"ريح الجنوب" تهب من أعمال التشكيلية إيمان خليفي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "ريح الجنوب" تهب من أعمال التشكيلية إيمان خليفي

    "ريح الجنوب" تهب من أعمال التشكيلية إيمان خليفي


    معرض مقتبس من الأدب يكشف ثراء الثقافة الجزائرية والأفريقية.
    الأربعاء 2024/06/26

    المرأة الجزائرية بطلة في أعمال إيمان خليفي

    بينما ينظر إلى دول أفريقيا أنها تعاني من صراعات وأزمات، اختارت الفنانة إيمان خليفي أن تنقل صورة مختلفة عن الجزائر وأفريقيا إلى محبي الفن التشكيلي المكسيكيين، وهي صورة جميلة مستوحاة من التراث المشترك والثقافة المتنوعة ضمن معرض بعنوان "ريح الجنوب".

    قسمت الدول الاستعمارية العالم إلى جزaأين “متقدم” و”نام” وهو ما لم يعجب الغالبية فرضخت لتعيد تقسيمه إلى شمال وجنوب، شمال يسلط الضوء على كل تاريخه وثقافاته وفنونه وتراثه، وجنوب لا يحظى بالاهتمام اللازم ولا نعرف عنه الكثير إلا من جهود فردية.

    من هؤلاء الأفراد، الفنانة التشكيلية الجزائرية إيمان خليفي التي اختارت التعريف بتراث بلادها العريق، راصدة الأحداث اليومية والتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية ومسلطة الضوء على مكانة المرأة الجزائرية في المجتمع، وذلك في معرض يحمل عنوان “ريح الجنوب”.

    وتقدم إيمان خليفي “ريح الجنوب” في المتحف الوطني للثقافات العالمية في مدينة مكسيكو وهو واحد من أهم المتاحف المكسيكية ذات الطابع الدولي وأقدم متحف في مدينة مكسيكو حيث أنشئ سنة 1731. ويأتي المعرض في إطار احتفال المكسيك والجزائر بستة عقود من العلاقات الدبلوماسية.

    ومن العشرين من يونيو الجاري حتى الرابع والعشرين من سبتمبر المقبل، تعرض الفنانة لوحات جريئة ومبتكرة تتنوع بين الانطباعية والانطباعية التجريدية وتنتصر فيها لبلدها وتاريخه ونسائه، وقد اختارت له “ريح الجنوب” عنوانا استوحته من عنوان أول رواية جزائرية كتبت باللغة العربية وهي رواية “ريح الجنوب” للكاتب عبدالحميد بن هدوقة التي كتبها عام 1970 وتقع في 317 صفحة.

    وقد حاول الروائي عبدالحميد بن هدوقة أن يعكس تناقضات الواقع الاجتماعي في عمله الأدبي الذي كان بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية. كما حاول إبراز الواقع المعيش بعد الثورة الجزائرية، ومعالجة موضوع مهم وهو الأرض والمرأة بصورة خاصة، وسعي المرأة لكسر قيود المجتمع.


    ◙ إيمان حولت الأحداث والمواقف إلى تعبير فني بصري يواكب التغيرات التي طرأت على المجتمع الجزائري


    بدورها، حولت إيمان هذه الأحداث الروائية والمواقف إلى تعبير فني بصري يواكب التغيرات التي طرأت على المجتمع الجزائري، رغم أنها عاشت في المكسيك لمدة 15 عاما، وقامت ببناء رابط المعرفة والأخوة تجاه وطنها في هذا الجانب من المحيط الأطلسي.

    في “رياح الجنوب”، تقدم الفنانة الجزائرية جولة في المناظر الطبيعية والموسيقى والحياة في بلدها، وقد عبرت بعض لوحاتها عن فترة ما بعد الظهر عندما يتم عزف الإمزاد، وعبرت من خلال سلسلة أزرق المستوحاة من لون البحر عن واقع “الحراقة”، أو المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط باحثين عن الجنة الأوروبية، وهي في ذلك تقيم مقارنة غير مباشرة بين التقسيم المتعارف عليه بين شمال وجنوب. كما خصصت سلسلة أخرى للأحمر تعبيرا عن الخيام الحمر التي كانت تبنيها نساء قبيلة ولاد نايل العريقة.

    “رياح الجنوب” التي تهب من 53 لوحة، تقول الفنانة إنها لا تبتعد كثيرا عما جاء في رواية هدوقة، فالكاتب حسب وجهة نظرها “حاول في روايته أن يعكس تناقضات الواقع الاجتماعي، ليكون بمثابة مرآة للحياة اليومية، التي غالبا ما تتأثر بالسياسة”.

    ومن خلال فنها، حاولت خليفي أن تفعل الشيء نفسه، مما يدل على مدى مواكبتها للحياة اليومية لبلدها، والتزامها الراسخ بقضاياه المختلفة. كما تدفع كل لوحة المشاهد إلى التساؤل عن دور المرأة وقلقها ومعضلاتها.

