الروائي المغربي مصطفى ماء العينين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الروائي المغربي مصطفى ماء العينين

    الروائي المغربي مصطفى ماء العينين لـ"العرب": روايتي تقدم رؤية مختلفة للتاريخ


    الذكاء الاصطناعي قفزة نوعية في رحلة تطور فن الرواية.
    الاثنين 2024/07/01

    "أبيض وأسود" دعوة إلى التأمل في مفهوم الحرية والعدالة

    رغم تخصص المغربي مصطفى ماء العينين في مجال الهندسة فإنه اختار أن يقتحم عالم الأدب، مستفيدا من ثقافته وقراءاته ليتشابك مع قضايا ثقافية مختلفة في كتابته الروائية. وفي حواره مع “العرب” نتعرف على رؤى وأفكار ماء العينين وجمعه بين الإبداع الروائي وهندسة علوم الكمبيوتر والخبير في الروبوتات والرؤية عبر الكمبيوتر بجامعة أليكانتي.

    تنطلق أحداث رواية "أبيض وأسود" للروائي والمهندس المغربي مصطفى ماء العينين في رحلة تاريخية فيها القليل من الخيال والكثير من الحقيقة بحثا عن الحرية والعدل والحق وتقديم رؤية مختلفة للتاريخ الاجتماعي والثقافي، وذلك من خلال معالجة ظاهرة العبودية، هذه الظاهرة التي شكلت تهديدا خطيرا للحرية الإنسانية منذ فجر التاريخ وربما حتى الآن. ولأن هذه الظاهرة لعبت دورا خطيرا في تاريخ المجتمع الأميركي، فقد عملت الرواية على كشف أبعادها وملامحها في أميركا القرن الثامن عشر، لكن ذلك لا يعني محدودية المكان والزمن.

    الرواية التي أطلقها ماء العينين في المعرض المغربي الدولي للكتاب أخيرا حظيت باحتفاء نقدي حيث قالت الناقدة فرح أشباب “تأخذنا الرواية في رحلة استثنائية عبر حقبة القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تقدم نظرة فريدة ومثيرة حول واقع العبودية في أميركا منذ اكتشافها ووصول الأوروبيين إليها واكتشاف ما تزخر به من غنى طبيعي. رواية لا يتجاوز عدد صفحاتها المئة وعشرين لكنها كالسيل الممتع، تجعلك تطرح أكثر من سؤال أولها، ماذا لو كنت أنا؟”.

    تضيف أشباب أن “الرواية تجمع بين التأريخ لواحدة من أحلك المراحل في تاريخ البشرية والنخيل وقلب الأدوار لتقديم رؤية مختلفة لقضايا الاجتماعية، ولقد صادف أن قلب الأدوار حدث بين البيض والسود، لكن هذا التغيير يمكن أن يحدث بين أي من الفئات البشرية. ليدفع القارئ إلى التفكير العميق في مفهوم الحرية والعدالة من زاوية مختلفة تماما عن المعتاد”.

    في هذا السياق، تصبح الرواية تساؤلات عميقة حول العدالة والإنسانية، مما يجعلها قطعة أدبية تتحدث بقوة عن قضايا جوهرية تستمر في التأثير على المجتمعات المعاصرة. إن الحرية هي أغلى ما يملك، وهذا ما جعل الملايين من المناضلين على مر التاريخ يفقدون حياتهم من أجلها. فلا يمكن لأي جهة مهما علت وتجبرت أن تسكت في الإنسان الصوت الداخلي المشتاق إلى الانعتاق من الاستعباد والظلم والتمييز العنصري. هي كالماء، مهما غاب بسبب الجفاف، سيعرف طريقه بين الجبال والسهول والوديان عندما تمطر.
    ضد العبودية



    ◙ الرواية لا تقتصر على تناول مفهوم العبودية الجسدية فقط، بل تستكشف أشكالا أخرى من العبودية الاجتماعية والفكرية وغيرها


    يقول ماء العينين لـ”العرب” عن التكوين المعرفي والثقافي الذي دفعه، على الرغم من بعد تخصصه حيث تتخصص في الهندسة وعلوم الحاسوب، إلى كتابة الرواية “في صغري، كنت شغوفا بالقراءة، كنت أقرأ بشراهة، كنت أغوص في مكتبة الوالد الكبيرة وأجد فيها راحتي وعالمي الخاص، ربما انقطعت عنها في مرحلة ما قبل الجامعة. لكن كان حاضرا لدي بشكل دائم هذا الحب للقراءة وللرواية، وأستمتع بخلق عوالم وأفكار جديدة من خلال الكتابة. إذن ومع تكويني العلمي كان طبيعيا هذا الاهتمام بالرواية لأنه نابع من شغفي بالكتابة وبخلق عوالم أخرى ورغبتي في التعبير عن نفسي بطريقة مختلفة".

