خزينة يوم القيامة.. كيف يمكن لبنك البذور الذي كاد يضيع في سوريا أن يساعد في إطعام كوكب الأرض؟
لحسن الحظ أصبح العالم أكثر أمناً قليلاً، نظراً لأنه تم إيداع نسخة ثانية من البذور النباتية النادرة التي كانت موجودة في سوريا في مكان نائٍ في الدائرة القطبية الشمالية، أما النسخة الأصلية فهي محاصرة بالحرب في شمالي سوريا، بعد أن تركها العلماء والباحثون الذين فرّوا من الحرب، حسب تقرير لمجلة فوربس الأميركية.
الأخصائي في حفظ النباتات السوري علي شحادة يبحث منذ أعوامٍ طويلة عن الجينات الموجودة في البذور التي نزرعها اليوم، وما يسميه هو “أقاربهم البريين” (الأقارب البريون في عالم النباتات هي نباتات برية ترتبط بنفس الجينات مع النباتات التي نزرعها)، بحسب ما ترويه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
يهدف شحادة إلى حماية هذه البذور التي ربما تكون قوية الاحتمال بما يكفي لإطعامنا في المستقبل، وذلك عندما تصبح الكثير من المناطق الأخرى في العالم حارة وقاحلة وغير قابلة للعيش كما هو الحال هنا.
سحب البذور
كان المركز الدولي للبحث الزراعي في المناطق الجافة، رغم عدم تلقيه أي تمويلٍ حكومي، مفضلاً لدى الحكومة السورية. إذ ساعدت أبحاث هذا المركز، الذي يقع في حلب، في اكتفاء سوريا الذاتي من إنتاج القمح. لكنَّ حملةً لإنتاج محاصيل تستهلك الكثير من الماء استنزفت المياه الجوفية لسوريا في سنوات، وتبع ذلك جفافٌ شديد ساعد على تأجيج الاحتجاجات التي تحولت إلى معارضةٍ مسلحة ضد الحكومة عام 2011.
كان سحب هذه البذور ضرورياً بسبب الحرب الأهلية السورية، إذ كان بنك البذور الجيني الخاص بمنظمة الإيكاردا يقع في تل هادية، على أطراف مدينة حلب التي مزقتها الحرب في شمالي سوريا.
وأصبح المركز بالتالي من متضرري الحرب. فبحلول عام 2014، اقترب القتال من مقر المركز في حلب وحقله الممتد في تل هادية القريب منها. وسُرِقَت شاحنات المركز، واختفت المولدات. أما معظم أغنام العواسي ذات الذيل السمين، التي كان المركز يُربِّيها بغرض إنتاج المزيد من الألبان ولأنَّها تستهلك مياهاً أقل، فقد نُهِبَت وأُكَِلَت.
لم يستطع العاملون بالمركز الوصول إلى البذور الموجودة فيه، لذا لم يتمكنوا من توزيعها من أجل الاستخدام، ولم يكُن من الممكن إعادة إنتاج عيناتٍ جديدة، بحسب تقرير لمجلة فوربس الأميركية.
وفي النهاية هرَّب شحادة والعلماء الآخرون ما استطاعوا حمله، بما في ذلك القليل من الأغنام، وفروا منضمين بذلك إلى نصف سكان البلاد الذين يعيشون في المنفى.
وواجهت أهم مشروعات المركز، وهو بنك البذور الذي يحتوي على 155 ألف تنويعة من محاصيل المنطقة الأساسية، أي ما يشبه نوعاً من الأرشيف الزراعي للهلال الخصيب، خطر الانقراض.
