أنا القبطان Io capitano
لم تقدم لنا نشرات الأخبار سوى شذرات قليلة من المعلومات ، مُرفقة بصور عامة و بإدانات منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ، حول وضع المهاجرين الذي قدموا من العمق الإفريقي الى ليبيا لتكون منطلقهم الى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط ، و تحديداً الى إيطاليا التي كانت قد احتلت ليبيا إبان الحرب العالمية الثانية ، و تقع قبالتها ، ما يعني أن العبور من ليبيا يعني الخط الأقصر بين افريقيا و أوروبا التي باتت تمثل حلم الشبان الأفارقة الذين نشأوا في كنف العنف و الصراعات و الإنقلابات العسكرية و العوز .
هذا الفيلم ( أنا القبطان ) ، الذي أخرجه الإيطالي " ماتيو جاروني " ، يضع جميع التقارير الإخبارية و بيانات المنظمات الإنسانية خلف ظهره و يقدم لنا حقيقة ما يجري و ما يحصل للمهاجرين الأفارقة في ليبيا عبر حبكة درامية مدروسة بعناية كتب لها السيناريو أربعة كتّاب هم : مخرج الفيلم " جاروني " و " ماسيمو جاوديوسو " و " ماسيمو تشيشيريني " و " أندريا تاجليافيري ". و قاد " جاروني " الإخراج ليقدم لنا فيلماً مؤثراً صفق له الجمهور لمدة 13 دقيقة متواصلة ، وقوفاً ، في مهرجان البندقية السينمائي لعام 2023 ، تحية لفيلم كشف حقيقة مايجري للمهاجرين الأفارقة على يد مافيا الهجرة المجرمين في ليبيا .
و يكاد المشاهد لايصدق ما يظهر في الفيلم من ممارسات بشعة على أيادي أولئك المجرمين لولا كثرة التقارير الدولية عنها ، في حين أنها مستمرة حتى هذه اللحظة مادامت أحلام الأفارقة قائمة مع تصاعد وتيرة الإنقلابات العسكرية في افريقيا و بشاعة أفعال الحركات الإسلامية ، مثل ( داعش ) و ( بوكو حرام ) و بقايا ( القاعدة ) و سواها .. مع بقاء الفقر كحالة أبدية في افريقيا . ولكن يبدو أن هذه المافيات لا تعمل لوحدها ، بل ثمة وجود خفي لجهات ليبية و دولية هي التي تتقوى بها .
يستند الفيلم الى حقائق وقف عليها المخرج " ماتيو جاروني " ، ولكي يقدمها كفيلم واقعي متماسك مبتعد عن الإفراط في الخيال ، فقد اعتمد المشاركة في كتابة السيناريو مع كتاب محترفين وضعوا لهم هدفاً : هو وضع قضية المهاجرين الأفارقة في ليبيا تحت الضوء سينمائياً و تقديمها للمجتمع الدولي ، عبر السينما ، كقضية لا يمكن السكوت عنها ، أملاً في عبور منطقة بيانات الإدانة و الأخبار المبتسرة عمّا يجري في ليبيا الى منطقة اتخاذ اجراءات عملية لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية .
يبدأ الفيلم من السنغال ، حين يبدأ " موسى " ( لعب دوره " مصطفى فال " ) بطرح فكرة الهجرة على إبن عمه " سيدو " ( لعب دوره " سيدو سار" ) ، و كلاهما مراهق ، و إذ أن " سيدو " مغنٍ و لديه طموحات فأن ابن عمه يغويه بفكرة أن البيض في أوروبا سيتهافتون على طلب توقيعه على الأوتوغراف باعتباره سيصبح مغنياً مشهوراً هناك .
