أهمية الوسيلة المصورة(1) في العملية التعليمية/التعلمية
تضمن دفتر الشروط الخاص بتأليف سلاسل الكتاب المدرسي الوطني الموضوع من قبل المركز التربوي للبحوث والإنماء (مشروع الكتاب المدرسي الوطني) فقرتين لهما علاقة بالوسيلة المصورة هما: الفقرة الرابعة التي تحدثت عن: "خصائص النص المؤلف ونوعيته"، والفقرة (ج) التي تحدثت عن مشاركة مؤلف النص في اختيار الرسوم والصور وضرورة إعطاء وصف دقيق وواضح وتحديد المواصفات والخصائص لها، وذلك تبعا للهدف التربوي المنشود بحيث يتم التنفيذ التقني لها بمعاونة المخرج الفني(2).
والسؤال الذي يحاول الكاتب الإجابة عليه هو: ما هي ابرز الدراسات التي تناولت موضوع الصور والرسوم؟ وما أهميتها في العملية التعليمية/التعلمية؟
مدخل تاريخي
تتبع بعض الباحثين(3) تاريخ حاسة البصر عبر التاريخ الإنساني الطويل وحاول ربط ثقافة الصورة بالأبعاد والمتغيرات الدينية والسياسية والتكنولوجية ولاحظ انه يتتبع نشاطات الحياة كلها، لأن الصورة هي الخيال والظل، وهي الحلم والشبح، وهي الأيقونة والعبادة، وهي اللوحة والتمثال والمتحف، وهي العين التي ترى ولا ترى، وهي وجود الإنسان وحياته وأصنامه ومماته، وتوصل إلى أن الباحث يستطيع أن يؤرخ للمجتمع الإنساني من خلال تأريخه للصورة وكانت النتيجة انه قال بوجود ثلاثة عصور في مجال حاسة البصر هي:
إلا أن هذا التقسيم لا يعني بالضرورة وجود حدود صارمة تمنع التجاور او التداخل، وهذا التصنيف موسوم فقط بالملامح العامة لكل مرحلة علما بان المرحلة اللاحقة تحمل في طياتها وخلال تطورها اشياء من سابقتها فالكتابة مثلا لم تقض على الثقافة الشفهية بل سارت بجوارها، ولا الصورة الثابتة او المتحركة قضت على الطباعة بل دعمتها.
بين الرسم والصورة
عندما ترسخت أقدام التصوير الفوتوغرافي اعتقد كثير من الناس آنذاك انه سيحتل مكان الرسم التشكيلي، وحصل نوع من التجاذب بين الرسامين والمصورين عبرت عنه مجموعة من الكتب صدرت في نهايات القرن التاسع عشر، ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان، اذ ان الأساليب الجديدة والتقنيات التي ابتكرها علماء التصوير الفوتوغرافي ألهبت خيال الرسامين وبعثت الحياة في الفن التشكيلي وأبعدتهم عن رسم الطبيعة المجردة والبورتريه ودفعتهم الى استحداث مذاهب تشكيلية جديدة مثل السيريالية والتكعيبية والتجريدية، ربما هربا من منافسة غير مفيدة مع آلة تستطيع تصوير لوحة ملونة خلال دقائق كان الرسام ينجزها خلال عام او أكثر.فكان هروب نحو الإبداع.
وتتحدث كتب التصوير عن قواعد مهمة تساعد المصور على تصوير صور ذات مواصفات جمالية يتفق عليها كبار المصورين وتلبي الإستخدامات المتنوعة للصور الفوتوغرافية منهاعلى سبيل المثال(4):
وتشير البحوث التي أجريت في هذا المجال إلى أهمية الصور والرسوم التوضيحية في عملية التواصل ومن ضمنها عملية التعليم والتعلّم(5). ووفق نظرية ماكلوان الساخن والبارد في تفسيره لتأثير وسائل الاتصال على الفرد والمجتمع فإن الصورة الفوتوغرافية وسيلة ساخنة لأنها تمد حاسة واحدة من حواس الإنسان (البصر) درجة عالية من الشدة حيث لا تترك له مجالا للتدخل بخاصة تلك الصور التي تنقل مشاهد إنسانية(6) تثير أحاسيس ومشاعر المشاهد وتؤجج عواطفه.
