أبواب العمارة الشامية.. مدخل للطمأنينة والجمال وبوابة للظل والنور بدمشق
---------------------------------------------------------------------
بالرغم من أن عناية الشاميين ببيوتهم العربية- الإسلامية كانت تتجه عموماً إلى داخل البناء لا إلى خارجه. فالجدران الخارجية "مصمتة" وغالباً لا يخترقها شيء إلا فتحة باب الدار، بينما ينفتح البيت بكامله إلى الداخل على الفناء الداخلي، الا ان الكثير مما تبقى من الأبواب الشامية يحمل لمسات فنية بارعة وأصالة معمارية وزخرفية بارزة.
فتحولت بدورها إلى مشاهد ثابتة توحي للزائر بإحساس السكينة والطمأنينة ..
.
وهي بمثابة "بوابة للنور والضوء"- كما يصفها الشاعر "نزار قباني":
《بوابة صغيرة من الخشب تنفتح ويبدأ الإسراء على الأخضر والأحمر والليلكي وتبدأ سيمفونية الضوء والظل والرخام، شجرة النارنج تحتضن ثمارها والدالية حامل والياسمينة ولدت ألف قمر أبيض وعلقتهم على قضبان النوافذ وأسراب السنونو لا تصطاف إلا عندنا》
..
ويضيف الشاعر الراحل في وصفه الشاعري:
《هذا البيت الدمشقي الجميل استحوذ على كل مشاعري وأفقدني شهية الخروج إلى الزقاق كما يفعل الصبيان في كل الحارات. ومن هنا نشأ عندي هذا الحس (البيتوتي) الذي رافقني في كل مراحل حياتي》.
.
وجماليات (الأبواب الشامية) هي التي دفعت السيدة الفرنسية "بريان" منذ سنوات ما قبل الحرب لأن تفتتح في باريس غاليري خاصاً بنماذجها القديمة، ورأت بريان أن الباب هو واحدة من أجمل قطع العمارة الشامية، وهو باب له حياة يروي مرور الزمن وأحداثه عليه، وكذلك هو باب له قصة وليس أي باب لا اسم له مثل الأبواب المنتشرة في الدول الصناعية التي هي أبواب وظيفية ليس فيها روح أو حياة
وتضيف بريان أن الأوروبيين يعشقون الأبواب الشرقية، وخاصة الباب الشامي الذي يُطلب منا باستمرار ويصنعه لنا السوريون وفق المقاييس المطلوبة.
.
والباب هو المدخل الذي يٌولج منه إلى داخل البناء أو المدينة، ويتألف عادة من مصراع واحد أو مصراعين، وربما أكثر، ويُفتح ويُغلق حسب الضرورة والحاجة، كما يعرف في بعض الأحيان على ألسنة العامة خطأ باسم "البوابة" وتُعقد فتحة الباب في أعلاها بقوس مستقيمة، وهي الأكثر شيوعاً، أو قد تقوّس بعقد يختلف انحناؤه حسب التصميم كما جاء في كتاب "زخارف العمارة الإسلامية في دمشق" للباحث الراحل "قتيبة الشهابي" ومنها:
"العقد التام" و"العقد المحدّب" و"العقد الموتور أو القطاعي"، وهناك قلة من العقود ذات النماذج الغربية.
.
وقد أبدع الفنان الدمشقي المصمم لمصراع الباب في زخرفته وتنفيذه، وكم هي كثيرة نماذج تلك المصاريع، غير أنها–بحسب الشهابي- لا تخضع لنمط محدد في الزخرفة، ولا تخرج عن كونها نتاجاً عفوياً بسيطاً ينطلق من الإحساس بجمالية التصميم، سواء كانت منفذة بالخشب أو الحديد.
.
