متحف سلوى روضة شقير منارة جديدة في عالم الفن بلبنان
فنانة رائدة تعرض أعمالها وسط الطبيعة في تكامل بين العالمين.
الأربعاء 2024/06/26
التناغم بين الأعمال الفنية والطبيعة
خلدت الفنانة اللبنانية الراحلة سلوى روضة شقير تجربة فنية مختلفة جعلتها في مصاف رواد الفن التشكيلي العربي، عبر تجربتها من اللوحة إلى النحت، مؤسسة لجسور متينة بين التجريد التشكيلي والزخرفة الإسلامية، ولعل افتتاح متحف يحتفي بتجربتها سيكون بمثابة فتح أرشيف الفنانة لعشاق الفن.
بيروت - افتتح مؤخرا متحف سلوى روضة شقير، تكريما للفنانة اللبنانية الراحلة، التي تعتبر من فناني الحداثة الأكثر تأثيرا في الشرق الأوسط. وليس هذا المتحف، الذي يقع في رأس المتن، على بعد أقل من ساعة من بيروت، مجرد موقع يحتوي على الأعمال الفنية فحسب، بل هو أيضا مثال حي على التكامل المتناغم للإبداع البشري المتمازج مع البيئة الطبيعية.
وفتح المتحف أبوابه يوم الرابع والعشرين من يونيو الجاري، التاريخ الذي يصادف ذكرى ميلاد الفنانة الثامن بعد المئة. ويشجع هذا المتحف زائريه على الغوص في عالم هذه الفنانة التجريدية الرائدة والتعرف إلى روحها المبتكرة وتأثيرها الكبير على الفن الحديث. ويستطيع الزوار أثناء تجوالهم في المتحف وحديقة المنحوتات التابعة له أن يستمتعوا بأعمال الفنانة ويقدروا التناغم بين أعمالها الفنية والطبيعة التي تحيط بها. كما أنهم سيختبرون التأثير المستمر لفن شقير ومكانتها في النطاق الأوسع لتاريخ الفن.
الفن والطبيعة
◙ فنانة تستلهم من الطبيعة أعمالها
تخلل حفل الافتتاح كلمة لابنة الفنانة ورئيسة مؤسسة سلوى روضة شقير، هلا شقير، قالت فيها إنه “على الرغم من أنها ولدت وترعرعت في بيروت، لطالما كانت والدتي مسحورة بشفافية غابة الصنوبر. وعندما زارت الموقع هذا، حيث نقف اليوم، كانت الأشجار والنباتات والصخور مصدر إلهام دفعها مباشرة للتخطيط لمشروع يقام في هذا المكان. وها نحن اليوم، بعد سنوات عديدة، نقوم بافتتاح متحف على هذه الأرض نفسها مما سيسمح للأجيال القادمة بتقدير فن والدتي والتمتع به”.
وأضافت “آمل أن يسترجع هذا البلد مكانته كالقلب النابض للابتكار وذلك بجهود الكثير من اللبنانيين الذين يعملون على جبهات عديدة وبالتعاون مع العديد من المؤسسات للحفاظ على تراثنا وتعزيز فننا وثقافتنا. كما آمل أن يؤدي هذا المتحف الصغير الذي نفتتحه اليوم دورا في هذا الهدف الذي نسعى له”.
◙ سلوى روضة شقير فنانة دفعها مللها من الواقعية إلى الالتفات إلى التراث الفني العربي ــ الإسلامي مقدمة تجربة فريدة
وقالت “إن هذه المؤسسة التي تحمي وتروج إرث الفنانة الغني، خلقت مساحة لا تكتفي بعرض المجموعة الفنية الواسعة لسلوى روضة شقير فحسب بل تعرض أيضا أرشيفاتها الشخصية التي تعكس أفكارا ورؤى لا تقدر بثمن حول فكر الفنانة وتطورها الفني والسياقات الثقافية والتاريخية التي أثرت على عملها.
ويضم المتحف 600 عمل فني تقريبا، 500 منها معروضات، وتعكس استخدام الفنانة للمواد المتنوعة كالطين والخشب والحجر والألياف الزجاجية والنحاس والبرونز والألمنيوم والـplexiglass والفولاذ المقاوم للصدأ. وتتضمن المجموعة أيضا تصاميمها المبتكرة من الأثاث والسجاد والأطباق والمجوهرات، تأكيدا على إيمانها بضرورة مزج الفن بالحياة اليومية.