علم النفس والتفكير البصري
اهتم بعض علماء النفس منذ وقت مبكر بموضوع التفكير بالصور(7) وألف ارنهايم (Arnheim, R) كتابًا بعنوان:
"التفكير البصري" (Visual Thinking:1969) ويقصد به محاولة فهم العالم من خلال لغة الشكل والصورة وقد ميز في كتابه هذا بين نوعين من المعرفة هما : المعرفة الحدسية (Intuitive Cognition ) والمعرفة العقلية (Intellectual Cognition) ، والمعرفة الحدسية تحدث برأي ارنهايم، في المجال الادراكي الذي تتفاعل فيه القوى بشكل حر، عندما يحاول شخص ما إدراك لوحة تشكيلية مثلا فانه يحيط بصريا بالمنطقة التي يشتمل عليها إطار اللوحة ويدرك المكونات المختلفة لهذه اللوحة من إشكال وألوان وعلاقات مختلفة وتمارس هذه المكونات تأثيراتها الإدراكية، بعضها في بعض بطريقة تجعل المتلقي يستقبل الشكل الكلي باعتباره نتيجة للتفاعل بين المكونات المختلفة للوحة.
أما المعرفة العقلية، - ودائما حسب رأي ارنهايم- ففيها يقوم الشخص بتحديد المكونات والعلاقات المختلفة التي تتكون منها اللوحة التشكيلية، انه يصف كل لون وكل خط وكل شكل...الخ ويفحص العلاقات الموجودة بين هذه المكونات الفردية ثم يقوم بعد ذلك بعملية الدمج أو التركيب بين هذه المكونات كلها. ويخلص ارنهايم إلى أن المعرفة الحدسية (الكلية التركيبية) والمعرفة العقلية (الجزئية التحليلية) ضروريتان لعملية الإدراك. فالإنسان يعتمد في معظم الوقت على المعرفة البصرية، والطفل يرسم ما يراه لا ما يعرفه، وإذا أردنا تتبع كيفية فهم الإنسان للعالم من خلال الصور فعلينا أن ننظر إلى الأشكال والعلاقات الجيدة التكوين وهذه موجودة في رسوم الأطفال لأن عقل الطفل الصغير ينشط من خلال أشكال أولية بسيطة يمكن تمييزها بسهولة بعيدا عن التعقيد.
كما بذل جيبسون (Gibson, J.J) جهدا متميزا لاستبدال فكرة المجال البصري (Visual Field) (التي تقوم على إسقاط صورة المجال كصورة على الشبكية كمثير حسي بفكرة المنظومة البصرية) (Optical Array) (التي تقوم على التنبه للثوابت وفقا للمعلومات التي يجري البحث عنها وكذلك الخبرة السابقة والتعلم). وأكد جيبسون على أهمية عملية التقاط المعلومات في الإدراك البصري، فالصور والرسوم في رأيه هي وسائل للتخاطب وتخزين المعلومات وتراكم المعرفة ونقلها إلى الأجيال الآتية.
وقدم ألان بايفيو(Paivio, A)، تحت تأثير نتائج دراسات علم النفس الفيزيولوجي وخصوصًا دراسات روجر سبيري وزملائه في مجال وظائف نصفي المخ الأيسر والأيمن، نظرية الترميز الثنائي (Dual coding) للمعلومات مشيرا إلى المعلومات التي يجري تمثلها في الذاكرة من خلال نسقين أو نظامين منفصلين لكنهما مترابطان تماما، هما: نظام التفكير بالصور العقلية ويتعلق بالموضوعات والوقائع العيانية (المحسوسة) المكانية أو المتصورة، ونظام لفظي يتعلق بالتعامل مع الوحدات والبنى اللغوية المجردة، وعندما يزداد تمثل المعلومة المدخلة إلى الذاكرة لهذين النظامين يزداد وجودها داخل العقل بطريقة مناسبة(8).
نتائج دراسات التفضيل الجمالي
قام عدد من علماء النفس بدراسات تناولت السلوك الإنساني تجاه الجمال بشكل عام، وسيتوقف الكاتب عند الدراسات التي لها علاقة بفن الرسم والتصوير.
