الجمال النائم.. متلازمة نفسية نادرة تنتقل من الأدب إلى الدراما

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجمال النائم.. متلازمة نفسية نادرة تنتقل من الأدب إلى الدراما

    الجمال النائم.. متلازمة نفسية نادرة تنتقل من الأدب إلى الدراما


    رواية "سنوات التيه" تتحول إلى مسلسل.. وجدل حول موعد العرض.
    الخميس 2024/06/27
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عمل درامي بفكرة مختلفة

    قامت السينما والدراما بوصفهما من الفنون السمعية البصرية على الاستلهام من الأعمال القصصية والروائية، ورغم خفوت العلاقة بين الكتابة الأدبية والدراما والسينما لتطور الفنين الأخيرين واستقلالهما التام، فإنهما ما يزالان ينهلان من الأدب أعمالا ناجحة حين تصويرها، والأمثلة على ذلك كثيرة.

    القاهرة - العلاقة بين الأدب والسينما أو الدراما، علاقة جدلية، مزاجية، متقلبة. تتناسب المسافة بينهما عكسيا مع مستوى ما يُقدم على الشاشات.

    وفي عقد الستينات بمصر، قصرت المسافات بين المقروء والمرئي، وأقبل السينمائيون على تقديم أفلام مأخوذة عن روايات كتبها أدباء العصر، فبقيت أعمالهم علامات مضيئة في تاريخ السينما المصرية والعربية.

    وبمضي الزمن وتحولات المجتمع، عادت الروايات إلى أرفف المكتبات، وجاء أغلب الأعمال السينمائية والدرامية معبرا عن عصر جديد، محكوم بـ”نظام التفاهة”، بتعبير آلان دونو أستاذ الفلسفة بجامعة كيبيك الكندية، في ما عدا أعمال فنية قليلة، يبحث عنها النقاد، ويحتفون بها وصانعيها، احتفاء من يعثر على إبرة في كومة من القش.

    أضحت هذه الأوضاع الجديدة واقعا ثابتا، مسيطرا، داخل سوق الفن، يتم التعبير عنه عادة بمسمى “أزمة ورق”، في إشارة إلى ضعف السيناريوهات والموضوعات المقدمة للمخرجين وأصحاب شركات الإنتاج، لكن لكل فعل رد فعل، وفي كل واقع هناك دوما من يقرر أن يتحرك لأجل التغيير.


    شاهيناز الفقي: الرواية أرهقتني وسعدت بجدية المخرج والفنانين والإنتاج

    النوم شهورًا وسنوات


    كشفت مصادر تحدثت لـ”العرب” عن اتجاه عدد من المخرجين الجادين إلى البحث عن روايات أدبية، تصلح لتقديمها في صورة أعمال درامية، كوسيلة للتغلب على الأزمة، ومحاولة العودة إلى عصور الازدهار الفني السابقة، لتصبح الكرة بذلك في ملعب الأدباء، لكن تظل عوائق الإنتاج والتوزيع أحيانا عناصر مؤثرة في العملية.

    تدور أحداث رواية “سنوات التيه” للكاتبة المصرية شاهيناز الفقي في عوالم نفسية غامضة وجاذبة، ما أغرى صناع الفن بتحويلها إلى مسلسل درامي، تم الانتهاء من تصوير حلقاته العشر قبل رمضان الماضي، وكان من المقرر عرضه على منصة “شاهد” وفق تصريحات صناعه، لكن المسلسل لم يعرض.

    حمل المسلسل اسم “الذنب”، بطولة الفنانين هاني سلامة ودرة التونسية وماجد المصري، إخراج رضا عبدالرازق، وإنتاج مصطفى يوري وشركة “ديفرنت آرت”. ورغم كوكبة النجوم، وجاذبية وتشويق القصة، إلا أن الغموض ما زال يكتنف موعد وظروف عرضه، دون أسباب واضحة.

    تناقش الرواية التي يقوم عليها المسلسل، من خلال حبكة درامية متشابكة الخيوط، اضطرابا عصبيا نادرا يسمى “متلازمة الجمال النائم” أو متلازمة “كلاين – ليفين”، اسم العالمين مكتشفي الاضطراب الذي يتسبب في نوم المصاب به نوما اختياريا لفترات طويلة، تصل إلى أشهر أو ربما سنوات، فلا يستيقظ إلا لفترات محدودة، لتناول الطعام وقضاء الحاجة.

