رواية"كتاب الزنوج" للكاتب لورنس هيل أو ملحمة امرأة صنعت التاريخ
مصطفى لغتيري
إنها بحق رواية رائعة ترصد خطوات امرأة افريقية، اختطفها النخاسون الأوربيون من الساحل الغربي الأفريقي، حيث ترقد قريته هانئة مطمئنة، فانتزعوها منها بعد أن اجهزوا على أبيها وامها المسلمين، حين كانت في طريق العودة رفقة أمها من إحدى القرى حيث أشرفتا على توليد امرأة، ومنهناك شحنوها رفقة بعض مواطنيها السود رجالا ونساء وأطفالا نحو أمريكا ، عابرين المحيط الشاسع، بما يمكن تسميته برحلة الموت، في سفينة تفتقد فيها شروط السلامة الصحة البدنية والنفسية للعبيد، الذين كان يحشرون في قاع السفينة عرضة للجوع والأوساخ والأمراض الكثيرة، وحين يقضي منهم أحد يرمى لأسماك القرش لتلتهممه، ولم ينج من هذا المصير حتى بعض المرضى الذين يئس النخاسون البيض من شفائهم، هذه المعاملة الوحشية ستؤدي إلى تمرد المواطنين السود، فتحدث-نتيجة لذلك- مجزرة رهيبة، يروح ضحيتها كثير من السود، لأن البيض كانوا مسلحين بالبنادق أو عصي النار كما تسميها الساردة البطلة ، فيما كان السود مسلحين فقط بعضلاتهم وببعض الأسلحة البيضاء عديمة النفعه، تصل أمينتا إلى أمريكا وهناك تباع بثمن بخس لأن مرضها جعل النساخون يصنفونها ضمن "حثالة العبيد"، فتسخر في زراعة النيلة التي تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا، لكن ذكاءها وخبرتها السابقة كمساعدة لأمها في توليد النساء في موطنها الأصلي يؤهلانها لتصبح مرافقة ومساعدة لامرأة افريقية، خصها صاحب المزرعة بمعالجة السود وتوليدهم.. خلال تلك الفترة يتسلل شاب كان قد رافقها في رحلة الجحيم نحو أمريكا ويتزوجها خلسة وتحمل منه، فتنجب بعد حين طفلا فيختطف منها ويباع في مكان لا تعرف عنه شيء، ثم ما تلبث ان تتمرد فيبيعها سيدها إلى يهودي يعرف كيف يستثمر قدراتها خاصة بعد أن تعلمت الكتابة والقراءة بطريقة سرية من رجل زنجي، بعد ذلك تسافر مع اليهودي إلى نيويورك وتشتغل معه هناك، لكنها ستستغل قلاقل سياسية وحالة فوضى عرفتها نيويورك لتهرب من سيدها وتتوغل في الغابات ولا تعود حتى يعود اليهودي إلى موطنه الأصلي، فتشتغل في تعليم أطفال السود وتوليد النساء، ثم سرعان ما تلتحق بخدمة الجيش الانجليزي بتسجيل السود الموالين لأنجلترا قصد تهجيرهم إلى كندا ليعملوا على تنمية منطقة فارغة ما تزال بكرا، كما أنها تساعد في توليد النساء ذوات أصول إفريقية..
في تلك الفترة تظهر عليها أثار الحمل، فتنجب طفلة تسميها ماي ،لكن مصيرها لن يكون أفضل من أخيها إذ أن أسرة إنگليزية ثرية تعاني من عدم قدرتها على الإنجاب ستستدرج أمينتا وتبعث في نفسها الكثير من الثقة والاطمئنان قبل أن تسرق منها فلذة كبدها، حاولت بشتى الطرق الوصول إليها لكن لم تفلح في ذلك، بعد فشل مشروع إعمار تلك المنطقة في كندا تفتقت قريحة أحد الشخصيات العسكرية الإنگليزية على فكرة تهجير الأفارقة إلى بلدهم الأصلي ليعمروا منطقة تشرف عليها شركة سيراليون، فقررت أمينتا السفر لأن ذلك سيجعلها قريبة من موطنها الذي انتزعت منه غصبا في طفولتها، فتحقق لها ذلك، وحين أصبحت هناك وكانت في تلك المرحلة قد نالت بعض الحظوة لدى الإنگليز بسبب تعليمها وثقافتها المتنامية، قررت العودة إلى قريتها وعانت الكثير قبل تحقيق أمنيتها لكنها في طريقها إلى تحقيق ذلك علمت بالصدفة بغدر تجار العبيد الذين اتفقوا معها على نقلها إلى هناك، وهم يبيتون النية الخبيثة لبيعها من جديد.. ليلا فرت منهم وتوغلت في الغابات حتى بلغت قرية تعاطف معها أهلها وقدموا لها المساعدة المطلوبة، فعادت إلى السيراليون ومن هناك أبحرت نحو أنجلترا بتحريض من جماعة مناهضي الرق، الذي كانوا يحتاجون قصتها الحية لإقناع البرلمان الإنگليزي بإلغاء هذه التجارة القذرة.
نجحت تجربتها وهناك استقبلت مفاجأة سارة، حين سمعت ابنتها ماي بحكايتها وسعت للبحث عنها والالتقاء بها بعد أن هربت منذ سنين من الأسرة الانگليزية الثرية التي اختطفتها من حضن أمها، والتحقت بكنيسة للسود، إذ عثر لها القس على أسرة مناسبة تكفلت بها حتى استطاعت أن تتحمل مسؤولية نفسها.
تعد هذه الرواية بحق ملحمة امرأة صنعت التاريخ بجراحاتها وعذاباتها ونضالها المستميت من أجل الحرية والحياة الكريمة.