صمم المهندس المعماري اللبناني الشهير كريم بكداش متحف سلوى روضة شقير بتصميم يعكس تحفة من الحداثة والوعي البيئي. فكانت رؤية بكداش تتماشى تماما مع التضاريس الطبيعية للبيئة المحيطة ويبدو الهيكل وكأنه يطفو فوق الطبيعة حارسا الغطاء النباتي. يقع المبنى بين أشجار الصنوبر مؤثرا بالكاد على المناظر الطبيعية كأنه احتفال حقيقي بفلسفة سلوى روضة شقير بأن على الفن أن يكون جزءا من الحياة اليومية. ويستقبل المتحف الزوار عن طريق الحجز مسبقا فحسب.
ولدت سلوى روضة شقير، الرائدة في عالم الفن الحديث، في بيروت عام 1916. وانتقلت إلى باريس في العام 1948 حيث درست مع فرناند ليجي وأدت دورا محوريا في إنشاء مشغل “Atelier de l’Art Abstrait” بقيادة إدغار بيليي وجان ديوان. وكانت من بين أوائل الفنانين العرب الذين عرضوا أعمالهم في صالون “Réalités Nouvelles” في العالم 1951، لتصبح بذلك شخصية مهمة في حركة الفن العالمي الحديث. وتشكل أعمالها حاليا جزءا من المجموعات الدائمة في أهم المتاحف العالمية.
تجربة فنية رائدة
◙ أعمال شقير تمزج ما بين التجريد الغربي والجماليات الإسلامية
تمزج أعمال شقير ما بين التجريد الغربي والجماليات الإسلامية، متأثرة بشدة باهتماماتها بالعلوم وفن العمارة والرياضيات والشعر العربي. وقد اشتهرت بشكل خاص بدمجها لمبادئ الرياضيات للفن الإسلامي مع الأشكال التجريدية الحديثة، خالقة بذلك فنا فريدا يتردد صداه مع الانضباط الفكري من جهة والجمال الشاعري من جهة أخرى. وغالبا ما تعكس منحوتاتها مفهوم اللانهاية والترابط بين الأشكال المستوحاة من الفلسفة الصوفية والشعر العربي.
شقير فنانة دفعها مللها من الواقعية، وقد تعلمتها جيدا، إلى الالتفات إلى التراث الفني العربي ــ الإسلامي من عمارة وزخرفة وخط وجدت في التجريد الهندسي ما يعيدها إلى جذورها، كانت مقولتها “إن أبحاث كاندنسكي حول النقطة والخط التي رأيناها جديدة، هي أبحاث قام بها الفنان المسلم منذ القرن الأول للهجرة” بمثابة بيان شخصي، لم يكن الهدف منه التقليل من قيمة ما توصل إليه الفنان الروسي بقدر ما كان الهدف منه وضع الأمور في نصابها التاريخي الذي كانت الفنانة قد كافحت من أجل أن يكون فنها جزءا أصيلا منه.
لم تكن روحانية فنها المستلهمة من التصوف ذات صلة بروحانية فن كاندنسكي التي تقيم في العلاقات الشكلية الخالصة. ولم تكن شكلانيّتها المستمدة من بنية القصيدة العربية التقليدية ذات صلة بتحولات الشكل في الفن الغربي، وإن وقع التلاقي واتسع مجال المقاربة. لم تكن شقير مهتمة كثيرا في أن يأخذ فنها مداه العالمي في سياق الفن الغربي، فلديها شيء مختلف تقدمه إلى العالم، ذلك الشيء هو ما جعل واحدا من أهم أربعة متاحف في العالم يقبل على استعادتها وإن حدث ذلك متأخرا.
أما بالنسبة إلى تجربتها في النحت فقد كانت سلوى روضة شقير ظاهرة استثنائية. لم تكن المرأة التي جُبلت على الهيام بالمفردات الزخرفية العربية قادرة على استخراج أشكالها من صخرة بعينها. كانت منحوتاتها تتكوّن من قطع مركبة، بعضها يضمّ البعض الآخر، من غير أن يوحي بالانتماء المؤكد إليه. قطع مفكّكة يُمكن أن تعرض باعتبارها مفردات خالصة ويمكنها أن تجتمع في عمل واحد، غير أنها لا تكفّ عن قابلية انشطارها لكي تولد من جديد. في أعمالها الخيطية تعيدنا شقير إلى مادة حلمية، هي في حقيقتها تلخيص لفتنة الأنوثة وهي تحيط عالمنا بمكرها.