لكن كان لدى باحثي المركز نسخة احتياطية. إذ بدأ المركز عام 2008، قبل الحرب بوقتٍ طويل، في إرسال نماذج إضافية إلى خزينة سفالبارد العالمية للبذور، التي تُسمَّي خزينة يوم القيامة، المدفونة بجانب جبل في جزيرة نرويجية فوق الدائرة القطبية. كان هذا الأمر إجراءً معتاداً في حالة حدوث أي شيء، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وحدثت الحرب. ومع تفكك حلب عام 2015، اقترض علماء المركز بعض البذور التي كانوا قد خزنوها في سفالبارد، وبدأوا في البناء من جديد. ولكنَّهم هذه المرة انتشروا، وأنشأوا بنكاً للبذور في المغرب، وواحداً آخر عبر الحدود السورية مع لبنان في ذلك الوادي الفسيح من أشجار السرو والعنب المعروف بالبقاع.
وقال شحادة: “نبذل قصارى جهدنا لإعادة تجميع كل شيء كان لدينا في حلب”.
بحسب نيويورك تايمز الأميركية فإن مقر حلب لا يزال محتوياً على أكبر مجموعةٍ من البذور في المنطقة، 141 ألف صنف من القمح والشعير والعدس والفول وما يشبهها، على الرغم من أنَّ شحادة وزملاءه لا يعرفون حالة هذه البذور. إذ لم يكن بمقدورهم العودة.
لطالما عمل بنك البذور بصفته مستودعاً مهماً للتنوع الحيوي. لكنَّ هذا البنك أكثر أهمية، بحسب تيم بنتون، خبير الأمن الغذائي بجامعة ليدز، في وقتٍ يحتاج العالم فيه إلى محاصيل يمكنها التكيف مع الموجات المتسارعة للتغير المناخي.
وقال بنتون: “ينبغي لنا أن نزرع أشياء مختلفة إلى حدٍّ كبير بطرقٍ شديدة الاختلاف. من المؤكد أنَّه بالنسبة لمحاصيلنا الأساسية مثل القمح، فإنَّ الأقرباء البريين يُعتَقَد أنَّهم سوف يكونون مهمين حقاً بسبب الجينات التي يمكن إعادتها مرة أخرى إلى خطوط القمح التي لدينا، من أجل إكساب (المحاصيل) المرونة والتكيف تجاه التغير المناخي”.
وقال بنتون إنَّ هذا الأمر مهم على وجه التحديد، لأنَّ هذه البذور قد تختفي بسهولة دون حماية.
أما مقدار مساهمة الأزمة الزراعية في اندلاع الحرب الأهلية هناك فهو أمرٌ محل جدال. ومع ذلك، فليس ثمة الكثير من الجدال حول تأثير الاحتباس الحراري على المنطقة، والذي يبدو من المؤكد أنَّه سوف يجعل الزراعة هنا عملية محفوفة بالمخاطر.
تغير الطقس في الشرق الاوسط
لم يتوقع مُصمِّمو القبو قدوم مثل هذا الجو الدافئ بشدة الذي شهده العالم في نهاية أسخن عام سُجِّلَ على الإطلاق (2016)، جراء الأنشطة البشرية المضرة بالبيئة.
فقد ارتفعت درجات الحرارة بما لا يقل عن 0.2 درجة مئوية/عقد في الشرق الأوسط منذ عام 1961 حتى عام 1990، وارتفعت بما يقترب من 0.4 درجة مئوية في الفترة التي أعقبت عام 1990، وذلك بحسب أندرو نوبل، الذي كان نائب مدير المركز للأبحاث حتى وقتٍ قريب.
وارتفعت درجات الحرارة في بعض أيام الصيف الحالي، في مناطق حارة وجافة بالفعل مثل العراق، إلى ما يزيد عن 50 درجة مئوية، وهو ما يصل إلى حوالي 120 درجة فهرنهايت. وأصبح الجفاف أكثر حدة وتكراراً. وقال نوبل بصراحة إنَّ مستقبل الزراعة في المناطق التي يعتمد فيها الفلاحون على المطر، كما هو الحال في معظم مناطق الشرق الأوسط، “مستقبل قاتم للغاية”.