ابرز هذه الدراسات تلك التي قام بها جاردنر (Gardner, H) في نطاق مشروع جامعة هارفارد وتوصل إلى النتائج الآتية:
وقام باحثون آخرون بجهود تناولت ارتقاء التفضيل الجمالي لدى الأطفال لعل اشهرها تجارب هيب حول تفضيل الألوان عند الرضع والأطفال لأعمال فنية لمجموعة من كبار الفنانين أمثال بروجل وفان جوخ وبيكاسو وغيرهم. ودراسة بارسونز حول مراحل ارتقاء الحكم الجمالي في فن الرسم والتصوير(9).
الوسيلة المصورة في التعليم
تكاد لا تخلو مطبوعة من رسوم وصور سواء كانت كتابًا أو مجلة أو صحيفة، والقول بأننا نعيش اليوم في "حضارة الصورة" يعد قولاً واقعيًا، ولم يعد ممكنًا أن نفكر في كثير من أمور حياتنا من دون أن نفكر في الصور، أينما التفت تجد نفسك محاطا بها، وباتت لغة عالمية، تجذب الصغار والكبار على حد سواء.
إن الوسيلة المصورة بأنواعها المختلفة تلعب دورًا مهمًا في العملية التربوية بعامة، والعملية التعليمية/التعلمية بخاصة، وذلك من خلال ما يأتي:
وسيلة تعليمية
إذ أثبتت الدراسات التربوية أن مصاحبة الوسيلة المصورة لنص مكتوب تلعب دورا أساسيًا في فهم واستيعاب محتوى هذا النص، وتكفي صورة واحدة أحيانًا لتعبر عن فكرة قد لا يكفي مقال طويل للتعبير عنها، وإذا كانت بجانب نص ما فإنها تشكل دعمًا حسيًا للكلمة المجردة ما يساعد على عملية الإدراك عند القارئ وربط المعلومة بالواقع. وتكتسب الوسيلة المصورة أهمية خاصة في العملية التعليمية/التعلمية إذ يعد البصر من أهم مداخل المعرفة عند الإنسان، ويذهب البعض إلى اعتبار هذه الوسيلة مساوية للنص من حيث الأهمية، إن لم تكن متفوقة عليه أحيانًا.
تربية الذوق الفني للمتعلم
تتكون شخصية الفرد من جوانب متعددة بشكل مركب ومتداخل، ويشكل الجانب الفني فيه جزءًا مهمًا يعبر عنه بأساليب مختلفة، وإدراك القيم الجمالية عملية معقدة لا تتم ببساطة، ومن دون إعداد سابق، لذلك نجد إن الاهتمام بالتربية الجمالية قديم في المجتمعات الإنسانية لان الإنسان يشعر بالحاجة إلى الجمال وتذوقه وإبداعه، وهي بدورها توقظ المشاعر والأحاسيس وتساعد على التربية العقلية وتسهم في إثراء المعارف وتكوين العمليات المعرفية.
اكتشاف الإبداع وتنميته
الإبداع قدرة خاصة لا يمتلكها إلا عدد قليل من الأفراد، ولكن من المهم جدا تنمية قدرات الفرد إلى حدها الأقصى فالإبداع يبرز خلال عملية تنموية، انه يستند إلى ثروة روحية وخبرة في الحياة العملية وينبع من إحساس مرهف تجاه الواقع، وقدرة خاصة على إدراك العلاقات بين العناصر والأشياء.
هوامش
تضمن دفتر الشروط الخاص بتأليف سلاسل الكتاب المدرسي الوطني الموضوع من قبل المركز التربوي للبحوث والإنماء (مشروع الكتاب المدرسي الوطني) فقرتين لهما علاقة بالوسيلة المصورة هما: الفقرة الرابعة التي تحدثت عن: "خصائص النص المؤلف ونوعيته"، والفقرة (ج) التي تحدثت عن مشاركة مؤلف النص في اختيار الرسوم والصور وضرورة إعطاء وصف دقيق وواضح وتحديد المواصفات والخصائص لها، وذلك تبعا للهدف التربوي المنشود بحيث يتم التنفيذ التقني لها بمعاونة المخرج الفني(2).