و كون " سيدو " طيباً و يحب إخوته و أمه فسيفصح لها عن نيته الهجرة الى أوروبا ، و يدلل على ذلك لأمه بأنه يقصد أن يوفر السعادة للعائلة ، و يستشهد بالذين هاجروا و راحوا يبعثون الأموال الى أهلهم ، ولكنها تدلل بمعارضتها على سفره بغرق الآلاف في البحر . و أثناء ذلك كان " سيدو " و " موسى " يعملان و يدخران المال سراً ليسافرا من دون علم أهليهما . فتنطلق رحلتهما من السنغال الى النيجر بجوازات مزورة على عجل عند الحدود ، و من النيجر تبدأ رحلتهما القاسية ، عبر كثبان الصحراء الكبرى الى مدينة ( سبها ) الليبية ، و قد تم بيعهما و الآخرين الى أكثر من مهرب حتى وقوعهما في براثن مافيا متخصصة لا يعرف أعضاؤها للرحمة سبيلاً . و سنقف خلال الفيلم على مشاهد بشعة من الإستغلال و التعذيب التي لم تنقلها نشرات الأخبار التي طالما اكتفت بالإشارات المقتضبة فقط .
ينقل لنا الفيلم صورة واقعية عن طبيعة الصحراء الليبية الكبرى و متاهاتها و عرائها المخيف الذي تتخلله بقايا جثث مهاجرين انقطع بهم السبيل في هذه الصحراء الشاسعة المرعبة . و يبدأ استغلال المهاجرين و التآمر عليهم ابتداءً من نقطة انطلاقهم في بلدانهم مروراً بنقاط الحدود و سائقي سيارات النقل عبر الصحراء الذين يتركونهم في العراء ليقودهم دليل غير مكترث بمن يواصل السير خلفه أو يسقط منهكاً من التعب أو العطش ، حتى يتركهم في توقيت يتزامن مع انبثاق عصابة مسلحة لتأسرهم و تقودهم الى المصير المجهول ليدركوا أنهم أمام قساة عديمي الضمائر ليبتزوهم و يستغلوهم أبشع استغلال حتى ينتهي الأمر الى بيعهم كعبيد ليبحث الواحد منهم عن طريقه في الخلاص ، و سندرك أن بين هذه العصابات أفراد هم من المرتزقة القادمين من بلدان أخرى .
بالنسبة لبطلي القصة " موسى " و " سيدو " فإنهما يجدان نفسيهما محتجزَين مع بقية أفراد القافلة في ردهة عارية وسط صحراء مدينة ( سبها ) الليبية ليتم ابتزازهما و بقية المهاجرين بطلب أرقام ذويهم في بلدانهم للإتصال بهم و إبلاغهم بأن أبناءهم باتوا رهائن و لا يُفك أسر أي منهم إلا مقابل 800 دولار .
و معروف عن مدينة (سبها ) ــ الآن ــ أن عدد المهاجرين الأفارقة فيها بات أكثر بكثير من عدد سكان المدينة الأصليين ، و قد انقطعت بهم السبل بعد أن استنزفتهم العصابات ، فآثروا البقاء في المدينة ، و قد ساعد على ذلك تشديد الرقابة على الحدود الساحلية بتحرك من الإتحاد الأوروبي لإيقاف المد البشري الإفريقي نحو أوروبا . فامتهن بعضهم البناء أو التنظيف و آخرون الزراعة فيما لجأ العاجزون الى التسول . و باتوا يتواجدون في أحياء أصبحت خاصة بهم في ( سبها ) مثل حي ( الأفارقة ) الذي يضم عشرات الآلاف منهم ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي الى تغيير ديمغرافي في المدينة . و في الوقت الحاضر فإن الموقع الجغرافي الصحراوي لمدينة ( سبها ) حولها ليس الى ممر لتهريب المهاجرين فحسب بل اى تهريب السيارات و السجائر و المخدرات و كل ما من شأنه أن يدر الأموال على عصابات التهريب .
في الفيلم ، " موسى " سيُـقاد الى السجن ، و سوف يغيب عن المَشاهد حتى الربع الأخير من الفيلم لنعرف أنه هرب من السجن ولكنه حمل معه جرحاً في ساقه من طلق ناري أصابه أثناء هروبه ، أما " سيدو " فقد بقي حاضراً حتى نهاية الفيلم في جميع مَشاهده ، و قد برع الشاب السنغالي " سيدو سار " في أداء دوره فاستحق عنه جائزة " مارسيللو ماستروياني " من مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الثمانين عام 2023 ، فيما نال الفيلم جائزة الأسد الفضي للمهرجان و قد لقيَ احتفاءً من قبل النقاد و من الجمهور الذي صفق له لمدة 13 دقيقة متواصلة ، و قد ترشح الفيلم لجائزة ( غولدن غلوب ) و لجائزة الأوسكار لعام 2024 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
لم تقدم لنا نشرات الأخبار سوى شذرات قليلة من المعلومات ، مُرفقة بصور عامة و بإدانات منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ، حول وضع المهاجرين الذي قدموا من العمق الإفريقي الى ليبيا لتكون منطلقهم الى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط ، و تحديداً الى إيطاليا التي كانت قد احتلت ليبيا إبان الحرب العالمية الثانية ، و تقع قبالتها ، ما يعني أن العبور من ليبيا يعني الخط الأقصر بين افريقيا و أوروبا التي باتت تمثل حلم الشبان الأفارقة الذين نشأوا في كنف العنف و الصراعات و الإنقلابات العسكرية و العوز .