وقال شحادة إنَّ هذا الأمر هو سبب هوسه بالأقارب البرية للبذور التي يزرعها معظم الفلاحين اليوم. يتجنب شحادة البذور المُعدَّلة جينياً، إذ يريد بدلاً منها أن يستفيد من كنوز هذه الأقارب البرية، التي عادةً ما تكون صلبة وأفضل تكيفاً مع المناخات القاسية. وقال شحادة: “تُشكِّل هذه البذور مخزوناً جيداً”.
ويبحث شحادة عن السمات الجينية التي يقول إنَّها سوف تصبح مفيدة للغاية في المستقبل، ألا وهي: مقاومة الأوبئة، أو الرياح الحارة، أو القدرة على تحمل فصول الصيف شديدة الحرارة. ويحاول شحادة اختيار هذه الصفات وتوليدها في الجيل الجديد من البذور، في التربة والهواء نفسهما التي لطالما نبتت فيهما هذه البذور بحسب نيويورك تايمز الأميركية.
ويعد القمح العنصر الرئيسي في النظام الغذائي في الشرق الأوسط، وهذه المنطقة هي ما تسميها الباحثة بمركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن لورا ولسلي: “أكبر منطقة مستوردة للقمح في العالم”. كانت سوريا يوماً ما استثناءً لهذه القاعدة، لكنَّ الحرب جعلت القمح سلاحاً قوياً، وصارت هي الأخرى تستورد الآن القمح لإطعام المواطنين الذين بقوا فيها.
ومع اقتراب فصل الصيف، أصبحت صوبات شحادة شبه خالية. في إحدى هذه الصوبات ثمة بذور شعير، عادةً ما توجد في مراعي المرتفعات، محفوظة في أكياس قماشية صغيرة. وفي صوبةٍ أخرى، ثمة أوان صغيرة من البرسيم.
قريباً سوف تؤخذ هذه البذور إلى الداخل بعد تجفيفها، وتكييسها، وتصنيفها. بعض البذور المجموعة هنا محفوظة في عددٍ من غرف التخزين الباردة، وبعضها للفلاحين كي يحاولوا زراعتها في الحقول. وثمة مجموعة كاملة من البذور ستذهب إلى سفالبارد: إذ يقوم المركز بالتدريج بإعادة البذور التي سحبها إلى البنك. وقد حمل شحادة في أوائل شهر سبتمبر/أيلول الحالي 31 صندوقاً من البذور في آخر شحنة إلى النرويج.
وتحتوي مجموعة المركز الكاملة من البذور التي غذت شعوب الشرق الأوسط لقرون على 14700 صنف من قمح الخبز، و32 ألف صنف من الشعير وما يقترب من 16 ألف صنف من الحمص، وهو العنصر الأبرز في الفلافل. ويستضيف بنك البذور اللبناني حوالي 39 ألف صنف إضافي، ويحتوي بنك المغرب على 32 ألف صنف آخر. ولمعظم هذه الأصناف نسخ احتياطية في سفالبارد.
وأدخل المركز في السودان صنفاً من القمح يأمل بأنَّه سوف يكون أكثر مقاومة للجفاف والحرارة. ويُنمِّي المركز نوعاً من الفول بإمكانه أن يتحمل الأعشاب الطفيلية، والعدس الذي يمكنه النضج في وقتٍ قصير.
هذا الأمر ليس مفيداً للشرق الأوسط فحسب، بحسب نوبل. ذلك أنَّ فصول الصيف الحارة الجافة الشائعة في الشرق الأوسط قد تصبح مألوفة للغاية في أجزاءٍ أخرى كثيرة من العالم.
يقول علي أبو سبع، المُدير العام للمركز “نحنُ نُظهر اليوم أنّنا يُمكننا الاعتماد على بنوكنا الجينية ونسخها الآمنة، على الرغم من الظروف الصعبة، لكي نقترب خطوة من عالمٍ آمن غذائياً”.
