الدكتورالعراقي: محمد باقر علوان..من رواية:سنان أنطون. الرابعة «فهرس» (2016م).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتورالعراقي: محمد باقر علوان..من رواية:سنان أنطون. الرابعة «فهرس» (2016م).

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٤٠٦١٢-٠٣٥١٢١_Chrome.jpg 
مشاهدات:	6 
الحجم:	74.3 كيلوبايت 
الهوية:	218540


    سنان أنطون


    عن محمد باقر علوان

    10 - يونيو - 2024م
    «كنت قد سمعت عنه كثيراً حتى قبل أن أنتقل إلى مدينة كامبريدج (في ولاية ماساتشوستس لدراسة الدكتوراه). بعد وصولي ظل الكثيرون، من عرب وأمريكيين، يقولون لي حال سماعهم أنني من العراق ومهتم بالأدب العربي، إنني لا بد أن أتعرّف عليه وأزور مكتبته الشهيرة. وأنا في طريقي إلى مكتبته بعدها بسنوات قبل أن أشدّ الرحال إلى مدينة أخرى، أدركت أنّه سيكون أكثر صديق سأفتقده بعد سفري. كنت ألتقي به حوالي مرّة في الشهر، وكانت لقاءاتنا تطول. كان بعمر أبي، إلا أن روحه كانت نضرة. يمتلك معرفة موسوعيّة بالأدب العربي، ومغرم بالثقافة والموسيقى. درس الهندسة، لكنه كان مهووساً بالأدب العربي، فدرسه وحصل على الدكتوراه فيه وكتب أطروحته عن الشدياق. ودرّس اللغة العربية في جامعة هارفارد لسنين طويلة، وكان يفترض أن يظل فيها، لكن عقده لم يجدّد بسبب صراعات داخل القسم وخيانة أحدهم. فانتقل للتدريس في جامعة تفتس القريبة. كنت أظن أنني مخضرم لأنني قضيت عقداً بأكمله في أمريكا. أما هو فكان قد جاء في نهايات الخمسينيّات، أي أنّه من المعمّرين. كنت أشعر حين أزوره وأحادثه بأنني أزور العراق، لا لأنه لم يندمج بالمجتمع الأمريكي وثقافته، بالعكس فقد فعل ذلك بنجاح. ولكن ربما لأن الحديث كان دائماً يأخذنا إلى العراق وأوجاعه ومسرّاته وأغانيه. وبالتأكيد لأننا نتلذذ بالمحكيّة البغداديّة وبتعابيرها التي نفتقدها.