والسؤال الذي يحاول الكاتب الإجابة عليه هو: ما هي ابرز الدراسات التي تناولت موضوع الصور والرسوم؟ وما أهميتها في العملية التعليمية/التعلمية؟
مدخل تاريخي
تتبع بعض الباحثين(3) تاريخ حاسة البصر عبر التاريخ الإنساني الطويل وحاول ربط ثقافة الصورة بالأبعاد والمتغيرات الدينية والسياسية والتكنولوجية ولاحظ انه يتتبع نشاطات الحياة كلها، لأن الصورة هي الخيال والظل، وهي الحلم والشبح، وهي الأيقونة والعبادة، وهي اللوحة والتمثال والمتحف، وهي العين التي ترى ولا ترى، وهي وجود الإنسان وحياته وأصنامه ومماته، وتوصل إلى أن الباحث يستطيع أن يؤرخ للمجتمع الإنساني من خلال تأريخه للصورة وكانت النتيجة انه قال بوجود ثلاثة عصور في مجال حاسة البصر هي:
- مرحلة اللوجوسفير: وتمتد من اختراع الكتابة حتى ظهور الطباعة.
- مرحلة الجرافوسفير او الكتابة : وتبدأ منذ نشأة الطباعة حتى ظهور التلفزيون الملون.
- مرحلة الفيديوسفير: وهو عصر المرئيات او عصر الشاشة الذي نعيش فيه الآن.
إلا أن هذا التقسيم لا يعني بالضرورة وجود حدود صارمة تمنع التجاور او التداخل، وهذا التصنيف موسوم فقط بالملامح العامة لكل مرحلة علما بان المرحلة اللاحقة تحمل في طياتها وخلال تطورها اشياء من سابقتها فالكتابة مثلا لم تقض على الثقافة الشفهية بل سارت بجوارها، ولا الصورة الثابتة او المتحركة قضت على الطباعة بل دعمتها.
بين الرسم والصورة
عندما ترسخت أقدام التصوير الفوتوغرافي اعتقد كثير من الناس آنذاك انه سيحتل مكان الرسم التشكيلي، وحصل نوع من التجاذب بين الرسامين والمصورين عبرت عنه مجموعة من الكتب صدرت في نهايات القرن التاسع عشر، ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان، اذ ان الأساليب الجديدة والتقنيات التي ابتكرها علماء التصوير الفوتوغرافي ألهبت خيال الرسامين وبعثت الحياة في الفن التشكيلي وأبعدتهم عن رسم الطبيعة المجردة والبورتريه ودفعتهم الى استحداث مذاهب تشكيلية جديدة مثل السيريالية والتكعيبية والتجريدية، ربما هربا من منافسة غير مفيدة مع آلة تستطيع تصوير لوحة ملونة خلال دقائق كان الرسام ينجزها خلال عام او أكثر.فكان هروب نحو الإبداع.
وتتحدث كتب التصوير عن قواعد مهمة تساعد المصور على تصوير صور ذات مواصفات جمالية يتفق عليها كبار المصورين وتلبي الإستخدامات المتنوعة للصور الفوتوغرافية منهاعلى سبيل المثال(4):
- تفضيل اللقطات القريبة لابراز التفاصيل عن المناظر البعيدة مع وضع الهدف في المركز البصري.
- اختيار زاوية تصوير معبرة تساعد على ابراز امامية المشهد مع خلفية الصورة في تناسق وانسجام بحيث يكونان وحدة جمالية متكاملة.
- مراعاة التوازن في التشكيل الجمالي واستغلال خلفية الصورة للإيحاء بالبعد الثالث.
- مراعاة توازن الخطوط واتجاهاتها.
- تجنب إمالة آلة التصوير بخاصة في المناظر الطبيعية.
- تجنب قطع الصورة إلى جزأين متساوين بأي خط في موضوع الصورة.
- إبراز غرض وهدف وفحوى الصورة الأساس عن طريق زيادة المساحة التي يشغلها في الكادر مع وضع الجزء الأكثر أهمية عند المركز البصري (قانون الثلث).
