عمر حمدي ـ مالفا ..
تجديد دماء الإنطباعية وأسر الحركة السرابية لألوان الطيف الضوئي (المحصورة ما بين النهاية البنفسجية والنهاية الحمراء) ..
بقلم: أديب مخزوم
كان الراحل الكبير والفنان الفذ عمر حمدي ( مالفا ) يحمل متاعه ويخرج إلى الحقول ليرسم المواضيع المشرعة لضوء الشمس والهواء الطلق، يحاور الضوء وتحولات الألوان عبر فرشاة رشيقة تقتنص الضوء بسرعة خاطفة وبقدرة أدائية فذة، فهو يأخذ على عاتقه مهمة السيطرة على مواقف واتجاهات متزايدة الصعوبة، وحركات ولفتات متزايدة السرعة، وتجسيمات وتقاطعات لونية نقية مشرقة. وبذلك أعطى صورة للموضوع كنظام من عناصر حسية، وأعطى الأولوية إلى اللون، (أسر الحركة السرابية لألوان الطيف الضوئي) في انعكاساتها على السطوح والأشياء وتفاعلاتها معها، لالتقاط الولادات المستمرة للألوان بوصفها حركة لا تنتهي داخل المدى الضوئي الذي تراه العين.
فالألوان الطبيعية المرئية (المحصورة ما بين النهاية البنفسجية والنهاية الحمراء) التي يظهرها الموشور أو كما تظهر في لحظات تكشف فيها الطبيعة عن سخائها على شكل القوس المذهل من الألوان التي نسميها قوس قزح، هاجس الفنان الأول، وما نسيج اللوحة إلا من نسيجها. لذا فإن هناك اتجاهاً لازدياد درجة الوحدة اللونية إذا ما ابتعدنا من النهاية الحمراء إلى النهاية البنفسجية في الطيف الضوئي، نظراً لأن الخطوط الدنيا تقترب من النهاية الحمراء (هذا مبدأ أساسي في الطبيعة) فالذبذبات التي تقترب من النهاية البنفسجية هي دوماً أعلى طاقة من تلك التي تقترب من النهاية الحمراء والعكس بالعكس. وهكذا فإن تجارب عمر حمدي هنا قد بعثت الحياة من جديد في الفن الانطباعي، وتحول بحثه بدرجة أساسية نحو لونية الأضواء الهاربة والمتبدلة على سطح الأشياء.
فالشكل ذاب معه في دينامية من الألوان، عكست الإحساسات التي نحصل من خلالها على الأشياء، بدلاً من الأشياء نفسها، لقد أدى ذلك إلى تفتيت الموضوع كشكل مغلق وتحلله في الفضاء المحيط به. إن معالجة الموضوع بهذه الصورة أعطى اللون وجوداً مستقلاً عبر لمسات خفيفة، سريعة، راقصة، مشحونة بغنائية اللمسة اللونية الانطباعية، بما فيها من تغيّر وإيقاع متبدل ومن تأثيرات ضوئيّة، عابرة، زائلة، توحي بالأشعة وبالموجات الأثيرية والارتعاشات الدالة على مرور الوقت للوصول إلى تشكيل مستقبلي لصورة تحمل ملامح أشكال الواقع كرؤيا لما بعد الانطباعية والنيو انطباعية في مدرسة باريس.
وعلى هذا الأساس اتجه بلوحاته الانطباعية نحو تفتيت المساحة اللونية وتحليلها في الضوء، بحيث يظهر النور كل العناصر والمزايا المتعلقة باللون، بدءاً من ساعات الصباح حين تشرق الشمس وحتى الغروب، فاللوحة الانطباعية هي قبل أي شيء آخر لوحة نهارية.