هذا الفيلم ( أنا القبطان ) ، الذي أخرجه الإيطالي " ماتيو جاروني " ، يضع جميع التقارير الإخبارية و بيانات المنظمات الإنسانية خلف ظهره و يقدم لنا حقيقة ما يجري و ما يحصل للمهاجرين الأفارقة في ليبيا عبر حبكة درامية مدروسة بعناية كتب لها السيناريو أربعة كتّاب هم : مخرج الفيلم " جاروني " و " ماسيمو جاوديوسو " و " ماسيمو تشيشيريني " و " أندريا تاجليافيري ". و قاد " جاروني " الإخراج ليقدم لنا فيلماً مؤثراً صفق له الجمهور لمدة 13 دقيقة متواصلة ، وقوفاً ، في مهرجان البندقية السينمائي لعام 2023 ، تحية لفيلم كشف حقيقة مايجري للمهاجرين الأفارقة على يد مافيا الهجرة المجرمين في ليبيا .
و يكاد المشاهد لايصدق ما يظهر في الفيلم من ممارسات بشعة على أيادي أولئك المجرمين لولا كثرة التقارير الدولية عنها ، في حين أنها مستمرة حتى هذه اللحظة مادامت أحلام الأفارقة قائمة مع تصاعد وتيرة الإنقلابات العسكرية في افريقيا و بشاعة أفعال الحركات الإسلامية ، مثل ( داعش ) و ( بوكو حرام ) و بقايا ( القاعدة ) و سواها .. مع بقاء الفقر كحالة أبدية في افريقيا . ولكن يبدو أن هذه المافيات لا تعمل لوحدها ، بل ثمة وجود خفي لجهات ليبية و دولية هي التي تتقوى بها .
يستند الفيلم الى حقائق وقف عليها المخرج " ماتيو جاروني " ، ولكي يقدمها كفيلم واقعي متماسك مبتعد عن الإفراط في الخيال ، فقد اعتمد المشاركة في كتابة السيناريو مع كتاب محترفين وضعوا لهم هدفاً : هو وضع قضية المهاجرين الأفارقة في ليبيا تحت الضوء سينمائياً و تقديمها للمجتمع الدولي ، عبر السينما ، كقضية لا يمكن السكوت عنها ، أملاً في عبور منطقة بيانات الإدانة و الأخبار المبتسرة عمّا يجري في ليبيا الى منطقة اتخاذ اجراءات عملية لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية .
يبدأ الفيلم من السنغال ، حين يبدأ " موسى " ( لعب دوره " مصطفى فال " ) بطرح فكرة الهجرة على إبن عمه " سيدو " ( لعب دوره " سيدو سار" ) ، و كلاهما مراهق ، و إذ أن " سيدو " مغنٍ و لديه طموحات فأن ابن عمه يغويه بفكرة أن البيض في أوروبا سيتهافتون على طلب توقيعه على الأوتوغراف باعتباره سيصبح مغنياً مشهوراً هناك .
و كون " سيدو " طيباً و يحب إخوته و أمه فسيفصح لها عن نيته الهجرة الى أوروبا ، و يدلل على ذلك لأمه بأنه يقصد أن يوفر السعادة للعائلة ، و يستشهد بالذين هاجروا و راحوا يبعثون الأموال الى أهلهم ، ولكنها تدلل بمعارضتها على سفره بغرق الآلاف في البحر . و أثناء ذلك كان " سيدو " و " موسى " يعملان و يدخران المال سراً ليسافرا من دون علم أهليهما . فتنطلق رحلتهما من السنغال الى النيجر بجوازات مزورة على عجل عند الحدود ، و من النيجر تبدأ رحلتهما القاسية ، عبر كثبان الصحراء الكبرى الى مدينة ( سبها ) الليبية ، و قد تم بيعهما و الآخرين الى أكثر من مهرب حتى وقوعهما في براثن مافيا متخصصة لا يعرف أعضاؤها للرحمة سبيلاً . و سنقف خلال الفيلم على مشاهد بشعة من الإستغلال و التعذيب التي لم تنقلها نشرات الأخبار التي طالما اكتفت بالإشارات المقتضبة فقط .