- عدم إظهار جزء كبير من السماء أو الأرض أو الماء حتى لا يفسد التوازن.
وتشير البحوث التي أجريت في هذا المجال إلى أهمية الصور والرسوم التوضيحية في عملية التواصل ومن ضمنها عملية التعليم والتعلّم(5). ووفق نظرية ماكلوان الساخن والبارد في تفسيره لتأثير وسائل الاتصال على الفرد والمجتمع فإن الصورة الفوتوغرافية وسيلة ساخنة لأنها تمد حاسة واحدة من حواس الإنسان (البصر) درجة عالية من الشدة حيث لا تترك له مجالا للتدخل بخاصة تلك الصور التي تنقل مشاهد إنسانية(6) تثير أحاسيس ومشاعر المشاهد وتؤجج عواطفه.
علم النفس والتفكير البصري
اهتم بعض علماء النفس منذ وقت مبكر بموضوع التفكير بالصور(7) وألف ارنهايم (Arnheim, R) كتابًا بعنوان:
"التفكير البصري" (Visual Thinking:1969) ويقصد به محاولة فهم العالم من خلال لغة الشكل والصورة وقد ميز في كتابه هذا بين نوعين من المعرفة هما : المعرفة الحدسية (Intuitive Cognition ) والمعرفة العقلية (Intellectual Cognition) ، والمعرفة الحدسية تحدث برأي ارنهايم، في المجال الادراكي الذي تتفاعل فيه القوى بشكل حر، عندما يحاول شخص ما إدراك لوحة تشكيلية مثلا فانه يحيط بصريا بالمنطقة التي يشتمل عليها إطار اللوحة ويدرك المكونات المختلفة لهذه اللوحة من إشكال وألوان وعلاقات مختلفة وتمارس هذه المكونات تأثيراتها الإدراكية، بعضها في بعض بطريقة تجعل المتلقي يستقبل الشكل الكلي باعتباره نتيجة للتفاعل بين المكونات المختلفة للوحة.
أما المعرفة العقلية، - ودائما حسب رأي ارنهايم- ففيها يقوم الشخص بتحديد المكونات والعلاقات المختلفة التي تتكون منها اللوحة التشكيلية، انه يصف كل لون وكل خط وكل شكل...الخ ويفحص العلاقات الموجودة بين هذه المكونات الفردية ثم يقوم بعد ذلك بعملية الدمج أو التركيب بين هذه المكونات كلها. ويخلص ارنهايم إلى أن المعرفة الحدسية (الكلية التركيبية) والمعرفة العقلية (الجزئية التحليلية) ضروريتان لعملية الإدراك. فالإنسان يعتمد في معظم الوقت على المعرفة البصرية، والطفل يرسم ما يراه لا ما يعرفه، وإذا أردنا تتبع كيفية فهم الإنسان للعالم من خلال الصور فعلينا أن ننظر إلى الأشكال والعلاقات الجيدة التكوين وهذه موجودة في رسوم الأطفال لأن عقل الطفل الصغير ينشط من خلال أشكال أولية بسيطة يمكن تمييزها بسهولة بعيدا عن التعقيد.
كما بذل جيبسون (Gibson, J.J) جهدا متميزا لاستبدال فكرة المجال البصري (Visual Field) (التي تقوم على إسقاط صورة المجال كصورة على الشبكية كمثير حسي بفكرة المنظومة البصرية) (Optical Array) (التي تقوم على التنبه للثوابت وفقا للمعلومات التي يجري البحث عنها وكذلك الخبرة السابقة والتعلم). وأكد جيبسون على أهمية عملية التقاط المعلومات في الإدراك البصري، فالصور والرسوم في رأيه هي وسائل للتخاطب وتخزين المعلومات وتراكم المعرفة ونقلها إلى الأجيال الآتية.