    تدور الأحداث حول قصة “ناديا”، البطلة، المريضة بهذه المتلازمة، بعد أن تسببت أحداث مؤلمة مرت بها حياتها لنومها ثلاث سنوات كاملة، اقتطعت من عمرها، ولا تتذكر المريضة أيّ شيء مما حدث لها خلالها.

    الطبيب النفسي سليمان، أو خالد، كما تسمّيه المريضة التي تصر على أنها التقت به من قبل وعرفته بهذا الاسم، يحاول مساعدتها لإخراجها من أزمتها، يتحول شيئا فشيئا من طبيب يعالج مريضة إلى محقق يسعى إلى كشف لغز حياتها وفك تشابكات علاقاتها مع المحيطين بها، لفهم ما أوصلها إلى حالتها.

    يُرفع الستار شيئا فشيئا على مدى صفحات الرواية عن لوحة حياة البطلة، وتضم أختها وابنة عمها وزوجيهما، والمحامي الكبير الذي عملت في مكتبه، ويدور حوله جانب كبير من الألغاز والأسئلة.

    يحلق السرد المتدفق في العمل الروائي بالقارئ وسط سُحب من الغموض الجاذب إلى فهم الأبعاد والخلفيات، وخفايا النفوس البشرية عند كل الأبطال بمن فيهم الطبيب المعالج ذاته، ويطوله الغموض مع سير الحكاية.

    ويجد القارئ نفسه بالتدريج متشككا في روايات كل الأبطال حول الحقيقة، ومشدودا إلى رغبة الفهم بنهم، حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والخط الفاصل بين الحقائق والهلاوس، الوقائع والأحلام، لتأتي النهاية محملة بمفاجآت مذهلة.

    الكاتبة لا تملك إجابات عن السؤال حول سبب عدم إذاعة المسلسل لكنها تتمنى مثل كل صناعه أن ترى أبطالها يتحركون على الشاشة أمامها

    وشاهيناز الفقي كاتبة روائية وقاصة، عضو اتحاد الكتاب المصريين، لها خمس روايات، أولها رواية “سعيدة.. ملحمة العشق والحرية” سنة 2017، وتمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، ثم “سنوات التيه”، و”يا شمس أيوب” التي فازت بجائزة إحسان عبدالقدوس عام 2021، و”مذكرات نزيل جهنم”، و”حتما سوف يأتي”، وثلاث مجموعات قصصية.

    تكشف الكاتبة المصرية لـ”العرب” تفاصيل وظروف كتابة رواية “سنوات التيه”، وتقول إنها تحب القراءة في مجال علم النفس، وأغلب كتاباتها يدور في هذه العوالم، لأن النفس البشرية هي الأساس، والصراع داخلها هو الأرضية التي يقوم عليها أغلب مشكلات الدنيا، بما فيها الصراعات السياسية وكثيرا ما يتضح أنها مبنية على عقد نفسية كالنرجسية وغيرها.

    شاهدت الكاتبة مقطع فيديو لفتاة مريضة بالنوم لفترات طويلة، وفوجئت بوجود متلازمة نفسية نادرة تحمل اسم “الجمال النائم” أو “الجميلة النائمة”، بدأت القراءة عنها والبحث فيها، فعرفت أن النوم المقصود اختياري، وليس في صورة غيبوبة، وأن فترات النوم لدى المصابين قد تصل إلى شهور وربما سنوات في بعض الأحيان، لا يستيقظون خلالها إلا لفترات قصيرة، لتناول الطعام وقضاء الحاجة.
    إجهاد نفسي ومفاجأة


    بدأت التساؤلات تعتري ذهن الكاتبة حول المتلازمة النادرة، والنوم كسلاح للهروب من الأزمات والضغوط؛ ماذا لو نام الإنسان سنين، كيف تتغير حياته بعدها، بماذا يشعر عندما يُشفى ويستيقظ ليجد سنوات من عمره قد مضت وظروفا تغيرت وأحداثا وقعت.