    كان يهوى جمع الكتب والمخطوطات والصور القديمة، وتحوّل بيته، بعد طلاقه، الذي ربما كان سببه الرئيسي هوسه بالكتب، إلى مكتبة هائلة تحوي أكثر من 20 ألف كتاب. كما كان بمثابة مضيف مفتوح للمهتمين بأمور الثقافة والأدب من عرب المدينة. كان يستضيف فيه جلسة شهرية لقراءة الروايات العربيّة، حضرتها أكثر من مرّة. وعلى الرغم من أنه كان في الستينيات، إلا أن روحه كانت شابّة وبقي إلى أقصى اليسار الذي اعتنقه منذ شبابه، وبقي نشيطاً كما كان حين كان طالباً في الستينيّات التي ظلت جمرات راديكاليتها. تراه في كل المظاهرات والندوات والحفلات والأماسي في المدينة».
    هذه السطور من روايتي الرابعة، «فهرس» (2016)، وهي تتحدّث عن شخصية سميتها في الرواية علي هادي، لكن علي هادي كان نسخة من إنسان كنت محظوظاً بمعرفته وصداقته، وهو الدكتور محمد باقر علوان. اتصل به آنذاك أحد أصدقائه حالما قرأ الرواية ليقول له إنه يظهر فيها. وبعد أن قرأ علوان الرواية اتصل بي وتحادثنا على الهاتف، وكان سعيداً أن الشخصية تكاد تكون نسخة طبق الأصل منه.
    ولد محمد باقر علوان في الكرادة الشرقية في بغداد عام 1932 وانتقلت بعدها عائلته إلى عرصات الهندية. كان طالباً ذكياً ومتفوقاً وانتمي مبكراً إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وكان مسؤوله، كما أخبرني، المناضل والباحث المعروف عزيز سباهي (1925- 2016) الذي توفي في تورنتو في كندا. شارك علوان في وثبة 1948 وتظاهر في كانون الثاني/يناير أمام مجلس الوزراء والسفارتين البريطانية والأمريكية احتجاجاً على تقسيم فلسطين، الذي كان قد أعلن قبلها بأشهر، وضد تجديد معاهدة بورتسموث سيئة الصيت بين العراق وبريطانيا. واعتقل وحكم عليه بالسجن لسنتين أمضاهما في سجن الكوت. وكانت تجربة صعبة وقاسية، ولكنها كانت أيضاً غنيّة فكرياً وإنسانياً وتركت أثراً عميقاً. فقد كان السجن، بفضل فهد (يوسف سلمان يوسف 1901- 1949) ورفاقه، مدرسة بكل معنى الكلمة، تحفل ببرامج تثقيفية متميزة، وحيزاً لترسيخ قيم التعاضد والتضامن. حين سألته عن فهد، تحدّث عنه بحب وذكر كيف أنّه لعب معه الشطرنج ذات مرة («وخسرت» قالها وضحك). كمّا حدّثنا عن الاحتفال الذي أقامه الشيوعيون العراقيون داخل السجن، حين سمعوا خبر انتصار الشيوعيين في الصين، ودخول قوات ماو إلى بكين في يناير 1949. كان احتفالاً بسيطاً تناولوا فيه «البسكت» والشاي ورددوا النشيد الأممي.
    بعد إطلاق سراحه، سافر علوان إلى بريطانيا، بمعونة من أخيه الذي كان دبلوماسياً، ودرس الهندسة هناك، وانتقل بعدها إلى الولايات المتحدة لإكمال الدراسات العليا. واصل نشاطه السياسي بين صفوف الطلبة في الولايات المتحدة أثناء الدراسة، حيث كان يطبع ويوزع المناشير ويشترك في التظاهرات والفعاليات. أكمل الدكتوراه في الأدب المقارن والأدب العربي في جامعة إنديانا في بلومنغتون وكانت أطروحته التي سجّلها في عام 1970 عن أحمد فارس الشدياق.
    بالإضافة إلى البحث الأكاديمي كان علوان مترجماً أدبياً بارعاً من وإلى العربية. من بين ترجماته مختارات من قصائد الشاعر الأمريكي الأسود لانغستون هيوز (1901-1967) صدرت عن وزارة الإعلام في بغداد عام 1972. وأعيد نشرها بطبعة منقحة في 2011 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وبغلاف من تصميم ابنته دنيا علوان. توزعت اهتماماته بين الأدب العربي القديم والحديث والشعر العالمي والفولكلور والأساطير. ولم ينشر إلا القليل من بحوثه ومنها «معتقدات العرب البدائية: قصيدة الحكم البهراني في عجائب المخلوقات» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2010). درّس علوان اللغة والأدب العربي في جامعات جورجتاون وهارفارد وتفتس، التي أمضي فيها العقود الأخيرة قبل تقاعده. تتلمذت على يده أجيال من الطلاب والباحثين الذين ألهمهم حبه للّغة والثقافة العربية وتاريخها الغني.
    في آب/أغسطس الماضي زرناه، أنا والصديق الدكتور عزيز الشيباني، في بيته في مدينة برلنغتون في ولاية ماساتشوستس، واستضافنا بكرمه المعهود وطبخ لنا العشاء بنفسه، وكان العراق وتاريخه وذكرياته حديثنا. كان في أوائل التسعينيّات، ولكنه ظل يحتفظ بذاكرة ناصعة. تجوّلنا بعدها في مكتبته العامرة، الحافلة بكتب وصور نادرة. أبواب بيته ومكتبته وقلبه كانت دائماً مفتوحة للجميع. كنا نعتزم زيارته هذا الصيف لكن الزيارة تأجلّت إلى إشعار آخر لأنه رحل عن هذا العالم في السادس من أيار/مايو. فسلام على روحه وذكراه.

    كاتب عراقي
يعمل...
X