لطيفة لبصير تحاكي مرضى التوحد في روايتها "طيف سبيبة"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لطيفة لبصير تحاكي مرضى التوحد في روايتها "طيف سبيبة"

    لطيفة لبصير تحاكي مرضى التوحد في روايتها "طيف سبيبة"


    نصوص أدبية تعبر عن التنوع والمعاناة بحثا عن الأمل.
    الخميس 2024/07/11
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    التوحد ليس حالة بسيطة

    الأدب وسيلة توعية من خلال اهتمام الكثير من الكتاب بالنصوص الموجهة إما إلى الأطفال أو الناشئين واليافعين والشباب، ولكن تختلف الأساليب طبعا، وفي النهاية يتم خلق حالة وعي من خلال التشابك بين الواقع والخيال وهو ما يحوّل النص بشكل ناجح إلى رسالة. ورسالة الكاتبة المغربية لطيفة لبصير التوعية بحالات التوحد والتعامل معها.

    الرباط - صدر عمل جديد للكاتبة والأكاديمية المغربية لطيفة لبصير، وهو بعنوان “طيف سبيبة: رواية لليافعين”، ضمن سلسلة الإصدارات الثقافية للمركز الثقافي للكتاب لعام 2024، إذ تضم الرواية 144 صفحة وزُيِّنَ غلافها بلوحة فنية من إبداع الفنان الشاب علي الزجلي.

    تعبّر الكاتبة عن تجربتها الإبداعية من خلال هذا العمل الذي يركز على موضوع طيف التوحد بالنسبة إلى الأشخاص الصغار، وتقول الروائية إنها مرت بلحظات صعبة أثناء كتابة الرواية، وخاضت ورشات عمل مع أطفال يعانون من التوحد وزارت عدة مراكز للتعرف على تجاربهم.
    شخصيات حقيقية



    لطيفة لبصير: كتابة هذه الرواية كانت تجربة مختلفة بالنسبة إليّ وقد تعلمت منها الكثير حول تفاوت تفاعل الأفراد مع العالم


    تتحدث لطيفة لبصير عن التحديات التي واجهتها في التعبير عن هذا الموضوع الحساس بصفة خاصة، معبرة عن تآلفها مع شخصيات الرواية وعائلاتهم، إذ تعرفت على شخصيات الرواية بشكل شخصي، مثل راجي وأخته هبة والدمية سبيبة، إضافة إلى الأم والأب والجيران والأصدقاء والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين.

    وتؤكد الروائية أن كتابة هذه الرواية كانت تجربة مختلفة، وتعلمت منها الكثير حول تفاوت تفاعل الأفراد مع العالم، خاصة في ما يتعلق بالألوان والأرقام والنظرة إلى الواقع.

    تروي النصوص الأدبية في “طيف سبيبة” قصة فتاة صغيرة اسمها هبة، تسرد تجربتها ومعاناتها مع أخيها راجي الذي يعاني من اضطراب التوحد، حيث تعرض تفاصيل الحياة اليومية للأسرة، وكيفية تعاملهم مع تحديات هذا الاضطراب وتأثيره على حياتهم.

    وتتألف الشخصيات الرئيسية في النص من هبة، الأخت الصغرى لراجي، التي تبلغ من العمر 12 عاما والتي تروي القصة من منظورها الشخصي، ما يضفي على النص طابعا واقعيا وحميميا، أما راجي الأخ فهو الأكبر من هبة بسنة واحدة ويعاني من اضطراب التوحد، وتظهر الأم كشخصية داعمة تحاول دائما فهم حالة راجي وكيفية مساعدته، وهي التي تفسر لهبة معنى الطيف التوحدي، أما الأب فيظهر كشخص متردد بين فهم حالة ابنه وبين شعوره بالإحباط تجاه عدم تقدم راجي في المدرسة.


    الموضوع العام للرواية يركز على مفهوم المعاناة بكل تجلياتها وكيفية التعامل مع هذه العواطف القوية نفسيا


    وتُقدم هبة نفسها كشاهدة على تطور علاقتها مع أخيها، بداية من لقبها بأخت راجي الذي اعتاد عليه المجتمع، وحتى تفهمها العميق لاختلافات راجي عن باقي الأطفال، إذ تصوّر هبة كيف تعاني العائلة في خلق بيئة ملائمة لراجي، محاولة فهم أساليب تفكيره وتفاعلاته الخاصة.

    وتترسخ أهمية الدمية سبيبة في النص كرمز لراجي، حيث تكون له رفيقة وبوصلة في عالمه الخاص، حيث الدمية تلعب دورا حيويا في تقديم راجي للعالم الخارجي، وفي تعبيره عن مشاعره واحتياجاته، حتى تصل أحيانا إلى أن ترسمه ككائن بشري يتفاعل مع المحيطين به.

    تعكس النصوص السردية تحديات الأسرة في فهم وتلبية احتياجات راجي الذي يعيش في عالم مليء بالمحددات والتوجيهات، إذ تعتمد العائلة على تزيين البيئة المحيطة برموز وألوان محددة، وعلى تحديد مساحات آمنة لراجي داخل المنزل، ما يساعده على التفاعل بشكل أكثر فعالية مع العالم من حوله.

    وفي لحظات من الروحانية والتعبير الإبداعي تستخدم هبة الدمية سبيبة كوسيلة للتعبير عن راجي ومشاعره المختلفة، خاصة عندما تكتب رسالة على لسان الدمية إلى مدرسة راجي، تعكس فيها هبة تفاعلها الحميمي مع شقيقها ورغبتها في حمايته وتأمين مكانته في المجتمع المدرسي.

