رسول عدنان
الناقد التقويمي والناقد التأويلي
7 - يونيو - 2024م
يقول الناقد رونان ماكدونالد (إذا كان الناقد راغبا في أن يكون مقدرا وذا قيمة، ومهتما كذلك بالوصول إلى جمهرة القراء، فعليه أن يكون تقويميا) «كتاب موت الناقد».
أخذت هذا القول مدخلا لما أريد أن أنفذ إليه وهو، متى يكون الناقد تقويميا ومتى يكون تأويليا، وهل هو خيار للناقد أن يختار بين القراءتين؟ أو أيّهما سيكون أفضل لآلية تحليله للنصوص؟ أم هناك عوامل تفرض عليه هذا الخيار؟ أم أنّ النص هو الذي يفرض عليه هذا؟ لقد اقترن مفهوم التأويل بنصوص ما بعد الحداثة وفق ما أنتجته المناهج النقدية، التي ظهرت ما بعد الحداثة، أو كما هو ثابت أنّ مفهوم النقد التأويلي قد اقترن بمفاهيم ما بعد البنيوية، التي عمدت إلى إقصاء القارئ من عملية إنتاج النصوص، كالتفكيك والسيمياء والتاريخانية الجديدة، التي منحت القارئ قدرا واسعا في تقاسم تأويل النصوص بعد أن جعلته البنيوية خارج هذه الدائرة تماما،
فجاءت مناهج التأويل بعد الدعوات التي أطلقها نقاد منتصف القرن الماضي مثل رولان بارت، صاحب «موت المؤلف» وجاك دريدا صاحب «لا شيء خارج النص» هذه الدعوات التي قادت في نهاية المطاف إلى مفاهيم عدّة كان أحدها، التأويل، أي إعطاء القارئ حق المشاركة في تفسير النصوص، وفيما يخصّ الناقد عليه أن يأخذ بتوجه النصوص وحدها، وهي التي تملي عليه أيا من القراءتين يختار.
لكن الحقيقة أنّه ليس للناقد أيّ خيار بين القراءة التقويميّة، أو القراءة التأويليّة، إنّما النص هو الذي يفرض على الناقد الحاذق أن يحدد نوعيّة القراءة التي تتوافق مع معطيات النص، من خلال قراءته قراءة متأنية وتحديد مواطن الجمال والقبح والقوة والضعف في النص، فبعد أن يقوم الناقد بقراءة النص قراءة أوليّة ـ القراءة الواحدة لا تكفي مطلقا- لتحديد زوايا النظر إلى النص، لكن على الأقل ان يقرأ النص قراءتين – – ففي كل نص قوة وضعف، وما يشّد وما يدهش، وفيه حشو ودور الناقد، أن يعمد إلى تحديدها، ومن ثمّ فلترتها بعين الناقد الحاذق المثقف المتمكن من أدواته، العارف بما يكتب، وعما يكتب المسلح بكل أنواع المعرفة في موضوعات الأدب شعره ونثره والفن وكل ما يمتّ إلى عملية إنتاج النص، سواء قوانين الخطاب الأدبي، أو من حيث اللغة والقواعد والإملاء وعلى معرفة عميقة بالأوزان التقليدية، وكل ما يدخل عليها من زحافات وعلل وكاملها ومجزوؤها والقافية وأنواعها وعيوبها، وما يجوز وما لا يجوز، وعلى معرفة بعلم اللغة والقواعد والإملاء والإعراب، وأن يكون مطلعا على المعارف وأصول النثر والبلاغة والفصاحة والمحسنات البديعية، من تشبيهات واستعارات وكنايات وضروب القول، وإذا كان الأمر يتعلق بشعر التفعيلة، فعليه أن يكون على علم بكل مفاصل البحور ومجزوءاتها، والقافية وضروبها، وإذا كان النص يخصّ قصيدة النثر فعلى الناقد أن يعرف آليات قصيدة النثر، سماتها وما يجوز وما لا يجوز فيها، على سبيل المثال، هل يحق لشاعر قصيدة النثر أن يستخدم أوزان الشعر التقليدية؟ هل يحق لشاعر قصيدة النثر أن يستخدم أوزان شعر التفعلية؟ هل يحق له استخدام القافية التقليدية في قصيدة نثر؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير مما يخصّ الشعر- وأيضا هنالك أسئلة تخص بقية أنواع الأدب كالمسرحية بين المأساة والملهاة، والرواية والقصة والنص المفتوح، وغيرها، وكذلك كل ما يخصّ الفنون بكل أنواعها – فالناقد يجب أن يكون ملمّا بثقافة حقيقية وعميقة في الموضوع الذي يكتبه عنه وهذا ما يسمى بأدوات الناقد.
تعليق