ينقل لنا الفيلم صورة واقعية عن طبيعة الصحراء الليبية الكبرى و متاهاتها و عرائها المخيف الذي تتخلله بقايا جثث مهاجرين انقطع بهم السبيل في هذه الصحراء الشاسعة المرعبة . و يبدأ استغلال المهاجرين و التآمر عليهم ابتداءً من نقطة انطلاقهم في بلدانهم مروراً بنقاط الحدود و سائقي سيارات النقل عبر الصحراء الذين يتركونهم في العراء ليقودهم دليل غير مكترث بمن يواصل السير خلفه أو يسقط منهكاً من التعب أو العطش ، حتى يتركهم في توقيت يتزامن مع انبثاق عصابة مسلحة لتأسرهم و تقودهم الى المصير المجهول ليدركوا أنهم أمام قساة عديمي الضمائر ليبتزوهم و يستغلوهم أبشع استغلال حتى ينتهي الأمر الى بيعهم كعبيد ليبحث الواحد منهم عن طريقه في الخلاص ، و سندرك أن بين هذه العصابات أفراد هم من المرتزقة القادمين من بلدان أخرى .
بالنسبة لبطلي القصة " موسى " و " سيدو " فإنهما يجدان نفسيهما محتجزَين مع بقية أفراد القافلة في ردهة عارية وسط صحراء مدينة ( سبها ) الليبية ليتم ابتزازهما و بقية المهاجرين بطلب أرقام ذويهم في بلدانهم للإتصال بهم و إبلاغهم بأن أبناءهم باتوا رهائن و لا يُفك أسر أي منهم إلا مقابل 800 دولار .
و معروف عن مدينة (سبها ) ــ الآن ــ أن عدد المهاجرين الأفارقة فيها بات أكثر بكثير من عدد سكان المدينة الأصليين ، و قد انقطعت بهم السبل بعد أن استنزفتهم العصابات ، فآثروا البقاء في المدينة ، و قد ساعد على ذلك تشديد الرقابة على الحدود الساحلية بتحرك من الإتحاد الأوروبي لإيقاف المد البشري الإفريقي نحو أوروبا . فامتهن بعضهم البناء أو التنظيف و آخرون الزراعة فيما لجأ العاجزون الى التسول . و باتوا يتواجدون في أحياء أصبحت خاصة بهم في ( سبها ) مثل حي ( الأفارقة ) الذي يضم عشرات الآلاف منهم ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي الى تغيير ديمغرافي في المدينة . و في الوقت الحاضر فإن الموقع الجغرافي الصحراوي لمدينة ( سبها ) حولها ليس الى ممر لتهريب المهاجرين فحسب بل اى تهريب السيارات و السجائر و المخدرات و كل ما من شأنه أن يدر الأموال على عصابات التهريب .
في الفيلم ، " موسى " سيُـقاد الى السجن ، و سوف يغيب عن المَشاهد حتى الربع الأخير من الفيلم لنعرف أنه هرب من السجن ولكنه حمل معه جرحاً في ساقه من طلق ناري أصابه أثناء هروبه ، أما " سيدو " فقد بقي حاضراً حتى نهاية الفيلم في جميع مَشاهده ، و قد برع الشاب السنغالي " سيدو سار " في أداء دوره فاستحق عنه جائزة " مارسيللو ماستروياني " من مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الثمانين عام 2023 ، فيما نال الفيلم جائزة الأسد الفضي للمهرجان و قد لقيَ احتفاءً من قبل النقاد و من الجمهور الذي صفق له لمدة 13 دقيقة متواصلة ، و قد ترشح الفيلم لجائزة ( غولدن غلوب ) و لجائزة الأوسكار لعام 2024 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