا من أنواع القصص، وهي تحكى بـ”أصوات” وبأساليب مختلفة، قد يبدو بعضها غريبا تماما في البداية.

    ويبين أنه في الأداء الفعلي يضع راوي القصة في اعتباره معرفة المستمع لعناصر حياة المجتمع: يكون كل شخص من المستمعين عادة على علم بالقصة، ويعرفون بعضهم البعض، ولديهم كمية كبيرة من التجربة المشتركة يتم الاعتماد عليها في الحكي. ونتيجة لذلك يكون هناك تأثير مضاعف: يصبح الأداء تلميحيا على الفور إلى حد مفرط (وقد انخفضت تفاصيل السرد) وشديد الواقعية (وقد زادت التفاصيل الاجتماعية الثانوية). وكما هو المعهود يكون هناك تأثير قليل لتعليقات من يقص الحكاية على الأحداث، لكن تأثيرها كبير على كيفية تفسير المستمع للقصة ومتعته في الأداء، ولو أراد شخص ما، قراءة هذه القصص كوسيلة لفهم كيف يعيش التيف أو الكيكايو أو البوندي أو الكيبسيجيس.

    ويتابع “مع ذلك فإنني أذكر في التقديم شرحا عاما للمحتوى الثقافي للحكايات، وأمام هذه الخلفية، أشرح كيف تتلاءم هذه القصص مع حياة هؤلاء الذين يستمرون في حكيها والاستماع إليها. في الثقافات الشفهية، يكون حكي القصص طريقة أساسية لجمع وتصنيف الحقائق صعبة المنال، ولتقديم أعمال فنية حول الأساس المنطقي الكامن في التقاليد”.

    بذلك سوف تنتهي الحكايات غالبا برسالة أو برأي، بحقيقة يجب تذكرها عندما يواجه الشخص مشكلات الحياة، ولأنها تُحكى حول الموقد أو في المنطقة السكنية المغلقة الخاصة بالأسرة، فإن هذه القصص تكون معروفة لكل شخص ـ باستثناء الأطفال والغرباء ـ وتكون مألوفة إلى حد أنه يمكن الإشارة إليها فقط، أكثر من إعادة حكيها بالكامل، كطريقة لاعتبارها شيئا أساسيا في مناقشة أو جدال. وبعبارة أخرى، فإنهم يجسدون الحكمة الموروثة ـ الاجتماعية والشخصية، والأخلاقية ـ للشعب الذي نرى عالمه من خلال مصفاة الفلكلور”.
    الكتاب يسلط الضوء على تنوع الأشخاص والمجتمعات في القارة، مما يساعد على تصحيح فكرة أن أفريقيا دولة واحدة كبيرة، ولكنها دول لها مشتركاتها الثقافية والأدبية الغنية

    ويذكر روجرد أنه لم يعتمد على أساطير وأنساب وتاريخ الثقافات الإفريقية المختلفة، ومرة أخرى نقول إن التاريخ يتطلب وسائل أكثر بكثير لجعله قابلا للفهم لدى البعيد عنه، قابلا للفهم بمعنى تمكينه للقارئ من إدراك ما يثير الاهتمام في هذا التاريخ وجعله جديرا بأن يذكر، وبذلك يكون قابلا للحكي. وبشكل أساسي، اعتمد على القصص التي تُحكي باعتبارها حكايات خيالية، وتُحكي دائما على هذا الاعتبار، وليس بشكل تلميحي فقط. وهناك قصص تُحكي عادة في المساء، في جلسة عامة، وتعتبر وسيطا مهما في الترفيه والتعليم.

    يشار إلى أن الجزء الأول من الكتاب تم تخصيصه لبعض الحكايات الغريبة من النوع الذي تعود عليه الأوروبيون والأميركيون أكثر من غيرهم، لكنه يرد هنا بطريقة الأداء الأفريقية. والجزء الثاني ضم قصصا أقصر، أخلاقية مخصصة لمشكلات المحافظة على الأسرة والجماعة معا (والتي قد توصف لذلك بأنها دراما منزلية)، وحكايات في تمجيد الأعمال، وأخيرا جزء كبير للقصص المتهورة، يحكي من الناحية الأساسية من أجل الترفيه، أعمال إحدى الشخصيات المحتالة التي تنتهك النظام الاجتماعي.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X