منقول
لحسن الحظ أصبح العالم أكثر أمناً قليلاً، نظراً لأنه تم إيداع نسخة ثانية من البذور النباتية النادرة التي كانت موجودة في سوريا في مكان نائٍ في الدائرة القطبية الشمالية، أما النسخة الأصلية فهي محاصرة بالحرب في شمالي سوريا، بعد أن تركها العلماء والباحثون الذين فرّوا من الحرب، حسب تقرير لمجلة فوربس الأميركية.
الأخصائي في حفظ النباتات السوري علي شحادة يبحث منذ أعوامٍ طويلة عن الجينات الموجودة في البذور التي نزرعها اليوم، وما يسميه هو “أقاربهم البريين” (الأقارب البريون في عالم النباتات هي نباتات برية ترتبط بنفس الجينات مع النباتات التي نزرعها)، بحسب ما ترويه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
يهدف شحادة إلى حماية هذه البذور التي ربما تكون قوية الاحتمال بما يكفي لإطعامنا في المستقبل، وذلك عندما تصبح الكثير من المناطق الأخرى في العالم حارة وقاحلة وغير قابلة للعيش كما هو الحال هنا.
سحب البذور
كان المركز الدولي للبحث الزراعي في المناطق الجافة، رغم عدم تلقيه أي تمويلٍ حكومي، مفضلاً لدى الحكومة السورية. إذ ساعدت أبحاث هذا المركز، الذي يقع في حلب، في اكتفاء سوريا الذاتي من إنتاج القمح. لكنَّ حملةً لإنتاج محاصيل تستهلك الكثير من الماء استنزفت المياه الجوفية لسوريا في سنوات، وتبع ذلك جفافٌ شديد ساعد على تأجيج الاحتجاجات التي تحولت إلى معارضةٍ مسلحة ضد الحكومة عام 2011.
كان سحب هذه البذور ضرورياً بسبب الحرب الأهلية السورية، إذ كان بنك البذور الجيني الخاص بمنظمة الإيكاردا يقع في تل هادية، على أطراف مدينة حلب التي مزقتها الحرب في شمالي سوريا.
وأصبح المركز بالتالي من متضرري الحرب. فبحلول عام 2014، اقترب القتال من مقر المركز في حلب وحقله الممتد في تل هادية القريب منها. وسُرِقَت شاحنات المركز، واختفت المولدات. أما معظم أغنام العواسي ذات الذيل السمين، التي كان المركز يُربِّيها بغرض إنتاج المزيد من الألبان ولأنَّها تستهلك مياهاً أقل، فقد نُهِبَت وأُكَِلَت.
لم يستطع العاملون بالمركز الوصول إلى البذور الموجودة فيه، لذا لم يتمكنوا من توزيعها من أجل الاستخدام، ولم يكُن من الممكن إعادة إنتاج عيناتٍ جديدة، بحسب تقرير لمجلة فوربس الأميركية.
وفي النهاية هرَّب شحادة والعلماء الآخرون ما استطاعوا حمله، بما في ذلك القليل من الأغنام، وفروا منضمين بذلك إلى نصف سكان البلاد الذين يعيشون في المنفى.
وواجهت أهم مشروعات المركز، وهو بنك البذور الذي يحتوي على 155 ألف تنويعة من محاصيل المنطقة الأساسية، أي ما يشبه نوعاً من الأرشيف الزراعي للهلال الخصيب، خطر الانقراض.