    وحول فكرة الرواية وكيفية تبلور معالجتها الفنية يقول “بداية دعني أؤكد أن كون الرواية تدور أحداثها في أميركا القرن الثامن عشر لا يعني محدودية المكان والزمن، فقد صادف أن الرواية تناولت قضية البيض والسود من زاوية مختلفة، لكن نفس القضية والمعاناة يمكن أن توجدا بين أجناس ومجتمعات أخرى أيضا، إنها دعوة إلى التأمل في عمق مفهوم الحرية والعدالة، وللتذكير بأنه لا أحد بمنأى عن الظلم".

    يضيف “انبثقت فكرة هذه الرواية من مشاهدة شخصيات مشهورة تصف نفسها بالمثقفة والأكاديمية.. يتعمدون إظهار أن ثقافتهم هي الأفضل، تاريخهم هو الأعظم، متجاهلين تماما ثقافات وتاريخ الشعوب الأخرى، هذا الاستغراب دفعني إلى كتابة رواية تقدم رؤية مختلفة للتاريخ، بادئ الأمر كان سيناريو فيلم! لكن لسبب ما، ربما شغفي القديم بالرواية، خاصة الخيالية الغنية بالمشاهد، دفعتني إلى تحويل الفكرة إلى رواية. لذلك ستلاحظ خلال قراءتك تسارع الأحداث وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا".

    يقول ماء العينين في أول صفحة بالرواية الجملة التالية “أي تشابه في الأسماء هو محض صدفة، ربما.. لكن ماذا لو كان عن قصد..؟”. وهنا كان السؤال ماذا المقصود؟ وهل له علاقة بتشابه أسماء مذكور في الرواية مع زعيم أوروبي؟ يوضح ماء العينين “إن عملية تحويل فكرة روايتي أسود وأبيض إلى عمل روائي متكامل كانت رحلة صعبة وممتعة في نفس الوقت. فالرواية تحتوي على الكثير من الأحداث والشخصيات، شخصيات صالحة وأخرى طالحة.. يوجد تشابه في الأسماء؟ لا يمكنني تأكيد ذلك، أترك للقارئ تحديد ما مدى التشابه".

    وفي ما يتعلق بالمفهوم الذي انطلقت منه الرواية في معالجتها لقضية العبودية وهل هي مجرد عبودية الجسد أم عالجت عبوديات أخرى؟ يكشف لـ"العرب"، "في روايتي ‘أسود وأبيض’ لم أقتصر على تناول مفهوم العبودية الجسدية فقط، بل ارتأيت استكشاف أشكال أخرى من العبودية، مثل: العبودية الاجتماعية، العبودية الفكرية، العبودية الاقتصادية. حاولت إظهار أن هذه الأشكال المختلفة من العبودية مترابطة مع بعضها البعض. فغالبا ما تؤدي العبودية الجسدية إلى أشكال العبودية الأخرى، والعكس صحيح. في رواية أسود وأبيض يمثل البطل الفئة المستضعفة، فئة يمكن أن تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة".
    رؤى ثقافية



    ◙ ماء العينين يرى أن فن الرواية مر عبر الزمن بمراحل متعددة، كل منها تمثل نسخة محسّنة عن سابقتها


    يلفت ماء العينين إلى أن فن الرواية مر عبر الزمن بمراحل متعددة، كل منها تمثل نسخة محسّنة عن سابقتها. ففي قديم الزمان، كانت الرواية تُروى شفهيا فقط، تتناقلها الألسن جيلا بعد جيل. ثم أتى عصر الكتابة، حيث خُطّت الروايات بالريشة والحبر، ثم تطوّرت الأدوات مع الزمن، فاستُخدم القلم الجاف، ثم آلة الكتابة، وصولا إلى الكمبيوتر الذي سهّل عملية الكتابة وتصحيح الأخطاء الإملائية. والآن يُمثل الذكاء الاصطناعي قفزة نوعية في رحلة تطور فن الرواية.