فنانة رائدة تعرض أعمالها وسط الطبيعة في تكامل بين العالمين.
الأربعاء 2024/06/26
التناغم بين الأعمال الفنية والطبيعة
خلدت الفنانة اللبنانية الراحلة سلوى روضة شقير تجربة فنية مختلفة جعلتها في مصاف رواد الفن التشكيلي العربي، عبر تجربتها من اللوحة إلى النحت، مؤسسة لجسور متينة بين التجريد التشكيلي والزخرفة الإسلامية، ولعل افتتاح متحف يحتفي بتجربتها سيكون بمثابة فتح أرشيف الفنانة لعشاق الفن.
بيروت - افتتح مؤخرا متحف سلوى روضة شقير، تكريما للفنانة اللبنانية الراحلة، التي تعتبر من فناني الحداثة الأكثر تأثيرا في الشرق الأوسط. وليس هذا المتحف، الذي يقع في رأس المتن، على بعد أقل من ساعة من بيروت، مجرد موقع يحتوي على الأعمال الفنية فحسب، بل هو أيضا مثال حي على التكامل المتناغم للإبداع البشري المتمازج مع البيئة الطبيعية.
وفتح المتحف أبوابه يوم الرابع والعشرين من يونيو الجاري، التاريخ الذي يصادف ذكرى ميلاد الفنانة الثامن بعد المئة. ويشجع هذا المتحف زائريه على الغوص في عالم هذه الفنانة التجريدية الرائدة والتعرف إلى روحها المبتكرة وتأثيرها الكبير على الفن الحديث. ويستطيع الزوار أثناء تجوالهم في المتحف وحديقة المنحوتات التابعة له أن يستمتعوا بأعمال الفنانة ويقدروا التناغم بين أعمالها الفنية والطبيعة التي تحيط بها. كما أنهم سيختبرون التأثير المستمر لفن شقير ومكانتها في النطاق الأوسع لتاريخ الفن.
الفن والطبيعة
◙ فنانة تستلهم من الطبيعة أعمالها
تخلل حفل الافتتاح كلمة لابنة الفنانة ورئيسة مؤسسة سلوى روضة شقير، هلا شقير، قالت فيها إنه “على الرغم من أنها ولدت وترعرعت في بيروت، لطالما كانت والدتي مسحورة بشفافية غابة الصنوبر. وعندما زارت الموقع هذا، حيث نقف اليوم، كانت الأشجار والنباتات والصخور مصدر إلهام دفعها مباشرة للتخطيط لمشروع يقام في هذا المكان. وها نحن اليوم، بعد سنوات عديدة، نقوم بافتتاح متحف على هذه الأرض نفسها مما سيسمح للأجيال القادمة بتقدير فن والدتي والتمتع به”.
وأضافت “آمل أن يسترجع هذا البلد مكانته كالقلب النابض للابتكار وذلك بجهود الكثير من اللبنانيين الذين يعملون على جبهات عديدة وبالتعاون مع العديد من المؤسسات للحفاظ على تراثنا وتعزيز فننا وثقافتنا. كما آمل أن يؤدي هذا المتحف الصغير الذي نفتتحه اليوم دورا في هذا الهدف الذي نسعى له”.
◙ سلوى روضة شقير فنانة دفعها مللها من الواقعية إلى الالتفات إلى التراث الفني العربي ــ الإسلامي مقدمة تجربة فريدة
وقالت “إن هذه المؤسسة التي تحمي وتروج إرث الفنانة الغني، خلقت مساحة لا تكتفي بعرض المجموعة الفنية الواسعة لسلوى روضة شقير فحسب بل تعرض أيضا أرشيفاتها الشخصية التي تعكس أفكارا ورؤى لا تقدر بثمن حول فكر الفنانة وتطورها الفني والسياقات الثقافية والتاريخية التي أثرت على عملها.
ويضم المتحف 600 عمل فني تقريبا، 500 منها معروضات، وتعكس استخدام الفنانة للمواد المتنوعة كالطين والخشب والحجر والألياف الزجاجية والنحاس والبرونز والألمنيوم والـplexiglass والفولاذ المقاوم للصدأ. وتتضمن المجموعة أيضا تصاميمها المبتكرة من الأثاث والسجاد والأطباق والمجوهرات، تأكيدا على إيمانها بضرورة مزج الفن بالحياة اليومية.