    وتضيف الكاتبة المصرية أن شخصيات الرواية بدأت بعد ذلك تهاجمها وتحاوط عقلها، ناديا وفاتن وسناء وفهمي، والطبيب سليمان أو خالد، فشرعت في الكتابة دون خطة في البداية، ولا تستبعد أن يكون الدافع في اللاوعي لديها هو الرغبة في التعبير عن محنة الفقد بالموت، التي ناقشتها الرواية، خصوصا فقد الأخت، التي تعرضت لها الكاتبة نفسها، لذا فقد أجهدتها الرواية نفسيا على مدى سنتين هي فترة الكتابة.

    وتقول “الفقد بالموت أكبر أزمة نفسية يمكن أن يتعرض لها الإنسان، إذ أن رحيل عزيز يسلب المرء جزءًا من روحه، ولا تعود حياته بعدها كما كانت أبدا، إنما يكون كل شيء ناقصا، ويقف الإنسان في بؤرة العجز إزاء ذلك، لأنه لا يمكن أن يغير هذا الواقع أو يعترض عليه، فهذه إرادة الله، وهكذا سنة الحياة”.


    أحداث رواية “سنوات التيه” تدور في عوالم نفسية غامضة وجاذبة، ما أغرى صناع الفن بتحويلها إلى مسلسل درامي


    حصلت شاهيناز الفقي على دبلوم السيناريو من الأكاديمية الدولية الأميركية للفنون والإبداع، وهي شهادة لها “كود” مسجل في مقر الأكاديمية بالولايات المتحدة واجتياز الدراسة في فرعها بمصر، ودرست على يد الأكاديمي كريم بهاء الأستاذ في المعهد العالي للسينما بالقاهرة.

    نُشرت رواية “سنوات التيه” عام 2018، عن دار “زهراء الشرق”، وأنهت الكاتبة بعدها كتابة سيناريو لها، حالمة بتحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني، غير أنها فوجئت بصعوبة اختراق الوسط الفني الذي تتحكم فيه مجموعات المصالح والأصدقاء؛ “الشللية”، فأغلقت هذا الملف، وأصدرت ثلاث روايات أخرى بعد “سنوات التيه”.

    وتوضح الفقي لـ”العرب” أنها فوجئت العام الماضي باتصال من المخرج رضا عبدالرازق دون معرفة شخصية بينهما من قبل، ليخبرها بأنه قرأ الرواية وقت صدورها قبل خمس سنوات، وأعجب بها وحلم بإخراجها في مسلسل، وكتب بالفعل سيناريو له، وتم الاتفاق مع المنتج الفني مصطفى يوري على إنتاجه، وطلب منها الموافقة وتوقيع العقد مع شركة الإنتاج.

    شعرت الكاتبة بسعادة كبيرة لتحقق حلمها بعد هذه السنوات، دون توقع أو انتظار. وقّعت العقد بالفعل مع الشركة، واتفقت مع المخرج على عدم تغيير الفكرة الأساسية التي تناقشها الرواية، ووجدت جدية كبيرة من جانب كل أطراف العمل، الذي بدأ في الحال، بنجوم كبار، لهم قيمتهم الفنية والتسويقية، وقد تحمسوا جميعا لإخراج الشخصيات بأفضل صورة وأداء.

    لا تملك الكاتبة إجابات عن السؤال حول سبب عدم إذاعة المسلسل، رغم الإعلان السابق عن عرضه في رمضان الماضي، لكنها تتمنى بالطبع مثل كل صناعه أن ترى أبطالها الذين صورت بقلمها ملامحهم وخبايا نفوسهم، عذبوها وأحبتهم، يتحركون على الشاشة أمامها.

    هناك أعمال أدبية عندما تقرؤها، تتمنى أن تشاهد أحداثها بعينك، إذ يكون القارئ قد رسم صور الأبطال بالفعل في خياله، صالوا داخل عقله وجالوا، رآهم واستمع إلى كلماتهم، ناقش معهم أفكارهم وشعر بهم.

    وهذا ما حدث مع رواية “سنوات التيه” التي تحولت بالفعل إلى سيناريو مسلسل “الذنب”، وتم الانتهاء من تصويره، فما الذي يمكن أن يمنع عرضه على منصة “شاهد” أو أي منصة أخرى؟ سؤال جديد، محمل بإحباط جديد، يعكر صفو العلاقة بين الأدب والدراما.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد شعير
    كاتب مصري
يعمل...
X