    تتميز شخصية هبة بفهمها العميق لراجي واحترامها لاختلافاته، فترسم هبة صورة تفاؤلية عن تأقلم راجي مع محيطه، مدفوعا بدعمها وحبها وبتحديات الأسرة التي تعمل بلا كلل على خلق بيئة محفزة وداعمة لتطور راجي، حيث يتجلى في السرد روح العطاء والتضحية من أجل دعم الفرد الذي يعاني من طيف التوحد، ويعكس تعقيدات العلاقات الأسرية والروابط العاطفية التي تتشكل في مواجهة التحديات اليومية، وهذا يجعل النص مرجعا هاما لفهم التجارب الإنسانية في مواجهة الاختلافات.
    بين يأس وأمل



    التفاؤل والتحدي في مواجهة اضطراب التوحد


    استخدمت الكاتبة أسلوب السرد المباشر من خلال عيون الطفلة هبة، وهو ما أضفى على النصوص طابعا واقعيا يبرز الأسلوب الوصفي بكثافة في نقل مشاعر الشخصيات والتفاصيل الصغيرة التي تبرز تفاعلهم اليومي مع راجي، إذ يركز السرد بشكل خاص على موضوع التوحد وكيفية تعامل الأسرة معه، ومن خلال سردها يتضح أن التوحد ليس مجرد حالة صحية، بل هو تحدٍ اجتماعي وعاطفي يتطلب التفهم والدعم من جميع أفراد الأسرة. ما يبرز أهمية التوعية والتفاهم لحالات التوحد، كما يعكس مشاعر الإحباط والحزن والأمل التي تعيشها الأسر.

    وتوظف الكاتبة الرموز والدلالات لتعميق المعاني في النصوص القصصية، حيث أن الدمية سبيبة ترمز إلى البراءة والتعلق العاطفي لهبة وتعكس رغبتها في الحفاظ على شيء مصنوع بيديها وتبين الروابط العاطفية القوية في الحكي، كما أن الهاتف المعطل يعبر عن عزلة راجي وانفصاله عن الواقع، واستخدامه كوسيلة للتواصل الوهمي يظهر تحديات التواصل التي يواجهها، أما الطيف فهو رمز للتوحد الذي يعاني منه راجي، ويعبر عن الشيء الغامض وغير المفهوم لهبة ويعزز من تعقيد المشاعر والتفاعلات في النص.

    تحمل النصوص رسالة قوية حول أهمية الفهم والتعاطف مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل التوحد، ويبرز الدور الحيوي للأسرة في تقديم الدعم والحب وكيفية تأثير التفهم لحالة راجي في تحسين جودة حياته، ويختتم بصورة إيجابية تعكس التفاؤل والتحدي في مواجهة اضطراب التوحد.

    في لحظات من الروحانية والتعبير الإبداعي تستخدم هبة الدمية سبيبة كوسيلة للتعبير عن راجي ومشاعره المختلفة

    تبرز الروائية لطيفة لبصير التنظيم الزمني مثل كلمة “اللحظة الأخيرة” الذي يخلق توترا زمنيا ويشد القارئ ويجعله مهتما بمعرفة المزيد عن الوضع الحالي، ثم انتقلت الكاتبة إلى تسلسل الأحداث في السرد، من الحزن والفقدان إلى التعبير عن الأمل والانكسار الذي تعيشه الشخصيات، وهذا الترتيب يعكس الانتقالات العاطفية الداخلية التي يخوضها الأبطال في تجربتهم ويعزز من قوة الرسالة الإنسانية والمعنوية في النص.

    تركز أحداث الرواية على التطور النفسي الذي تخوضه الكاتبة من خلال مجريات الأحداث والأفكار في النص، إذ يظهر في بداية القصة إحساسها العميق بالفقدان والحزن، حيث تنبثق منها صور بصرية ومفردات شاعرية تعبر عن الألم العاطفي بطريقة تجعلها أكثر رمزية وتأثيرا على القارئ، وتتمثل هذه الصور في استخدام الألوان والأشكال التي تعبر عن الكآبة والضياع.

    ويظهر انعكاس هذه المشاعر في تحول الكاتبة نحو التجاوز والبحث عن نور الأمل المنكسر، وتنتقل تدريجيا إلى استكشاف الحدود بين اليأس والأمل الذي يتمثل في رسم صور تخيلية مختلفة تعبر عن تغيير الحالة النفسية والإيجابية المتجددة.

    يركز الموضوع العام للرواية بشكل أساسي على مفهوم المعاناة بكل تجلياتها، وكيفية التعامل مع هذه العواطف القوية نفسيا، وتعبر الكاتبة عن تجربتها الشخصية في مواجهة هذه الآلام بشكل صادق وعميق، ما يجعل الرواية لا تقتصر على كونها مجرد سرد أدبي، بل تجربة تأملية وتحفيزية للقارئ.

    وتعتبر لطيفة لبصير كاتبة وباحثة مغربية. صدرت لها أعمال أخرى منها: “كوفيد الصغير” (مجموعة قصصية، 2021)، و”يحدث في تلك الغرفة” (قصص، 2018)، و”وردة زرقاء” (قصص، 2018)، و”الجنس الملتبس/السيرة الذاتية النسائية” (2018)، و”عناق” (مجموعة قصصية، 2012)، و”أخاف من…” (مجموعة قصصية، 2010)، و”ضفائر” (مجموعة قصصية، 2006)، و”رغبة فقط” مجموعة قصصية، 2003.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالرحيم الشافعي
    كاتب مغربي
يعمل...
X