وقدم ألان بايفيو(Paivio, A)، تحت تأثير نتائج دراسات علم النفس الفيزيولوجي وخصوصًا دراسات روجر سبيري وزملائه في مجال وظائف نصفي المخ الأيسر والأيمن، نظرية الترميز الثنائي (Dual coding) للمعلومات مشيرا إلى المعلومات التي يجري تمثلها في الذاكرة من خلال نسقين أو نظامين منفصلين لكنهما مترابطان تماما، هما: نظام التفكير بالصور العقلية ويتعلق بالموضوعات والوقائع العيانية (المحسوسة) المكانية أو المتصورة، ونظام لفظي يتعلق بالتعامل مع الوحدات والبنى اللغوية المجردة، وعندما يزداد تمثل المعلومة المدخلة إلى الذاكرة لهذين النظامين يزداد وجودها داخل العقل بطريقة مناسبة(8).
نتائج دراسات التفضيل الجمالي
قام عدد من علماء النفس بدراسات تناولت السلوك الإنساني تجاه الجمال بشكل عام، وسيتوقف الكاتب عند الدراسات التي لها علاقة بفن الرسم والتصوير.
ابرز هذه الدراسات تلك التي قام بها جاردنر (Gardner, H) في نطاق مشروع جامعة هارفارد وتوصل إلى النتائج الآتية:
- يكون الطفل خلال السنتين الأوليين من عمره منهمكًا بالتعرف على عالم الأشياء وعالم الموضوعات، ولم يلاحظ أي سلوك يشير إلى تذوق جمالي واضح علمًا بأنه يدرك الألوان وينجذب إلى اللون الأحمر، منها وكذلك يدرك الأحجام والأشكال.
- بين السنة الثالثة والسنة السابعة يصبح الطفل قادرا على إدراك الرموز التي هي بديل للأشياء والأشخاص. ومن هذه الرموز: الحروف والرسوم والصور. ويميل الطفل في هذه الفترة إلى تفضيل الأعمال الفنية الأكثر جاذبية من الناحية الظاهرية، من دون تبرير منطقي لهذا التفضيل.
- بين السنتين الثامنة والتاسعة ينجذب الطفل إلى الأعمال الفنية التي تمثل أو تنقل الواقع، وحكمه على أي عمل فني (رسم أو صورة) يستند إلى مدى نقله بنجاح لتفاصيل الواقع، وينقده بشدة إن كان مغيرًا أو ناقصًا أو مشوهًا، لذلك يفضل طفل هذه المرحلة الصور الفوتوغرافية والرسوم الواقعية على اللوحات الفنية.
- بين العاشرة والثالثة عشرة يصبح الطفل في هذه المرحلة أكثر اتقانا لأنظمة الرموز المتداولة في ثقافة مجتمعه وفي مقدمتها الحروف والكلمات والإشارات والتعابير وبعض قواعد السلوك، كما انه أصبح يعي الحدود الفاصلة بين الواقع والخيال. وفي هذا العمر يتجاوز مرحلة العمليات العيانية ويكشف عن اتجاهات ايجابية تؤسس للعمليات الكلية والتفكير المنظم، التي تساعده في عملية الإدراك الفني، وإيجاد حوار بين شعوره الخاص بالحياة والمواضيع الفنية التي تحيط به.
- بين الرابعة عشرة والعشرين يمتلك الفرد في هذه المرحلة مدىً واسعًا من المهارات والمعرفة التي تجعله أكثر إحاطة بالفنون، فيصبح مهتمًا بالقضايا التاريخية والفلسفية المرتبطة بها، وينجذب نحو الموضوعات المرتبطة بطبيعة الفن ويهتم بقضايا الشكل الفني والموضوعات النقدية، وفي نهاية المرحلة يصل الفرد المراهق إلى نوع من الرفض ليتبين معايير مؤقتة خاصة به، ويصبح أكثر تذوقًا للفنون والموضوعات الفنية وأكثر معرفة لعلاقة الفن بالحياة وبفروع المعرفة الأخرى.
وقام باحثون آخرون بجهود تناولت ارتقاء التفضيل الجمالي لدى الأطفال لعل اشهرها تجارب هيب حول تفضيل الألوان عند الرضع والأطفال لأعمال فنية لمجموعة من كبار الفنانين أمثال بروجل وفان جوخ وبيكاسو وغيرهم. ودراسة بارسونز حول مراحل ارتقاء الحكم الجمالي في فن الرسم والتصوير(9).