    ويقول "كما سهّلت الآلة الكاتبة والكمبيوتر عملية الكتابة في الماضي، فإن الذكاء الاصطناعي يُقدم أدوات جديدة للكتّاب في عصرنا الحالي، فهو يُساعد الكتّاب في البحث عن المعلومات المتعلقة بموضوعات رواياتهم من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات من مختلف المصادر، مثل الكتب والمقالات والمواقع الإلكترونية. يُمكن للذكاء الاصطناعي كذلك ترتيب المعلومات بطريقة سهلة الفهم، مما يوفر للكتّاب الوقت والجهد".

    مع ذلك يبقى الإبداع مجالا بشريا بامتياز، كما يشدد الكاتب، مضيفا أنه “يُمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الكتّاب في بعض المهام، إلا أنه لا يُمكنه استبدال الإبداع البشري الذي يلامس مشاعر القارئ ويثير تفكيره. وكدليل على ذلك فإذا طلبنا من أي نظام ذكاء اصطناعي كتابة رواية، فستكون النتيجة دون المستوى وتفتقر إلى الجمالية والإبداع لصعوبة فهم المشاعر والدوافع النفسية الإنسانية التي تُشكل جوهر الروايات المؤثرة".

    ويرى أن المشهد الثقافي المغربي يتميز بثرائه وتنوعه، يتقاطع فيه التاريخ العريق مع الحداثة والتجديد. وكما هو معلوم يعد المغرب موطنا لحضارات عريقة تركت بصماتها على ثقافته، مثل الحضارة الأمازيغية والحضارة العربية والحضارة الأندلسية. لذلك نجد أن المغرب أنجب العديد من المُبدعين في مختلف المجالات الثقافية، الذين حظوا بشهرة عالمية، مثل الكاتب محمد شكري والفيلسوف محمد عابد الجابري.

    ◙ الكاتب يبين أن المشهد الثقافي المغربي يتفاعل بشكل دائم مع المشهدين الثقافيين العربي والغربي مما يثري وينوع محتواه

    ويتابع "من جهة أخرى من الطبيعي وجود تحديات وصعوبات على مستوى البنيات التحتية مثلا والإمكانيات المتاحة لكن على الرغم من ذلك، إلا أن هناك العديد من الفرص لتطوير المشهد الثقافي المغربي، مثل: استثمار التكنولوجيا حيث يمكن الاستفادة منها لتعزيز الوصول إلى الثقافة ونشرها على نطاق أوسع، ودعم الشباب المُبدعين وتوفير فرص لهم للتعبير عن إبداعاتهم، دون أن نغفل تعزيز التبادل الثقافي مع الدول الأخرى، مما يُساهم في إثراء المشهد الثقافي المغربي بكل تأكيد".

    ويؤكد ماء العينين أن المشهد الثقافي المغربي يتفاعل بشكل دائم مع المشهدين الثقافيين العربي والغربي مما يُثري ويُنوع محتواه. فبالنسبة للتأثير العربي، نجد أن للثقافة العربية دورا هاما في تشكيل المشهد الثقافي المغربي بسبب تأثير اللغة العربية بطبيعة الحال، من جهة أخرى المسألة الدينية لعبت دورا كذلك في صقل وتحديد الأبعاد العامة لهذا المشهد القيم والمبادئ والعادات والتقاليد. أما التأثير الغربي فكان حاضرا بكل تأكيد… مع انتشار العولمة، أصبح المغرب أكثر انفتاحا على الثقافات الغربية من خلال الإنترنت ووسائل الإعلام. من جهة أخرى هناك واقع فرضه الاحتلال الفرنسي أي أن الثقافة الفرنسية أثرت بشكل طفيف، لكن تبقى الثقافة المغربية ومن ورائها العربية أكبر وأشمل بكثير من نظيرتها الفرنسية.

    وأخيرا يقول حول ما يحمله مشروعه القادم من جديد "بصراحة، لم أقم بتحديده بعد. فهناك عوالم غامضة تنتظر مني استكشافها، ولكن من المؤكد أن هناك أفكارا تتشكل في ذهني. إن شاء الله، سيأتي المستقبل بمشاريع ستظهر إلى النور".


    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X