خلافا لأبواب البيوتات العادية البسيطة في مدينة دمشق وغيرها من المدن السورية، لا تخضع أبواب المشيدات الأثرية والمشيدات التاريخية المهمة لهذه البساطة بل تتصف بالعظمة والأبهة والضخامة والارتفاع أحياناً، وأحياناً أخرى بالترف الزخرفي كما هو الحال في (الباب الغربي) و(الباب الشمالي) للجامع الأموي المزخرفين بالحشوات المعدنية البديعة، ولا بد لمن يدرس أبواب دمشق وعناصرها المعمارية أن يتوقف طويلاً أمام هذين البابين لما يمثلانه من وحدة فنية متكاملة تنطق بالإبداع والجمال والإحساس الفني.
.
وتشير المصادر إلى أن أهم الأعمال التي أنجزت في أعقاب مرور تيمورلنك وأكثرها إتقاناً وتعود لعام 1405- 1406م كان ترميم أبواب الأموي وتصفيحها بالبرونز بمبادرة من الأميرين "نوروز الحافظي" و"شيخ المحمودي" (أي السلطان المؤيّد فيما بعد) وهدفت -فيما هدفت إليه- لتخليد ذكراهما
.
☆الطراز الأوروبي:
~~~~~~~~~~~~~
مع نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر نشأ طراز من الأبواب يظهر في دمشق بوضوح أكثر من أي مكان آخر من بلاد الشام، ويظهر هذا الشكل من الأبواب بصورة متفوقة في مدن أخرى من سوريا وفلسطين لكنه في دمشق الغنية بالدور المشيدة في القرن الثامن عشر يعتبر زينة الأزقة والدروب التي لم يصل إليها التأثير الأوروبي، وذلك لما تتحلى به من إطار "باروكي" وأشكال الورود المحفورة وقد استمرت سيطرة تلك الأشكال من الأبواب حتى إلى ما قبل نصف قرن مضى، عندما قضت عليها الأبواب المصنعة على الطراز الأوروبي،
.
وللمفارقة فان هذه الأبواب الشرقية الأصيلة أصبحت تُستخدم الآن في أوروبا داخل البيوت لا خارجها لإضفاء لمسة روحيه على العمارة الأوروبية، فما زال الشرق بكل مكوناته يمثل مصدراً روحياً بالنسبة لأوروبا -كما تقول بريان انفه الذكر-
.
كانت أطر الأبواب الشامية تُنحت من ثلاثة أنواع من الحجارة -كما يقول الدكتور "قتيبة الشهابي"- في كتابه المشار إليه آنفاً،
• الأول هو الحجر الكلسي الهشّ ذو اللون الأبيض الضارب للاخضرار،
• والثاني هو البازلت الخشن ذو اللون الرمادي العاتم أو الرمادي الضارب للأزرق المستخرج من منطقه حوران،
• والثالث هو الحجر الكلسي المستخرج من جبل قاسيون ويتميز بأنه شبيه بالرخام وقابل للصقل فضلاً عن العروق الحمراء والبنفسجية والصفراء التي تخترقه.
.
ومن المعلوم أن الأبواب الشرقية صغيرة الحجم 98 سم، لكنها تتجاوز هذه المقاييس قليلاً في بيوت الأثرياء والوجهاء، أما إذا كانت المداخل كبيرة فيكون هناك باب صغير في احدى درفتي الباب الكبير(خوخة) وهو نسخة مصغرة عن الباب الكبير بكل تفاصيله.
.
☆الحلقة الحديدية - السقاطة:
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
نواجه في الأبواب الشامية مختلف أنواع المطرقة، بدءاً بالحلق الحديدية البسيطة وانتهاء بالمطرقة البرونزية المخرمة والمنزلة، وهي ذات شكل مسطح وجوانب مسننة وتتمتع هذه الأبواب بزخارف محفورة في الخشب وتغصينات نباتيه-زخارف على شكل غصون- خلف زخارف من المسامير المغروسة في جسم الباب مؤلفه أشكالاً هندسية متداخلة غاية في الإبداع والروعة.
--------------------------------------------------------------
خالد عواد الأحمد(بتصرف)