الوسيلة المصورة في التعليم
تكاد لا تخلو مطبوعة من رسوم وصور سواء كانت كتابًا أو مجلة أو صحيفة، والقول بأننا نعيش اليوم في "حضارة الصورة" يعد قولاً واقعيًا، ولم يعد ممكنًا أن نفكر في كثير من أمور حياتنا من دون أن نفكر في الصور، أينما التفت تجد نفسك محاطا بها، وباتت لغة عالمية، تجذب الصغار والكبار على حد سواء.
إن الوسيلة المصورة بأنواعها المختلفة تلعب دورًا مهمًا في العملية التربوية بعامة، والعملية التعليمية/التعلمية بخاصة، وذلك من خلال ما يأتي:
وسيلة تعليمية
إذ أثبتت الدراسات التربوية أن مصاحبة الوسيلة المصورة لنص مكتوب تلعب دورا أساسيًا في فهم واستيعاب محتوى هذا النص، وتكفي صورة واحدة أحيانًا لتعبر عن فكرة قد لا يكفي مقال طويل للتعبير عنها، وإذا كانت بجانب نص ما فإنها تشكل دعمًا حسيًا للكلمة المجردة ما يساعد على عملية الإدراك عند القارئ وربط المعلومة بالواقع. وتكتسب الوسيلة المصورة أهمية خاصة في العملية التعليمية/التعلمية إذ يعد البصر من أهم مداخل المعرفة عند الإنسان، ويذهب البعض إلى اعتبار هذه الوسيلة مساوية للنص من حيث الأهمية، إن لم تكن متفوقة عليه أحيانًا.
تربية الذوق الفني للمتعلم
تتكون شخصية الفرد من جوانب متعددة بشكل مركب ومتداخل، ويشكل الجانب الفني فيه جزءًا مهمًا يعبر عنه بأساليب مختلفة، وإدراك القيم الجمالية عملية معقدة لا تتم ببساطة، ومن دون إعداد سابق، لذلك نجد إن الاهتمام بالتربية الجمالية قديم في المجتمعات الإنسانية لان الإنسان يشعر بالحاجة إلى الجمال وتذوقه وإبداعه، وهي بدورها توقظ المشاعر والأحاسيس وتساعد على التربية العقلية وتسهم في إثراء المعارف وتكوين العمليات المعرفية.
اكتشاف الإبداع وتنميته
الإبداع قدرة خاصة لا يمتلكها إلا عدد قليل من الأفراد، ولكن من المهم جدا تنمية قدرات الفرد إلى حدها الأقصى فالإبداع يبرز خلال عملية تنموية، انه يستند إلى ثروة روحية وخبرة في الحياة العملية وينبع من إحساس مرهف تجاه الواقع، وقدرة خاصة على إدراك العلاقات بين العناصر والأشياء.
هوامش
- يقصد بهذا المصطلح: الصورة الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية الأخرى(الرسم التخطيطي والرسم البياني والخريطة...الخ)
- دفتر شروط خاصة بتأليف سلاسل الكتاب المدرسي الوطني ،المركز التربوي للبحوث والإنماء ، كراسة مطبوعة على ورق A4 .
- ريجيس دوبريه ، حياة الصورة وموتها، ترجمة فريد الزاهي، افريقيا الشرق، الدرا البيضاء، 2002. نقلاعن "عصر الصورة" : شاكر عبد الحميد، ص ص138-139. (بتصرف)
- سو يلم، محمد نبهان، التصوير والحياة، سلسة عالم المعرفة، عدد75، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1984.ص ص:112-115 (بتصرف)
- راجع:وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم، حمدي الطوبجي، دار القلم، الكويت، ص:135.
- سو يلم، محمد نبهان، التصوير والمياه سلسلة عالم المعرفة م.س. ص: 132.
- أمثال جالتون في كتابه استقصاءات حول الملكات الإنسانية:1883 وتيتشنرTitchener:1909. ولوريا Luria ودراسات علماء الجشطلت (gestalt).
- عبد الحميد، شاكر، عصر الصورة، سلسة عالم المعرفة، عدد311، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 2005، ص ص147-150 (بتصرف)
- عبد الحميد، شاكر، التفضيل الجمالي، سلسة عالم المعرفة، عدد267، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 2001، ص ص:224-231 (بتصرف).