لكن كان لدى باحثي المركز نسخة احتياطية. إذ بدأ المركز عام 2008، قبل الحرب بوقتٍ طويل، في إرسال نماذج إضافية إلى خزينة سفالبارد العالمية للبذور، التي تُسمَّي خزينة يوم القيامة، المدفونة بجانب جبل في جزيرة نرويجية فوق الدائرة القطبية. كان هذا الأمر إجراءً معتاداً في حالة حدوث أي شيء، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وحدثت الحرب. ومع تفكك حلب عام 2015، اقترض علماء المركز بعض البذور التي كانوا قد خزنوها في سفالبارد، وبدأوا في البناء من جديد. ولكنَّهم هذه المرة انتشروا، وأنشأوا بنكاً للبذور في المغرب، وواحداً آخر عبر الحدود السورية مع لبنان في ذلك الوادي الفسيح من أشجار السرو والعنب المعروف بالبقاع.
وقال شحادة: “نبذل قصارى جهدنا لإعادة تجميع كل شيء كان لدينا في حلب”.
بحسب نيويورك تايمز الأميركية فإن مقر حلب لا يزال محتوياً على أكبر مجموعةٍ من البذور في المنطقة، 141 ألف صنف من القمح والشعير والعدس والفول وما يشبهها، على الرغم من أنَّ شحادة وزملاءه لا يعرفون حالة هذه البذور. إذ لم يكن بمقدورهم العودة.
لطالما عمل بنك البذور بصفته مستودعاً مهماً للتنوع الحيوي. لكنَّ هذا البنك أكثر أهمية، بحسب تيم بنتون، خبير الأمن الغذائي بجامعة ليدز، في وقتٍ يحتاج العالم فيه إلى محاصيل يمكنها التكيف مع الموجات المتسارعة للتغير المناخي.
وقال بنتون: “ينبغي لنا أن نزرع أشياء مختلفة إلى حدٍّ كبير بطرقٍ شديدة الاختلاف. من المؤكد أنَّه بالنسبة لمحاصيلنا الأساسية مثل القمح، فإنَّ الأقرباء البريين يُعتَقَد أنَّهم سوف يكونون مهمين حقاً بسبب الجينات التي يمكن إعادتها مرة أخرى إلى خطوط القمح التي لدينا، من أجل إكساب (المحاصيل) المرونة والتكيف تجاه التغير المناخي”.
وقال بنتون إنَّ هذا الأمر مهم على وجه التحديد، لأنَّ هذه البذور قد تختفي بسهولة دون حماية.
أما مقدار مساهمة الأزمة الزراعية في اندلاع الحرب الأهلية هناك فهو أمرٌ محل جدال. ومع ذلك، فليس ثمة الكثير من الجدال حول تأثير الاحتباس الحراري على المنطقة، والذي يبدو من المؤكد أنَّه سوف يجعل الزراعة هنا عملية محفوفة بالمخاطر.
تغير الطقس في الشرق الاوسط
لم يتوقع مُصمِّمو القبو قدوم مثل هذا الجو الدافئ بشدة الذي شهده العالم في نهاية أسخن عام سُجِّلَ على الإطلاق (2016)، جراء الأنشطة البشرية المضرة بالبيئة.
فقد ارتفعت درجات الحرارة بما لا يقل عن 0.2 درجة مئوية/عقد في الشرق الأوسط منذ عام 1961 حتى عام 1990، وارتفعت بما يقترب من 0.4 درجة مئوية في الفترة التي أعقبت عام 1990، وذلك بحسب أندرو نوبل، الذي كان نائب مدير المركز للأبحاث حتى وقتٍ قريب.
وارتفعت درجات الحرارة في بعض أيام الصيف الحالي، في مناطق حارة وجافة بالفعل مثل العراق، إلى ما يزيد عن 50 درجة مئوية، وهو ما يصل إلى حوالي 120 درجة فهرنهايت. وأصبح الجفاف أكثر حدة وتكراراً. وقال نوبل بصراحة إنَّ مستقبل الزراعة في المناطق التي يعتمد فيها الفلاحون على المطر، كما هو الحال في معظم مناطق الشرق الأوسط، “مستقبل قاتم للغاية”.