    ترفق إيمان خليفي بعض لوحاتها بنصوص مأخوذة من الأخبار الاجتماعية السياسية التي أثرت عليها، حيث يمكن فهم عن قرب أهم القضايا الطارئة في المجتمع الجزائري. وهي تستعمل ألوانا حارة كحرارة الجنوب وحرارة مشاعر أهله وطباعهم والأحداث المؤثرة فيه، كما استخدمت في لوحات أخرى ثنائية الأبيض والأسود للتعبير عن ضبابية المشهد أحيانا، في حين عنونت إحدى لوحاتها بـ”الجزائر أفريقية”، وهو ما توضحه أغلب أعمال الفنانة التي تذكر بأنه حتى ثقافة اللون والألوان المتناغمة تتوارثها الجزائر كما بقية دول شمال أفريقيا من القارة الأم وتشترك فيها مع بقية الدول المكونة لها.

    وإلى جانب اللوحات، تعرض إيمان مجموعة من الحلي التقليدية، واختارت أن تفتتح معرضها أيضا بزي تقليدي جزائري، يسلط الضوء على خصوصية الثقافة وجمالية الأزياء النسائية التراثية.

    وكما يشير إلى ذلك عنوان المعرض، فإن أعمال إيمان خليفي تسلط الضوء على الجزائر بصفتها جزءا من “الجنوب العالمي”، ذلك الجنوب المشترك في تحديات تاريخية واقتصادية واجتماعية مماثلة، ولكن أيضا ثقافات وتقاليد نابضة بالحياة. ويضم الجنوب العالمي دولا من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، وهو مصطلح يدرك أن هذه المناطق لها تاريخها الفريد من نوعه وتحدياتها ونقاط القوة.

    وقالت خليفي في بيان مرسل لصحيفة “العرب” إن “طريقها في الفن بدأ بشكل غير متوقع، عندما أرادت تجميل جدران منزلها في المكسيك. على الرغم من أنها رسمت في البداية من أجل المتعة، إلا أن ارتباطها بالفن والشعر دفعها إلى استكشاف وتطوير أسلوبها الخاص. باستثناء عملها الأول، المستوحى من لوحة بابلو بيكاسو ‘نساء الجزائر’ (1955)، والذي نفذته بالزيت، فإن بقية أعمالها تم إنشاؤها باستخدام الأكريليك".

    ◙ أعمال جريئة ومبتكرة تتنوع بين الانطباعية والانطباعية التجريدية وتنتصر فيها لبلدها وتاريخه ونسائه

    ويعتبر معرض رياح الجنوب ثاني معرض فردي للفنانة إيمان خليفي هذه السنة حيث أقيم أول معرض في المتحف التاريخي المرموق ليون تروسكي بمناسبة عيد المرأة بتاريخ الثامن من مارس الماضي وعرضت فيه 74 لوحة. وأهدت خليفي جدارية بعنوان "رقصة الأندلس" أعدتها خصيصا للمعرض، واستوحتها من التعبير الفني الجزائري الذي له جذور في الفلامنكو الإسباني، والتي سيتم دمجها في مجموعات المتحف.

    وفي افتتاح المعرض، أكد المدير العام لوزارة الخارجية لأفريقيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، خوسيه أوكتافيو تريب فيلانويفا، أن إيمان خليفي تجسد الصداقة العميقة بين البلدين. والمكان المثالي لعرض إبداعاتها هو المتحف الوطني للثقافات العالمية، وهو مساحة “ديناميكية وإبداعية” تربط المكسيك بالعالم.

    بدوره، قال سفير الجزائر بالمكسيك جمال مكتفي إن التمثيلية الدبلوماسية أعدت برنامجا فنيا وتعليميا بخصوص هذه الذكرى. وفي هذا الإطار، تلقت مكتبة “بيدرو بوش جيمبيرا” التابعة للوزارة الوطنية للطفولة، في يناير الماضي، هبة من الكتب حول تاريخ وثقافة الجزائر، كما أشاد بفخره بأعمال الفنانة الجزائرية إيمان خليفي التي تمثل المرأة الجزائرية وجانبها الفني الإبداعي.

    وأشارت مديرة المتحف أليخاندرا غوميز كولورادو إلى أن أعمال خليفي تتعايش مع الآلات الموسيقية وفساتين الحفلات التي تبرعت بها الحكومة الجزائرية لهذا المكان سنة 1990، "إن المعرض الذي نقدمه اليوم يأخذنا إلى بعد آخر لما عرضناه حتى الآن. لوحة إيمان خليفي حديثة وجريئة، فهي تأخذنا باليد عبر المناظر الطبيعية والمهرجانات والتحديات الكبرى في الجزائر".

    وقالت "إنها فنانة تحب بلدها وثقافتها بشدة، لكنها لا تتورع عن التعبير في أعمالها عن قضايا النساء ومعاناة المرأة، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم". وأكدت الفنانة لـ"العرب" أنها تجهز معارض أخرى خلال السنوات القادمة منها معرض في متحف وزارة الخارجية، ومتحف في كل من ولايات غوادالاخارا، غواناخواتو وغريرو، مشيرة إلى أن لوحاتها القادمة ستكون مستوحاة من المكسيك والحياة الاجتماعية المكسيكية.




    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X