الفنان العراقي حسن حداد يعرض هجراته في معرض بعمان
"تجارب وآفاق" معرض يطرح مواضيع جديدة عما هو سائد في المنطقة العربية.
الاثنين 2024/06/10
ShareWhatsAppTwitterFacebook
أعمال تعكس وجودا يوحي بهشاشته
بغداد - على أروقة قاعة الأورفلي للفنون في العاصمة الأردنية عمان، افتتح المعرض الشخصي للفنان العراقي المغترب حسن حداد، الذي يستمر من الثاني إلى السادس عشر من يوينو الجاري تحت عنوان “تجارب وآفاق”، ويضم أكثر من ثلاثين عملا فنيا، من مختلف القياسات.
وقد حضرت المعرض نخبة من الشخصيات الفنية والأدبية العراقية والعربية البارزة، ونالت أعمال الفنان الاستحسان والإعجاب الكبيريْن بما تم عرضه من تجربة جديرة بالوقوف أمامها. واستمتع الحلضرون بعمق لتناوله وطرحه مواضيع جديدة تحمل هواجس وهموم مستترة وغير تقليدية ومختلفة عما هو سائد في المنطقة العربية.
قبل أكثر من سنتين، أرسل لي صديقي المغترب الفنان حسن حداد، مجموعة من صور أعماله، التي فاجأتني فعلا، بما تضمنته من تجربة متميزة جدا، إذ يتخذ الفنان من المدرسة السيريالية نهجا متفردا وهو يوشم موضوعاته الإنسانية فيها.
والآن معرضه الجديد، حيث كان مفاجأة لعدم نمطيته “السيريالية” الأم، أو المنبع، بل استلهم مواضيع عديدة ومختلفة، وبطريقة إخراجية معبرة ورائعة تشد المشاهد لها، لما فيها من ألغاز وأسرار السيريالية نفسها، وفق رؤيته الشخصية، عن طريق المشاهدة السطحية، وتبتعد عن هذه الرؤية في نفس الوقت لما فيها من تراكم معرفي ودراية ودربة فنيتيْن، ولونية عالية، تمنحها خصوصية كبيرة، لكنها تطرح أسئلة عن كفاح وصراع الإنسان بشكل عام والإنسان “المغترب” بشكل خاص الذي نجا من كوارث الحروب اللعينة والمتواصلة، وإفرازاتها المختلفة التي أجبرته على ترك بيئته الأولى التي كونت شخصيته ووطنه.
أعتقد أن الفنان حسن حداد لم يحول تجربته الإبداعية إلى ردة فعل أيديولوجية مباشرة على انعكاس واقع مظلم، وإنما يحاول أن يكشف عن إجابته الخاصة التي تمنحه مساحة أكبر من الحرية، ولا تصل به إلى التخلي وقطع صلته بالواقع الذي عاشه، وقد وجد الفنان في اللاعقلاني وسيلة تعبير عن عالم لا منطقي لا يشبه ما قدمه السيرياليون، من خلال أعمال تعكس وجودا يوحي بهشاشته.
في حياة الفنان هجرات متعددة وأغلبها هجرات داخلية بحثا عن الذات وهروبا من الواقع
في حياته، كما يذكر الفنان نفسه: هناك هجرات متعددة وأغلبها هجرات داخلية من أجل البحث عن الذات هروبا من الواقع الاجتماعي أو السياسي لتتوج بالهجرة الخارجية. فقد تفتحت عينه على الرسم في بداية سبعينيات القرن الماضي. حيث كان يسكن في مدينة صغيرة، لا هي قرية ولا هي مدينة، تقع ما بين العاصمتين العباسيتين، مسكونا بقيمها لكن في بداية الثمانينات أخذته بغداد (الهجرة الأولى حيث الهروب من سلطة العائلة وضيق المحيط في المدينة الأولى) لتعيد تكوينه من جديد.
ويتابع حسن حداد “أخذتني بغداد بصخب فوضاها وفيض جمالها. جعلتني أعرف نفسي تاركا غبار طفولتي، وصرت قريبا من أسماء كبيرة كنت أقرأ عنها وأشاهد صورها في المجلات. حين أصبح الرسم وسيلتي في التعبير عن أسرار علاقتي بالحياة، صرت أبحث عن وسيلة أخرى، بعد أن كان الملصق قد امتلك طريقة تفكيري بحكم نشأتي في أوج المد العقائدي الحزبي وكذلك تأثير دراستي للتصميم الطباعي”.
ويؤكد الحداد “بما أن الفن هو وجهة نظر الفنان تجاه الحياة فهو يحاول الإفصاح عنها ولذلك تعكس الأعمال الفنية شخصية الفنان الذي يبدعها. بمعنى أن كل فنان يرسم تجربته ومن خلالها. ففي أعمالي لا أصور أبطالا أو مهزومين بل أعبر عن الإنسان الناجي الذي مر بتجارب ومحن وتحمل الظروف الصعبة وهاجر إلى بيئة جديدة (هجرة خارجية) تحاول إجباره على التنازل عن بعض أشيائه، لكنه يجد طريقة للمصالحة مع واقعه الجديد لا تفقده إنسانيته. لأنه ظل يبحث عن ذاته التي ترسخ وجوده في البيئة الجديدة دون أن يفقد جذوره”.
ويتابع “هذا ينعكس في أعمالي من خلال معالجتي للعمل الفني بحيث يكون الواقع ضمن رؤيتي الفنية واقعا جماليا يدنو من الواقع وفي نفس الوقت يبتعد عنه، كي يحطم المحاكاة المفترضة بين التجربة الفنية والواقع. هذا يجعلني غير معني بإعادة تشكيل القوالب السائدة. في وعي الأفراد والجماعات الفنية. وغالبا ما أذهب بالموضوع إلى منطقة افتراضية. لقد جعلني وعي المصالحة مع الذات قادرا على الموازنة بين ما أتذكره من حياتي القديمة وما أراه في حياتي الجديدة. لذلك تمتزج محفورات الذاكرة بمرئيات الحاضر كما لو أن الحياة تجري في حلم”.
ويذكر أن الفنان حسن حداد أقام عدة معارض شخصية نذكر منها “أين يجب أن نذهب؟” في جمعية الفن في بايرويت / ألمانيا عام 2018، “التطابق مع المتغيرات” بجمعية الفن في أوتوبرون/ ألمانيا 2016، “العامل البشري”غاليري فيلي سيته مرسبورغ / ألمانيا 2014، “سمت” غاليري براند للفن المعاصر غرونينغن/ هولندا 2009 وغيرها.