صمم المهندس المعماري اللبناني الشهير كريم بكداش متحف سلوى روضة شقير بتصميم يعكس تحفة من الحداثة والوعي البيئي. فكانت رؤية بكداش تتماشى تماما مع التضاريس الطبيعية للبيئة المحيطة ويبدو الهيكل وكأنه يطفو فوق الطبيعة حارسا الغطاء النباتي. يقع المبنى بين أشجار الصنوبر مؤثرا بالكاد على المناظر الطبيعية كأنه احتفال حقيقي بفلسفة سلوى روضة شقير بأن على الفن أن يكون جزءا من الحياة اليومية. ويستقبل المتحف الزوار عن طريق الحجز مسبقا فحسب.
ولدت سلوى روضة شقير، الرائدة في عالم الفن الحديث، في بيروت عام 1916. وانتقلت إلى باريس في العام 1948 حيث درست مع فرناند ليجي وأدت دورا محوريا في إنشاء مشغل “Atelier de l’Art Abstrait” بقيادة إدغار بيليي وجان ديوان. وكانت من بين أوائل الفنانين العرب الذين عرضوا أعمالهم في صالون “Réalités Nouvelles” في العالم 1951، لتصبح بذلك شخصية مهمة في حركة الفن العالمي الحديث. وتشكل أعمالها حاليا جزءا من المجموعات الدائمة في أهم المتاحف العالمية.
تجربة فنية رائدة
◙ أعمال شقير تمزج ما بين التجريد الغربي والجماليات الإسلامية
تمزج أعمال شقير ما بين التجريد الغربي والجماليات الإسلامية، متأثرة بشدة باهتماماتها بالعلوم وفن العمارة والرياضيات والشعر العربي. وقد اشتهرت بشكل خاص بدمجها لمبادئ الرياضيات للفن الإسلامي مع الأشكال التجريدية الحديثة، خالقة بذلك فنا فريدا يتردد صداه مع الانضباط الفكري من جهة والجمال الشاعري من جهة أخرى. وغالبا ما تعكس منحوتاتها مفهوم اللانهاية والترابط بين الأشكال المستوحاة من الفلسفة الصوفية والشعر العربي.
شقير فنانة دفعها مللها من الواقعية، وقد تعلمتها جيدا، إلى الالتفات إلى التراث الفني العربي ــ الإسلامي من عمارة وزخرفة وخط وجدت في التجريد الهندسي ما يعيدها إلى جذورها، كانت مقولتها “إن أبحاث كاندنسكي حول النقطة والخط التي رأيناها جديدة، هي أبحاث قام بها الفنان المسلم منذ القرن الأول للهجرة” بمثابة بيان شخصي، لم يكن الهدف منه التقليل من قيمة ما توصل إليه الفنان الروسي بقدر ما كان الهدف منه وضع الأمور في نصابها التاريخي الذي كانت الفنانة قد كافحت من أجل أن يكون فنها جزءا أصيلا منه.
لم تكن روحانية فنها المستلهمة من التصوف ذات صلة بروحانية فن كاندنسكي التي تقيم في العلاقات الشكلية الخالصة. ولم تكن شكلانيّتها المستمدة من بنية القصيدة العربية التقليدية ذات صلة بتحولات الشكل في الفن الغربي، وإن وقع التلاقي واتسع مجال المقاربة. لم تكن شقير مهتمة كثيرا في أن يأخذ فنها مداه العالمي في سياق الفن الغربي، فلديها شيء مختلف تقدمه إلى العالم، ذلك الشيء هو ما جعل واحدا من أهم أربعة متاحف في العالم يقبل على استعادتها وإن حدث ذلك متأخرا.
أما بالنسبة إلى تجربتها في النحت فقد كانت سلوى روضة شقير ظاهرة استثنائية. لم تكن المرأة التي جُبلت على الهيام بالمفردات الزخرفية العربية قادرة على استخراج أشكالها من صخرة بعينها. كانت منحوتاتها تتكوّن من قطع مركبة، بعضها يضمّ البعض الآخر، من غير أن يوحي بالانتماء المؤكد إليه. قطع مفكّكة يُمكن أن تعرض باعتبارها مفردات خالصة ويمكنها أن تجتمع في عمل واحد، غير أنها لا تكفّ عن قابلية انشطارها لكي تولد من جديد. في أعمالها الخيطية تعيدنا شقير إلى مادة حلمية، هي في حقيقتها تلخيص لفتنة الأنوثة وهي تحيط عالمنا بمكرها.