وقال شحادة إنَّ هذا الأمر هو سبب هوسه بالأقارب البرية للبذور التي يزرعها معظم الفلاحين اليوم. يتجنب شحادة البذور المُعدَّلة جينياً، إذ يريد بدلاً منها أن يستفيد من كنوز هذه الأقارب البرية، التي عادةً ما تكون صلبة وأفضل تكيفاً مع المناخات القاسية. وقال شحادة: “تُشكِّل هذه البذور مخزوناً جيداً”.
ويبحث شحادة عن السمات الجينية التي يقول إنَّها سوف تصبح مفيدة للغاية في المستقبل، ألا وهي: مقاومة الأوبئة، أو الرياح الحارة، أو القدرة على تحمل فصول الصيف شديدة الحرارة. ويحاول شحادة اختيار هذه الصفات وتوليدها في الجيل الجديد من البذور، في التربة والهواء نفسهما التي لطالما نبتت فيهما هذه البذور بحسب نيويورك تايمز الأميركية.
ويعد القمح العنصر الرئيسي في النظام الغذائي في الشرق الأوسط، وهذه المنطقة هي ما تسميها الباحثة بمركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن لورا ولسلي: “أكبر منطقة مستوردة للقمح في العالم”. كانت سوريا يوماً ما استثناءً لهذه القاعدة، لكنَّ الحرب جعلت القمح سلاحاً قوياً، وصارت هي الأخرى تستورد الآن القمح لإطعام المواطنين الذين بقوا فيها.
ومع اقتراب فصل الصيف، أصبحت صوبات شحادة شبه خالية. في إحدى هذه الصوبات ثمة بذور شعير، عادةً ما توجد في مراعي المرتفعات، محفوظة في أكياس قماشية صغيرة. وفي صوبةٍ أخرى، ثمة أوان صغيرة من البرسيم.
قريباً سوف تؤخذ هذه البذور إلى الداخل بعد تجفيفها، وتكييسها، وتصنيفها. بعض البذور المجموعة هنا محفوظة في عددٍ من غرف التخزين الباردة، وبعضها للفلاحين كي يحاولوا زراعتها في الحقول. وثمة مجموعة كاملة من البذور ستذهب إلى سفالبارد: إذ يقوم المركز بالتدريج بإعادة البذور التي سحبها إلى البنك. وقد حمل شحادة في أوائل شهر سبتمبر/أيلول الحالي 31 صندوقاً من البذور في آخر شحنة إلى النرويج.
وتحتوي مجموعة المركز الكاملة من البذور التي غذت شعوب الشرق الأوسط لقرون على 14700 صنف من قمح الخبز، و32 ألف صنف من الشعير وما يقترب من 16 ألف صنف من الحمص، وهو العنصر الأبرز في الفلافل. ويستضيف بنك البذور اللبناني حوالي 39 ألف صنف إضافي، ويحتوي بنك المغرب على 32 ألف صنف آخر. ولمعظم هذه الأصناف نسخ احتياطية في سفالبارد.
وأدخل المركز في السودان صنفاً من القمح يأمل بأنَّه سوف يكون أكثر مقاومة للجفاف والحرارة. ويُنمِّي المركز نوعاً من الفول بإمكانه أن يتحمل الأعشاب الطفيلية، والعدس الذي يمكنه النضج في وقتٍ قصير.
هذا الأمر ليس مفيداً للشرق الأوسط فحسب، بحسب نوبل. ذلك أنَّ فصول الصيف الحارة الجافة الشائعة في الشرق الأوسط قد تصبح مألوفة للغاية في أجزاءٍ أخرى كثيرة من العالم.
يقول علي أبو سبع، المُدير العام للمركز “نحنُ نُظهر اليوم أنّنا يُمكننا الاعتماد على بنوكنا الجينية ونسخها الآمنة، على الرغم من الظروف الصعبة، لكي نقترب خطوة من عالمٍ آمن غذائياً”.
منقول